لمحات من مُثل الإمام الحسين (ع)-القسم الأول

وتجسدت في شخصية أبي الأحرار الإمام الحسين (ع) جميع القيم الانسانية ، والمثل العليا والتقت به عناصر النبوة والإمامة ، فكان بحكم مثله وتهذيبه فذا من أفذاذ التكامل الانساني ، ومثلا رائعا من أمثله الرسالة الاسلامية ، فهو – بحق – الأطروحة الخالدة للاسلام بجميع طاقاته ومقوماته .

إن أية صفة من صفات أبي الشهداء أو نزعة من نزعاته الكريمة لترفعه عاليا على جميع عظماء العالم ، وتدفع إلى القول – بلا مغالاة – أنه نسخة لا ثاني لها في تاريخ البشرية على الاطلاق ما عدا جده وأبيه ، ونعرض – بإيجاز – إلى بعض خصائصه وذاتياته .

 

إمامته :

الإمام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت ( ع ) الذين استكملت فيهم الصفات الانسانية ، وبلغوا ذروة الكمال المطلق ، وأقاموا منار هذا الدين ، ورفعوا شعار الحق والعدل في الأرض ، وتبنوا القضايا المصيرية للاسلام ، وعانوا في سبيله جميع ألوان الكوارث والخطوب ، ولاقوا كل جهد وضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا .

وقد نظر النبي ( ص ) – وهو يوحي إليه – من خلال الأحقاب المترامية إلى الأئمة الطاهرين من أهل بيته فعرفهم بأسمائهم وصفاتهم ، ودلل بنصوصه العامة والخاصة على أنهم خلفاؤه وأوصياؤه ، وانهم سفن النجاة وأمن العباد وقرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد ألمعنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها ، كما أنا بحثنا بصورة موضوعية وشاملة عن الإمامة وضرورتها ، وواجبات الامام وصفاته في كتابنا ( حياة الإمام الحسن ) فلا حاجة لإعادة البحث هنا .

 

مظاهر شخصية الإمام الحسين (ع) :

أما الظاهر الفذة التي اتصفت بها شخصية أبي الأحرار ، وكانت من عناصره ومقوماته فهي :
1 – قوة الإرادة :

من النزعات الذاتية لأبي الشهداء ( ع ) قوة الإرادة ، وصلابة العزم والتصميم ، وقد ورث هذه الظاهرة الكريمة من جده الرسول ( ص ) الذي غير التاريخ ، وقلب مفاهيم الحياة ، ووقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبت لتمنعه من أن يقول كلمة الله ، فلم يعن بها وراح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش :

” والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله . . . ” .

بهذا الإرادة الجبارة قابل قوى الشرك ، واستطاع أن يتغلب على مجريات الاحداث ، وكذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الأموي فأعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد ، وانطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق ، ويدحض كلمة الباطل ، وقد حشدت عليه الدولة الأموية جيوشها الهائلة ، فلم يحفل بها ، وأعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلا :

” لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما . . . ” .

وانطلق مع الأسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الاسلام ، ويحقق للأمة الاسلامية أعظم الانتصارات والفتح حتى استشهد سلام الله عليه ، وهو من أقوى الناس إرادة ، وأمضاهم عزيمة وتصميما . غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحير الألباب .
2 – الاباء عن الضيم :

والصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين ( ع ) الاباء عن الضيم حتى لقب ( بأبي الضيم ) وهي من أعظم ألقابه ذيوعا وانتشارا بين الناس فقد كان المثل الاعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية ورسم طريق الشرف والعزة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، وآثر الموت تحت ظلال الأسنة ، يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي :

والحسين الذي رأى الموت في العز * حياة والعيش في الذل قتلا

ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة ( 1 ) يقول ابن أبي الحديد :

” سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية ، والموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) عرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك . وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول : كأن أبيان أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين :

وقد كان فوت الموت سهلا فرده * إليه الحفاظ المر والخلق الوعر

ونفس تعاف الضيم حتى كأنه * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها : من دون أخصمك الحشر

تردى ثياب الموت حمرا فما بدا * لها الليل إلا وهي من سندس خضر ( 2 )

لقد علم أبو الأحرار الناس نبل الاباء ونبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير : ” واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ” ( 3 ) ثم تمثل :

وإن الألى بالطف من آل هاشم * تآسوا فسنوا للكرام التآسيا

وقد كانت كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول :

” ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام . . . ” .

ووقف يوم الطف كالجبل الأشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الأموية ، وقد ألقى عليهم وعلى الأجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزة النفس وشرف الاباء قائلا : ” والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد إني عذت بربي وربكم أن ترجمون . . . ”

وألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الامام العظيم من الكرامة التي التي لا حد لأبعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الاسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد .

