الإمام الحسين (عليه السلام) الوليد المبارك

وأفرعت دوحة النبوة وشجرة الإمامة الذرية الطاهرة التي تشكل الامتداد الرسالي بعد النبي ( ص ) فكان الوليد الأول أبا محمد الزكي ، وقد امتلأت نفس النبي ( ص ) سرورا به ، فأخذ يتعاهده ، ويغذيه بمثله ومكرمات نفسه التي طبق شذاها العالم بأسره ( 1 ) .

ولم تمض إلا أيام يسيرة حددها بعض المؤرخين باثنين وخمسين يوما ( 2 ) حتى علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسول ( ص ) وسائر المسلمين بفارغ الصبر ، وكلهم رجاء وأمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيئا في سماء الأمة الاسلامية ، ويكونا امتدادا لحياة المنقذ العظيم .

 

رؤيا أم الفضل :

ورأت السيدة أم الفضل بنت الحارث ( 3 ) في منامها رؤيا غريبة لم تهتد إلى تأويلها ، فهرعت إلى رسول الله ( ص ) قائلة له : ” إني رأيت حلما منكرا كأن قطعة من جسدك قطعت ، ووضعت في حجري ؟ . . . ” .

فأزاح النبي ( ص ) مخاوفها ، وبشرها بخير قائلا : ” خيرا رأيت ، تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك . . ”

ومضت الأيام سريعة فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل ، كما أخبر النبي ( ص ) ( 4 ) .

وظل الرسول ( ص ) يترقب بزوغ نجم الوليد الجديد الذي تزدهر به حياة بضعته التي هي أعز الباقين والباقيات عنده من أبنائه وبناته .

 

الوليد المبارك :

ووضعت سيدة نساء العالمين وليدها العظيم الذي لم تضع مثله سيدة من بنات حواء لا في عصر النبوة ، ولا فيما بعده ، أعظم بركة ولا أكثر عائدة على الانسانية منه ، فلم يكن أطيب ، ولا أزكى ولا أنور منه .

لقد أشرقت الدنيا به ، وسعدت به الانسانية في جميع أجيالها ، واعتز به المسلمون ، وعمدوا إلى احياء هذه الذكرى ، افتخارا بها في كل عام ، فتقيم وزارة الأوقاف في مصر احتفالا رسميا داخل المسجد الحسيني اعتزازا بهذه الذكرى العظيمة كما تقام في أكثر مناطق العالم الاسلامي .

وتردد في آفاق يثرب صدى هذا النبأ المفرح فهرعت أمهات المؤمنين وسائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء ، وهن يهنئنها بمولودها الجديد ، ويشاركنها في أفراحها ومسراتها .

 

وجوم النبي ( ص ) وبكاؤه :

ولما بشر الرسول الأعظم بسبطه المبارك خف مسرعا إلى بيت بضعته فاطمة ( ع ) وهو مثقل الخطأ قد ساد عليه الوجوم والحزن ، فنادى بصوت خافت حزين النبرات .

” يا أسماء هلمي ابني ” .

فناولته أسماء ، فاحتضنه النبي ، وجعل يوسعه تقبيلا ، وقد انفجر بالبكاء فذهلت أسماء ، وانبرت تقول : ” فداك أبي وأمي مم بكاؤك ؟ ! ! ” .

فأجابها النبي ( ص ) وقد غامت عيناه بالدموع .

” من ابني هذا ” .

وملكت الحيرة إهابها فلم تدرك معنى هذه الظاهرة ومغزاها فانطلقت تقول : ” إنه ولد الساعة ” .

فأجابها الرسول بصوت متقطع النبرات حزنا وأسى قائلا : ” تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي . . . ” .

ثم نهض وهو مثقل بالهم وأسر إلى أسماء قائلا : ” لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادة . . . ” ( 5 ) .

وانصرف النبي ( ص ) وهو غارق بالأسى والشجون ، فقد استشف من وراء الغيب ما سيجري على ولده من النكبات والخطوب التي تذهل كل كائن حي .

 

سنة ولادته :

واستقبل سبط النبي ( ص ) دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة ( 6 )

وقيل في السنة الثالثة ( 7 ) واختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الأكثر إلى أنه ولد في شعبان ، وأنه في اليوم الخامس منه ( 8 ) ولم يحدد بعضهم اليوم ، وإنما قال : ولد لليالي خلون من شعبان ( 9 ) وأهمل بعض المؤرخين ذلك مكتفيا بالقول أنه ولد في شعبان ( 10 ) وذهب بعض الاعلام إلى أنه ولد في آخر ربيع الأول إلا أنه خلاف المشهور فلا يعني به ( 11 ) .

 

مراسيم ولادته :

وأجرى النبي ( ص ) بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك ، فقام ( ص ) بما يلي :
أولا – الأذان والإقامة :

واحتضن النبي وليده العظيم فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ( 12 ) وجاء في الخبر ” أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم ” ( 13 ) .

إن أول صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جده الرسول ( ص ) الذي هو أول من أناب إلى الله ، ودعا إليه ، وأنشودة ذلك الصوت : ” الله أكبر لا إله إلا الله . . . ” .

لقد غرس النبي ( ص ) هذه الكلمات التي تحمل جوهر الايمان وواقع الاسلام في نفس وليده ، وغذاه بها فكانت من عناصره ومقوماته ، وقد هام بها في جميع مراحل حياته ، فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحيا بكل شئ في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الأرض ، وتسود قوى الخير والسلام وتتحطم معالم الردة الجاهلية التي جهدت على اطفاء نور الله .
ثانيا – التسمية :

وسماه النبي ( ص ) حسينا كما سمى أخاه حسنا ( 14 ) ويقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتى تسمي أبناءهما بهما ، وإنما سماها النبي ( ص ) بهما بوحي من السماء ( 15 ) .

وقد صار هذا الاسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجرت الوعي والايمان في الأرض ، واستوعب ذكرها جميع لغات العالم ، وهام الناس بحبها حتى صارت عندهم شعارا مقدسا لجميع المثل العليا ، وشعارا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل .
أقوال شاذة :

وحفلت بعض مصادر التاريخ والاخبار بصور مختلفة لتسمية الإمام الحسين ( ع ) لا تخلو من التكلف والانتحال وهي :

1 – ما رواه هانئ بن هانئ عن علي ( ع ) قال : لما ولد الحسن جاء رسول الله ( ص ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حربا ، قال : بل هو حسن ، فلما ولد الحسين قال : أروني ابني ما سميتموه ؟

قلت : سميته حربا ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حربا ، فقال بل هو محسن ( 16 ) .

وهذه الرواية – فيما نحسب – لا نصيب لها من الصحة وذلك :

أ – أن سيرة أهل البيت ( ع ) قامت على الالتزام بحرفية الاسلام وعدم الشذوذ عن أي بند من أحكامه ، وقد كره الاسلام تسمية الانباء بأسماء الجاهلية التي هي رمز للتأخر والانحطاط الفكري ، مضافا إلى أن هذا الاسم على لجد الأسرة الأموية التي تمثل القوى الحاقدة على الاسلام والباغية عليه ، فكيف يسمي الامام أبناءه به ؟ ! ! .

ب – إن اعراض النبي ( ص ) عن تسمية سبطه الأول به مما يوجب ردع الامام عن تسمية بقية أبنائه به .

ج – إن المحسن باتفاق المؤرخين لم يولد في حياة الرسول ( ص ) وإنما ولد بعد حياته بقليل ، وهذا مما يؤكد انتحال الرواية وعدم صحتها .

