حكمة الإمامة في الذرية

وتشريف وفضل ونعمة أنعم بها الله تعالى على أنبياءه ، بل أن وراء ذلك أمورا أخرى ، يمكن أن نلاحظها عندما نريد أن ندرس هذه الظاهرة ؟ وهي أمور ذات أبعاد : غيبية ، وتاريخية ، ورسالية ، وإنسانية .

وهذه الأبعاد التي يمكن أن نلاحظها من خلال دراستنا للقرآن الكريم ومراجعتنا ومطالعتنا للرسالة الإسلامية قد تفسر النقطتين السابقتين ، ببيان الحكمة في هذا التكريم الإلهي وهذا الاتجاه الفطري في الإنسان الذي تحول إلى سنة في مسيرة الأنبياء ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

 

البعد الغيبي

أما ما يتعلق بموضوع البعد الغيبي ، فهنا نلاحظ أن الله تعالى خلق الإنسان بصورة وحقيقة ميزه فيها على بقية المخلوقات ، وجاء التعبير عن ذلك بالنفخ فيه من روح الله ، قال تعالى : ( ثم سوه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) ( 1 ) فالانسان ليس موجودا ماديا متمحضا في الجانب المادي فقط ، وإنما فيه عنصر غيبي ، وهذا العنصر الغيبي امتياز ، شاء الله تعالى أن يتعامل معه – أيضا – من خلال الغيب ، بمعنى أن هناك الكثير من الأسرار في حركة الإنسان وحركة التاريخ الإنساني ترتبط بالغيب ، ولم يشأ الله تعالى أن يكشف هذه الأسرار للإنسان في هذا العالم ، ولكن قد يكون لهذه الأسرار أثر في تكامل حركة الإنسان في حياته الدنيوية التي لها ارتباط – أيضا – بالغيب في هذا العالم المشهود ، وكذلك التكامل في حياته الأخروية ، لأن الحياة المادية الدنيوية لهذا الإنسان هي حياة محدودة ، والحياة الحقيقية – كما يعبر القرآن الكريم – إنما هي الحياة الآخرة ، ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) ( 2 ) وهي الحياة الممتدة الطويلة الأبدية الخالدة ، وهذه الحياة الحقيقية هي حياة غيبية .

فهناك الكثير من الأسرار ذات العلاقة بالإنسان ، وحياة هذا الإنسان لم تكشف لهذا الإنسان ، ولها تأثير في حياته في العالم الآخرة ، بل ومن خلال حركة الإنسان – أيضا – في هذه الدنيا .

وهذا الأمر لا بد أن نؤكد عليه دائما في تفسير الكثير من الظواهر الإنسانية ، فإنه لا يمكن أن نفسر الظواهر الإنسانية بالتفسيرات المادية فقط ، لوجود الجانب الغيبي في الإنسان ، ومن ثم فلا بد أن نفترض وجود جانب من التفسير يرتبط بهذا الغيب .

وهذا الأمر ليس مجرد فرضية واحتمال عقلي ، وإنما يمكن أن نجد له شواهد من القرآن الكريم – أيضا – فقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الجانب الغيبي في الإنسان وحركته التكاملية – كما ذكرنا – ومن ثم فيمكن أن نفترض في أهل البيت عليهم السلام – كما ورد في النصوص والروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل البيت عليهم السلام – وجود أسرار غيبية ترتبط بجعل الإمامة بأهل البيت عليهم السلام ، لها تأثير في حركة الإنسان وتكامل هذه الحركة .

أما الشواهد القرآنية التي تتحدث عن ارتباط الحركة التكاملية للإنسان بالغيب ، فهو ما نلاحظه في مجموعة من المؤشرات :

الأول : ما ذكرناه من أن الله تعالى خص الإنسان من دون جميع الكائنات بهذا الوصف الخاص وهو أنه نفخ فيه من روحه .

إذن ، فهذا الإنسان موجود ومخلوق يختلف عن بقية الكائنات التي لم توصف بمثل هذا الوصف ، وترتبط بالله تعالى هذا الربط في جانب الخلقة .

الثاني : ما يشير إليه القرآن الكريم في مجال خلق الإنسان من أن الله تعالى عندما خلق الإنسان ، أخذ عليه عهودا ومواثيق في عالم الغيب ، وليس في عالم الشهود والعالم المادي ، كما يبدو ذلك من القرآن الكريم ، قال تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين ) ( 3 ) يعني أن الله تعالى انتزع من ظهور هؤلاء الناس ذريات ، ثم بعد ذلك أشهدهم على حقيقة من الحقائق الرئيسية في الكون والحياة وهي ( الربوبية ) .

وهذه الشهادة ، لا ندركها الآن كأفراد نعيش الحالة المادية ، فلا ندرك ونتذكر هذا الجانب من الشهادة والعهد والميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على بني آدم في ذرياتهم ، وشهدوا واعترفوا بذلك ، وأنه سوف يحاسبهم الله تعالى في يوم القيامة – أيضا – على هذه الشهادة ، لئلا يقول الإنسان في يوم القيامة إني كنت غافلا عن ذلك ، فتكون الحجة لله .

