قيس بن سعد الأنصاري

قيس بن سعد الأنصاريّ

 

النسب.. والحسب:

قيس بن سعد بن عُبادة بن دُليم... بن يعرب بن قحطان.

الرجل الوفيّ الموالي، والشخصيّة الدينيّة الاجتماعيّة الأدبيّة البارزة، قضى عمراً مديداً في رحاب صحبة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن بعده كان تحت ظِلال إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وثبت مقاتلاً صنديداً وقائداً شجاعاً مخلصاً في صفوف جيش الإمام الحسن سلام الله عليه.

أصله من اليمن، ومنشأه في بيت عزّ وشرف، فأبوه سعد بن عُبادة الأنصاريّ زعيم الخزرج. وقد كانت لقيس ولأبيه سعد مواقف ولائيّة مشرّفة. ولثباته وحسن بصيرته، ولاّه الإمام عليّ عليه السّلام على مصر، وفيه قوله: وقد بعثتُ لكم قيس بن سعد الأنصاريّ أميراً.. ولم يَزِد في تعريفه، إذ قيس هو نار على علم.

 

المولد.. والسِّمات:

لم تذكر المصادر التاريخيّة تاريخاً محدّداً لولادة قيس الأنصاريّ، إلاّ أنّ قرائن عديدة من خلال الأحداث تخمّن أنّ عمره عند هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله كان ستّة عشر عاماً، وقد قُدّر أن تكون ولادته وقعت بين 10 ـ 15 قبل الهجرة النبويّة المباركة، أو ما يقارب ذلك.

أمّا خصال هذا الرجل.. فهي جملة من العطاءات الرحمانيّة، تحكي عن مواهب عديدة فاخرة. فوُصف أنّه كان شيخاً كريماً شجاعاً، وكان مجرّباً، وأهمّ من ذلك كلّه كان وفيّاً مناصحاً لأهل البيت عليهم السّلام.

وقيل في وصف ظاهره أنّه كان ضخماً جسيماً، إذا ركب الفرس المُشرِف شُوهدت رِجلاه تخطّان الأرض.. وقيل أنّه هو وجماعة قد فاقوا الناس طولاً وجمالاً.

 

الولاء الصادق:

ذاك شأن مشهور في شخصيّة قيس بن سعد، فهو من الطليعة المؤمنة ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام بعد الأركان المعروفين: سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار رضوان الله تعالى عليهم. ويكفينا دليلاً على ذلك مواقفه الواضحة المشرِّفة مع النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم في حروبه وغزواته، ومع الإمام عليّ عليه السّلام في خلافته وحروبه الثلاث، ومع الإمام المجتبى عليه السّلام في حروبه وصلحه.قال السيّد الميرداماد: هو من خُلّص أنصار رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن العشرة الذين نصروه.. ومن أصفياء أولياء أمير المؤمنين عليه السّلام أيضاً. وقال الفضل بن شاذان: هو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام. وكرّر ذلك العلاّمة الحليّ مضيفاً: وهو مشكور، وذكر أنّه لم يبايع غير إمامه. فيما عرّفه إبراهيم الثقفيّ في كتابه (الغارات) أنّه: من شيعة عليٍّ ومُناصحيه.

أمّا ابن أبي الحديد فيصفه بأنّه: من كبار شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام، وقائل بمحبّته وولائه.. ومخلص في اعتقاده وودّه.

وفوق ذلك كلّه ما قرّره أمير المؤمنين عليه السّلام نفسه في قيس بن سعد بن عبادة، فحين قيل له: اعزِلْ قيسَ بن سعد عن مصر، قال لهم: إنّي واللهِ ما أُصدّق بهذا على قيس. وبعد وقعة صفين أثنى عليه السّلام على قيس ثناءً حسَناً وجازاه، قال نصر بن مزاحم: ثمّ إنّ عليّاً دعاه فأثنى عليه خيراً وسوّده على الأنصار. وحين ولاّه على مصر كتب إلى أهلها: وقد بعثتُ إليكم قيسَ بن سعدٍ الأنصاريّ أميراً، فوازِروه وأعينوه على الحقّ... وهو ممّن أرضى هَدْيَه، وأرجو صلاحَه ونصيحته.

أمّا الإمام الحسن عليه السّلام فقد شكر له موقفه المؤيّد المنقاد، وقد قام قيس يؤنّب الناس ويلومهم على خذلانهم لإمامهم، فقال الإمام عليه السّلام له ولبقيّة أصحابه المخلصين: عَدِيّ بن حاتم الطائيّ، ومعقل بن قيس الرياحيّ، وزياد بن صَعْصَعة التَّيميّ: صدقتم رحمكم الله ـ، ما زلتُ أعرفكم بصِدق النيّة، والوفاءِ بالقول والمودّة الصحيحة، فجزاكم الله خيراً.