2 – روى أحمد بن حنبل بسنده عن الإمام علي ( ع ) قال : لما ولد لي الحسن سميته باسم عمي حمزة ، ولما ولد الحسين سميته باسم أخي جعفر فدعاني رسول الله ( ص ) فقال : إن الله قد أمرني أن أغير اسم هذين فسماهما حسنا ، وحسينا ” ( 17 ) . وهذه الرواية كسابقتها في الضعف فان تسمية السبطين بهذين الاسمين وقعت عقيب ولادتهما حسب ما ذهب إليه المشهور ولم يذهب أحد إلى ما ذكره أحمد.

3 – روى الطبراني بسنده عن الإمام علي ( ع ) أنه قال : لما ولد الحسين سميته باسم أخي جعفر فدعاني رسول الله ( ص ) وأمرني أن أسميه حسينا ( 18 ) ، وهذه الرواية تضارع الروايتين في ضعفها فان الامام أمير المؤمنين عليه السلام لم يسبق رسول الله ( ص ) في تسمية سبطه وريحانته وهو الذي أسماه بذلك حسب ما ذهب إليه المشهور وأجمعت عليه روايات أهل البيت ( ع ) .
ثالثا : العقيقة :

وبعدما انطوت سبعة أيام من ولادة السبط أمر النبي ( ص ) أن يعق عنه بكبش ، ويوزع لحمه على الفقراء كما أمر أن تعطى القابلة فخذا منها ( 19 ) ، وكان ذلك من جملة ما شرعه الاسلام في ميادين البر والاحسان إلى الفقراء .
رابعا : حلق رأسه :

وأمر النبي ( ص ) أن يحلق رأس وليده ، ويتصدق بزنته فضة على الفقراء ( 20 ) فكان وزنه – كما في الحديث – درهما ونصفا ( 21 ) وطلى رأسه بالخلوق ( 22 ) ونهى عما كان يفعله أهل الجاهلية من اطلاء رأس الوليد بالدم ( 23 ) .
خامسا : الختان :