نحن الآن لا ندرك ذلك بصورة مشهودة ، فهو أمر غيبي في خلق الإنسان ، نعم قد ندرك بفطرتنا وبوجداننا هذه الحقيقة المعبرة عن هذا الجانب الغيبي وهذا الاعتراف بالحقيقة الإلهية ، عندما تكون الفطرة سليمة ، ولكن هذا المشهد الذي يشير إليه القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة لا نحس به في حالتنا المادية – وإن كنا ندرك الحقيقة في وجداننا وفطرتنا ، من خلال إيماننا بالله تعالى والاعتراف بالربوبية له تعالى – وإنما هو مشهد غيبي يتحدث عنه القرآن الكريم في أصل خلق الإنسان ، ومن ثم فهناك عنصر غيبي يتحكم في هذا الجانب .

الثالث : والذي يمكن أن نستنبطه من القرآن الكريم – أيضا – هو حديث القرآن الكريم الواسع والكثير ، الذي يمتد في عدد كبير من الآيات والمناسبات والآفاق حول ( الاصطفاء ) و ( الاجتباء ) في حركة التاريخ .

القرآن الكريم في آيات كثيرة ومنها قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العلمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) ( 4 ) يتحدث عن ظاهرة الاصطفاء كظاهرة غيبية ، وقضية من القضايا الإلهية الغيبية التي لا تخضع للتفسيرات المادية سارية – أيضا – في حركة التاريخ ، اصطفى الله تعالى آدم اصطفاءا خاصا ، واصطفى نوحا ، ثم اصطفى إبراهيم وآل إبراهيم ، ثم اصطفى عمران وآل عمران ، وكذلك أكد القرآن الكريم أن هذا الاصطفاء ليس أمرا واقفا على هذه الأسماء وهذه الجماعات ، وإنما هي قضية ذات امتداد في الذرية ، ذرية بعضها من بعض ، يعني حركة تاريخية تتحرك في التاريخ الإنساني ، يمكن أن نسميها حركة الاصطفاء ، وكذلك قد تكون حركة في الأسرة أو في الجماعة والأمة .

إذن ، فلماذا لا يمكن أن نفترض وجود هذه الحركة وهذا العامل الغيبي في اصطفاء الله تعالى لآل محمد صلى الله عليه وآله ، وهو – أيضا – ما يشير إليه القرآن الكريم في مثل قوله تعالى : ( . . . إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 5 ) ويتم تأكيد ذلك – أيضا – في آية المباهلة وغيرها .

إذن ، فيمكن أن يكون هذا سرا من الأسرار الإلهية الغيبية التي لها دلالات معروفة – كما سوف نشير إلى بعضها – ولكن لها – أيضا – دلالات وآثار في حركة التاريخ ، وتكامل الإنسان الدنيوي لا نعرفها في فهمنا المادي المحدود لحركة التاريخ ، ويكون لها – أيضا – أبعاد في مستقبل حياة الإنسان الأخروية .

 

البعد التاريخي

البعد الثاني : البعد التاريخي ، وقد أشار الشهيد الصدر قدس سره – في ما كتبه حول خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء – إلى هذا البعد التاريخي ، إذ يذكر إننا نلاحظ في تاريخ الأنبياء والرسالات الإلهية أن الله تعالى اختار الأوصياء والقادة – كما يعبر الشهيد الصدر قدس سره – من أولئك الأقربين للأنبياء من أقاربهم أو ذرياتهم ، وهذا نص كلامه : ( في تاريخ العمل الرباني على الأرض نلاحظ أن الوصاية كانت تعطى غالبا لأشخاص يرتبطون بالرسول القائد ارتباطا نسبيا أو لذريته ( 6 ) وهذه الظاهرة لم تتفق في أوصياء النبي محمد صلى الله عليه وآله فحسب ، وإنما هي ظاهرة تاريخية اتفقت في أوصياء عدد كبير من الرسل ويشير الشهيد الصدر قدس سره كشاهد على هذه الحقيقة إلى الآيات القرآنية ، كقوله تعالى :

( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتب . . . ) ( 7 ) وكذلك قوله تعالى : في الآيات السابقة 38 – 78 من سورة الأنعام .

