وقفة بين يدي زِيارة الأربعِين

بَعْد أَيَّام ذِكْرَى زِيَارَة الْإمَام الْحُسَيْن فِي الْعِشْرِيْن مِن صَفَر وَهِي زِيَارَة الْأَرْبَعِيْن ، وَهُو الْيَوْم الَّذِي وَرَد فِيْه جَابِر بْن عَبْد الْلَّه الْأَنْصَارِي إِلَى كَرْبَلَاء لِزِيَارَة قَبْر الْحُسَيْن (عَلَيْه الْسَّلَام) ، فَكَان أَوَّل مَن زَارَه مِن الْنَّاس ، وَحِيْنَهَا كَان رُجُوْع حَرَم الْحُسَيْن (عَلَيْه الْسَّلَام) مَن الْشَّام إِلَى كَرْبَلَاء بِقِيَادَة الْإمَام زُيِّن الْعَابِدِيْن (عَلَيْه الْسَّلَام) .
وَهْنَا بِوُدِّي ان أَشِيْر الَى بَعْض الْنِّقَاط الْمُتَعَلِّقَة بِهَذِه الْمُنَاسَبَة الْعَظِيْمَة وَمِنْهَا :
أَوَّلَا : إن هَذِه الْزِّيَارَة إِنَّمَا هِي سُنَّة أَخَذْنَاهَا مِن الْمَعْصُومِين ، وَهْنَا نُشِيْر الَى دَلِيْلَيْن وَرَدَّا عَن ثَلَاثَة مَعْصُوْمِيْن احَدُهُمَا عَمَلِي ، وَالْأَخِر دَلِيْل قَوْلِي :
الْأَوَّل الْعَمَلِي : فَقَد قَام بِهَا اثْنَان مِن الْمَعْصُومِين وَهُمَا الْإِمَام الْسَّجَاد ووَلَدِه الْبَاقِر ( عليهما السلام ) حِيْنَمَا رَجَع مَوْكِب الْسَّبَايَا الَى كَرْبَلَاء فِي الْعِشْرِيْن مِن شَهْر صَفَر ، وَمَعَهُم بَاقِي بَنَات رَسُوْل الْلَّه وَزَارُوْا قَبْر الْحُسَيْن (عليه السلام) .
الْثَّانِي الْقَوْلِي : الْرِّوَايَة الْمَشْهُوْرَة عَن الْإِمَام الْحَسَن الْعَسْكَرِي (عليه السلام) :
( عَلَامَات الْمُؤْمِن خَمْس : الْتَّخَتُّم بِالْيَمِيْن ، وَصَلَوَات إِحْدَى وَخَمْسِيْن ، وَالْجَهْر بِبِسْم الْلَّه الْرَّحْمَن الْرَّحِيْم ، وَالْتَّعْفِير لِلْجَبِيْن ، وَزِيَارَة الْأَرْبَعِيْن ) فَزِيَارَة الْأَرْبَعِيْن مِن عَلَامَات الْمُؤْمِن كَمَا تَنُص الْرِّوَايَة .

ثَانِيا : مِن الْظَّوَاهِر الْمَعْرُوْفَة بَيْن الْنَّاس ، هُو الِاعْتِنَاء بِالفَقَيد بَعْد أَرْبَعِيْن يَوْمَا مِن وَفَاتِه بِتَأُبَينِه تَخْلِيْدا لِذِكْرِه ، وَقَد وَرَد عَن أَبِي ذَر الْغِفَارِي وَابْن عَبَّاس (رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا) عَن الْنَّبِي (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم): (( إِن الْأَرْض تَبْكِي عَلَى الْمُؤْمِن أَرْبَعِيْن صَبَاحْا )) .
وَعَن زُرَارَة عَن أَبِي عَبْد الْلَّه (عَلَيْه الْسَّلَام) : (( إِن الْسَّمَاء بَكَت عَلَى الْحُسَيْن (عَلَيْه الْسَّلَام) أَرْبَعِيْن صَبَاحْا بِالْدَّم ، وَالْأَرْض بِالْكُسُوف وَالْحُمْرَة ، وَالْمَلائِكَة بَكَت عَلَيْه أَرْبَعِيْن صَبَاحْا ، وَمَا أختضَبّت إِمْرَأَة مِنّا وَلَا دَهَنت وَلَا اكْتَحَلَت وَلَا رُجِّلْت حَتَّى أَتَانَا رَأْس عُبَيْد الْلَّه بْن زِيَاد ، وَمَا زِلْنَا فِي عِبْرَة مِن بَعْدِه )) ، وَمِن هُنَا جَرَت عَادَة الْشِّيْعَة جَزَآهُم الْلَّه خَيْر عَلَى إِحْيَاء ذِكْرَى يَوْم الْأَرْبَعِيْن مِن كُل سَنَة .