وفضلاً عن الولاء الصادق، عُرف قيس بن سعد ببراءته من أعداء النبيّ وآله عليه وعليهم الصلاة والسّلام.. ينقل الزمخشريّ لنا هذا الموقف:

دعا معاويةُ قيسَ بن سعد بن عبادة إلى مُفارقة عليّ عليه السّلام حين تفرّق عنه الناس، فكتب قيس إلى معاوية: يا وثنُ ابنَ وثن! تدعوني إلى مفارقة عليّ بن أبي طالب والدخولِ في طاعتك، وتخوّفني بتفرّق أصحابه عنه وانثيالِ الناس عليك وإجفالهم إليك! فواللهِ الذي لا إله غيره، لا سالمتُك أبداً وأنت حربُه ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوّه، ولا اخترتُ عدوَّ الله على وليّه، ولا حزبَ الشيطان على حزبه.

ويروى أنّه: بعد محاججة طويلةٍ جرت بين قيس ومعاوية، وقعت بعد استتاب الأمر لمعاوية، قال قيس في جملتها: ولَعمري، ما لأحدٍ من الأنصار ولا لقريشٍ، ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حقّ مع عليّ عليه السّلام وولْده من بعده. فغضب معاوية وقال: يا ابن سعد، عمّن أخذت هذا وعمّن رويتَه، وعمّن سمعتَه ؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته ؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممّن هو خير من أبي، وأعظم علَيّ حقّاً من أبي، قال: من ؟! قال: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عالم هذه الاُمّة وصدّيقها، الذي أنزل الله فيه: قُلْ كفى باللهِ شهيداً بيني وبينَكم ومَن عندَه عِلمُ الكتاب .. فلم يدَع آيةً نزلت في عليّ سلام الله عليه إلاّ ذكرها.

 

معالم لافتة:

عُرف قيس بن سعد بتقواه وتديّنه، وكان ذلك ظاهراً في أقواله وأفعاله رضوان الله عليه، ويكفيه في ذلك انحيازه إلى الحقّ، وتثبّته على الإمامة والوصاية الحقّة، وإقدامه وانقياده لأمير المؤمنين عليه السّلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكذا للإمام الحسن عليه السّلام.

كذلك عُرف قيس بجوده، بل اشتهر ذلك فيه حتّى كتب الواقديّ أنّه: كان من كرام أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وأسخيائهم. وحتّى كتب الذهبيّ: جودُ قيسٍ يُضرب به المثَل.

وإلى السخاء كان قيس بن سعد يجمع فضائل أخرى، من مكارم الأخلاق ومحاسنها.. نترك للمؤرّخين ومدوّني السير تقرير ذلك ووصفه. يقول أبو عُمر: كان قيس أحد الفضلاء الجُلّة، وأحد دُهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحروب، مع النجدة والبسالة والسخاء والكرم. وكان شريف قومه غير مُدافَع، هو وأبوه وجدّه.

ويقول المبرَّد: كان قيس بن سعد شجاعاً جواداً سيّداً.

ويضيف ابن كثير: كان سيّداً مطاعاً، مُمدَّحاً شجاعاً، وكانت له صُحفة يُدار بها حيث دار.

وجمع الخطيب البغداديّ لقيس الشجاعة مع البطولة، والسخاءَ مع الكرم، فيما نسب له الزركليّ التفوّق فقال فيه: هو أحد الأجواد المشهورين، وكان شريف قومه ومن بيت سيادتهم.

ونقف هنا ـ أيّها الأصدقاء ـ على صورة من سخائه ينقلها لنا أكثر من مؤرّخ: أنّ امرأة وقفت على قيس بن سعد فقالت له: أشكو إليك قلّة الجرذان (كنايةً عن الفقر وخلوّ البيت من الزاد)، فقال: ما أحسنَ هذه الكناية! املأوا لها بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمرا. وفي رواية ابن عبدالبَرّ في (الاستيعاب) قال قيس لها: ما أحسنَ ما سألتِ! أما واللهِ لأُكثرنّ جرذانَ بيتك. فملأ بيتها طعاماً ووَدَكاً وإداما.