إذن ، فهذه ظاهرة تاريخية ، ومن ثم فقد طبقت – أيضا – على رسالة النبي صلى الله عليه وآله ، باعتبار أن الرسالة الخاتمة وإن كانت هي رسالة كاملة وبكمالها تتميز على الرسالات السابقة ، ولكن هذه الرسالة الخاتمة هي في الحقيقة امتداد لتلك الرسالات الإلهية ، والنبي صلى الله عليه وآله جاء من أجل أن يصدق تلك الرسالات ، ثم يهيمن عليها ، وقد ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله ما يؤكد ذلك ، وأن ما تشهده هذه الرسالة الخاتمة يتطابق تماما مع ما شهدته الرسالات السابقة حتى جاء التعبير في مقام التطبيق الكامل قوله صلى الله عليه وآله : ( لتركبن سنة من كانت قبلكم حذو النعل بالنعل . . . ) ( 8 ) إذن ، فإذا كانت هذه الظاهرة هي ظاهرة تاريخية في الرسالات الإلهية ، وهو أن تكون الوصاية في أقرباء النبي القائد ، فلماذا تختلف الرسالة الإسلامية – بعد فرض ضرورة الإمامة واستمرارها – عن هذه الظاهرة التاريخية التي هي موجودة في كل الرسالات الإلهية ؟ !

ولكن هذه الظاهرة التاريخية تحتاج إلى تفسير تاريخي ، ولعل ذلك – والله العالم – لأحد أمرين :

 

الجذر التاريخي ودوره

الأمر الأول : أن الوصي والإمام عندما يكون له هذا الجذر التاريخي والارتباط النسبي بالرسالة ، يكون إحساسه بالانتماء إليها وشعوره بالمسؤولية تجاهها ، متجذرا بدرجة عالية جدا ، وذلك حينما يرى في نفسه فرعا من شجرة طيبة أصيلة ، تمتد في جذورها الرسالية عبر القرون في التاريخ الرسالي والإنساني ، وتمده بالعزم والإرادة والصبر والصمود والقدرة على تحمل المحن والآلام والشدائد والانتصارات والتقدم والبركة الإلهية التي شهدتها هذه الشجرة الطيبة في تاريخها .

ويؤكد هذا التفسير عدة مؤشرات ، يمكن أن نلاحظها في القرآن الكريم :

الأول : تأكيد القرآن الكريم على الجذر التاريخي للرسالة الإسلامية ، مع أن الرسالة الإسلامية هي أفضل الرسالات الإلهية ، وهي الرسالة المهيمنة عليها – كما ذكرنا – وهي الرسالة الخاتمة ، ورسولها أفضل الأنبياء على الإطلاق ، ومع ذلك كله كان القرآن الكريم يؤكد على هذا الجذر التاريخي والانتماء للأنبياء السابقين ، ولا سيما إبراهيم عليه السلام الذي ينسب إليه القرآن الكريم الإسلام في مواضع عديدة ، منها قوله تعالى : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العلمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يبني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها وحدا ونحن له مسلمون ) ( 9 ) بل أن إبراهيم عليه السلام هو الذي سمى الأمة الخاتمة بهذا الاسم منذ البداية ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : ( وجهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) ( 10 )

الثاني : ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) ( 11 ) فقد ذكرنا سابقا أن وجود رسول الله كان بدعوة من إبراهيم عليه السلام ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفتخر بأنه كان دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام .

الثالث : ذكر القرآن الكريم لقصص الأنبياء وتأكيده أن أحد الأهداف لذلك هو تثبيت النبي ، وطلب الصبر والثبات منه تأسيا بالأنبياء السابقين ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل . . . ) ( 12 ) الأمر الثاني : أن سنة الله في التاريخ تكامل الرسالات الإلهية تدريجيا ، وهي تمر عبر الرسالات المتعددة التي يكمل بعضها بعضا ، كذلك الحال في تكامل الرسل والأنبياء والمرسلين ، فإنها يمكن أن تكون – أيضا والله العالم – سنة تمر عبر التكامل في الجذر التاريخي للحركة الوراثية للنبي والاستمرار في الذرية وأهل البيت .

وهذه السنة هي سنة قائمة في كثير من مظاهر الطبيعة مخلوقاته عز وجل ، فالشجرة الطيبة القوية المثمرة هي الشجرة ضاربة الجذور في الأرض ، بخلاف الشجرة الخبيثة .

وكذلك الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي ضربها الله مثلا لها ، فإنها هي التي تكون لها أصول وجذور .

قال تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) ، وهذا بخلاف الكلمة الخبيثة ، فهي كالشجرة الخبيثة ، قال تعالى : ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) ( 13 ).

 

البعد الرسالي

البعد الثالث : البعد الرسالي ، وما يترتب على ذلك من تحقيق مصالح الرسالة وإعداد

الأفراد لمهماتها ومسؤولياتها ، وتحمل أعبائها الثقيلة .

فقد عرفنا في جواب السؤال الأول أن عمر الرسول – عادة – يكون أقصر من عمر الرسالة وأعبائها ومهماتها ، وهذا ما شاهدناه – أيضا – في الرسالة الإسلامية ، فقد كان عمر رسول الله صلى الله عليه وآله محدودا بالنسبة إلى أعبائها ومهماتها ، حيث توفي رسول الله بعد مضي ثلاث وعشرين سنة من البعثة الشريفة ، وبالرغم من الجهود المضنية التي بذلها ، والإنجازات العظيمة التي حققها في هذه المدة القصيرة ، فقد بقيت أعباء الرسالة الإسلامية العالمية قائمة وموجودة إلى حد كبير في مجال التفهيم والتوضيح وفي مجال التطبيق والتنفيذ ، حيث لم تتجاوز المساحة التي انتشر فيها الإسلام الجزيرة العربية ، من حيث الحركة والقدرة والسيطرة ، وإن كان قد خاطب رسول الله بها الأقوام المجاورين للجزيرة ، أو دخل في بعض المعارك العسكرية معهم .