ثَالِثا : فِي هَذِه الْأَيَّام نَتَذَكَّر رِحْلَة سَبَايَا أُل الْرَّسُوْل مِن خِلَال عَوْدَة ال رَسُوْل الْلَّه مَن الْسَّبْي لَأَرْض كَرْبَلاء ، و مَا جَرَى عَلَيْهِم مِّن الْمَصَائِب الْعَظِيْمَة فِي تِلْك الْرّحْلَة ، وَهِي رِحْلَة خَاضَتْهَا بَنَات رَسُوْل الْلَّه بِقِيَادَة الْسَيِدَة زَيْنَب ، وَبِإِشْرَاف الْإِمَام الْسَّجَاد (عَلَيْه الْسَّلَام) ، و بِصَمَوْدِهِم وَإِصْرَارِهِم تُحَوِّل الإنْكِسَار الَى نَصْر فِي قُصُوْر الْظَّالِمِيْن .
قَال الْسَّيِّد الْشَّهِيْد الْصَّدْر :
وَلَوْلَا مَوْقِف زَيْنَب (سَلَام الْلَّه عَلَيْهَا) وَكَلَامُهَا وَاعْلامِهَا وَخِطَابَاتِهَا ، لانْطُمَست ثَوْرَة الْحُسَيْن (عَلَيْه الْسَّلَام) وَانْدَرَجَت فِي طَي الْنِّسْيَان ، وَكَأَنَّهَا لَم تَكُن ، فَكَان لَابُد فِي الْحِكْمَة الْالَهِيَّة ان تُنَظِّم تِلْك الْثَّوْرَة الْكُبْرَى وَالتَّضْحِيَات الْجَلَيْلَة إِلَى هَذَا الْجَانِب الاعْلامِي الْمَرْكَز ، لِكَي يُثْمِر ثَمَرَتُه وَيَنْفَع الَّاجْيَال بِاثَرِه كَمَا قَد حَصَل .
وَمَا اشَجَعَهَا (سَلَام الْلَّه عَلَيْهَا) ، وَالْطَف بَيَانُهَا حِيْنَمَا تَقُوْل لَاكْبَر مَسْؤُوْل فِي الْدَّوْلَة يَوْمَئِذ : (( وَلَئِن جَرّت عَلَي الْدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَك ، انّي لَاسْتَصْغِر قَدْرَك ، وَاسْتَعْظِم تَقْرِيعَك ، وَاسْتَكْثِر تَوْبِيْخَك ، لَكِن الْعُيُوْن عَبْرَى وَالْصُّدُوْر حَرَّى، أَلَا فَالْعَجَب كُل الْعَجَب لِقَتْل حِزْب الْلَّه الْنُّجَبَاء بِحِزْب الْشَّيْطَان الْطُّلَقَاء )) ، وَهُنَاك بَطَلَة أُخْرَى وَهِي الْسَّيِّدَة أم كُلْثُوْم بِنْت أَمِيْر الْمُؤْمِنِيْن ، ذَكَرُوْا أَنَّهَا تُسَمَّى أَيْضَا بِزَيْنَب الْصُّغْرَى ، فَحِيْنَمَا دَخَلْت الْكُوْفَة أُمِرْت الْنَّاس بِالْإِصْغَاء ، وَبَدَأَت حَدِيْثِهَا بِتَوْبِيخ أَهْل الْكُوْفَة لِتَخَاذُلِهِم عَن نُصْرَة الْحُسَيْن ، وَقَالَت فِي خُطْبَتِهَا : (( يَا أَهْل الْكُوْفَة سَوْأَة لَكُم ، مَا لَكُم خَذَلْتُم حُسَيْنا وَقَتَلْتُمُوْه ، وَانْتَهَبْتُم أَمْوَالَه وَوَرِثْتُمُوْه ، وَسَبَيْتُم نِسَاءَه وَنَكَبْتُمُوه ، فَتَبّا لَكُم وَسُحْقا! وَيْلَكُم أَتَدْرُوْن أَي دَوَاه دَهَتْكُم )) .

