الشيبانيّون من أصحاب الحسين (عليه السّلام)

بنو شيبان أحد أشهر بطون قبيلة بكر بن وائل الربيعيّة ، ويرجع نسب هذه القبيلة إلى شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل .
وكانت هذه القبيلة تسكن في بادية السماوة وذي قار ، وقد عُرف أبناء هذه القبيلة العربيّة بالنجدة والبأس في الحروب .
وبنو شيبان من جملة القبائل التي عرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نفسه عليهم , وطلب منهم أن يؤووه وينصروه ، وذلك قبل هجرته إلى المدينة .
ومن الطبيعي أنه (صلّى الله عليه وآله) لم يكن ليطلب النصرة والإيواء من أي قبيلة كانت ما لم تكن لها خصائص ومميزات ، ومؤهلة لاحتضان القيادة الإلهيّة والدفاع عنها وعن القيم التي يدعو إليها .
فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال : (( لمّا اُمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يعرض نفسه على القبائل إذا حضرت الموسم خرج لذلك ، وأمرني فخرجت معه ، وخرج معنا أبو بكر , وكان رجلاً نسَّابة ، فدفعنا إلى قوم , فوقف أبو بكر عليهم ...
قال : ثم دفعنا ـ أبو بكر ـ إلى مجلس آخر عليه الوقار والسكينة ، فتقدم أبو بكر فسلّم فردُّوا عليه السلام ، فقال : ممّن القوم ؟
فقالوا : من شيبان من ربيعة .
فالتفت أبو بكر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال : بأبي واُمّي أنت ! ليس بعد هؤلاء عزٌّ في قومهم .
وكان في القوم مفروق بن عمرو ، وهانئ بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك ...
فقال أبو بكر لمفروق : كم فيكم العدد ؟
قال : إنّا لنزيد على ألف ، ولن تُغلب ألف من قلة .
قال : كيف المنعة فيكم ؟
قال : علينا الجهد ولكلِّ قوم جد .
قال : فكيف الحرب بينكم وبين عدوّكم ؟
قال : إنّا أشد ما يكون حين نغضب ، وأشد ما يكون غضباً حين التلقّي ، وإنّا لنؤثر جيادنا على أولادنا ، والسلاح على اللقاح ، والنصر من عند الله (عزّ وجلّ) ...
ثمّ قال : لعلك أخو قريش ؟
قال : إن كان بلغكم أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فهو هذا . وأشار إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) .
قال مفروق : قد بلغنا أنه يقول ذلك .
وأقبل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال : ما تدعونا إليه يا أخا قريش ؟
فقال (صلّى الله عليه وآله) : أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّي محمّد رسول الله , تؤوني وتنصروني ؛ فإن قريشاً قد تظاهرت على أمر الله (عزّ وجلّ) , وكذّبت رسوله ، واستغنت بالباطل عن الحق إلاّ مَن عصم الله (عزّ وجلّ) منها ووفّقه لدينه , والله غني حميد .
قال : وإلى ما تدعونا أيضاً ؟
فتلا (صلّى الله عليه وآله) عليهم قوله تعالى : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... إلى قوله : ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ(1) .
قال : وإلى ما تدعونا أيضاً ؟
فتلا عليهم : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ...(2) .
فقال مفروق بن عمرو : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم ظاهروا عليك وكذّبوك ...
ثمّ قال : وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا .
فقال هانئ : يا أخا قريش , قد سمعنا مقالتك ، وإنّا لنرى ترك ديننا والانتقال إلى دينك في مجلس نجلسه ، ولم ننظر فيه ، ولم نرتئي في عاقبة ما تدعو إليه ؛ لزلة في الرأي ، أو عجال في النظر , والزلة تكون مع العجلة .
وإنّ من ورائنا قوماً يكرهون أن نعقد عليهم عقداً ، ولكن نرجع وترجع , وننظر وتنظر ...
وهذا المثنى بن حارثة , وهو شيخنا وكبيرنا وصاحب حربنا .
فقال المثنى : يا أخا قريش ، قد سمعت مقالتك ؛ فأمّا الجواب في ترك ديننا واتّباعنا إيّاك على دينك فهو جواب هانئ ؛ وأمّا الجواب في أن نؤويك وننصرك فإنّا نزلنا بين صيرين(3) : اليمامة والسماوة .
فقال (صلّى الله عليه وآله) : ما هذان الصيران ؟
قال : مياه العرب وأنهار كسرى ؛ فأمّا ما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور ، وعذره مقبول ، وأمّا ما كان يلي أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور ، وعذره غير مقبول .
وإنّما نزلنا هناك على عهد أخذه علينا كسرى على أن لا نحدث حدثاً ، ولا نأوي محدثاً ، ولسنا نأمن أن يكون هذا الأمر الذي تدعو إليه ممّا تكره الملوك ؛ فإن أحببت أن نؤويك وننصرك ممّا يلي مياه العرب آويناك ونصرناك .
فقال (صلّى الله عليه وآله) : ما أسأتم في الرد إذ فصحتم بالصدق ، وليس يقوم بدين الله إلاّ مَن أحاطه من جميع جوانبه . أرأيتم إن لم تلبثوا إلاّ يسيراً حتّى يمنحكم الله (عزّ وجلّ) أموالهم ، ويورثكم ديارهم ، ويفرشكم نساءهم ، أتسبّحون الله تعالى وتقدّسونه ؟
فقال النعمان بن شريك : اللهمَّ لك ذلك ))(4) .
وفي هذه الروايّة ثمة ومضات جديرة بالوقوف عندها ؛ لأنها مكرمات لهذه القبيلة العريقة :
منها : أنّ اختيار النبي (صلّى الله عليه وآله) لهم وعرض نفسه عليهم لَهي مكرمة لهم وشرف عظيم .
ومنها : أنهم لم يردُّوا النبي (صلّى الله عليه وآله) في طلبه ، لكنهم شرحوا له الظروف التي تحيط بهم ، وأشاروا عليه بما يرونه صالحاً لشأنه ، وهو إيواؤه في جهة العرب لا جهة كسرى .
ومنها : أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أعطى صفة الصدق لكلامهم مع أنهم كانوا على عهد الجاهليّة ، وهذا دليل التزامهم بالقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة النبيلة حتّى قبل إسلامهم .
ومنها : أنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وصف مجلس بني شيبان أنه كانت تعلوه السكينة والوقار ، وذلك يعني أن القوم كانوا من ذوي الأحلام ، والاحترام للذات وللآخرين .
وشهد الشيبانيون معركة الجمل وصفّين مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) , وأبلوا في المعركتين بلاءً حسناً حتّى أشاد الإمام (عليه السّلام) بجدِّهم ومثابرتهم في المعركة حين سُئل (عليه السّلام) : أيُّ القبائل وجدت أشدُّ حرباً بصفّين ؟
فقال (عليه السّلام) : (( الشعر الأذرع من همدان ، والزرق العيون من شيبان ))(5) .
إلاّ أنّ مشاركتهم في وقعة الطفِّ كانت قليلة نسبياً ؛ إذ لم يحضر الحسين (عليه السّلام) منهم سوى اثنين ، ولعل السبب في ذلك يعود لبُعد منازلهم عن الكوفة وكربلاء آنذاك .
وشهداء بني شيبان هم :