بل كانت بعض الجيوب والمناطق في الجزيرة العربية نفسها لا زالت غير مستكملة في التفاعل مع الرسالة الإسلامية ، كما يشير القرآن الكريم إلى ذلك في الحديث عمن يطلق عليهم اسم الأعراب ، من أولئك الناس الذين كانوا يعيشون في البوادي ولم يتعلموا الإسلام أو يتخلقوا بأخلاقه .

أو المؤلفة قلوبهم من ضعفاء الإيمان والاعتقاد من العرب الجاهليين الذين استسلموا للواقع السياسي والاجتماعي للهيمنة الإسلامية والنصر الإلهي ، فأعلنوا دخولهم في الإسلام ، وإن لم يبلغ الإيمان قلوبهم .

أو أولئك المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، ولكن أضمروا الكفر والعصيان والتمرد ، ويشير القرآن الكريم إلى هذه النماذج في كثير من الموارد ، ومنها في سورة التوبة والحجرات والمنافقين .

وأفضل شاهد على هذه الحقيقة السياسية والاجتماعية هو ما شاهده المسلمون من حركة الارتداد بعد وفاة رسول الله مباشرة في بعض مناطق الجزيرة العربية ، أو مواقف بعض الأشخاص والجماعات السلبية من أهل بيته .

وإذا كان الوضع الثقافي والسياسي في الجزيرة العربية بهذه الصورة ، فكيف الحال في خارجها ، ومع هذا الوضع لا يمكن أن نفترض بأن مهمات الرسالة قد انتهت بنهاية عمر الرسول صلى الله عليه وآله ، وإكمال عملية البلاغ العام .

نعم يمكن أن نقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أنهى مهمة التبيين وإقامة الحجة ومهمة التأسيس وإقامة القواعد الاجتماعية ومهمة إيجاد الجماعة الإنسانية التي يمكنها أن تتحمل هذه الأعباء بصورة عامة .

وعندئذ ، فلا بد من وجود الإمامة ، لتحمل هذه الأعباء الثقيلة الأخرى بعده – كما ذكرنا سابقا – ولكن تحمل هذه الأعباء الثقيلة يحتاج إلى إعداد كامل يتناسب مع طبيعة وحجم هذه الأعباء الضخمة التي سوف يتحملها هؤلاء ( الأئمة ) بعد النبي صلى الله عليه وآله .

وهنا يمكن أن نقول بأن عملية الأعداد هذه التي يراد إنجازها من أجل تحمل هذه الأعباء ، إنما يمكن أن تتم في داخل البيت الرسالي بصورة أفضل وأكمل من إنجازها في خارج البيت الرسالي .

وهذا ما أشار إليه الشهيد الصدر قدس سره في قوله : ( فاختيار الوصي كان يتم عادة من بين الأفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة ولم يروا النور إلا في كنفه وفي إطار تربيته ، وليس هذا من أجل القرابة بوصفها علاقة مادية تشكل أساسا للتوارث ، بل من أجل القرابة بوصفها تشكل عادة الإطار السليم لتربية الوصي وإعداده للقيام بدوره الرباني .

وأما إذا لم تحقق القرابة هذا الإطار ، فلا أثر لها في حساب السماء قال تعالى :

( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ( 14 ) فالذرية عادة تكون قابلة ومهيئة للإعداد الرسالي بصورة أفضل في حركة التاريخ الإنساني ( 15 ).

 

الإعداد والواقع التاريخي

وهذه الفكرة إذا أردنا أن ننظر إليها من خلال الواقع التاريخي الذي عاشته الرسالة الإسلامية ، نراها – أيضا – فكرة متطابقة تماما مع هذا الواقع التاريخي ، حيث نرى أن الوصي الذي كان هو الإمام علي عليه السلام قد احتضنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو طفل صغير ، حيث تذكر بعض النصوص أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قد تكفله بالتربية قبل البعثة ، من خلال التخفيف من مسؤوليات الانفاق – أو المسؤوليات الاقتصادية إذا صح التعبير – عن أبي طالب .

وبدأ الرسول صلى الله عليه وآله في هذه المرحلة بتربية علي عليه السلام ، وبذلك – أيضا – يجمع المسلمون – تقريبا – أن عليا عليه السلام كان أول من أسلم ، وأنه لم يعرف في حياته عبادة الأصنام أو عبادة غير الله سبحانه وتعالى ، وهذا أمر يجمع عليه المسلمون ، ولذلك عندما يذكر اسمه جمهور المسلمين ، يخصونه بدعاء ( كرم الله وجهه ) ، وهم بذلك يشيرون إلى هذه الخصوصية لعلي عليه السلام ، وهذه الخصوصية إنما كانت – أيضا – بحسب النظر إلى الظروف التاريخية ومن هذه الزاوية ، بسبب إعداد رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام .

