من تراث الإمام الحسين (ع) الرائع ـ القسم الثاني

للإمام الحسين ( ع ) تراث رائع خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي منيت بالغموض والتعقيد ، فأوضحها وبين وجهة الاسلام فيها ، كما خاض في كثير من كلماته أصول الأخلاق وقواعد الآداب ، وأسس الاصلاح الاجتماعي والفردي ، ونعرض فيما يلي لبعض ما اثر عنه :

 

أنواع العبادة :

وتحدث ( ع ) عن أنواع العبادة فقال : ” إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة ” ( 12 ) .

وتحدث ( ع ) عمن عبد الله حق عبادته فقال : ” من عبد الله حق عبادته أتاه الله فوق أمانيه وكفايته ” ( 13 ) .

 

مودة أهل البيت :

وحث الإمام الحسين على مودة أهل البيت ( ع ) يقول أبو سعيد : سمعت الحسين يقول : ” من أحبنا نفعه الله بحبنا ، وإن كان أسيرا في الديلم ، وإن حبنا ليساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق . . . ” ( 14 ) .

قال ( ع ) : ” الزموا مودتنا أهل البيت فان من لقي الله وهو يودنا دخل في شفاعتنا ” .

روى بشير بن غالب أن الإمام الحسين ( ع ) قال : ” من أحبنا لله وردنا نحن وهو على نبينا ( ص ) هكذا – وضم إصبعيه – ومن أحبنا للدنيا فان الدنيا تسع البر والفاجر . . ” ( 15 ) .

وحدث ( ع ) عما يكتسبه من أتى إليهم من الفوائد قال : ” من أتانا لم يعدم خصلة من أربع : آية محكمة ، وقضية عادلة ، وأخا مستفادا ، ومجالسة العلماء . . . ” ( 16 ) .

 

مكارم الأخلاق :

ورسم الإمام ( ع ) لأهل بيته وأصحابه مكارم الأخلاق ، ومحاسن الصفات وأمرهم بالتحلي بها ليكونوا قدوة لغيرهم ، وفيما يلي بعضها .

1 – قال ( ع ) : ” الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والاستكثار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدنائة شر ، ومجالسة أهل الفسوق ريبة . . . ” ( 17 ) .

2 – قال ( ع ) : ” الصدق عز ، والكذب عجز ، والسر أمانة ، والجوار قرابة ، والمعونة صدقة ، والعمل تجربة ، والخلق الحسن عبادة ، والصمت زين ، والشح فقر ، والسخاء غنى ، والرفق لب . . . ” (18) .

3 – قال ( ع ) : ” أيها الناس ، من جاد ساد ، ومن بخل رذل وان أجود الناس من أعطى من لا يرجوه . . . ” ( 19 ) .

4 – قال ( ع ) : ” من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، ومن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا . . . ” ( 20 ) .

5 – قال ( ع ) : ” اعلموا ان حوائج الناس إليكم من نعم الله عز وجل عليكم ، فلا تملوا النعم فتعود النقم . . . ” ( 21 ) .

6 – رأى الإمام ( ع ) رجلا قد دعي إلى طعام فامتنع من الإجابة فقال ( ع ) له : ” قم فليس في الدعوة عفو ، وإن كنت مفطرا فكل ، وأنت صائما فبارك . . . ” ( 22 ) .

7 – قال ( ع ) : ” صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فأكرم وجهك عن رده . . . ” ( 23 ) .

8 – كان ( ع ) دوما ينشد هذه الأبيات الداعية إلى حسن الخلق ، وعدم العناء في طلب الدنيا ، ويزعم بعض الرواة انها من نظمه وهي :

لئن كانت الافعال يوما لأهلها * كمالا فحسن الخلق أبهى وأكمل

وإن كانت الأرزاق رزقا مقدرا * فقلة جهد المرء في الكسب أجمل

وإن كانت الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن كانت الأبدان للموت أنشأت * فقتل امرء بالسيف في الله أفضل

وإن كانت الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل (24)

وألمت هذه الأبيات برغبة الامام بالشهادة في سبيل الله ، كما حكت عن طبيعة كرمه وسخائه .

9 – قال ( ع ) : ” لا تتكلف ما لا تطيق ، ولا تتعرض لما لا تدرك ، ولا تعد بما لا تقدر عليه ، ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد ، ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت ، ولا تفرح الا بما نلت من طاعة الله ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك أهلا له . . . ” ( 25 ) .

