الشام ومناحتها على الإمام الحسين (ع)

وقد سارع عبيد الله بن زياد بالكتابة الى يزيد بن معاوية في الشام يعلمه بمصرع الامام الشهيد (عليه السلام) ووصول سباياه ورؤوس القتلى الى الكوفة ، فأجابه يزيد بالاسراع في إيفاد الأسرى من السبايا مع الرؤوس اليه ، فبادر ابن زياد حالاً بارسال ركب الأسرى والسبايا والرؤوس الى الشام . فبعث الرؤوس مع زجر بن قيس ، وأرسل السبايا أثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن .

نص المقال :

ولم يكد هذا الركب الحزين يصل الى العاصمة الأموية إلا وعمت النياحات أو ساطها عليه ، كما كانت قد عمت الأوساط الكوفية وسائر المدن والنواحي والقصبات التي مر بها هذا الركب المفجع . ولقد تناقلت الروايات وصف هذه المناحات في الشام فانقل منها بعض ما يلي :

۱ ـ جاء في الجزء «۱ : ۱۴۳» من كتاب « المجالس السنية » السالف الذكر ما نصه : « إنه عند ما أدخل ثقل الحسين (عليه السلام) وسباياه ونساؤه على يزيد بن معاوية في الشام ، وهو بين حاشيته وأعيانها ووجهائها ، وهم مقزنون في الحبال ، والإمام زين العابدين (عليه السلام) مغلول . قال الإمام (عليه السلام) مخاطباً يزيد : أنشدك الله ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الصفة ؟ فلم يبق في القوم أحد إلا وبكى . فأمر يزيد بالحبال فقطعت ، وأمر بفك الغل عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) .

ثم وضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يدي يزيد الذي أجلس النساء خلفه لئلا ينظرون اليه ، فجعلت فاطمة وسكينة بنتا الإمام الحسين (عليه السلام) يتطاولان لينظرا الرأس ، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس . فلما رأين الرأس صحن ، فصاحت نساء يزيد ، وولولت بنات معاوية ، فقالت فاطمة : أبنات رسول الله سبايا يا يزيد ؟ فبكى الناس ، وبكى أهل داره حتى علت الأصوات . وأما زينب فأنها لما رأت الرأس أهوت الى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : ياحسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا ابن مكة ومنى ، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا ابن بنت المصطفى … قال الراوي فأبكت والله كل من كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت ، ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين وتنادي : يا حبيبا ، يا سيد أهل بيتنا ، يا ابن محمداه ، يا ربيع الأرامل واليتامى ، يا قتيل أولاد الأدعياء ، فأبكت كل من سمعها . وكان في السبايا الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين (عليه السلام) ، وهي أم سكينة بنت الحسين وأم عبد الله الرضيع المقتول بكربلاء ، فأخذت الرباب الرأس ووضعته في حجرها وقبلته … ثم أقيمت المناحة ثلاث أيام وصالا … » .

وكانت هذه أول مناحة عامة على الحسين (عليه السلام) وأهله وآله وصحبه تقام في الشام ، إذ إن الروايات تفيد بأن يزيد أمر بأن تقام للسبيا والأسرى دار تتصل بداره ، وكان هؤلاء مدة مقامهم في أيامهم الحزينة بالشام ينوحون على الحسين في سرهم وعلنهم .

هذا ولم تكن بنات آل البيت والهاشميات وحدهن الباكيات بل واستهن نساء بني أمية بدموعهن ، فلم تبق أموية إلا وأخذت تبكي وتنوح على الحسين (عليه السلام) وسباياه .

۲ ـ جاء في كتاب « أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام » لمؤلفه عمر كحالة ، عند بحثه عن مجلس يزيد في الشام وحضور السبايا فيه . قوله : « ثم أخرجهن فأدخلهن دار يزيد بن معاوية ، فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن وأقمن على الحسين المناحة ثلاثاً … » (۱) .