طبعا ، العنصر الغيبي ، في الاصطفاء والإعداد – كما ذكرنا – قائم في نفسه مع العناصر الأخرى ، ولكن من هذه الزاوية وهذا الجانب نرى – أيضا – هذه الحقيقة قائمة .

مضافا إلى ذلك ، ما تشير إليه النصوص التاريخية وتؤكده روايات بعض الأشخاص – حتى ممن لم يكن يميل إلى علي عليه السلام من الناحية الروحية والنفسية – من إعداد رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام علميا ومعنويا ، فيما كان يساره في ليله ونهاره ، لأن عليا عليه السلام كان قريبا من رسول الله صلى الله عليه وآله ، بحيث كان يأخذ منه العلم والأخلاق في كل مناسبة ، بل في كل وقت .

والكلمة معروفة عن النبي صلى الله عليه وآله ، وعن علي عليه السلام بهذا الشأن ، أما عن النبي ، فهي عندما قال : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ( 16 ) وأما عن علي عليه السلام ، فهي عندما قال : ( علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب ) ( 17 ) هذه الحقيقة إذا أردنا أن ننظر إليها من الناحية التاريخية والمادية ، نراها كانت قائمة من خلال هذا الاقتراب في دائرة علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله ، حيث تربى في حضن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن عمه ، تزوج من ابنته ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يدخل إلى بيت علي كما يدخل إلى بيته، وعلي يدخل على رسول الله كما يدخل إلى بيته.

هذه العلاقة كانت موجودة بدرجة عالية ، الأمر الذي أثار – أحيانا – غيرة بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله أو حساسية ، أو أي تعبير آخر يمكن أن نقوله أو نعبر عنه في هذا المقام بصورة مناسبة ( 18 ) إذن ، فمن الناحية الواقعية والخارجية – أيضا – نشاهد بأن التاريخ يؤكد على هذه العملية وهذه الفكرة والنظرية ، وكان لها واقع خارجي في الرسالة الإسلامية من خلال إعداد علي عليه السلام ، وقد تحدث علي عليه السلام شخصيا فيما روي عنه ذلك ، كما تحدث أئمة أهل البيت – أيضا – عن ذلك ، وهو ما سوف نشير إليه – إن شاء الله – في بعض الأبحاث الآتية .

 

الإعداد والنظام العام

ومن الطبيعي – أيضا – أن نفترض ، كما نفترض في عقائدنا بأن هؤلاء الأئمة يمكن أن تتحقق لهم الإمامة دون هذا الإعداد ، لأن الله تعالى قادر على كل شئ ، ولا يمنعه شئ من إلهام الأشخاص والأفراد – لحكمة – بكل المعلومات دون ذلك الإعداد السابق ، هذا الشئ يمكن أن نفترضه ، وفيه الكثير من الواقع والحقيقة بالنسبة إلى الكثير من الأفراد الذين عرفهم التاريخ ( 19 ) ولكن في الوقت نفسه يمكن أن نفترض أن النظام العام في الحركة الاجتماعية للإنسان يراد لها أن تسير في الكثير من الموارد ، حسب النظام العام ، وليس من المفروض لها دائما أن تكون خارجة عن النظام العام ، إلا بقدر الحاجة إلى هذا الاستثناء ، كما هو الحال في موارد المعجزة مثلا ، وهذا يعني أنه ما دام الإعداد ممكنا حسب النظام العام ، فسوف يتم كذلك ويكون الاستثناء عند الحاجة والضرورة ، فيتم الإعداد من خلال نظام آخر وهو النظام الغيبي .

إذن ، فالطريق الطبيعي للإعداد الأفضل والتأهيل الأكمل إنما يكون في دائرة البيت القريب ، ويمكن أن نرى هذا الشئ في معالم أخرى من التاريخ ، وفي مفردات وصور عديدة .

وهذه الظاهرة نراها قد تجسدت – أيضا – في الأسر العلمية الشريفة في تاريخ جماعة أهل البيت عليهم السلام ، حيث قامت بأعمال شريفة في هذا التاريخ ، وتحملت مسؤوليات كبيرة في مختلف أدوار التاريخ .