رَابِعا : ان لِزِيَارَة الْأَرْبَعِيْن فَضْل مِن خِلَال الْمَشْي عَلَى الْإِقْدَام ، فَالزّوَار يَقْطَعُوْن آلِاف الْكِيلُومِتْرَات فِي الْلَّيْل وَالْنَّهَار ، وَيَتَحَمَّلُوْن الْبَرَد وَالْحُر ، وَالْنَّقْص فِي الْرَاحَة مِن أجْل الْوُصُول الَى الْحُسَيْن ، وَمِن هُنَا تَتَجَسَّد مَجْمُوْعَة مِن الْدُرُوس فِي هَذَا الْعَمَل الْشَّرِيف وَمِنْهَا :
إن هَذَا يُعَبِّر عَن الْحُب وَالْوَلَاء لِلْحُسَيْن (عليه السلام) وَلِأَهْل الْبَيْت (عليهم السلام) وَهُو طَاعَة مَشْكُوْرَة مِن قَبْل الْلَّه تَعَالَى .
مِنْهَا : إن الْسِيَر عَلَى الْأَقْدَام انَّمَا يُرَبِّي الْنَفَس عَلَى التَّوَاضُع أمَام الَلّه تَعَالَى وَأمَام أوْلِيَائِه ، فَأنت بَيْن تِلْك الْجُمُوْع لَا تُمَيِّز الْغَنِي مِن الْفَقِيْر ، وَلَا تُعْرَف شيَخ الْعَشِيرَة أو الْمَسْؤُول مِن الإنْسَان الاعْتِيَادِي ، فَكُل الْعَنَاوِيْن انَّمَا تَتَسَاقَط فِي طَرِيْق الْحُسَيْن ، ولانُنَادِي احَدُهُم بِأي عُنْوَان ، إنَّمَا نَّقُوْل لَه ( زَائِر الْحُسَيْن ) ، و هَذِه الْحَالَة اللَّطِيْفَة انَّمَا تُقَدِّم دَرْسَا تَرْبَوِيا فِي التَّوَاضُع ، مَا تَعْجِز عَنْه مِئَات الْمُحَاضَرَات وَالْخَطْب ، وَنَتَحَدَّى مِن هُنَا كَافَّة الْمُؤَسَّسَات الْعَالَمِيَّة وَخُصُوْصا الَّتِي تَدَّعِي الْمُسَاوَاة وَحُقُوْق الْإِنْسَان أن تَقَدَّم لَنَا نَمُوْذَج فِي التَّوَاضُع وَالْتَّسَاوِي ، كَمَا تُقَدِّمُه لَنَا هَذِه الْزِّيَارَة الْشَّرِيْفَة .
وَمِنْهَا : الْمَوَاكِب الْحُسَيْنِيَّة الْشَّرِيْفَة الَّتِي تُقَدَّم الْخِدْمَة لِلْزُّوَّار ، والْتَّعَاوُن وَالْبَذْل وَحُب خَدَمَة الْآخِرِين ، مَا يُقِل نَظِيْرَه فِي أَي مُنَاسِبَة أُخْرَى ، فَيَجْلِس أَصْحَاب الْمَوْكِب أُعِزُّهُم الْلَّه لِخِدْمَة الْزُوَار ، وَالْتَّفَنُّن بِتَقْدِيْم أَنْوَاع الْطَّعَام وَالْشّرَاب ، حَتَّى أن بَعْضُهُم يُخَصِّص مَكَاناً فِي مَوْكِبِه لَفَرْك أَقْدَام الْزَّائِرِيْن ، وَهُو لَا يَعْرِف اسْم الزَّائِر وَعُنْوَانُه ، فَقَط يَعْرِف إنَّه مِن زُوَّار الْحُسَيْن لَا اكْثَر مِن ذَلِك ، فَهَل يُوْجَد فِي مَحَافِل الْمُسْلِمِيْن وَغَيْر الْمُسْلِمِيْن تَوَاضُعا كَهَذَا .
