تجديد الرؤية الى العالم

تجديد الرؤية إلى العالم ستظل مهمة لا تنتهي، وذلك لأن العالم في حالة تغير وتغير متسارع ومتعاظم، وهذه طبيعته وصيرورته التي كان وما زال وسيكون عليها ما دامت الحياة قائمة، وما دامت التجربة الإنسانية مستمرة.
وليس في مقدور أحد كائناً من كان تغيير أو تبديل هذه الطبيعة والصيرورة، أو إيقافها وتجميدها، ولا حتى عزلها أو الخروج عليها، لأن التغير سنة من سنن الله في هذا الوجود، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا.
وتجديد الرؤية إلى العالم مهمة تواجه جميع الأمم والشعوب في هذا العالم، وعلى امتداد مساحته طولاً وعرضاً، ومهما تعددت وتنوعت هذه الأمم والشعوب في ثقافاتها ودياناتها ولغاتها وجغرافياتها، ومهما كان قربها من المدنية أو ابتعادها، لكن الذي يختلف أن هذه الأمم والشعوب ليست على درجة واحدة في الموقف تجاه هذه المهمة، فالموقف عند الأمم والشعوب المتقدمة يختلف بطبيعة الحال عن الموقف عند الأمم والشعوب المتخلفة أو النامية، والموقف عند الأمم المؤثرة في العالم يختلف عن الموقف عند الأمم غير المؤثرة، والموقف عند الأمم المنخرطة في العالم، يختلف عن الموقف عند الأمم المنعزلة وهكذا.
وتجديد الرؤية إلى العالم مهمة اختلفت وتبدلت في عصر العولمة عن أي عصر ما قبلها، لأن منظورات الرؤية إلى العالم في عصر العولمة انقلبت كلياً وبصورة جذرية، لم تحصل بهذا النمط من قبل في أي عصر من عصور الاجتماع الإنساني، ولأن العولمة أرادت النظر إلى العالم ككل وبوصفه مركباً واحداً، حيث بات ممكناً بل وضرورياً أيضاً.
ولأن العولمة كذلك جاءت لكي تخبر الناس أن العالم بات حاضراً بصور وأنماط مختلفة ومتعددة في حياة الناس أينما كانوا وأينما وجدوا، وبالتالي لابد من الالتفات إلى هذا الأمر، والتبصر فيه، ومعرفة كيفية التعامل والتعاطي معه.
وتجديد الرؤية إلى العالم مهمة ليست سهلة لكنها ليست عسيرة أيضاً، ليست سهلة لأنها بحاجة إلى علوم ومعارف وخبرات عالية ومتراكمة، ومن نوعية خاصة تكون متيسرة عادة عند شريحة خاصة من الناس وليس عند جميع الناس، وليست سهلة لأنها مهمة معقدة ومركبة تتداخل وتؤثر فيها المجالات كافة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية والإعلامية وغيرها، وليست سهلة لأنها مهمة تتطلب كثافة كبيرة ومتجددة من المعلومات والحقائق.
وليست عسيرة أيضاً، في ظل ما بات يعرف اليوم بثورة المعلومات وانفجار المعرفة، الظاهرة التي تحصل لأول مرة بهذا النمط في التاريخ الإنساني، وتصور كيف أن المعلومات والمعارف وطرق الوصول إليها بات ممكناً وسريعا، ومهما كانت الحاجة إلى هذه المعلومات والمعارف ونوعيتها، ولم تعد المشكلة كما كانت في السابق تتحدد في نقص المعلومات والمعارف، وإنما في زيادة وتدفق هذه المعلومات والمعارف، التي بحاجة إلى تنظيم وتنسيق وتوجيه حتى لا تتحول إلى نوع من الفوضى، وتحدث إرباكاً واضطراباً في حياة الناس.
وتجديد الرؤية إلى العالم مهمة تضع العالم في دائرة السؤال، والنظر له من جهات عديدة، من جهة علاقتنا بالعالم وعلاقة العالم بنا، ومن جهة ماذا نريد من العالم وماذا يريد العالم منا، ومن جهة ماذا نعرف عن العالم، وماذا يعرف العالم عنا، ومن جهة كيف نؤثر في العالم وكيف يؤثر العالم فينا، ومن جهة ماذا نأخذ من العالم وماذا نعطي له، وماذا يأخذ العالم منا وماذا يعطي لنا وهكذا.
وأخيرا فإننا بحاجة إلى تجديد رؤيتنا إلى العالم على أمل أن يكون لنا أمل في هذا العالم المتغير1.

____________

    1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 14 أكتوبر 2010م، العدد 16119.