فإننا عندما ننظر إلى تاريخ ما بعد الغيبة الصغرى ، بل حتى في تاريخ زمن أئمة أهل البيت عليهم السلام نلاحظ أن هناك ظاهرة كانت موجودة وقائمة في جماعة أهل البيت ، وهي ظاهرة وجود الأسر العلمية ، مثلا أسرة زرارة بن أعين ، هذه الأسرة كانت تعرف كأسرة بحيث كان جميع رجالها ثقات ، أو أسرة بني فضال هذه الأسرة كانت – أيضا – تعرف كأسرة ، أو أسرة الأشعريين الذين أقاموا أسس العلم في مدينة قم المقدسة ، أمثال سعد الأشعري وأسرته ، وهكذا نلاحظ أسرة بني بابويه الذين كان لهم دور عظيم جدا كأسرة ، حيث عندما نرجع إلى التاريخ نجد أن هؤلاء يمثلون عددا كبيرا جدا من العلماء والفضلاء الذين كانوا يتحملون هذه المسؤوليات ، وهكذا يتسلسل هذا الأمر ، ولا أريد الآن أن أطيل الحديث في ذكر الشواهد ، ولكن عندما يرجع الإنسان إلى التاريخ ، يجد أن هذا الأمر كان من الأمور الواضحة جدا في جماعة أهل البيت عليهم السلام وفي علماء أهل البيت ، بحيث كانت هناك أسر علمية تتوارث هذا العلم جيلا بعد جيل حتى أوصلت هذا العلم إلى هذا العصر ، وهذا التوارث إنما كان باعتبار هذه الخصوصية ، وهي إن عملية الإعداد والتربية التأهيل في إطار البيت الواحد تكون أسهل مما تكون هذه القضية في خارج البيت الواحد ( 20 ).

 

البعد الاجتماعي

البعد الرابع : البعد الاجتماعي ، وهو ما يترتب على الاختصاص بأهل البيت من مصالح اجتماعية في التأثير على حركة الأمة وهدايتها وارتباطها بالرسالة الإسلامية وصاحبها ، حيث أن هذه الإمامة التي تريد أن تقوم بهذه المسؤوليات الكبيرة أو الضخمة في المجتمع الإنساني تحتاج إلى مؤهلات اجتماعية ، كما تحتاج إلى المؤهلات الروحية والفكرية .

كما أن الناس في حركتهم الاجتماعية والروحية والنفسية يتأثرون بمثل هذا العامل الإنساني ، وينظرون إلى الشرف والأصالة في الانتماء وتكامل الأسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة نظرة معنوية وإنسانية واجتماعية خاصة .

أما بالنسبة إلى حاجة الإمامة إلى المؤهلات الاجتماعية ، فهو من الأمور التي يشار إليها في أبحاث علم الكلام .

من قبيل أن لا يكون في النبي أو الإمام نقص في الأعضاء مخلا بوضعه الاجتماعي ، أو أن لا يكون النبي أو الإمام وضيعا في المجتمع الإنساني أو من عائلة وضيعة وغير شريفة ، أو ممتهنا لحرفة ومهنة وضيعة ، إلى غير ذلك من القضايا التي يشار إليها في علم الكلام عند الحديث عن مواصفات الأنبياء والأئمة الذين يتحملون هذه المسؤولية.

وأما بالنسبة إلى تفاعل الناس وتأثرهم بهذا العامل الاجتماعي ، فهو أمر مشهود في تاريخ الأمم والمجتمعات الإنسانية السابقة واللاحقة يتفاضلون فيه ، ويفتخرون ويتأثرون به ، لأنه عامل إنساني واقعي في الحركة التاريخية وله تأثير إيجابي في حركة الأمم وبناء المجتمع ، وإن لم يكن من العوامل المؤثرة في تكامل الإنسان كفرد عند الله تعالى ، أو مما يدخل في حسابه يوم القيامة ، كما تشير إلى ذلك النصوص الدينية ، ومنها قوله تعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ( 21 ) ولكنه على أي حال من العوامل المؤثرة في حركة التاريخ الإنساني والعلاقات الإنسانية ( 22 ) .

 

خلفيات البعد الاجتماعي

ولعل مرجع هذا العامل إلى عدة قضايا ، نفسية ، واجتماعية ، وفطرية .

أما القضية النفسية ، فهي تأثر الإنسان روحيا بمعالم العز والشرف والكرامة والمنجزات العلمية والاجتماعية .

وأما القضية الاجتماعية ، فهي – ما أشرنا إليه في البعد الثالث – من أن التأهيل والإعداد في بيوت الشرف والكرامة والعز والطهارة ، يكون بصورة طبيعية لتحمل المسؤوليات ، وإنها تنبت الشرف والكرامة والعز والطهارة بموجب السنة والقاعدة القرآنية ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا . . . ) ( 23 ) وهو أمر يدركه الناس من خلال رؤيتهم للتاريخ وحركة النظام العام للمجتمع الإنساني ، وإن كان قد يشذ بعضهم عن هذه القاعدة .

ولذا ورد التأكيد في الإسلام ، في عدة موارد على هذا الاتجاه في الزواج وفي المشورة ، وفي المصاحبة والصداقة والمعاشرة .

وأما الجانب الفطري ، فهو يرتبط بنظرة الإنسان الفطرية التي أكدتها الشريعة الإسلامية ، وهي أن تكامل المجتمع الإنساني بصورة عامة يقوم على تكامل الأسرة والعائلة والقبيلة .