مِن هُنَا أدْعُوَا عُلَمَاء الْإِسْلَام وَقَسَاوِسَة الْنَّصَارَى ، وَأَحْبَار الْيَهُوْد ، بَل حَتَّى الْمُفَكِّرِيْن الْعِلْمَانِيَّيْن فِي كَافَّة إِنْحَاء الْعَالَم إلَى أن يَأْتُوَا وَيَسْتَفِيِدُوْا مِن هَذِه الْدُّرُوس ، الَّتِي لَا يُمْكِن لِأَدْيَانِهِم وَّمَذَاهِبُهُم ان تُقَدِّمُهَا ، لِإِشَاعَة الْرَّحْمَة وَالْخِدْمَة وَالَتَّوَاضُع بَيْن الْنَّاس .
وَمِنْهَا : إن أصَل وُجُوْد الْزِّيَارَة إنَّمَا هُو كَرَامَة ، فَكَم مِن طَاغِيَة حَارَب زِيَارَة الْأَرْبَعِيْن ، وَمَنَع الْسِيَر الَى كَرْبَلَاء ، مُنْذ الْأُمَوِيِّين وَالْعَبَّاسِيِّين وَمُرُوْرَا بِطَاغِيَة الْعَصْر صَدَّام ، وَحَتَّى الِاحْتِلَال ، وَهَاهِي الْيَوْم مُفَخَّخَات التَّكْفِيْرِيِّين لَا تَحُوْل بَيْن عُشَّاق الْحُسَيْن وَالْوُصُوْل الَى قَبْرِه مَشْيَا ، وَلَن تَحَوَّل أَي قُوَّة فِي الْكَوْن ، لِان الْأَمْر مُرْتَبِط بِإِرَادَة الْلَّه تَعَالَى جَل فِي عُلَاه .
إن الْزُوَار لَم يَقْتَصِر وَجُوْدُهُم عَلَى الْعِرَاقِيِّيْن فَقَط ، بَل ازْدَادَت فِي هَذِه الْأَعْوَام الْوُفُود مِن كَافَة الْدُّوَل ، وَمَن الْمُتَوَقَّع أن تَكُوْن هَذِه الْسَّنَة مُتَمَيِّزَة جِدّا فِي حُضُوْر زُوَّار مِن دُوَل أُخْرَى ، الْعَرَبِيَّة وَغَيْرِهَا ، بَل الْمُتَوَقَّع بَعْض الْأَجَانِب مِن غَيْر الْمُسْلِمِيْن ، لِمُشَاهَدَة هَذَا الْحَشْد المَلِّيُوْنِي الْعَجِيْب ، بِفَضْل الْلَّه وَبِبَرَكَة سَيِّد الْشُّهَدَاء (عليه السلام) .
وَهْنَا اخْتِم هَذِه المقالة بِهَذِه الْرِّوَايَة ، وَهِي هَدِيَّة الَى زُوَّار الْحُسَيْن (عليه السلام) ، عَن مُعَاوِيَه بْن وَهْب قَال دَخَلْت عَلَى أبَى عَبْد الْلَّه (عَلَيْه الْسَّلَام) وهُو فِى مُصَلَّاه ، فَجَلَسْت حَتَّى قَضَى صَلَاتَه ، فَسَمِعْتُه وهُو يُنَاجِى رَبَّه و يَقُوْل :

(( يَا مَن خَصَّنَا بِالْكَرَامَه و وَعَدَنَا الْشَّفَاعَه ، و حَمَلَنَا الْرِّسَالَه و جَعَلْنَا وَرَّثَه الْانْبِيَاء ، و خَتَم بِنَا الْامَم الْسَّالِفَه ، و خَصَّنَا بِالوَصِيْه ، و أعْطَانَا عِلْم مَا مَضَى و عِلْم مَا بَقِى ، و جَعَل افْئِدَه مِن الْنَّاس تَهْوَى الَيْنَا ، اغْفِر لي و لاخْوَاني ، و زُوَّار قَبْر أبِي الْحُسَيْن بْن عَلِي صَلَوَات الْلَّه عَلَيْهِم ، الَّذِيْن أنْفَقُوْا أمْوَالَهُم و أشَخَصَوا أبْدَانَهُم رَغْبَه فِي بِرُّنَا ، و رَجَا لِمَا عِنْدَك فِي صِلَتُنَا ، و سُرُوْرَا ادْخَلُوه عَلَى نَبِيِّك مُحَمَّد (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و آَلِه) ، و إجَابَه مِنْهُم لِامْرِنَا ، و غَيْظَا