إمامة الإمام الثاني عشر

فصل : في إثبات إمامة الحجة بن الحسن

ما قدمناه من الأدلة على إمامة الأئمة صلوات الله عليهم برهان واضح على إمامة الحجة بن الحسن عليه السلام ، ومغن عن تكلف كلام يختصها ، غير أنا نستظهر في الحجة على ذلك بحسب قوة الشبهة في هذه المسألة على المستضعف ، وإن كان برهان صحتها واضحا .

 

والكلام فيها ينقسم إلى قسمين :

أحدهما : إثبات إمامة الحجة بن الحسن عليه السلام منذ قبض أبيه وإلى أن يظهر منتصرا لدين الله من أعدائه .

والثاني : بيان وجه الحكمة في غيبته وتعذر معرفة شخصه ومكانه ، وإسقاط ما يعتريها من الشبه .

فأما الدلالة على إمامته وثبوت الحجة بوجوده ، فمن جهة العقل والسمع .

 

برهان العقل على إمامته

فأما برهان العقل ، فعلمنا به وجوب الرئاسة وعصمة الرئيس وفضله على الرعية في الظاهر والباطن ، وكونه أعلمهم بما هو رئيس فيه ، وكل من قال بذلك قال بإمامة الحجة بن الحسن عليه السلام ، وكونه الرئيس ذا الصفات الواجبة ، دون سائر الخلق ، من وفاة أبيه وإلى أن يظهر للانتقام من الظالمين .

ولأن اعتبار هذه الأصول العقلية يقضي بوجود حجة في الأوقات المذكورة دون من عداه ، لأن الأمة في كل عصر أشرنا إليه بين : ناف للإمامة ، ومثبت لها معترف بانتفاء الصفات الواجبة للإمام عمن أثبت إمامته ، ومثبت لإمامة الحجة بن الحسن عليه السلام .

ولا شبهة في فساد قول من نفى الإمامة ، لقيام الدلالة على وجوبها ، وقول من أثبتها مع تعري الإمام من الصفات الواجبة للإمام لوجوبها له وفساد إمامة من انتفت عنه وحصول العلم بكون الحق في الملة الإسلامية ، فصح بذلك القول بوجود الحجة عليه السلام ، إذ لو بطل كغيره من أقوال المسلمين لاقتضى ذلك فساد مدلول الأدلة أو خروج الحق عن الملة الإسلامية ، وكلا الأمرين فاسد ، فصح ما قلناه ، وقد سلف لنا

استنادها بين الطريقتين إلى أحكام العقول دون السمع ، فأغنى عن تكراره هاهنا .

 

برهان السمع على إمامته

وأما أدلة السمع على إمامته ، فعلى ضروب :

منها : أن كل من أثبت إمامة أبيه وأجداده إلى علي عليه السلام قال بإمامته في الأحوال التي ذكرناها ، وقد دللنا على إمامتهم ، فلحق الفرع بالأصل ، والمنة لله .

ولأنا نعلم وكل مخالط لآل محمد عليهم السلام وسامع لحديثهم تدينهم بإمامة الحجة الثاني عشر عليه السلام ، ونصهم على كونه المهدي المستثير لله ولهم من الظالمين ، وقد علمنا عصمتهم بالأدلة ، فوجبت القطع على إمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم خاصة ، فما له وجبت إمامة الأول من الآيات والأخبار له وجبت إمامة الثاني عشر صلوات الله عليه ، إذ لا فرق بين الأمرين .

ومنها : النص على إمامة الحجة عليه السلام ، وهو على ضروب ثلاثة :

أحدها : النص من رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام على عدد الأئمة عليهم السلام وأنهم اثنا عشر ، ولا شبهة على متأمل في أن النص على هذا العدد المخصوص نص على إمامة الحجة عليه السلام ، كما هو نص على إمامة آبائه من الحسن بن علي بن محمد بن عين الرضا ، إلى علي بن أبي طالب عليهم السلام ، إذ لا أحد قال بهذا العدد المخصوص وقصر الإمامة عليه دون ما نقص منه وزاد عليه إلا خص به أمير المؤمنين والحجة بن الحسن ومن بينهما من الأئمة عليهم السلام .

وهذا الضرب من النص وارد من طريقي الخاصة والعامة .