10 – قال ( ع ) : لابن عباس : ” لا تتكلمن فيما لا يعنيك فاني أخاف عليك الوزر ، ولا تتكلمن فيما لا يعنيك حتى ترى للكلام موضعا فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب ، ولا تمارين حليما ولا سفيها ، فإن الحليم يقلبك ، والسفيه يؤذيك ، ولا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلا ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالاجرام مجزي بالاحسان . . . ” ( 26 ) .

وهذه الكلمات الذهبية هي بعض ما اثر عنه في مكارم الأخلاق ، ومحاسن الصفات التي يكسب بها الانسان المنهج السليم ، وحسن السلوك وسلامة الدارين .

 

تشريع الاذان :

وزعم بعض المعاصرين للامام أن الذي شرع الاذان عبد الله ابن زيد لرؤيا رآها ، فأخبر بها النبي ( ص ) فأمر ( ص ) به ، فأنكر

الإمام ( ع ) ذلك وقال : ” الوحي يتنزل على نبيكم ، وتزعمون أنه أخذ الاذان عن عبد الله ابن زيد والاذان وجه دينكم . . . ” ( 27 ) .

 

الاخوان :

قال ( ع ) : ” الاخوان أربعة : فأخ لك وله ، وأخ عليك ، وأخ لا لك ولا له . . ” .

وأوضح ( ع ) ذلك بقوله : ” الأخ الذي هو لك وله فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء ولا يطلب بإخائه موت الاخاء فهذا لك وله ، لأنه إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا ، وإذا دخل الاخاء في حال التناقض بطلا جميعا ، والأخ الذي لك فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء فهو موفور عليك بكليته ، والأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر ، ويغشى السرائر ، ويكذب عليك بين العشائر ، وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد ، والأخ الذي لك ولا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقا فتراه يؤثر نفسه عليك ، ويطلب شح ما لديك . . . ” ( 28 ) .

 

العلم والتجارب :

قال ( ع ) : ” دراسة العلم لقاح المعرفة ، وطول التجارب زيادة في العقل ، والشرف والتقوى والقنوع راحة الأبدان ، ومن حبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك . . . ” ( 29 ) .

 

حقيقة الصدقة :

وتصدق رجل من بني أمية بأموال كثيرة ، ولم تكن تلك الأموال من حلال ، وإنما كانت من حرام ، فقال الإمام ( ع ) :

” مثله مثل الذي سرق الحاج ، وتصدق بما سرق ، إنما الصدقة صدقة من عرق فيها جبينه ، وأغبر فيها وجهه . . ” ( 30 )

 

الوعظ والارشاد :

وعنى الإمام ( ع ) بوعظ الناس وارشادهم كما عنى أبوه من قبله ، مستهدفين من ذلك تنمية القوى الخيرة في النفوس ، وتوجيه الناس نحو الحق والخير وإبعادهم عن نزعات الشر من الاعتداء والغرور والطيش وغير ذلك ، ونعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه :

1 – قال ( ع ) : ” أوصيكم بتقوى الله ، وأحذركم أيامه ، وأرفع لكم أعلامه ، فكأن المخوف قد أقل بمهول وروده ، ونكير حلوله ، وبشع مذاقه ، فاغتلق مهجكم ، وحال بين العمل وبينكم ، فبادروا بصحة الأجسام ومدة الأعمار ، كأنكم نبعات طوارقه فتنقلكم من ظهر الأرض إلى بطنها ، ومن علوها إلى سفلها ، ومن أنسها إلى وحشتها ، ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها ، ومن سعتها إلى ضيقها حيث لا يزار حميم ، ولا يعاد سقيم ، ولا يجاب صريخ ، أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم ، ونجانا وإياكم من عقابه وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه .

عباد الله : فلو كان ذلك قصر مرماكم ، ومدى مضعنكم ، كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه ، ويذهله عن دنياه ، ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه ، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه ، لا وزير له يمنعه ، ولا ظهير عنه يدفعه ويومئذ ” لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانهم خيرا قل انتظروا إنا منتظرون ” ( 31 ) .

أوصيكم بتقوى الله فان الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد بذنوبهم ، ويأمن العقوبة من ذنبه ، فان الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته ، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله ( 32 ) .

وحفل هذا الكلام بما يقرب الناس إلى الله ، وبما يبعدهم عن معاصيه ويجنبهم عن دواعي الهوى ونزعات الشرور .