وتسابق شعراء أهل البيت ( ع ) إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دونته مصادر الأدب العربي وقد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول :

طمعت أن تسومه القوم ضيما * وأبى الله والحسام الصنيع

كيف يلوي على الدنية جيدا * لسوى الله ما لواه الخضوع

ولديه جأش أرد من الدرع * لضمأى القنا وهن شروع

وبه يرجع الحفاظ لصدر * ضاقت الأرض وهي فيه تضيع

فأبى أن يعيش إلا عزيزا * أو تجلى الكفاح وهو صريع ( 4 )

ولم تصور منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الأموية من ارغام الإمام الحسين ( ع ) على الذل والهوان ، واخضاعه لجورهم واستبدادهم ، ولكن يأبى له الله ذلك وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم ، فإنه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لأي أحد إلا لله ، فكيف يخضع لأقزام بني أمية ؟ ! وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة ، وما أروع قوله :

وبه يرجع الحفاظ لصدر * ضاقت الأرض وهي فيه تضيع

وهل هناك أبلغ أو أدق وصفا لاباء الإمام الحسين وعزته من هذا الوصف ، فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ والذمام لصدر الإمام ( ع ) التي ضاقت الأرض من صلابة عزمه وتصميمه ، بل أنها على سعتها تضيع فيه ومن الحق انه قد حلق في وصفه لاباء الامام ، ويضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع .

وانظر إلى هذه الأبيات من رائعته الأخرى التي يصف بها اباء الحسين يقول :

لقد مات لكن ميتة هاشمية * لهم عرفت تحت القنا المتقصد

كريم أبى شم الدنية أنفه * فأشممه شوك الوشيج المسدد

وقال : قفي يا نفس وقفه وارد * حياض الردى لا وقفة المتردد

رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا * من الموت حيث الموت منه بمرصد

فآثر أن يسعى على جمرة الوغى * برجل ولا يعطى المقادة عن يد ( 5 )

لا أكاد أعرف شعرا أدق ، ولا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الامام العظيم وعزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الأسنة على العيش الرغيد بذل وخنوع ، ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال ، واندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية والفداء لينعموا بالكرامة والعزة .

ومضى حيدر في تصويره لاباء الامام الشهيد فوصفه بأنه أبى شم الدنية والضيم ، وعمد إلى شم الرماح والسيوف لان بها طعام الاباء وطعم الشرف والمجد . . . وعلى هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الامام ، تلك المنعة التي ملكت مشاعره وعواطفه كما ملكت عواطف غيره ، ومن المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك ، ولا منتحلا وانما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلف فيه .

ويقول حيدر : في رائعة أخرى يصف بها اباء الامام وسمو ذاته ، ولعلها من أجمل ما رثى به الإمام ( ع ) يقول :

وسامته يركب إحدى اثنتين * وقد صرت الحرب أسنانها

فإما يرى مذعنا أو تموت * نفس أبى العز اذعانها

فقال لها : اعتصمي بالاباء * فنفس الابي وما زانها

إذا لم تجد غير لبس الهوان * فبالموت تنزع جثمانها

رأى القتل صبرا شعار الكرام * وفخرا يزين لها شأنها

فشمر للحرب في معرك * به عرك الموت فرسانها ( 6 ) .

إن مرائي حيدر للامام تعد – بحق – طغراء مشرقا في تراث الأمة العربية ، فقد فكر فيها تفكيرا جادا ورتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة ، وكان – فيما يقول معاصروه – ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الإمام ( ع ) ويعكف طيلة عامه على اصلاحها ، ويمعن امعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة والابداع .

 

3 – الشجاعة :

ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ، ولا أربط جأشا ، ولا أقوى جنانا من الإمام الحسين ( ع ) فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الألباب ، وأذهل فيه العقول ، وأخذت الأجيال تتحدث باعجاب واكبار عن بسالته ، وصلابة عزمه ، وقدم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الأرض .

وقد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه ، فإنه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، وكان يزداد انطلاقا وبشرا كلما ازداد الموقف بلاء ومحنة ، فإنه بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره وكان عدده – فيما يقول الرواة – ثلاثين ألفا ، فحمل عليهم وحده وقد ملك الخوف والرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزي إذا شد عليها الذئب – على حد تعبير الرواة – وبقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب ، ولم يوه له ركن ، وإنما مضى في أمره استبسالا واستخفافا بالمنية يقول السيد حيدر :

فتلقى الجموع فردا ولكن * كل عضو في الروع منه جموع

رمحه من بنانه وكأن من * عزمه حد سيفه مطبوع

زوج السيف بالنفوس ولكن * مهرها الموت والخضاب النجيع

ويقول في رائعة أخرى :

ركين وللأرض تحت الكماة * رجيف يزلزل ثهلانها

أقر على الأرض من ظهرها * إذا ململ الرعب أقرانها

تزيد الطلاقة في وجهه * إذا غير الخوف ألوانها

ولما سقط أبي الضيم على الأرض جريحا وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الاجهاز عليه رعبا وخوفا منه ، يقول السيد حيدر :

عفيرا متى عاينته الكماة * يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثله * صريعا يجبن شجعانها

وتغذى أهل بيته وأصحابه بهذه الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق واخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب ولا خوف ، وقد شهد لهم عدوهم بالبسالة ورباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ويحك أقتلتم ذرية رسول الله ( ص ) ؟ فاندفع قائلا :

” عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية ، تحطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، والاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا فاعلين لا أم لك . . . ” ( 7 ) .

ووصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله :

فلو وقفت صم الجبال مكانهم * لمادت على سهل ودكت على وعر

فمن قائم يستعرض النبل وجه * ومن مقدم يرمي الأسنة بالصدر

وما أروع قول السيد حيدر :

دكوا رباها ثم قالوا : لها * وقد جثوا نحن مكان الربا

لقد تحدى أبو الأحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت وهزأ من الحياة ، وقد قال لأصحابه حينما مطرت عليه سهام الأعداء : ” قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه ، فان هذه السهام رسل القوم إليكم . . . ” .

لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة ، ولقد كانت لذيذة عنده حقا ، لأنه هو ينازل الباطل ويرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه ( 8 ) .

 

4 – الصراحة :

من صفات أبي الأحرار الصراحة في القول ، والصراحة في السلوك ففي جميع فترات حياته لم يوارب ولم يخادع ، ولم يسلك طريقا فيه أي التواء ، وإنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي ، وابتعد عن المنعطفات التي لا يقرها دينه وخلقه ، وكان من ألوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل ، وأحاطه علما بهلاك معاوية ، وطلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام ، فامتنع ( ع ) وصارحه بالواقع قائلا :

” يا أمير إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد فاسق فاجر ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق والفجور ، ومثلي لا يبايع مثله . . . ” .

وكشف هذه الكلمات عن مدى صراحته ، وسمو ذاته ، وقوة العارضة عنده في سبيل الحق .

ومن ألوان تلك الصراحة التي اعتادها وصارت من ذاتياته أنه لما خرج إلى العراق وافاه النبأ المؤلم وهو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم ابن عقيل ، وخذلان أهل الكوفة ، فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق :

” قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه ذمام . . . ” .

فتفرق عنه ذوو الأطماع ، وبقى مع الصفوة من أهل بيته ( 9 ) لقد تجنب ( ع ) في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلى الناصر الاغراء والخداع مؤمنا ان ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها والمؤمنة بعدالة قضيتها .

ومن ألوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرم ، فأحاطهم علما بأنه يقتل في غد ، ويقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا على بصيرة وبينة من أمرهم ، وأمرهم بالتفرق في سواد ذلك الليل ، فأبت تلك الأسرة العظيمة مفارقته ، وأصرت على الشهادة بين يديه .

تدول الدول ، وتزول المالك ، وهذه الأخلاق الرفيعة أحق بالبقاء وأجدر بالخلود من كل كائن حي لأنها تمثل القيم العليا التي لا كرامة للانسان بدونها .

 

5 – الصلاة في الحق :

أما الصلاة في الحق فهي من مقومات أبي الشهداء ومن أبرز ذاتياته فقد شق الطريق في صعوبة مذهلة لإقامة الحق ، ودك حصون الباطل ، وتدمير خلايا الجور .

لقد تبنى الإمام ( ع ) الحق بجميع رحابه ومفاهيمه ، واندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الاسلامي ، وينقذ الأمة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعد للباطل ، وخلايا للظلم ، وأوكارا للطغيان تركتها تتردى في مجاهل سحيقة من هذه الحياة رأى الإمام ( ع ) الأمة قد غمرتها الأباطيل والأضاليل ، ولم يعد ماثلا في حياتها أي مفهوم من مفاهيم الحق ، فانبرى ( ع ) إلى ميادين التضحية والفداء ليرفع راية الحق : وقد أعلن ( ع ) هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه قائلا :

” ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله . . . ” .

لقد كان الحق من العناصر الوضائة في شخصية أبي الأحرار ، وقد استشف النبي ( ص ) فيه هذه الظاهرة الكريمة فكان – فيما يقول المؤرخون – يرشف دوما تغره الكريم ذلك الثغر الذي قال كلمة الله وفجر ينابيع العدل والحق في الأرض .

 

المصادر

( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 / 293 .

( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 1 / 302 .

( 3 ) تاريخ الطبري 6 / 273 .

( 4 ) ديوان سيد حيدر ( ص 87 ) .

( 5 ) ديوان السيد حيدر ( ص 71 ) .

( 6 ) ديوان السيد حيدر .

( 7 ) شرح نهج البلاغة 3 / 263 .

( 8 ) الإمام الحسين ( ص 101 ) .

( 9 ) أنساب الأشراف ج 1 ق 1 .