ادْخَلُوه عَلَى عَدُوِّنَا ، أرَادُوْا بِذَلْكّك رِضْوَانَك ، فَكَافِهِم عَنّا بِالرِّضْوَان ، و اكِلأهُم بِالْلَّيْل و الْنَّهَار ، و اخْلُف عَلَى أهَالَيْهُم و أوْلادَهُم ، الَّذِيْن خُلِّفُوا بِاحْسَن الْخَلَف ، و أصْحَبْهُم و اكْفِهِم شَر كُل جَبَّار عَنِيْد ، و كُل ضَعِيْف مِن خَلْقِك أو شَدِيْد ، و شَر شَيَاطِيْن الْانْس و الْجِن ، و أعْطِهِم أفْضَل مَا امَّلُوا مِنْك فِي غُرْبَتِهِم عَن أوْطَانِهِم ، و مَا آثَرُوْنَا عَلَى أبْنَائَهُم و أهَالَيْهُم و قَرَابَاتِهِم ، الْلَّهُم إن أعْدَائِنَا عَابُوْا عَلَيْهِم خُرُوْجَهُم ، فَلَم يَنْهَهُم ذَلِك عَن الْنُّهُوْض و الْشُّخُوْص إلَيْنَا خِلَافا عَلَيْهِم ، فَارْحَم تِلْك الْوُجُوْه الَّتِي غَيْرَتِهَا الْشَّمْس ، وَارْحَم تِلْك الْخُدُوْد الَّتِي تَقَلَّبَت عَلَى قَبْر أبِي عَبْدِالْلَّه (عَلَيْه الْسَّلَام) و ارْحَم تِلْك الْأعْيُن الَّتِي جَرَت دُمُوْعُهَا رَحِمَه لَنَا ، و ارْحَم تِلْك الْقُلُوْب الَّتِي جَزِعْت و احْتَرَقَت لَنَا ، و ارْحَم تِلْك الْصَّرْخَه الَّتِي كَانَت لَنَا ، الْلَّهُم إنّي اسْتَوْدِعُك تِلْك الْأنْفُس ، و تِلْك الْأبْدَان ، حَتَّى تَرْوِيْهِم مِن الْحَوْض يَوْم الْعَطَش ، فَمَا زَال صَلَوَات الْلَّه عَلَيْه يَدْعُوَا بِهَذَا الْدُّعَاء و هُو سَاجِد ، فَلَمَّا انْصَرَف ، قُلْت لَه جُعِلْت فِدَاك لَو أن هَذَا الَّذِي سَمِعْتَه مِنْك كَان لِمَن لَا يَعْرِف الْلَّه لَظَنَنْت ان الْنَّار لَا تَطْعَم مِنْه شَيْئا ابَدَا ، و الْلَّه لَقَد تَمَنَّيْت أنّي كُنْت زُرْتُه و لَم أحَج ، فَقَال لِي : مَا أقْرَبَك مِنْه فَمَا الَّذِي يَمْنَعْك عَن زِيَارَتِه يَا مُعَاوِيَه ، و لَم تَدْع ذَلِك ، قُلْت جُعِلْت ، فِدَاك لِم ادْر ان الْامْر يُبَاغ هَذَا كُلِّه ، فَقَال يَا مُعَاوِيَه : و مَن يَدْعُو لِزُوَّارِه فِي الْسَّمَاء أكْثَر مِمَّن يَدْعُو لَهُم فِي الْارْض ، لَا تَدَعْه لِخَوْف مِن أحَد فَمَن تَرَكَه لِخَوْف رَأى مِن الْحَسْرَه مَا يَتَمَنَّى أن قَبْرِه كَان بِيَدِه ، أمّا تُحَب أن يَرَى الْلَّه شَخْصِك و سَوَادُك فِيْمَن يَدْعُو لَه رَسُوْل الْلَّه (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و آَلِه) ، أمّا تُحِب أن تَكُوْن غَدَا فِيْمَن تُصِافِحُه المَلَائِكَه ، أمّا تُحِب أن تَكُوْن غَدَا فِيْمَن يَأتِي و لَيْس عَلَيْه ذَنْب فَيَتْبَع بِه ، أمّا تُحِب أن تَكُوْن غَدَاً فِيْمَن يُصَافِح رَسُوْل الْلَّه (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و آَلِه) )) .

---------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .