التشيع أيام النبي محمد (ص)

اختلف الكتاب والمؤرخون وتضاربت أقوالهم وآرائهم في نشأة التشيع وسنستعرض نماذج من آرائهم في ذلك .

1 – رأى يرى أنهم تكونوا في زمان النبي ( ص ) . وممن يذهب لهذا .

البرقي المتوفى ( 274 / 280 هـ ) قال إن أصحاب علي أمير المؤمنين ( ع ) ينقسمون إلى الأصحاب ، ثم الأصفياء ، ثم الأولياء ، ثم شرطة الخميس . . . و . يجعل من الأصفياء : سلمان الفارسي ، والمقداد ، أبو ذر ، عمار ، أبو ليلى ، شبير ، أبو سنان ، أبو عمرة ، أبو سعيد الخدري ، أبو برزة ، جابر بن عبد الله ، البراء بن عازب ، عرفة الأزدي . . . ( 1 ) .

وإذا علمنا أن هؤلاء من أصحاب محمد ( ص ) وأنهم تشيعوا لعلي ( ع ) والتزموا بتأييده – يوم سقيفة – ، ينهض دليلا على وجود التشيع في حياة النبي ( ص ) .

أما النوبختي المتوفى ( 300 هـ ) فيقول : أن أول فرق الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب ( ع ) ، المسمون شيعة علي ( ع ) في زمان النبي ( ص ) وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته ( 2 ) ويورد السيد حامد حسين الكنتوري ، أحاديث كثيرة في كتابه ( عبقات الأنوار ) الذي يزيد على عشر مجلدات أشارت إلى ظهور التشيع في عهد الرسول ( ص ) .

والشيعة : اسم غير منتحل وقد كان على عهد رسول الله ( ص ) كما يشعر بذلك أبو حاتم الرازي فقد قال : أول ظهر في الإسلام على عهد رسول الله ( ص ) هو الشيعة ، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة وهم : أبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وعمار بن ياسر إلى أوان ( صفين ) فانتشرت بين موالي علي ( ع ) ، حكاه في ( الروضات ) .

والتلقيب بأهل السنة والجماعة كان سنة استقلال معاوية بالأمارة بعد مصالحة الحسن السبط ( ع ) فهو متأخر عن اسم الشيعة ( 3 ) ويرى صاحب كتاب ( أصل الشيعة وأصولها ) : ( 4 ) أن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة الإسلامية ، يعني أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنبا إلى جنب وسواء بسواء ، ولم يزل غارسها يتعهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته ثم أثمرت بعد وفاته .

ويستدل على ذلك بأحاديث وردت عن النبي ( ص ) في مدح علي ( ع ) ، فقد ورد في ( كتاب الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور ) في تفسير قوله تعالى : ( أولئك هم خير البرية ) ( 5 ) أن ابن عساكر ، أخرج عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فأقبل علي عليه السلام ، فقال النبي : ( والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ) ( 6 ) ويذكر أن ابن عدي أخرج عن ابن عباس قال : لما نزلت الآية : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال رسول الله ( ص ) لعلي ( ع ) : ( هو أنت وشيعتك يوم القيامة تبعثون راضين مرضيين ) ( 7 ) .

ويذهب محمد حسين المظفر فيقول : إن الدعوة إلى التشيع ابتدأت من اليوم الذي هتف في المنقذ الأعظم محمد ( صلوات الله عليه ) صارخا بكلمة ( لا إله إلا الله ) فإنه لما نزل عليه قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ( 8 ) جمع بني هاشم وأنذرهم قائلا : ( أيكم يؤازرني ليكون أخي ووارثي ووصيي وخليفتي فيكم بعدي ) ؟ فلما لم يجبه إلى ما أراد غير المرتضى ( ع ) قال لهم الرسول ( ص ) : ( هذا أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا ) ( 9 ) .

ويعلق قائلا : فكانت الدعوة إلى التشيع لأبي الحسن ( ع ) من صاحب الرسالة تمشي معه جنبا إلى جنب مع الدعوة للشهادتين ، ومن ثم كان أبو ذر الغفاري من شيعة علي عليه السلام ، ثم يورد كلاما اقتبسه عن صاحب ( خطط الشام ) قوله : عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي ( ع ) في عصر رسول الله ( ص ) مثل : سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله ( ص ) على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب ( ع ) والموالاة له ، ومثل أبي سعيد الخدري القائل : أمر الناس بخمس فعملوا أربعا وتركوا واحدة ، ولما سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة ، وصوم شهر رمضان والحج ، قيل : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب ( ع ) ( 10 ).

