اربعين الحسيني

(الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام علی محمد و آله الطيبين الطاهرين)

كل منا يعرف ان السنة تتكون من ايام لها اسمائها و اوصافها و اوقاتها لا تختلف عن بعضها البعض في تلك الميزات ولكن تبرز منها ايام و قد تميزت عن الباقي لوقوع حدث فيها سواء كان هذا الحدث ذا ميزة حسنة فانه يضفي عليها ما يحمله فتكون لها وقع في نفوس الناس بالانجذاب اليها و تقديسها كما هو المتعارف بين الامم فاذا مثلا مات رئيس دولة في يوم من الايام فانه يقدس ذلك اليوم و تجری فيه الطقوس والمراسيم و غيرها، او تكون تلك الميزة سيئة فيكون قد اضفي عليها تلك الميزة السيئة و يكون لها وقع ايضا في نفوس الناس بالابتعاد عنها و ابراز التنفر و هذا ما تسمعه من تسمية بعض الايام بانه يوم نحس فاذا حدث موت عزيز في يوم من الايام فان اصحاب ذلك الميت يطلقون علی ذلك اليوم بالنحس.
فيوم الاربعين واحد من تلك الايام الذي قد تميز علی مر السنين و الايام بانه يوم يقيم الناس المآتم و المراسيم فيه بذكری من مات من احبتهم و اعزتهم و اجراء العزاء و اعطاء الطعام و اظهار الحزن المعبر عن الشوق و شد الفراق و الحنين لذلك الميت و خصوصا اذا كان الميت له شخصيته و مكانته في المجتمع حيث كانت له اخلاق حميدة و صفات جيدة و مكانته العلمية المتميزة فيكون الحزن و العزاء مقارنا و ملائما لمكانة و هيبة تلك الشخصية.
فكيف يكون يوم الاربعين اذا كان اربعينا لشخصية عظيمة قد شق اسمها من اسم الله تبارك و تعالی و قال في حقها رسول الله (صلي الله عليه و آله) «حسين مني و انا من حسين احب الله من احب حسينا» و قال الامام الصادق (ع) في حقه «كلنا سفن النجاة ولكن سفينة جدي الحسين اوسع و اسرع» و هكذا بقية الائمة (عليهم السلام) قالو في حقه.
فمثل هكذا اربعين بعد ان نال شرف حمل اسم الحسين (ع) حيث تحول من يوم يذكر الناس فيه امواتهم الي يوم له اثره و رونقه الخاص فصار منبعا للثواب الجزيل و الخير الكثير و التقرب الی الله تعالي فيه بالزيارة و الاعمال المستحبة، و ان الائمة (عليهم السلام) قد جعلوا هذا اليوم من علامات الايمان حيث قال ابو محمد الحسن العسكري (ع) «علامات المؤمن خمس: صلاة احدی و خمسين و زيارة الاربعين و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم و التختم باليمين و تعفير الجبين» ومن ناحية جعله عبرة للمؤمنين حيث ورد عن ابي ذر الغفاري و ابن عباس عن النبي (صلي الله عليه و آله) «ان الارض لتبكي علی المؤمن اربعين صباحا» و عن زرارة عن أبي عبدالله (ع) انه قال «ان السماء بكت علی الحسين (ع) اربعين صباحا بالدم و الارض بكت عليه اربعين صباحا بالسواد و الشمس بكت عليه اربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و الملائكة بكت عليه اربعين صباحا و ما اختضبت امراة منا و لا ادهنت و لا اكتحلت و لا رجلت حتي اتانا رأس عبيدالله بن زياد و مازلنا في عبرة من بعده.