وأمّا ذكاؤه وبصيرته ، وحزمه وحنكته.. فقد كان عليها اتّفاق المؤرّخين وإطباقهم. وكان من عجائب ذلك أن يقول لأمير المؤمنين عليه السّلام، مبيّناً خلال كلامه ما يدور في نفس

معاوية:

ـ يا أمير المؤمنين، ما على الأرض أحد أحبّ إلينا أن يُقم فينا منك، لأنّك نَجمُنا الذي نهتدي به، ومَفزَعنا الذي نصير إليه.. ولكنْ، واللهِ لو خلّيتَ معاوية للمكر لَيرومَنّ مصر، وليُفسِدنّ اليمن، وليطمعنّ في العراق، ومعه قوم يمانيّون قد أُشرِبوا قتلَ عثمان، وقد اكتفَوا بالظنّ عن العلم، وبالشكّ عن اليقين، وبالهوى عن الخير، فسِرْ بأهل الحجاز وأهل العراق، ثمّ ارمهِ بأمر يضيق فيه خناقُه، ويقصر له من نفسه.

فقال عليه السّلام: أحسنتَ ـ واللهِ ـ يا قيسُ وأجملت.

وكفى لقيس بذلك شرفاً وكرامة أن يحظى بثناء إمام الحقّ عليه السّلام. ومن بعده يحظى بسيل من المديح والإعجاب على ألسنة وأقلام المؤرّخين والرجاليّين.. فيقول ابن شهاب ـ كما أخرج البغويّ ـ: كان قيس حامل راية الأنصار مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان من ذوي الرأي من الناس. وقال ابن كثير: كان قيس يقاوم بدهائه وسياسته معاويةَ وعمرَو بن العاص. وكتب الحلبيّ في سيرته: مَن وقف على ما وقع بينه وبين معاوية لرأى العجَب من وفور عقله!

وخير من كتب في بيان ذلك الشيخ عبدالحسين الأمينيّ في سِفره الموفّق (الغدير) إذ وصفه هكذا: شهرته بالدهاء مع تقيّده المعروف بالدين، وكلاءته حمى الشريعة، والتزامه البالغ في إعمال الرأي بما يوافق رضى مولاه سبحانه، وكفّه نفسَه عمّا يخالف ربّه.. تُثبت لقيس الأولويّة والتقدّم والبروز بين دهاة العرب، ولا يعادله من الدهاة الخمسة المشهورين أحد إلاّ عبدالله بن بُدَيل؛ وذلك لاشتراكهما في المبدأ، والتزامهما بالدين الحنيف، والكفِّ عن الهوى، والوقوفِ عند مُضلاّت الفتن.

 

أخطار.. وأدوار:

عاصر قيس بن سعد بن عبادة أحداثاً حسّاسة، بدءاً بالعصر الجاهليّ، ومروراً بانبثاق الإسلام، ثمّ ما جرى بعد رحيل رسول الرحمة صلّى الله عليه وآله من الوقائع الخطيرة حتّى مقتل عثمان، وخلافة أمير المؤمنين عليه السّلام وشهادته، ثمّ مبايعة المسلمين للإمام الحسن عليه السّلام وتخاذلهم فيما بعد إلاّ القليل منهم . وفي كلّ ذلك كان لقيس كلمته وموقفه ودوره.

• في عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله، كان خادماً له عشر سنين، وشاهداً معه حروبه ومشاهده كلّها: ناصراً الإسلام وحاميه، وسيّافاً بمنزلة صاحب القوّات الداخليّة، وكان حامل راية الأنصار وصاحب لواء النبيّ صلّى الله عليه وآله في بعض مغازيه، وصار في سريّة الخَبط أميرها، وحمل الراية يوم الفتح بعد أن تسلّمها من أبيه.

• وكانت له مواقفه الحازمة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، فثبَت على ما أوصى به في الخلافة والإمامة، وحمى أباه من الغدر به، وشهد فتح مصر عام 19 من الهجرة، وكان من الثائرين على الانحراف.

• وبادر إلى بيعة الإمام عليّ عليه السّلام في الأوائل، وصار أحد عمّاله في الأمصار، ووالياً على مصر، وقد أخذ البيعة من أهلها للإمام عليّ عليه السّلام. فإذا كانت معركة الجمل بادر إلى تأييد إمامه والسير معه، وقد ساهم في تحشيد أهل الكوفة لقتال الناكثين، إلى جنب الإمام الحسن عليه السّلام وعمّار، ثمّ شارك في المعركة بأثرٍ مشهود.