ويرى الدكتور طه حسين في كتابه ( الفتنة الكبرى ) أنه لم يكن للشيعة معناها المعروف عند الفقهاء المتكلمين منذ أيام علي ( ع ) ، ويقول : إن لفظ الشيعة كان كغيره من الألفاظ ، يدل على معناه اللغوي الغريب . ويقول : إنه لا يعرف نصا قديما أضاف لفظ الشيعة إلى علي ( ع ) ، قبل وقوع الفتنة ويقول : إنه لم يكن يعلم قبل وقوع الفتنة شيعة ظاهرون ممتازون من غيرهم من الأمة .

وهو ينكر أن يكون للإمام علي ( ع ) في حياته حزب منظم ، أو شيعة ، متميزة وأنه لم ينظم الحزب العلوي ، ولم توجد الشيعة المميزة إلا بعد أن تم اجتماع الأمر لمعاوية وبايعه الحسن بن علي ( ع ) .

ويضيف الدكتور إلى ذلك شاهدا من القرآن الكريم : ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ، فوكزه موسى وقضى عليه ) ( 11 ) الآية . وقول القرآن الكريم ( وإن من شيعته لإبراهيم ) ( 12 ) .

ويرى الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه ( نظام الحكم والإدارة في الإسلام ) بعد تحديده الظاهرة الأولى في مذهب التشيع أنها التمسك بولاء آل البيت وحبهم والانحياز معهم في كل نازلة تنزل وخطب يلم ، إن ظاهرة ( التشيع ) كانت موجودة قبل يوم ( السقيفة ) .

ويورد مؤيدا لقوله هذا بعض الأحاديث النبوية الشريفة منها : ( وإنه إذا كان يوم القيامة دعى الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم ، سترا من الله عليهم إلا هذا وشيعته فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم ) .

ويورد حديث ( الثقلين ) وهو : ( كأني قد دعيت فأجبت إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عز وجل وعترتي ، فانظروا كيف تخلفونني ، فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ! . . . ) ( 13 ) فهذه الأحاديث وإن أنكرها الدكتور طه ، في صحتها ، تدل على حقيقة ، وهي أن الإمام عليا ( ع ) كان أثيرا عند النبي ( ص ) جد أثير ، فحادثة واحدة تكفي لنعلم مكانة الإمام علي ( ع ) من النبي ( ص ) :

استخلفه النبي ( ص ) حين هاجر من مكة إلى المدينة ، أن يقيم بعده بمكة أياما حتى يؤدي عنه أمانته والودائع والوصايا التي كانت عند النبي ( ص ) ، ثم يلحق بأهله ففعل ذلك ! .

صحيح أن هذه لم تكن واضحة المعالم محددة السمات في عهد النبي ( ص ) لكن أبا سعيد الخدري يقول : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ( ص ) إلا ببغض علي بن أبي طالب ( 14 ) لذلك لم يكن يطلق لفظ ( الشيعة ) إلا على طائفة من الصحابة ، كانوا شديدي الاتصال بعلي ( ع ) ، منهم : أبو ذر ، سلمان ، عمار ، المقداد ، وحذيفة بن اليمان .

ويرى مؤلف كتاب ( نظرية الإمامة ) ( 15 ) : أن الحوادث الهامة التي تمت في عهد الرسول ( ص ) لا تتخذ بداية للتشيع ، فحادثة ( غدير خم ) لا تدل على أن كل ما شاهدها وآمن بها كان شيعة لعلي ، وإلا لكان عمر وهو المنسوب إليه هنأ عليا إذ أصبح مولى كل مؤمن ومؤمنة ، من الشيعة ، وهذا لم يذهب إليه أحد .

وإرجاع التشيع من الناحية التاريخية إلى عهد الرسول ليست إلا محاولة من جانب متكلمي الشيعة لنقض دعوى خصومهم القائمة على رد معتقدات الشيعة إلى أصول أجنبية .

بقي شئ ردده الدكاترة على سامي النشار ، وأحمد صبحي ، وكامل مصطفى الشيبي وغيرهم مما لا يعنينا إحصاؤهم في مؤلفاتهم وهو أن تشيع جماعة من المهاجرين لعلي ( ع ) كسلمان وأبي ذر وعمار بن ياسر ( رض ) وغيرهم لا يسمح لهم أن ينسبوا لهؤلاء عقيدة من عقائد الشيعة الإمامية في الدور الأخير للتشيع كالعصمة والرجعة والبداء ونحو ذلك مما استقر عليه المذهب لدى هشام بن الحكم ، وزرارة بن أعين ، وميثم التمار وغيرهم .

هذا الذي يردده الكتاب في بحوثهم لا يقصد منه إلا تكريس النظرية القائلة بأن التشيع كان حدثا طارئا على الإسلام كبقية الفرق التي تطورت في أصولها ومبادئها مع الزمن حتى انتهت لمرحلتها الأخيرة ، ولم يكن أصيلا في الإسلام ومن صنع صاحب الرسالة .