 

1 ـ حنظلة بن عمرو الشيباني

أحد الشهداء الذين قُتلوا في الحملة الاُولى يوم العاشر من المحرم مع الإمام الحسين (عليه السّلام) .
واحتمل السيد الخوئي أن يكون متّحدا مع حنظلة بن أسعد الشبامي(6) ، لكن الشيخ محمّد مهدي شمس الدين احتمل أن يكونا شخصين ، واستدل على ذلك أنّ الشبامي قُتل مبارزة , فالتصحيف بينهما بعيد(7) .

 

2 ـ جبلَّة بن علي

من الشهداء الذين استشهدوا في الحملة الاُولى يوم العاشر من المحرم ، وشهد قبل ذلك صفّين مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) .
وكان في الكوفة , واشترك في حركة مسلم بن عقيل (عليه السّلام) , فلمّا رأى خذلان أهل الكوفة لمسلم اختفى عن الأنظار , ثمّ التحق بالحسين (عليه السّلام) وقاتل حتّى فاز بالشهادة ، وكان معدوداً من الشجعان(8) .
 
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين
-------------------------------

(1) سورة الأحزاب / 46 .
(2) سورة الحجرات / 1 .
(3) الصير : الشق .
(4) شرح الأخبار ـ القاضي نعمان بن محمد التميمي المغربي 2 / 387 .
(5) أنساب الأشراف ـ أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري / 167 .
(6) معجم رجال الحديث ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي 7 / 321 .
(7) أنصار الحسين ـ الشيخ محمّد مهدي شمس الدين / 116 .
(8) انظر مستدركات علم رجال الحديث ـ الشيخ علي النمازي 2 / 117 .