۳ ـ وصف السيد عبد العزيز سيد الأهل في مؤلفه : « زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) » كيفية وصول الامام (عليه السلام) ومعه السبايا الى الشام وصعود الامام المنبر ليخطب في الناس ، ثم يقول : « وجعل علي بن الحسين يخطب ويفتخر بأهل بيته ويسميهم باسمائهم فرداً فرداً ، ويذكر فضائلهم وأياديهم على الملة والناس ، وما زال يقول ويطنب حتى بكى الناس وانتحبوا ، وتحركوا أو كادوا . فكان أيضاً أول انتحاب … » .

۴ ـ جاء في « موسوعة آل النبي » المار ذكرها عند ترجمة الرباب بنت امرئ القيس بن عدي زوجة الامام الحسين التي توفيت سنة ۶۲ هـ ، والتي كانت ضمن أسرى ركب سبايا الحسين الى الكوفة وفي الشام والمدينة : « إنها ـ أي الرباب ـ قد أنشدت هذين البيتين عندما أخذت رأس الحسين وقبلته ووضعته في حجرها :

واحسينـا فلا نسيت حسيناً * أقـصدته أسنـة الأعـداء

غادروه بكـربلاء صريعاً * لا سقى الله جـانبي كربلاء

وكانت هذه السيدة الجليلة لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد سنة كاملة … » .

۵ ـ وفي الجزء «۱ : ۱۴۱» من « المجالس السنية » عند وصفه كيفية وصول السبايا الى درج باب المسجد الجامع ، في الشام ، قال المؤلف ما عبارته : « جاء شيخ وأخذ يشتم النساء والسبايا ، جابهه الامام زين العابدين بتعريف السبايا وبذكر بعض آيات القرآن الكريم ، وقال له : نحن هم الذين أشار اليهم القرآن ، فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثم رفع رأسه الى السماء وقال : اللهم أني أبرأ اليك من عدو آل محمد . ثم قال : هل لي من توبة ؟ فقال له الامام : نعم إن تبت تاب عليك الله ، وأنت معنا ، فقال : إني تائب . فبلغ يزيد ذلك فأمر به فقتل … » .

۶ ـ في الجزء «۱ : ۱۴۹» من « المجالس السنية » عند وصف صعود الامام زين العابدين المنبر في الشام وإلقائه خطبة موجزة جاء ما نصه : « فلم يزل يقول الامام : أنا ، حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام .. » .

۷ ـ جاء في الصفحة «۷۴۶» من « موسوعة آل النبي » في وصف مثول السبايا بين يدي يزيد ما نصه : « فهم يزيد أن يتلو الآية : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) [ الشورى : ۳۰ ] .. لكنه ما لبث أن سكت ، فقد كان صراخ النسوة يسمع من بعيد ، فاجعا مؤثراً ، عالي الرنين . ولم تكن بنات بني هاشم وحدهن الباكيات بل واستهن نساء بني أمية بدموعهن . فلم تبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين ، وأقيمت المناحة ثلاثة أيام وصالاً ثم أمر يزيد فجهزن للسفر لى المدينة في صحبة حارس أمين ، معه خيل وأعوان » .

۸ ـ في الصفحة «۱۴۷» من كتاب « نهضة الحسين » عند الحديث عن اختتام مثول السبايا والأسرى بين يدي يزيد يقول مؤلفه الجليل ما لفظه : « هنا ، وفي هذه الساعة انطفأت جذوة الانتقام التي كان لهيباً يستعر في صدر يزيد من قبل . وهنا خاتمة المصائب . هنا أذن يزيد لأهل البيت النبوي بإقامة العزاء لفقد سيدهم ليالي وأياماً ، وعلت من بيوت يزيد ونسوته أصوات البكاء والعويل كحمامات الدوح يتجاوبن مع النوادب من آل الرسول على سيد شباب أهل الجنة » .

۹ ـ جاء في الصفحة «۱۳۳» من كتاب « المجالس الحسينية » لمؤلفه الشيخ مغنية ، نقلاً عن كتاب « نفس المهموم » ما نصه : « إن هند بنت عبد الله بن عامر كانت تحت الحسين (عليه السلام) فطلقها وتزوجت يزيد . وحين دخل السبايا على يزيد في الشام حسرت هند عن رأسها وشقت الثياب ودخلت على يزيد في مجلسه تندب وتصيح ، وقالت : يا يزد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب ؟… » .