أما حديث العصمة والرجعة والبداء وغير ذلك مما استقر عليه التشيع أخيرا على حد تعبيرهم فعدم اشتهار كلمة العصمة في عصرهم التي تعني الاعتصام بحبل الله كما فسرها حفيد الإمام علي زين العابدين ( عليهما السلام ) لا يعني أن الشيعة الأوائل لم يكونوا يعتقدون بمحتواها لا سيما وهم ممن روى حديث ( المباهلة ) وروى أن الآية ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) نزلت في النبي وعلي وفاطمة وولديها ( صلوات الله عليهم أجمعين ) .

وروى بالإضافة إلى ذلك أن الرسول ( ص ) قال أكثر من مرة : يؤكد التزام علي ( ع ) بكل ما جاء به الإسلام قولا وعملا ، وليست العصمة شيئا آخر وراء ذلك .

أما الرجعة والبداء بالمعنى الذي يفهمه الكتاب منهما فليسا من أصول التشيع ولا من شروطه لا في المراحل الأولى منه ولا في المراحل الأخيرة ، والتشيع لعلي والأئمة من بنيه في جميع مراحله لا يعني شيئا آخر وراء ما جاء به الإسلام من أصول وفروع .

هذه الأقوال والآراء التي تداولها الكتاب في تعليل نشأة التشيع ، وفي مقابلها يرى الشيعة منذ أقدم عصورهم أن التشيع بمحتواه الشيعي وبما لهذه الكلمة من دلالة عند الشيعة أصيل أصالة الإسلام وجزء من محتواه ، وهو ليس كغيره من الطوائف والفرق الطارئة التي كانت وليدة ظروف وأحداث معينة كما أحصتها المؤلفات في الفرق الإسلامية ومجاميع التأريخ ، وهو يعني فيما يعنيه اختيار علي ( ع ) لقيادة الأمة بعد النبي ( ص ) لإتمام المسيرة التي قطع منها أشواطا بعيدة لبناء الإسلام ، وكانت بذرته الأولى يوم هتف النبي ( ص ) بكلمة التوحيد وأنزل الله عليه الآية ( وأنذر عشيرتك  لأقربين ) ، فدعا يوم ذاك عشيرته وجمعهم على طعام أعده لهم وهتف فيهم قائلا ( أيكم يؤازرني على هذا الأمر ليكون أخي ووارثي ووصيي وخليفتي فيكم بعدي ) ( 16 ) وظل طيلة حياته يستغل الفرص والمناسبات ليؤكد هذا الأمر وينوه بفضل علي ( ع ) ومقامه الرفيع حتى لا يدع مجالا أو حجة لطامع فيها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) رجال البرقي : ص 1 .
( 2 ) فرق الشيعة : ص 15 .
( 3 ) كتاب الزينة : ج 3 .
( 4 ) أصل الشيعة وأصولها : ص 87 .
( 5 ) سورة البينة : الآية 7 .
( 6 ) تفسير الطبري : ج 3 ص 171 .
( 7 ) أورده الحسكاني في ( شواهد التنزيل ) : ج 2 ص 357 . ( والصواعق المحرقة ) : ص 92 .
( 8 ) سورة الشعراء : الآية 214 .
( 9 ) تاريخ الطبري : ج 3 ص 172 – 173 .
( 10 ) تاريخ الشيعة : ص 9 .
( 11 ) سورة القصص : الآية 15 .
( 12 ) سورة الصافات : الآية 83 .
( 13 ) مسند أحمد بن حنبل : ج 3 ص 17 وص 59 ، وورد في كتاب ( غاية المرام ) : ص 211 – 235 ، 39 حديثا بهذا المضمون عن طريق السنة و ( 82 ) عن طريق الشيعة .
( 14 ) الجامع الصحيح للترمذي : ج 5 ص 635 حديث 3717 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص 129 ، تاريخ بغداد : ج 2 ص 255 ، كنز العمال : ج 6 ص 394 ، حلية الأولياء : ج 6 ص 294 ، ذخائر العقبى : ص 43 ، مجمع الزوائد : ج 9 ص 133 ، كنوز الحقائق : ص 63 ، الرياض النضرة : ج 2 ص 214 ، نور الأبصار : ص 72 .
( 15 ) نظرية الإمامة : ص 31 .
( 16 ) كامل ابن الأثير : ج 2 ص 41 – 42 ، تاريخ أبي الفداء : ج 1 ص 116 ، وتفسير الخازن : ص 390 ، وحياة محمد لهيكل : ص 104 ، الطبعة الأولى .