الثواب والعقاب(2)

المبحث الثالث: دوام أو انقطاع الثواب والعقاب(1)

دوام أو انقطاع الثواب :

إنّ الثواب يُستحق دائماً، والدليل على ذلك ما ورد في الشرع والذي أجمعت عليه الأُمة بأنّ الثواب يستحق دائماً(2) .
الطريق إلى معرفة دوام الثواب :

1- إنّ أصل استحقاق الثواب يُعلم بالعقل، ولكن الطريق إلى معرفة دوام الثواب هو الدليل الشرعي دون الدليل العقلي(3)، وذلك لعدم وجود دليل عقلي على دوام الثواب ، وإنّما المصدر الوحيد لمعرفة ذلك هو الشرع فقط(4) .

2- لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام الثواب هو أنّ المدح يستحق الدوام ، وأنّ ما اقتضى دوام المدح هو الذي يقتضي دوام الثواب .

الدليل: لأنّ وجه استحقاق المدح ليس بعينه وجه استحقاق الثواب ، وذلك لأنّ

____________

1- سنكتفي في هذا المبحث ـ مراعاة للاختصار ـ بذكر بعض المصادر في الهامش بصورة موجزة، ويستطيع القارئ مشاهدة هذه المصادر بصورة مفصّلة في نهاية المبحث .

2- انظر: الذخيرة: 280 ـ 281، شرح جمل العلم والعمل : 141 ـ 142، الاقتصاد : 184 ، المنقذ من التقليد : 2 / 27.

3- ذهب نصير الدين الطوسي في كتابه تجريد الاعتقاد إلى أنّ الطريق إلى معرفة دوام الثواب هو الدليل العقلي، وأيّده العلاّمة الحلّي في كتابه كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد .

انظر: تجريد الاعتقاد ، نصير الدين الطوسي: المقصد السادس ، صفات الثواب والعقاب ، ص302 .

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: المقصد السادس، المسألة السادسة ، ص555 ـ 556 .

4- انظر: الذخيرة: 280 ـ 281، شرح جمل العلم والعمل: 142 .
     الصفحة 298    

الثواب ـ كما ذكرنا ـ يشترط فيه إطاعة المولى دون المدح(1) .

3- لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام الثواب هي أنّ الثواب لو لم يكن دائماً لم يكن الترغيب واقعاً موقعه .

الدليل: لأنّ الترغيب يحصل إذا كان في مقابله منافع عظيمة كثيرة، وإن لم تبلغ هذه المنافع حدّ الدوام(2) .

4- لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام الثواب هو أنّ انقطاعه يؤدّي إلى الغم والحسرة، وهذا ما يتنافى مع الثواب .

الدليل: لأنّ اللّه تعالى بإمكانه أن يصرف المثابين عن التفكير حول انقطاع ثوابهم ، ويلهيهم بما هم فيه من اللذات العظيمة(3) .

بعبارة أُخرى :

إنّ خلوص الثواب من الشوائب لا يعلم إلاّ عن طريق الشرع ، وليس في العقل أيّة دلالة على ضرورة خلوص الثواب من الشوائب ، لأنّ الثواب قد يكون عظيماً بحيث يوجب اللذة من دون الالتفات إلى الشوائب الموجودة فيه(4) .
دوام أو انقطاع العقاب :

أجمع المسلمون على أنّ عقاب الكفر دائم، وقد دلّت الأدلة الشرعية بوضوح على ذلك .

وأمّا المعاصي ما دون الكفر فإنّ عقوبتها تكون ـ كما ورد في الشرع ـ

____________

1- للتوسّع راجع: الذخيرة: 281 ـ 282، الاقتصاد: 184، المسلك في أصول الدين: 118، المنقذ من التقليد : 2/29 .

ووافق مقداد السيوري هذا الرأي.

انظر: إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: مباحث العدل، هل العلم بدوام الثواب … ، ص418 .

2-انظر: شرح جمل العلم والعمل: 143، المسلك في أصول الدين: 118 .

3- انظر: الذخيرة: 285 .

ووافق مقداد السيوري هذا الرأي.

انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، هل العلم بدوام الثواب … ، ص418 .

