الإمام الحسين في ظلال السنة(الطائفة الثانية)

وحفلت مصادر السيرة النبوية والأحاديث بحشد كبير من الأخبار التي أثرت عن النبي( ص) في حق السبطين (عليه السلام) ومدى أهميتهما ومقامهما الكريم عنده ونعرض فيما يلي لبعضها:
1- روى أبو أيوب قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين (عليهما السلام) يلعبان بين يديه (أو في حجره) فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ فقال: وكيف لا أحبهما!! وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما(22).
وقد اضفى الرسول (صلى الله عليه وآله) عليهما لقب الريحانتين في مواطن عديدة ونشير إلى بعضها:
أ- روى سعيد بن راشد قال: جاء الحسن والحسين (عليه السلام) يسعيان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه، ثم جاء الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى وقال: هذان ريحانتاي من الدنيا من حبني فليحبهما(23).
ب - قال سعد بن مالك: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين يلعبان على ظهره فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ فقال: ومالي لا أحبهما وانهما ريحانتاي من الدنيا؟ (24).
ج - روى أنس بن مالك قال: دخلت (أو ربما دخلت) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين يتقلبان على بطنه، ويقول: ريحانتي من هذه الأمة(25).
د - روى أبوبكرة قال: كان الحسن والحسين عليهما السلام يثبان على ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصلاة فيمسكهما بيده حتى يرفع صلبه، ويقومان على الأرض، فلما فرغ أجلسهما في حجره ثم قال: إن إبني هذين ريحانتاي من الدنيا(26).
هـ - روى جابر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): سلام عليك يا أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتي من الدنيا خيراً فعن قليل ينهد ركناك، والله خليفتي عليك، قال فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) قال علي (عليه السلام): هذا أحد الركنين اللذين قال النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما ماتت فاطمة (عليه السلام)، قال علي: هذا الركن الآخر الذي قال النبي (صلى الله عليه وآله) (27).
و- روى البخاري بسنده عن ابن أبي نعم قال: كنت شاهداً لابن عمرو وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي (صلى الله عليه وآله) وسمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: هما ريحانتاي من الدنيا(28).
2- روى انس بن مالك قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين، وكان يقول لفاطمة: ادعي ابني فيشمهما ويضمهما اليه(29).
3- روى ابن عباس قال: بينا نحن ذات يوم مع النبي (صلى الله عليه وآله) إذ اقلبت فاطمة (عليها السلام) تبكي فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): فداك أبوك، ما يبكيك؟ قالت: إن الحسن والحسين خرجا، ولا أدري أين باتا، فقال لها رسول (صلى الله عليه وآله): لا تبكين فإن خالقهما ألطف بهما مني ومنك، ثم رفع يديه، فقال: أللهم احفظهما وسلمهما، فهبط جبرائيل، وقال: يا محمد لا تحزن فإنهما في حظيرة بني النجار نائمان، وقد وكل الله بهما ملكاً يحفظهما، فقام النبي ومعه أصحابه حتى أتى الحظيرة فاذا الحسن والحسين (عليهما السلام) معتنقان نائمان، وإذا الملك الموكل بهما قد جعل أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما يظلهما، فأكب النبي يقبلهما حتى انتبها من نومهما، ثم جعل الحسن على عاتقه الأيمن، والحسين على عاتقه الأيسر، فتلقاه أبوبكر، وقال: يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أحمله عنك، فقال (صلى الله عليه وآله): نعم المطي مطيهما ونعم الراكبان هما وأبوهما خير منهما حتى أتى المسجد فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قدميه، وهما على عاتقيه، ثم قال:
(معاشر المسلمين، ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة؟).
فقالوا: بلى يا رسول الله.
قال (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاتم المرسلين، وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): الا أدلكم على خير الناس عماً وعمة؟!!
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال(صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): أيها الناس، ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله.
ثم قال (صلى الله عليه وآله) اللهم، انك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة، ومن أبغضهما في النار(30).
وهذا الحديث الشريف دل بوضوح على مدى حبه صلى الله عليه وآله لسبطيه، وأنهما أحب أهل بيته اليه، كما أنهما أفضل الناس نسباً وحسباً وأن من أحبهما ينزل معهم مقاماً كريماً في الفردوس.
4- روى عمر قال: رأيت الحسن والحسين (عليهما السلام) على عاتقي النبي (صلى الله عليه وآله): فقلت: نعم الفرس تحتكما، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ونعم الفارسان هما(31) وبهذا المضمون روى جابر قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله): والحسن والحسين على ظهره وهو يقول: (نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان انتما) (32) وقد نظم ذلك السيد الحميري بقوله:

أتى حسناً والحسين الرسول   وقد بــــــــرزا ضحوة يلعبان
فضمهمــــــــا وتفــــداهـــــما   وكــــــانا لديه بـــذاك المكان
ومرا وتحتهمـــــا عــــاتـــقاه   م المطـــــية والراكبــــان

5- روى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)...) (33).
6- روى سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار..) (34).
7- كان النبي (صلى الله عليه وآله): يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران وهما يمشيان، ويعثران فنزل (صلى الله عليه وآله) عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، وقال: صدق الله إذ يقول: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) لقد نظرت إلى هذين الصبيين وهما يمشيان، ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي، ورفعتهما..) (35).
8- روى يعلي بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله فضمهما وقال: (ان الولد مبخلة مجبنة..) (36).
9- قال (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين سبطان(37) من الاسباط..) (38).
10- روى أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (أحب أهل بيتي إلي الحسن والحسين..) (39).
11- روى أنس قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله) أي أهل بيتك أحب اليك؟ قال: (الحسن والحسين) وكان يقول لفاطمة: ادعي لي ابنيّ فيشمهما ويضمهما إليه..) (40)
12- قال (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين امامان إن قاما وإن قعدا..) (41).
لقد أضفى النبي (صلى الله عليه وآله) على ريحانتيه حلة الإمامة، وجعلها من ذاتياتهما سواء أقاما بالأمر، وتقلدا شؤون الخلافة أم لا.

 

الولاء العميق:

وذكر الرواة بوادر كثيرة تدل على مدى تعلق النبي (صلى الله عليه وآله) بسبطيه وشدة حبه لهما، وفيما يلي بعضها:
1- إنه كان إذا غاب عنه الحسن والحسين اشتد شوقه إليهما، وأمر بمن يدعوهما إليه فيأخذهما، ويشمهما، ويضمهما إلى صدره(42).
2- قال عبد الله بن جعفر: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اذا قفل من سفر تلقى بي أو بالحسن أو بالحسين(43).
3- وبلغ من حبه (صلى الله عليه وآله) لسبطيه أنه قبل بيعتهما له ضمن الثلاثة الصغار الذين بايعوه من أهل البيت، هما مع ابن عمهما عبد الله بن جعفر ولم يبايع صغيراً قط إلا هم(44).
4- وكان (صلى الله عليه وآله) يحملهما على دابته فيجعل أحدهما قدامه والآخر خلفه.. (45).
5- وبلغ من حنانه (صلى الله عليه وآله) وعطفه على سبطيه أنه كان يصلي العشاء فاذا سجد وثبا على ظهره، فاذا رفع رأسه أخذهما أخذاً رقيقاً فيضعهما على الأرض فاذا عاد، عادا، حتى اذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه.. (46).
لقد أولى النبي (صلى الله عليه وآله) سبطيه رعايته ومحبته ليري المسلمين مدى مكانتهما عنده حتى تخفض لهما جناح المودة، وتقلدهما قيادتها الروحية والزمنية ليسيرا بها إلى مدارج الحياة الكريمة التي يجد فيها الإنسان جميع ما يصبو اليه.

__________________________________________
22- مجمع الزوائد ج 9 ص 181، ورواه الذهبي في سير أعلان النبلاء ج 2 ص 189 مع تغيير يسير، مختصر صفة الصفوة ص 62 تاريخ ابن عساكر ج 13 ص 39.
23- ذخائر العقبى ص 124.
24- كنز العمال ج 7 ص 110.
25- خصائص النسائي ص 37 وفي مسند الإمام زيد ص 469 الولد ريحانة، وريحانتي الحسن والحسين.
26- كنز العمال ج ص 109.
27- حلية الأولياء ج 3 ص 201.
28- صحيح البخاري كتاب الأدب، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 183.
29- صحيح الترمذي ج 2 ص 306، فيض القدير ج 1 ص 148.
30- ذخائر العقبى ص 130.
31- مجمع الزوائد ج 9 ص 182، كنز العمال ج 7 ص 108.
32- كنز العمال ج 7 ص 108، مجمع الزوائد ج 9 ص 182.
33- صحيح الترمذي ج 2 ص 306، مختصر صفة الصفوة ص 62 مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 62، حلية الأولياء ج 5 ص 71، تاريخ بغداد ج 9 ص 231، ورواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 167 بسنده عن ابن عمر قال صلى الله عليه وآله: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما) وبهذا النص ورد في مسند الإمام زيد: وفي الاصابة ج 1 ص 266 روى جهم قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (إن حسناً وحسيناً سيدا شباب أهل الجنة) وفي كنز العمال ج 6 ص 221 الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني وفي الجامع الكبير للسيوطي عن ابن عساكر بسنده عن حذيفة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أتاني ملك فسلم علي نزل من السماء لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة..).
34- مستدرك الحاكم ج 3 ص 166، وبتغيير يسير رواه الهيثمي في مجمعة ج 9 ص 111، وكذلك رواه المتقي في كنز العمال ج 6 ص 221، وفي سنن ابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني) وفي تهذيب التهذيب في ترجمة نصر بن علي الأزدي روى علي بن الصواف عن عبد الله بن أحمد أن نصراً حدث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين فقال: (من أحبنى وأحب هذين وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة) فلما سمع ذلك المتوكل أمر بضربه ألف سوط، فكلمه فيه جعفر ابن عبد الواحد، وجعل يقول له: هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتى تركه.
35- صحيح الترمذي ج 2 ص 306، صحيح النسائي ج 1 ص 201، مستدرك الحاكم ج 1 ص 287، صحيح أبي داود ج 6 ص 110، مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 354، سنن البيهقي ج 3 ص 218، أسد الغابة ج 2 ص 12، كنز العمال ج 7 ص 168، سنن النسائي ج 3 ص 108.
36- مستدرك الحاكم ج3 ص 168، مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 172، ومعنى الحديث أن الولد يحمل أباه على البخل والجبن.
37- السبطان: تثنية سبط، وفي لسان العرب ج 9 ص 181 أن السبط أمة من الأمم في الخير.
38- كنز العمال ج 6 ص 221، الصواعق المحرقة ص 114، الأدب المفرد، وفي صبح الأعشى ج 1 ص 43 أن الحسن والحسين (عليه السلام) أول من سميا بالسبطين في الإسلام.
39- صحيح الترمذي.
40- تيسير الوصول لابن الديبغ ج 3 ص 76.
41- بحار الأنوار ج 1 ص 78، وفي نزهة المجالس ج 2 ص 184 أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال للحسن والحسين: (أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة) وورد هذا الحديث في الاتحاف بحب الأشراف ص 129.
42- صحيح الترمذي.
43- سنن الدارمي ج 2 ص 285.
44- العقد الفريد ج 2 ص 243.
45- صحيح مسلم ج 5 ص 191.
46- مسند الإمام أحمد.