فيوم الاربعين هو يوم رجوع حرم الحسين (ع) من الشام الی مدينة رسول (ص) و هو اليوم الذي و رد فيه الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري و كان اول من زار الحسين (ع) من الناس فكانت زيارة الحسين يوم الاربعين عادة الشيعة قد اورثوها ابا عن جد فيذهبون الی قبر الحسين (ع) مشيا تارة و اخری راكبا ليتزودوا منه المعنوية و غفران الذنوب و كشف الهموم و استجابة الدعاء و ذلك لان الحسين (ع) قد اعطي ثلاث لم يعط احد غيره منها.
الا و هي استجابة الدعاء تحت قبته و الشفاء في تربته و الائمة (ع) من ذريته فهذه اصبحت سنة‌عند شيعة اهل البيت (عليهم السلام) و اراد الطغاة ان يمحوا هذه السنة بشتی السبل بواسطة القتل و قطع الايدي و الارجل و اخذ الاموال و الذهب ثمنا لزيارة الحسين (ع) و كذلك عمدوا الي تشويش الافكار و خلق البدع و تحريف الاحاديث التی جاءت في فضل هذه الزيارة فمثلا قالوا ان المقصود من زيارة الاربعين هو زيارة اربعين مؤمن غافلين ان هذا هو خلاف الذوق السليم مع خلوه من القرينة الدالة عليه و لو كان الغرض هو الارشاد لزيارة اربعين مؤمنا لقال الامام (ع) (زيارة الاربعين) فمجيء الامام بالالف و اللام العهدية دلالة علی ان زيارة الاربعين من سنخ الامثلة التي هي علامات الايمان و المولاة للائمة الاثني عشر (عليهم السلام) و هكذا دأب الطغاة والظلمة الی تحريف عقائد الناس باهل البيت (عليهم السلام) و اطفاء نورهم ولكن يأبی الله الا ان يتم نوره و لو كره الكافرون) هذا من جهة، و جهة اخری بما ان الائمة هم نفس واحدة طاهرة و هي نفس رسول الله (ص)كما في الآية الشريفة (و انفسنا و انفسكم) حيث دلت الروايات من العامة و الخاصة ان هذه الايه نزلت في علي بن ابي طالب (ع) و الحديث الشريف (اولنا محمد و آخرنا محمد و اوسطنا محمد كلنا محمد) فالاية و الرواية تدل علی ان الائمة هم نفس واحدة طاهرة ومن هذا تكون زيارة الاربعين زيارة لجميع الائمة (عليهم السلام) في شهادتهم لانهم جميعا قد قدموا انفسهم لدين الله سبحانه و تعالی و ضحوا لاجل احياء معالمه و شعائره كما اشارة ابو محمد الحسن المجتبی (ع) «ان هذه الامر يملكه منّا اثنا عشر اماما ما منهم الا مقتول او مسموم» فالواجب اقامة‌المآتم في يوم الاربعين من شهادة كل واحد منهم (عليهم السلام) فحديث الامام العسكري (ع) لم تكن فيه قرينة لفظية تشير الی ان هذه الجملة (زيارة الاربعين) منصرفة فقط الی زيارة الامام الحسين (ع) الا ان القرينة الحالية الزمت العلماء الاعلام بصرف هذه الزيارة الي الامام الحسين (ع) و ذلك لان قضية الامام الحسين (ع) قد ميزت بين دعوة الحق و الباطل و لذا قيل ان الاسلام بدؤه محمدي و بقاؤه حسيني و لذلك لحديث رسول الله (ص) «حسين مني و انا من حسين» ‌يشير لتلك الحقيقة.
اذن يوم الاربعين انما كانت له تلك الذكری و العظمة علی مر التاريخ من تلك الشهادة للامام الحسين (ع) خصوصا و الائمة (عليهم السلام) عموما و إنّما كان مصداقه الامثل هو شهادة الامام الحسين (ع) يوم عاشوراء و شهادة اهل بيته و اصحابه و سبي نساءه لكي تكون راية الحق عالية و راية الباطل في اسفل السافلين و لكي تكون احكام الله سبحانه و تعالی هي الحاكم علی تصرفات المجتمع البشري باجمعه.
والحمدلله رب العالمين