2 – كتب إليه رجل يطلب منه أن يعظه بحرفين أي يوجز القول فكتب ( ع ) له : ” من حاول أمرا بمعصية الله تعالى كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجئ ما يحذر . . . ” ( 33 ) .

3 – قال ( ع ) : ” عباد الله اتقوا الله ، وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لاحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضاء ، وأرضى بالقضاء ، غير أن الله خلق الدنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء ، فجديدها بال ، ونعيمها مضمحل ، وسرورها مكفهر والمنزلة بلغة ، والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى . . . ” ( 34 ) .

4 – كتب إليه رجل يسأله عن خير الدنيا والآخرة فأجابه ( ع ) : ” أما بعد : فإن من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس ، ومن طلب رضا الناس بسخط الله ، وكله الله إلى الناس والسلام ” ( 35 ) .

5 – قال ( ع ) : ” إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها ، بحرها وبرها ، سهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفئ الظلال . . . ” ( 36 ) .

وأضاف يقول : ” ألا حر يدع هذه اللماظة – يعني الدنيا – لأهلها ، ليس لأنفسكم ثم إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فإنه من رضى الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس . . . ” .

6 – قال له رجل : كيف أصبحت يا بن رسول الله ( ص ) ؟ فقال عليه السلام : ” أصبحت ولي رب فوقي ، والنار أمامي ، والموت يطلبني والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن بعملي ، لا أجد ما أحب ، ولا أدفع ما أكره ، والأمور بيد غيري ، فان شاء عذبني ، وإن شاء عفا عني ، فأي فقير أفقر مني ؟ ” ( 37 ) .

7 – قال ( ع ) : يا بن آدم تفكر ، وقل : أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمروا خرابها واحتفروا أنهارها ، وغرسوا أشجارها ، ومدنوا مدائنها ، فارقوها وهم كارهون ، وورثها قوم آخرون ، ونحن بهم عما قليل لاحقون .

يا بن آدم أذكر مصرعك ، وفي قبرك مضجعك بين يدي الله ، تشهد جوارحك عليك يوم تزول فيه الاقدام ، وتبلغ القلوب الحناجر ، وتبيض وجوه ، وتبدو السرائر ، ويوضع الميزان القسط .

يا بن آدم أذكر مصارع آبائك ، وأبنائك ، كيف كانوا ، وحيث حلوا ، وكأنك عن قليل قد حللت محلهم ، وصرت عبرة المعتبرة . . . ثم أنشد هذه الأبيات :

أين الملوك التي عن حفظها غفلت * حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

تلك المدائن في الآفاق خالية * عادت خرابا وذاق الموت بانيها

أموالنا لذوي الوارث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها ( 38 )

هذه بعض ما أثر عنه من المواعظ الهادفة إلى صلاح النفوس وتهذيبها وأبعادها عن نزعات الهوى والشرور .

 

الهوامش

( 12 ) بحار الأنوار ، تحف العقول ( ص 246 ) .

( 13 ) تفسير العسكري .

( 14 ) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث 388 ، من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين ( ع ) .

( 15 ) تاريخ ابن عساكر 13 / 56 .

( 16 ) كشف الغمة .

( 17 ) نور الابصار ( ص 166 ) .

( 18 ) تاريخ اليعقوبي 2 / 219 .

( 19 ) نهاية الإرب 3 / 205 .

( 20 ) نهاية الإرب 3 / 205 .

( 21 ) طبقات الشعراني 1 / 23 ، مختصر صفوة الصفوة ( ص 62 ) .

( 22 ) دعائم الاسلام 2 / 105 .

( 23 ) نور الابصار ( ص 166 ) ، كشف الغمة 2 / 244 .

( 24 ) مختصر صفة الصفوة ( ص 62 ) ، الأنوار البهية ( ص 46 ) .

( 25 ) أسرار الحكماء ( ص 90 ) لياقوت المستعصمي .

( 26 ) البحار .

( 27 ) دعائم الاسلام 1 / 172 .

( 28 ) البحار .

( 29 ) البحار .

( 30 ) دعائم الاسلام 1 / 292 .

( 31 ) سورة الأنعام : آية 158 .

( 32 ) الأنوار البهية ( ص 45 ) .

( 33 ) أصول الكافي 2 / 273 .

( 34 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 333 .

( 35 ) مجالس الصدوق ( ص 121 ) .

( 36 ) البحار .

( 37 ) البحار .

( 38 ) الارشاد للديلمي .