الإمام زين العابدين (ع) يحيي زائرة له

قال السيد هاشم البحراني(قدس سره): الشيخ الفاضل التقي الزاهد الشيخ فخر الدين النجفي ، رأيته بالنجف ولي منه إجازة قال : روي أن رجلا مؤمنا من أكابر بلاد بلخ كان يحج بيت الله الحرام ، ويزور قبر النبي – صلى الله عليه وآله – في أكثر الأعوام ، وكان يأتي إلى علي بن الحسين – عليهما السلام – فيزوره ويحمل إليه الهدايا والتحف ، ويأخذ مصالح دينه منه ، ثم يرجع إلى بلاده .

فقالت له زوجته : أراك تهدي تحفا كثيرة ، ولا أراه يجازيك عنها بشئ .

فقال : إن هذا الرجل الذي نهدي إليه هدايانا هو ملك الدنيا والآخرة ، وجميع ما في أيدي الناس تحت ملكه ، لأنه خليفة الله في أرضه وحجته على عباده ، وهو ابن رسول الله ، هو إمامنا ومولانا ومقتدانا ، فلما سمعت ذلك منه ، أمسكت عن ملامته.

قال : ثم إن الرجل تهيأ للحج مرة أخرى في السنة القابلة ، وقصد دار علي بن الحسين – عليهما السلام – فاستأذن عليه بالدخول ، فأذن له ، ودخل فسلم عليه وقبل يديه ، ووجد بين يديه طعاما فقربه إليه وأمره بالاكل معه فأكل الرجل حسب كفايته ، ثم استدعى بطشت وإبريق فيه ماء ، فقام الرجل فأخذ الإبريق وصب الماء على يدي الامام .

فقال الامام – عليه السلام – : يا شيخ أنت ضيفنا فكيف تصب على يدي الماء ؟

فقال : إني أحب ذلك .

فقال الامام – عليه السلام – : حيث إنك أحببت ذلك فوالله لأريك ما تحب وترضى وتقر به عيناك ، فصب الرجل الماء على يديه حتى امتلأ ثلث الطست .

فقال الامام : – عليه السلام – للرجل : ما هذا ؟

قال : ماء .

فقال الامام : بل ياقوت أحمر ، فنظر الرجل إليه فإذا هو قد صار ياقوتا أحمر بإذن الله تعالى .

ثم قال الامام – عليه السلام – : يا رجل صب الماء أيضا فصب على يدي الامام مرة أخرى حتى امتلأ ثلثا الطست .

فقال – عليه السلام – له : ما هذا ؟

قال : هذا ماء .

فقال الامام بل هو زمرد أخضر ، فنظر الرجل فإذا هو زمرد أخضر .

ثم قال الامام – عليه السلام – أيضا صب الماء يا رجل ! فصب الماء على يدي الامام – عليه السلام – حتى امتلأ الطست ، فقال للرجل : ما هذا ؟

فقال : هذا ماء .

قال : بل هو در أبيض ، فنظر الرجل إليه فإذا هو در أبيض بإذن الله تعالى وصار الطست ملانا من ثلاثة ألوان در وياقوت وزمرد فتعجب الرجل غاية العجب ، وانكب علي يدي الامام يقبلهما .

فقال له الامام – عليه السلام – : يا شيخ لم يكن عندنا شئ نكافئك على هداياك إلينا فخذ هذه الجواهر ، فإنها عوض هديتك إلينا ، واعتذر لنا عند زوجتك ، لأنها عتبت علينا ، فأطرق الرجل رأسه خجلا ، وقال : يا سيدي ومن أنبأك بكلام زوجتي ؟ فلا شك أنك من بيت النبوة .

ثم إن الرجل ودع الامام – عليه السلام – وأخذ الجواهر ، وسار بها إلى زوجته وحدثها بالقصة ، فقالت : ومن أعلمه بما قلت ؟

فقال : ألم أقل لك : أنه من بيت العلم والآيات الباهرات ؟ فسجدت لله شكرا ، وأقسمت على بعلها بالله العظيم أن يحملها معه إلى زيارته والنظر إلى طلعته ، فلما تجهز بعلها للحج في السنة القابلة ، أخذها معه ، فمرضت المرأة في الطريق وماتت قريبا من مدينة الرسول – صلى الله عليه وآله – فجاء الرجل إلى الامام باكيا حزينا وأخبره بموت زوجته وأنها كانت قاصدة إلى زيارته وإلى زيارة جده رسول الله – صلى الله عليه وآله – .

فقام الامام – عليه السلام – وصلى لله تعالى ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى بدعوات لم تحجب من رب السماوات، ثم التفت إلى الرجل ، فقال له : قم وارجع إلى زوجتك ، فإن الله عز وجل قد أحياها بقدرته وحكمته ، وهو يحيي العظام وهي رميم ، فقام الرجل مسرعا وهو فرح بين مصدق مكذب ، فدخل إلى خيمته فرأى زوجته جالسة في الخيمة على حال الصحة فزاد سروره واعتقد ضميره ، وقال لها : كيف أحياك الله تعالى ؟

فقالت : والله لقد جائني ملك الموت ، وقبض روحي ، وهم أن يصعد بها ، وإذا أنا برجل صفته كذا وكذا وجعلت تعد أوصافه الشريفة – عليه السلام – وبعلها يقول لها: نعم صدقت هذه صفة سيدي ومولاي علي بن الحسين (عليهما السلام).

قالت : فلما رآه ملك الموت مقبلا انكب على قدميه يقبلهما ، ويقول السلام عليك يا حجة الله في أرضه ، السلام عليك يا زين العابدين ، فرد عليه السلام ، وقال له : يا ملك الموت ، أعد روح هذه المرأة إلى جسدها ، فإنها قاصدة إلينا ، وإني قد سألت ربي تعالى أن يبقيها ثلاثين سنة أخرى ، ويحييها حياة طيبة لقدومها إلينا زائرة لنا ، فإن للزائر علينا حقا واجبا .

فقال له الملك : سمعا وطاعة ، لك يا ولي الله ! ثم أعاد روحي إلى جسدي ، وأنا أنظر إلى ملك الموت قد قبل يده الشريفة – عليه السلام – وخرج عني فأخذ الرجل بيد زوجته ، وأتى بها إلى مجلس الامام – عليه السلام – وهو بين أصحابه وانكبت على ركبتيه ، تقبلهما ، وهي تقول : والله هذا سيدي ومولاي ، هذا الذي أحياني الله ببركة دعائه .

قال : ولم تزل المرأة مع بعلها مجاورين عند الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) بقية أعمارهما بعيشة طيبة في البلدة الطيبة إلى أن ماتا (رحمة الله عليهما).