وأوعز النبي ( ص ) إلى أهل بيته باجراء الختان على وليده في اليوم السابع من ولادته ، وقد حث النبي ( ص ) على ختان الطفل في هذا الوقت المبكر لأنه أطيب له وأطهر ( 24 ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 ( 1 ) ذكرنا عرضا مفصلا لولادة الامام الزكي أبي محمد ( ع ) في كتابنا حياة الإمام الحسن 1 / 49 – 56 .
( 2 ) المعارف لابن قتيبة ( ص 158 ) .
( 3 ) أم الفضل : هي لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب وهي أول امرأة أسلمت بمكة بعد السيدة خديجة بنت خويلد ، وكانت أثيرة عند النبي ( ص ) فكان يزورها ، ويقيل في بيتها ، روت عنه أحاديث كثيرة ، ولدت للعباس الفضل ، و عبد الله ، وعبيد الله وقثم وعبد الرحمان وأم حبيب ، وفيها يقول عبد الله بن يزيد الهلالي ما ولدت نجيبة من فحل * بجيل نعلمه أو سهل كستة من بطن أم الفضل * أكرم بها من كهلة وكهل عم النبي المصطفى ذي الفضل * وخاتم الرسل وخير الرسل ترجمت في كل من الطبقات الكبر 8 / 278 ، والإصابة 4 / 464 والاستيعاب .
( 4 ) مستدرك الصحيحين 3 / 127 ، وفي مسند الفردوسي ، قالت أم الفضل : رأيت كأن في بيتي طرفا من رسول الله ( ص ) فجزعت من ذلك ، فأتيته ، فذكرت له ذلك ، فقال ( ص ) : هو ذلك ، فولدت فاطمة حسينا ، فأرضعته حتى فطمته ، وفي تاريخ الخميس 1 / 418 ان هذه الرؤيا كانت قبل ولادة الإمام الحسن ( ع ) .
( 5 ) مسند الامام زيد ( ص 468 ) وفي أمالي الصدوق ( ص 120 ) أن النبي ( ص ) أخذ الحسين بعد ولادته ، ثم دفعه إلى صفية بنت عبد المطلب وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قائلوك يا بني قالها : ثلاثا ، قالت فداك أبي وأمي ، ومن يقتله ؟ قال تقتله الفئة الباغية من بني أمية .
( 6 ) تاريخ ابن عساكر 14 / 313 ، تهذيب الأسماء 1 / 163 ، مقاتل الطالبين ( ص 78 ) خطط المقريزي 2 / 285 ، دائرة المعارف للبستاني 7 / 48 ، جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص 116 ) الإفادة في تاريخ الأئمة السادة ليحيى بن الحسين المتوفى سنة ( 424 ه‍ ) من مصورات مكتبة الإمام الحكيم ، الذرية الطاهرة من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين العامة ، مجمع الزوائد 9 / 194 ، أسد الغابة 2 / 18 ، الارشاد ( ص 18 ) .
( 7 ) أصول الكافي 1 / 463 ، خطط المقريزي 2 / 285 ، الاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة 1 / 377 .
( 8 ) المعجم الكبير للطبراني من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام تحفة الأزهار وزلال الأنهار من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة ، خطط المقريزي 2 / 185 .
( 9 ) إمتاع الأسماع ( ص 187 ) ، أسد الغابة 2 / 18 ، الذرية الطاهرة .
( 10 ) فتح الباري في باب مناقب الحسن والحسين .
( 11 ) المقنعة ، التهذيب ، الدروس .
( 12 ) كشف الغمة 2 / 216 ، تحفة الأزهار وزلال الأنهار .
( 13 ) روى علي ( ع ) أن رسول الله ( ص ) قال : ” من ولد له مولود فليؤذن في اذنه اليمنى ، وليقم في اليسرى فإن ذلك عصمة له من الشيطان الرجيم ” وقد أمرني بذلك في الحسن والحسين ، وأن يقرأ مع الأذان والإقامة فاتحة الكتاب وآية الكرسي ، وآخر سورة الحشر ، وسورة الاخلاص والمعوذتين ، جاء ذلك في دعائم الاسلام 1 / 178
( 14 ) الرياض النضرة .
( 15 ) أسد الغابة 2 / 11 ، وفي تاريخ الخلفاء ( ص 188 ) روى عمران بن سليمان قال : الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة ، ما سمعت العرب بهما في الجاهلية .
( 16 ) نهاية الإرب 18 / 213 ، الاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة 1 / 368 ، تهذيب التهذيب 2 / 296 ، مسند أحمد بن حنبل .
( 17 ) مسند الإمام أحمد بن حنبل .
( 18 ) المعجم الكبير للطبراني .
( 19 ) مسند الامام زيد ( ص 468 ) ، تحفة الأزهار وزلال الأنهار ، وجاء في الذرية الطاهرة عن عائشة أن رسول الله ( ص ) عق عن الحسن والحسين شاتين شاتين ، وذبح عنهما يوم السابع ، وقال : اذبحوا على اسمه فقولوا : ” بسم الله اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان ” وروى هذه الرواية الحاكم في المستدرك 4 / 237 ، وطعن بها شمس الدين الذهبي في تلخيص المستدرك 4 / 237 وقال : إن راويها سوار وهو ضعيف ، وذهب مشهور الفقهاء إلى استحباب ذبح شاة واحدة في العقيقة .
( 20 ) الرياض النضرة ، صحيح الترمذي ، نور الابصار .
( 21 ) دعائم الاسلام 2 / 185 .
( 22 ) الخلوق : طيب مركب من زعفران وغيره
( 23 ) البحار 10 / 68 .
( 24 ) جواهر الاحكام كتاب النكاح ، وجاء فيه أن رسول الله ( ص ) قال : ” طهروا أولادكم يوم السابع فإنه أطيب وأطهر ، وأسرع لنبات اللحم ، وأن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين يوما . . . ” .