الدعاء والأدب العربي

يقول الدكتور حسين علي محفوظ: ” الدعاء ” جانب مهم من الآداب العربية، نسيه تاريخ الأدب، وتجاهله الادباء، وأغفله النقاد وكادوا يطمسون الإشارة إلى بلاغته، على الرغم من أنه: نثر فني رائع، واسلوب ناصع من أجناس المنثور، ونمط بديع من أفانين التعبير، وطريقة بارعة من أنواع البيان، ومسلك معجب من فنون الكلام.

والحق أن ذلك النهج العبقري المعجز، من بدائع بلاغات النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام التي لم يرق إليها غير طيرهم، ولم تسم إليها سوى أقلامهم. فالدعاء أدب جميل، وحديث مبارك، ولغة غنية ودين قيم، وبلاغة عبقرية المجاز، إلهية المسحة، نبوية العبقة، تفتر عن إيمان جم الفضائل، وزهد دثر المحاسن، وتواضع أبيض المحجة، وعمل أغر الطريقة، وتقاة عظيمة القدر (۱).

حقا إن الدعاء يمثل واحدا من أرفع أساليب الأداء العربي في بلاغته الناصعة، وتعبيره العذب، وهو من أوقع الكلام في الكشف عن مكامن الضمير، ومرادات النفس ومتطلبات الروح، مع تطوره وإبداعه في استخدام أساليب الاستدعاء والرجاء والعتاب والاعتذار، وفي أطوار المرونة والعنف، والعجلة والصبر، واليسر والعسر، والاضطرار والرخاء.

وأيضا: الكلمة الناطقة عن التنازلات والتعهدات والالتزامات في صيغ متكاملة الأطراف، جامعة الاسس، رصينة البنود، فصيحة المفردات، بليغة التراكيب.

وهذا أمر يتكفل الإفصاح عنه والبرهنة عليه، نصوص الدعاء المأثور بشهادة المنقطعين إلى الأدب ونقده وتحليله اللفظي والمعنوي. ومن المؤسف أن أدب الدعاء طواه إغفال الادباء، بل تعدى إغفالهم لجانب بديعه وغريبه ونحوه واسلوبه أيضا، بالرغم من صرف جهود واسعة في الأضعف منه والأخس من مجون الشعراء، ولغط الأعراب في زوايا البوادي أو النوادي.

إلا أن بعض فطاحل النحو وفحول اللغة، قد تنبهوا إلى هذا الأمر الخطير، كابن مالك النحوي، والمحقق الشيخ نجم الأئمة الرضي شارح ” الكافية ” وابن منظور الأنصاري صاحب ” لسان العرب ” وابن فارس صاحب ” المقاييس ” فقد احتجوا في مؤلفاتهم بحديث النبي وأهل البيت عليهم السلام.

قال البغدادي: الصواب جواز الاحتجاج بالحديث النبوي في ضبط ألفاظه، ويلحق به ما روي عن الصحابة وأهل البيت عليهم السلام، كما صنع الشارح المحقق الرضي (۲).

هذا في مطلق الحديث، وأما خصوص ما احتوى على الدعاء منه، فاهتمام الشارع والمتشرعة بأمر ضبطها والمحافظة عليها، يدفع كل الشبه المثارة حولها فلا نزاع في الاحتجاج بها في المباحث اللغوية كافة. والحق أن ” الدعاء ” الشريف، خزينة غنية بالمعارف العقلية، والأخلاق الفاضلة، وكنز لغوي حافل بالمفردات الفصيحة، والتراكيب البليغة، خالية عن أدنى شوب أو لكنة. فأين أولياء اللغة من هذه الحقيقة السافرة ؟ وأين هم من هذا الكنز العظيم ؟ وأين هم من هذا المورد العذب ؟

والله ولي التوفيق، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

_________
۱- كشف المحجة لثمرة المهجة: المقدمة، بقلم الشيخ الطهراني، وانظر صفحة ۱۳۱ من أصل الكتاب.
۲- الصحيفة السجادية، مقال نشر في مجلة ” البلاغ ” الكاظمية، السنة الاولى، العدد ۶٫