۱۰ ـ جاء في الصفحة «۱۴۲» من « المجالس السنية » ما عبارته : « روي أن بعض فضلاء التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين (عليه السلام) بالشام أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه ، فلما وجدوه بعد أن فقدوه وسألوه عن سبب ذلك فقال : ألا ترون ما نزل بنا ؟ ثم أنشأ يقول :

جـاءوا برأسك يابن بنت محمد * مـترملاً بـدمـائه تـرميـلا

وكـأنمـا بك يـابن بنت محمد * قتلـوا جهاراً عـامدين رسولا

قـتلوك عطشاناً ولمـا يـرقبوا * في قـتلك التأويـل والتـنزيلا

ويكـبرون بـأن قـتلت وإنمـا * قـتلوا بك التكبير والتهليلا (۲)

۱۱ ـ ورد في الصفحة «۱۵۳» من كتاب « إقناع اللائم » ما عبارته :

« وفي العقد الفريد (۳) عن المدائني بسنده عن الحسن البصري قال : قتل مع الحسين ستة عشر من أهل بيته والله ما كان على الأرض يومئذ أهل بيت يشبهون بهم ، وحمل أهل الشام بنات رسول الله سبايا على ظهور الابل ، فلما أدخلوا على يزيد قالت فاطمة بنت الحسين : يا يزيد ، أبنات رسول الله سبايا ؟ قال : بل حرائر كرام ، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت . قالت : فدخلت اليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا متلدمة تبكي . وقالت بنت عقيل بن أبي طالب ترثي الحسين ومن أصيب معه :

عيني ابكـي بعبرة وعـويل * واندبي إن ندبت آل الرسول

سـتة كـلهم لصـلب علـي * قد اصـيبوا وخـمسة لعقيل

۱۲ ـ جاء في الصفحة «۳۵۶» من تاريخ الطبري المجلد الرابع ، عند ذكره وضع رأس الحسين بين يدي يزيد في الشام ما نصه : « وقيل (۴) : إن هنداً بنت عبد الله بن عامر زوجة يزيد سمعت بما يدور في مجلس زوجها فتقنعت بثوبها وخرجت ، فقالت : يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ؟ قال : نعم ، فأعولي عليه وحدي (۵) عجل عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله … » .

۱۳ ـ جاء في الصفحة «۲۱۱» من « إقناع اللائم » عند بحثه عن أفراح عاشوراء لدى بعض الفرق وخاصة في الشام قوله : « والصحيح أن الذين سنوها هم بنو أمية كلهم وأتباعهم من زمن يزيد لا خصوص الحجاج . ولما دخل سهل بن سعد الصحابي الشام رآهم قد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول . فقال في نفسه : ترى لاهل الشام عيداً لا نعرفه ؟ ثم علم أن ذلك بسبب دخول رأس الحسين (عليه السلام) ، فعجب لذلك » .

۱۴ ـ وللسيد الرضي في هذه الأعياد هذا البيت الذي أورده كتاب « اقناع اللائم » أيضاً :

كانت مآتم بالعراق تعدها * أموية بالشام من أعيادها

وكذلك لابن منير الدين الطرابلسي في رائيته المشهورة هذه الأبيات في تلك الأعياد :

وحـلقت في عـشر المحـرم * ما استطال مـن الشـعر

ونـويت صــوم نـهـاره * وصـــيام أيـام أخــر

ولبـست فـيـه أجمـل ثـو * ب للــملابـس يــدخر

وسهرت في طــبخ الحـبو * ب من العشاء الى السـحر

وغــدوت مكـتحـلا أصـا * فـح من لـقيت مـن البشر

ووقـفت في وسـط الـطـر * يق أقـص شارب من عبر

_____
(۱) أعلام النساء ۲ : ۹۷ .
(۲) اللهوف في قتلى الطفوف : ۷۶ .
(۳) العقد الفريد ۵ : ۱۳۲ .
(۴) في المصدر هكذا : ( قال : فسمعت دور الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز وكانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت ) .
(۵) في المصدر زيادة ( على ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصريحة قريش