وهذا بحث اجتماعي مهم له مجال آخر ، ولكن بنظرة إجمالية يمكن أن نقول : أن الإسلام يرى أهمية تكامل الأسرة وارتباطها وامتدادها التاريخي في القبيلة والعشيرة ، وإن ذلك هو الطريق الأفضل لتكامل المجتمع الإنساني بصورة عامة ، إذا أردنا تنظيم هذا المجتمع بصورة صحيحة ومحكمة وقوية .

 

وإن هذا التنظيم القوي ، يعتمد على عنصرين رئيسيين :

العنصر الأول : هو إحكام علاقات الأسرة التي يفترض أن يتم إحكامها ، كما حث الإسلام على ذلك من خلال الزواج والعلاقات الزوجية القائمة على أساس الحقوق المتبادلة ، وتهيئة ظروف الاستقرار والسكن والمودة والرحمة ، وكذلك من خلال الارتباط بين العشائر والقبائل والأسر المختلفة ، ولذلك كان من الاتجاهات في تكوين الأسرة أن يتزوج الإنسان من خارج دائرة الأقربين ، لإيجاد حالة التكامل الاجتماعي العام بين المفردات الرئيسية في المجتمع ، وهي القبائل والأسر ، وقد يكون في ذلك – أيضا – تكامل جسمي ( فسيولوجي ) ، كما يذكره الأطباء ، ولكن فيه – أيضا – تكامل اجتماعي من الناحية الاجتماعية ، لأن إيجاد الروابط بين القبائل والأسر يكسر الحواجز النفسية والاجتماعية الموجودة بين هذه القبائل والعشائر والأسر التي قد تكون معيقة لتكامل المجتمع وحركته عندما تصبح كبيرة وعالية ، وتمنع من وحدة المجتمع وتخلق العصبية العشائرية أو الاجتماعية ، وبذلك تصبح الأسرة والعشيرة أحد الأعمدة الأساسية والرئيسية في البناء القوي للمجتمع في نظرية الإسلام .

العنصر الثاني : هو قضية بناء العشيرة والقبيلة نفسها ، حيث يمكن أن يقال بأن هناك اتجاه في الإسلام إلى تثبيت دعائم العلاقات الأسرية والقبلية والعشائرية ، لا إلى تفكيكها وإضعافها ، وذلك من خلال ما ورد في التأكيد على صلة الأرحام ، بدرجة تصل – أحيانا – إلى مرحلة الإلزام في الوجوب والحرمة ، حسب اختلاف هذه الصلة ودرجتها ، فإن قطيعة الرحم حرام ، ووجود أصل الصلة واجب من الواجبات الشرعية .

وكذلك – من خلال ما يشير إليه القرآن الكريم – في قضية التوارث ، حيث أن التوارث في المال وضع في إطار علاقات الأرحام ، لقوله تعالى : ( . . . وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله . . . ) ( 24 ) وحتى وصل بها الإسلام إلى العلاقات البعيدة نسبيا ، من قبيل علاقة الولاء ، وهي عندما يدخل الإنسان في ولاء أسرة من الأسر وتتقطع سلسلة الأقرباء من المواريث ، فيتحول الميراث إلى الأولياء ، أي إلى أولئك الذين يكونوا قد دخلوا في العشيرة عن طريق علاقة الولاء ، إذن ، هذا يعبر عن اتجاه لتحكيم هذه الأواصر وربط بعضها ببعض .