4- انظر: الهامش السابق .
     الصفحة 299    

منقطعة(1) .
دليل انقطاع عقاب المعاصي :

إنّ الثواب ـ كما علمنا ـ دائم ، ولا يخفى بأنّ الثواب الدائم لا يجتمع مع العقاب الدائم، فلهذا ينبغي الاذعان بأنّ من يستحق الثواب لا يكون عقابه دائمياً، بل يلزم أن يكون ذلك بصورة منقطعة(2) .
الطريق إلى معرفة دوام وانقطاع العقاب :

1- إنّ أصل استحقاق العقاب ودوامه أو انقطاعه يُعلم عن طريق الدليل الشرعي دون الدليل العقلي، وذلك لعدم وجود دليل عقلي على ذلك ، وإنّما مصدر معرفة ذلك هو الشرع فقط(3).

2- لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام العقاب هو أنّ الذمّ يستحق الدوام، وأنّ ما اقتضى دوام الذم هو الذي يقتضي دوام العقاب .

الدليل: لأنّ وجه استحقاق الذم ليس بعينه وجه استحقاق العقاب ، لأنّ العقاب فيه شرط ـ ذكرناه سابقاً ـ دون الذم(4).

3- لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام العقاب هي أنّ العقاب لو لم يكن دائماً لم يكن الزجر واقعاً موقعه.

الدليل: لأنّ الزجر يحصل إزاء الضرر العظيم وإن لم يبلغ حدّ الدوام .

كما أنّ أصل استحقاق العقاب لا يعلم بالعقل ، فكيف يعلم دوامه بالعقل(5) .

4- لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام العقاب هو أنّ انقطاعه يؤدّي إلى السرور ، وهذا ما يتنافى مع العقاب.

____________

1- انظر: شرح جمل العلم والعمل: 142 ـ 143، المسلك في أصول الدين: 119، المنقذ من التقليد: 2/27 .

2- انظر: شرح جمل العلم والعمل: 142 .

3- انظر: الذخيرة: 280، الاقتصاد: 189، غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي: 2/230، المنقذ من التقليد: 2/27 .

4- انظر: الذخيرة: 281، شرح جمل العلم والعمل: 143، غنية النزوع: 2/230، المنقذ من التقليد: 2/29 .

5- انظر: شرح جمل العلم والعمل: 143 .
     الصفحة 300    

الدليل: لأنّ اللّه تعالى بإمكانه أن يصرف المعاقبين عن التفكير حول انقطاع عقابهم ، ويشغلهم بما هم فيه من العذاب العظيم .

 

الخلود في العذاب :

إنّ الخلود في العذاب الأُخروي مختص بمن أدّت سيئاته إلى انقطاعه الكامل عن الرحمة الإلهية، وذلك لقوله تعالى: { بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ }[ البقرة: 81 ] .

أي: أحاطت به خطيئته بحيث أوجبت زوال أيّة قابلية أو استعداد لنزول الرحمة عليه، وخروجه من النقمة(1).

قال الشيخ الصدوق: “اعتقادنا في النار أ نّها … لا يخلّد فيها إلاّ أهل الكفر والشرك ، وأمّا المذنبون من أهل التوحيد، فإنّهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم والشفاعة التي تنالهم”(2).

قال الشيخ المفيد: “اتّفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفّار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة باللّه تعالى والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة”(3).
سبب الخلود في العذاب :

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

“إنّما خُلّد أهل النار في النار، لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللّه أبداً .

وإنّما خُلّد أهل الجنة في الجنة، لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبداً …”(4) .

____________

1- انظر: الميزان ، العلاّمة الطباطبائي: ج12، تفسير سورة إبراهيم(عليه السلام) آية 42 ـ 52، كلام في معنى الانتقام ونسبته إليه تعالى ، ص87 .

2- الاعتقادات ، الشيخ الصدوق: باب 29: باب الاعتقاد في الجنة والنار، ص53 .

3- أوائل المقالات ، الشيخ المفيد: القول في الوعيد، ص46 .

4- الكافي ، الشيخ الكليني: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب النيّة، ح5، ص85 .

مصادر هذا المبحث بصورة مفصّلة :

انظر: الذخيرة ، الشريف المرتضى: فصل في صفات الثواب وأحكامه والكلام في دوامه وانقطاعه ، ص280، 281، 285 .

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى: أبواب العدل، باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، في أنّ دوام الثواب والعقاب سمعي، ص141، 142، 143 .

الاقتصاد ، الشيخ الطوسي: القسم الثالث ، الفصل الأوّل، ص184 .

غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي: ج2، الفصل الأوّل ، ص228 ـ 236 .

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الرابع، ص118 .

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج2، القول في دوام الثواب ودوام العقاب … ، ص27، 29 .