أمّا في صفّين.. فكان قيس بن سعد على مقدّمة جيش الإمام عليّ عليه السّلام، بعد أن كان في أوائل الخطباء المناصرين له، بعد أن التحق به من أذربيجان. وقد شهدت له ساحة القتال وقعات، هو والأشتر وحُجْر بن عَدِيّ. وفيها جعله الإمام على رجّالة أهل البصرة، وقاتلَ بُسْرَ بنَ أرطاة فضربه حتّى أثخنه بالجراح. وتقدّم في الأنصار وربيعة بعد استشهاد عمّار بن ياسر، فخلط الجمع، ودوّى بخطبه، وصار على شرطة الخميس فورد تخومَ الشام حتّى أقلق معاوية الذي جعل يلعنه فيمن يلعن من أهل بيت النبيّ وأصحابهم.

ولمّا أراد أمير المؤمنين عليه السّلام العودة إلى صفّين.. عقد لولده الحسين عليه السّلام في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيّوب الأنصاريّ في عشرة آلاف.

وفي النهروان.. كان قيس مرسَلاً إلى أهلها بأمر إمامه عليه السّلام، فحاججهم. فإذا كان الاستعداد، عبّأ أمير المؤمنين عليه السّلام أصحابه، فجعل قيس بن سعد على أهل المدينة في ثمانمائة، فقاتل وأبلى.

• وبعد شهادة الإمام عليّ صلوات الله عليه بادر قيس إلى مبايعة الإمام الحسن عليه السّلام. وحين سار معاوية بجيشه نحو العراق.. قام قيس وجماعة من المخلصين يؤيّدون إمامهم الحسن المجتبى عليه السّلام ويحرّضون الناس على الجهاد، فشهد لهم عليه السّلام بالوفاء وصدق النيّة والمودّة الصحيحة.

وتوجّه مع عبيدالله بن العبّاس في اثني عشر ألفاً لقتال معاوية، فلمّا هرب عبيدالله نحو صفوف معاوية بعد أن أرسل إليه مبلغاً من المال.. صلّى قيس مكانه، فسدّ بذلك خللاً كاد يقع. ثمّ اشتبك مع جيش معاوية واكتسحه، فإذا به يسمع بأنّ الإمام الحسن عليه السّلام قد طُعِن، فاغتمّ لذلك وتأسّف لتفرّق الأصحاب، ثمّ زحف نحو جيوش الشام.

وقد وجّه له معاوية يبذل له مليون درهم على أن ينحاز إليه، فأرجَعَ قيس إليه المال قائلاً له: تَخدُعني عن دِيني ؟! فترك هذا الموقف وغيره من المواقف آثاره على نفس معاوية، حتّى استثنى قيسَ بن سعد من الشيعة في الأمان بعد صلحه مع الإمام الحسن عليه السّلام؛ لشدة حقده عليه.

 

ملكاته الأدبيّة والفكريّة:

وهي كهمّته وبصيرته.. أثمرت عن مواقف إيمانيّة ولائيّة عالية، ولوحات هي من روائع الأدب مقرونة بالمواقف الصادقة الراسخة. فكانت خُطبه صواعق تنقضّ على رؤوس الجبابرة والطواغيت، وكانت قصائده تدفع رؤوس النفاق والرِّدة والخذلان.

وكم أفرغ قيس بن سعد عن قلبه جمراتٍ تحكي لنا غيرته على الرسالة الإلهية والإمامة المظلومة، فنهض يُرغم أنوف الناكثين والقاسطين، ويرفع شعار نصرة البيت النبويّ الشريف! وكم كانت له احتجاجات واعية صبّها في قوالب مسجّعة أو صيغ موزونة مقفّاة.

وكان له في كلّ مشهد كلمة وموقف، يعبّر بهما عن إيمانه وتقواه، ويذكّر بأمر الله تعالى وحُكمه الشرعيّ، ويعلن بأدبه الملتزم أنّ الحقّ هنا وأنّ الباطل هناك، وأن هذا هو وليّ الله وذاك عدوّه.. فكانت لقيس بن سعد أشعاره وخطبه في كلّ مناسبة، شهدت بذلك الساحة الإسلاميّة، وكانت له أغراضه الهادفة وبياناته الرساليّة.