وكذلك نلاحظ أن من التشريعات الموجودة في النظرية الإسلامية التي تؤكد هذا الاتجاه ، قضية وقف الذرية ، فإن الوقف على أقسام – كما يعرف الإخوة الأعزاء والأفاضل الدارسين للفقه – وأحد أقسام الوقف هو الوقف الذي يوضع لخصوص الذرية ، أي يتسلسل في الورثة ، ويتحول في طبقات الورثة ، حسب شرط الواقف ، أو يشركهم فيه ، بكل طبقاتهم ومراتبهم ، فإن هذا الحكم يؤشر على أن الإسلام يتجه إلى تحكيم أواصر العشيرة والأسرة الواحدة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) السجدة : 9 .
( 2 ) العنكبوت : 64 .
( 3 ) الأعراف : 172 .
( 4 ) آل عمران : 33 – 34 ، وهناك آيات عديدة ، يمكن أن يجدها الباحث في مادة الاصطفاء والاجتباء وغيرها ، في المعجم المفهرس .
( 5 ) الأحزاب : 33 .
( 6 ) الإسلام يقو الحياة / خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء : 166 ، كما في لوط عليه
السلام الذي كان يرتبط بإبراهيم ، أو في يوشع الذي كان يرتبط بموسى ، أو يرتبطون به وبذريته ، كما هو الحال في إسحاق وإسماعيل ويعقوب وذرية يعقوب التي أشرنا إليها .
( 7 ) الحديد : 26 .
( 8 ) البحار 28 : 8 ، حديث 11 ، عن تفسير القمي ، وجاء هذا الحديث في كتب الفرقين إما بلفظه أو بمضمونه ، مثل مجمع البيان 5 : 49 ، وكمال الدين : 576 ، طبعة مكتبة الصدوق ، وصحيح البخاري : باب 50 من كتاب الأنبياء ، وصحيح مسلم الحديث 6 من كتاب العلم ، سنن بن ماجة باب 17 ، من كتاب الفتن . . . الخ .
( 9) البقرة : 131 – 133 .
( 10 ) الحج : 78 .
( 11 ) البقرة : 129 .
( 12 ) الأحقاف : 35 .
( 13 ) إبراهيم : 24 – 26 .
( 14 ) البقرة : 124 ، الإسلام يقود الحياة / خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء : 167 .
( 15 ) صحيح أنه قد نشاهد – أحيانا – في داخل البيت الرسالي أشخاصا يشذون عن
المسيرة وعن الارتباط بالرسالة ، كما يذكر القرآن الكريم بعض النماذج .
ومن هذه النماذج ابن نوح عليه السلام ، عندما يذكره القرآن الكريم كنموذج لخروج ولد لرسول عن أهداف الرسالة ومسيرتها .
ونموذج آخر يذكره القرآن الكريم ، له بعد آخر من الخروج وهو أب إبراهيم – كما يعبر عنه القرآن الكريم – الذي قد يكون هدف القرآن الكريم من التأكيد عليه هو تفسير موقف ( أبي لهب ) من النبي صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره قريبا لرسول الله وعمه ، ومع ذلك خرج على هذه الرسالة ، وهو الشخص الوحيد الذي ذكره القرآن الكريم بالاسم من المشركين ، أو أراد به بعض أقرباء الرسول الذين كانوا بمستوى الأعمام في الحالة النسبية والارتباط برسول الله صلى الله عليه وآله .
ونموذج ثالث يذكره القرآن الكريم هو زوج نوح ولوط ، كمثل لما يمكن أن تقفه الزوجة من صاحب الرسالة ، فإنها وإن لم تكن من ذريته وبيته ، ولكنها عادة ما تكون تحت تأثير عمله .
( 16 ) البحار 28 : 199 ، حديث 6 ، وجاء في مستدرك الصحيحين 3 : 126 ، عن ابن عباس ما لفظه ، قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة
فليأت الباب ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، وكذلك جاء في كنز العمال 11 : 600 ، حديث 32890 ، و 614 ، حديث 32978 ، و 32979 ، و 13 : 147 ، حديث 36463 .
( 17 ) البحار 26 : 29 – 30 ، حديث 36 و 37 ، و 33 عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، في تفسير الفخر الرازي الكبير ، في ذيل تفسير قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا . . . ) ، ( آل عمران : 33 ) ، قال : علي عليه السلام : علمني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألف باب من العلم واستنبطت من كل باب ألف باب ، قال : فإذا كان حال المولى هكذا فكيف حال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك جاء الحديث في كنز العمال 13 : 114 ، حديث 36372 .
( 18 ) لهذه البيوت الطاهرة خصوصيات ، قد يعجز الإنسان عن اختيار الألفاظ المناسبة المؤدبة تجاهها ، عندما يريد أن يتحدث عن بعض علاقاتها ، ولكن على أي حال التاريخ يشهد في كثير من النصوص ، بأن هذا الاقتراب من علي عليه السلام ، وعناية رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في هذا الجانب – جانب الإعداد والتعليم والتأهيل لتحمل هذه المسؤولية – كان يثير في كثير من الأحيان الحسد أو الغيرة أو غير ذلك من الانفعالات حتى في دائرة الأشخاص القريبة لرسول الله صلى الله عليه وآله .
( 19 ) مثل يحيى وعيسى عليهما السلام وغيرهما من الأنبياء ، ومثل الإمام الجواد والإمام الهادي عليهم السلام وغيرهما .
( 20 ) في العصور المتأخرة كانت هناك أسر علمية أخرى من قبيل أسرة آل بحر العلوم ، وأسرة آل كاشف الغطاء ، أسرة آل شيخ راضي ، وآل الجواهري ، وآل الصدر ، وآل شبر ، وهكذا أسرة الشيخ الأنصاري – من بناته – وقبلهم الشيخ المجلسي ، والوحيد البهبهاني ، وغيرهم الكثير .
ولا ينبغي أن يذهب الظن إلى أن هذا الإعداد لا يمكن أن يتم إلا من خلال ذلك ، بل
قد نجد في التاريخ أشخاص متميزين في التقوى والعلم والشجاعة لم يعرفوا بأنهم من
أبناء هذه الأسر ، ولكن المقصود أن الأسرة تمثل عاملا طبيعيا للإعداد .
(21 ) المؤمنون : 101 .
( 22 ) تذكر بعض النصوص استثناءا في التأثير لنسب رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم القيامة ، وهو أمر يحتاج إلى بحث علمي واجتماعي لهذه النصوص ، لا مجال له في حديثنا في الوقت الحاضر .
( 23 ) الأعراف : 58 .
( 24 ) الأنفال : 75 .