وقد صدع فيما صدع به قيس.. الولاية، فهو يهتف بغدير خمّ قائلاً:

وعـلـيٌّ إمـامُـنا وإمامٌ                       لِسـوانا أتـى بـه التـنزيلُ

حين قال النبيّ مَن كنتُ مَو                        لاهُ، فهذا مولاهُ، خَطْتٌ جليلُ

إنّ ما قاله النبيّ على الأُمّةِ                       حَـتمٌ.. مـا فيـه قـالٌ وقيلُ

 

وكان في شعر قيس تبرّؤ من أعداء الإسلام: الناكثين والقاسطين والمارقين، فندّد بهم وفضح ردّتهم، وكشف دسائسهم. ثمّ كان في شعره أيضاً ذكريات الجهاد، وهي لا تخلو من الفخر بالحقّ، وفيه كذلك ردود على ألسنة الباطل، وهي لا تخلو من الغَيرة والحماسة.

ولم يُخفِ قيس بن سعد بعض هممه الرفيعة، وما تجيش به نفسه الكبيرة، فيقول هذه الأبيات:

أنـا ابـن سـعدٍ زانَهُ عُبادهْ                    والخَزرَجيّونَ حُماةٌ سادهْ

ليس فِراري في الوغى بِعادَه                    إنّ الفرار للـفتـى قِلادهْ

يـاذا الـجلال لَقِّني الشهادةْ                   شـهـادةً تَـتبعُها سعادهْ

 

وفاته:

وإذا كان قيس بن سعد قد حُرم الشهادة بالسيف، فما حُرم رضوان الله عليه الشهادة بالوفاة وهو على حبّه الصادق الثابت لمحمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم أجميعن.

فبعد أن استُشهد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، والإمام الحسن المجتبى عليه السّلام، وتفرّق الأصحاب وخذل المسلمون واستتبّت الأمور لمعاوية.. كانت الفرصة سانحة للانتقام من قيس بن سعد؛ لِما أبلى من بلاءٍ حسَن في نصرة الإسلام والنبوّة والإمامة.

وكان معاوية قد توعّده وهدّده مراراً حين وصلته قصيدته اللاّميّة في صفّين، وهدر دمه حتّى مع الصلح، فتحيّن الأمويّون المبادرة لاغياله، وسعى مروان بن الحكم محاولاً الغدر به في المدينة.. فكان قيس يذهب مرّة إلى مصر، ومرّة يمكث في المدينة، وأخرى يتركها إلى الكوفة. وأخيراً استقرّ به الرأي إلى أن يسكن في تفليس هارباً من ملاحقة معاوية له ومحاولته قتله بكلّ وسيلة، فسكن فيها سنة 85 من الهجرة حتّى تُوفّي فيها على عهد مروان بن الحكم، وقيل: في أواخر حكم معاوية، كما قيل: في زمن حكم عبدالملك بن مروان.. إمّا في سنة 95 هجريّة أو 60، قيل: في تفليس، كما قيل: في المدينة المنوّرة كانت وفاته رحمه الله.

المصادر

1 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبرّ ( ت 463 هـ ) ـ مكتبة النهضة بمصر.

2 ـ اُسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير ( ت 630 هـ ) ـ دار إحياء التراث العربيّ.

3 ـ الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر.

4 ـ الإمامة والسياسة، لابن قتيبة.

5 ـ تاريخ بغداد، للخطيب البغداديّ.

6 ـ تاريخ الطبريّ.

7 ـ الجَمَل، للشيخ المفيد ( ت 413 هـ ) ـ مكتب الإعلام الإسلاميّ بقمّ.

8 ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، للسيّد علي خان المدنيّ ( ت 1130 هـ ) ـ مؤسّسة الوفاء بيروت.

9 ـ ربيع الأبرار، للزمخشري ( ت 538 هـ ) ـ دار الذخائر بقمّ 1410 هـ.

10 ـ رجال الكشّيّ، للطوسيّ.

11 ـ سير أعلام النبلاء، للذهبيّ ( ت 748 هـ ) ـ مؤسّسة الرسالة لبنان 1993 م.

12 ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ( ت 656 هـ ) ـ دار إحياء الكتب العربيّة بالقاهرة.

13 ـ الغارات، للثقفيّ.

14 ـ الغدير، للأمينيّ ( ت 1390 هـ ) ـ دار الكتاب العربيّ 1983 م.

15 ـ الفتوح، لابن أعثم الكوفيّ ( ت 314 هـ ) ـ دار الكتب العلميّة بيروت 1986 م.

16 ـ الكامل في التاريخ، لابن الأثير.

17 ـ مروج الذهب، للمسعوديّ.

18 ـ المعارف، لابن قتيبة الدينوريّ.

19 ـ المغازي، للواقديّ.

20 ـ وقعة صفّين، لنصر بن مزاحم المنقريّ ( ت 212 هـ ) ـ المؤسّسة العربية الحديثة بالقاهرة 1382 هـ.

نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام