خالد بن سعيد بن العاص

خالد بن سعيد بن العاص

 

هذا السعيد

ابن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس، فأبوه هو أحد زعماء قريش. أمّا خالد فيُكنّى بأبي سعيد، كان خامسَ الداخلين في الإسلام، فزجره أبوه وضربه على إسلامه، ومنعه الطعام والشراب، فلم يَزْدِ ذلك خالداً إلاّ ثباتاً على العقيدة. هاجر إلى الحبشة وبقيَ هناك مدّة طويلةً حتّى وُلِد فيها وُلْده. شهد مع النبيّ صلّى الله عليه وآله عُمرة القضاء، وفتح مكّة، وحُنَيناً والطائف وتبوك، ومشى بالصلح بين رسول الله صلّى الله عليه وآله ووفد ثقيف، وقد استعمله النبيّ على اليمن. وخالدٌ هذا هو أحد الصحابة الذين امتنعوا عن بيعة أبي بكر، وكان أحد المحتجّين عليه بخُطبهم في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله. وأخيراً استُشهِد رضوانُ الله عليه بـ « مرج الصفّر » من أطراف الشام سنة ( 14 ) للهجرة وعمره قد تجاوز الخمسين عاماً.

 

ليس منهم

• في محكم كتابه المجيد، قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم صلّى الله عليه وآله: وما جَعَلْنا الرُّؤيا الّتي أَرَيناك إلاّ فتنةً لِلناسِ والشجرةَ الملعونة في القرآن [ الإسراء:60 ].

وفي ظلّ هذه الآية الشريفة كتب الفخرالرازي: قال سعيد بن المسيّب: رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله بني أُميّة يَنْزُون على منبره نَزْوَ القرَدَة.. فساءه ذلك. قال: وهذا قول ابن عبّاس في رواية عطا. ( التفسير الكبير ـ في ظلّ الآية ).

• وعن يعلى بن مرّة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أُرِيتُ بني أُميّة على منابر الأرض، وسيملكونكم فتجدونهم أربابَ سوء ». واهتم رسول الله لذلك، فأنزل الله: وما جَعَلْنا الرؤيا... . ( الدرّ المنثور للسيوطي الشافعي، وكنز العمّال للمتّقي الهندي 142:7 ).

• وأخرج ابن أبي الحديد المعتزلي عن المدائني، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله رُفع له مُلك بني أُميّة، فنظر إليهم يَعلُون منبره واحد واحد، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله تعالى في ذلك قرآناً، قال له: وما جَعَلنا الرؤيا التي... . ( شرح نهج البلاغة 16:16 ).

• وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية ( التفسير العظيم 49:3 ): المرادُ بالشجرة الملعونة بنو أُميّة!

• ومع ذلك، فقد خرج من هذه الشجرة أعلامٌ في التشيّع في أوقاتٍ حرجة، فعانَوا ما عانَوه من الظَّلَمة، مثبّتين مواقفَهم الشجاعة على صفحات التاريخ، كان أحدَهم: خالد ابن سعيد بن العاص، إذِ انتمى إلى أهل بيت النبوّة والرسالة والوحي، وجهر بمولاتهم، كما جاهر بمعاداة أعدائهم، فلم يكن من بني أميّة.

 

نحو النور

• روى الحافظ ابن عساكر الدمشقي الشافعي في ( تاريخ مدينة دمشق ) عن أمّ خالد بنت خالد بن سعيد، قالت: لمّا كان قُبَيل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله، بينا خالد بن سعيد ذات ليلةٍ نائم، قال: رأيتُ ظُلمةً غَشِيَت مكّة، حتّى لا يبصر امرؤٌ كفَّه، فبينما هو كذلك إذ خرج نور، ثمّ علا في السماء فأضاء في البيت، ثمّ أضاءت مكّةُ كلّها ثمّ إلى نجد، ثمّ إلى يثرب، فأضاء حتّى أنّي لأنظرُ إلى البُسر في النخل. قال: فاستيقطتُ فقصصتُها على أخي عمرو بن سعيد ـ وكان جَزْلَ الرأي ـ، فقال: يا أخي، إنّ هذا الأمر يكون في بني عبدالمطّلب، ألا ترى أنّه خرج من حَفيرة أبيهم.

قال خالد: فإنّه لَمِمّا هداني الله به للإسلام.

وقالت أمّ خالد: فكان أوّلَ مَن أسلم ( أي مِن إخوته )، وذلك أنّه ذكَرَ رؤياه لرسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال صلّى الله عليه وآله: « يا خالد، أنا ـ واللهِ ـ ذلك النور، وأنا رسول الله ». فقص رسول الله عليه ما بعَثَه اللهُ به، فأسلم خالد، وأسلم عمرٌو مِن بعده ).

أمّا رواية ابن عبدالبرّ في كتابه ( الاستيعاب 403:1 )، فهكذا: لقيَ خالدُ بن سعيد بن العاص رسولَ الله صلّى الله عليه وآله فقال: يا محمّد، إلى مَن تدعو ؟ قال: « أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبدُه ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حَجَرٍ لا يسمع ولا يُبصر ولا ينفع، ولا يدري مَن عبَدَه ممّن لم يعبده »، قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّك رسول الله. فَسُرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بإسلامه.

وتغيّب خالد، وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه مَن بقي مِن ولده ـ ولم يكونوا أسلموا بعد ـ، فوجدوه وأتوا به أباه، فأنّبه وبكّته وشتمه، وضربه بمقرعةٍ في يده حتّى كسرها على رأسه، ثمّ قال له: تَبِعتَ محمّداً وأنت ترى خلافَ قومه وما جاء به مِن عيب آلهتهم وعيبِ مَن مضى مِن آبائهم ؟! فقال خالد: قد ـ واللهِ ـ تَبِعتُه على ما جاء به. فغضب أبوه ونال منه وقال له: إذهبْ يا لُكَع حيث شئت، واللهِ لأمنعنّك القُوت! فقال خالد: فإنّ الله يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلّمْه أحدٌ منكم إلاّ صنعتُ به ما صنعتُ به!

فانصرف خالد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فكان يلزمه ويعيش معه، وتغيّب عن أبيه في نواحي مكّة حتّى خرج أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فكان خالد أوّلَ مَن هاجر إليها ).

 

مواقف مع العقيدة

تُوفّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وخالدُ بن سعيدٍ عاملُه على صنعاء اليمن، وأخوه أبان عامله على البحرين، وأخوه الآخر عمرو عامله على تيماء وخيبر وقُرىً عربيّة. وقد رجعوا ثلاثتهم إلى المدينة تاركين وظائفهم، فلمّا أرادهم أبو بكرٍ لمناصبهم الأولى أَبَوا عليه بالاعتذار عن ذلك، قائلين له: نحن بنو أبي أُحيحة لا نعملُ لأحدٍ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله أبداً. (الاستيعاب 401:1 ).

وكان الموقف واضحاً أو أقربَ إلى الوضوح، أنّهم رأوا ما لم يتوقّعوه بعد بيعة الغدير، فانصرفوا عن العمل بعد رحيل النبيّ صلّى الله عليه وآله، إذ لم يَخْلِفه مَن بايعوه بالأمس على الخلافة وإمرة المؤمنين، فانصرفوا. إلاّ أنّ خالداً كان له موقف آخر هو أجرأُ مِن سابقه، فقد اتّفق مع بعض المعارضين على الحضور في المسجد النبويّ عندما يخطب أبو بكر؛ ليعرضوا له مواقفهم وأدلّتَهم الاحتجاجيّة، ويُذكّروا ببيعة الأمّة في غدير خم للإمام عليٍّ عليه السلام. حضر هؤلاء النفر، وكان أوّل مَن بدأ وقام خالد بن سعيد، فقال: يا ابا بكر اتّقِ الله، فقد علمتَ ما تقدّم لعليٍّ من رسول الله صلّى الله عليه وآله، ألا تعلم أنّ رسول الله قال لنا ونحن مُحتَوِشُوه في يوم بني قريظة وقد أقبل على رجالٍ منّا ذوي قدرٍ فقال: « معشرَ المهاجرين والأنصار، أُوصيكم بوصيّةٍ فاحفَظُوها، وإنّي مُؤدٍّ إليكم أمراً فاقبلوه، ألا إنّ عليّاً أميرُكم مِن بعدي، وخليفتي فيكم، أوصاني بذلك ربّي، وإنّكم إن لم تحفظوا وصيّتي فيه وتُؤووه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم، واضطرب عليكم أمرُ دينكم، ووليَ عليكم الأمرَ شرارُكم. ألا وإنّ أهل بيتي هم الوارثون أمري، القائمون بأمر أمّتي. اللهمّ فَمَن حَفِظ فيهم وصيّتي فاحشُرْه في زمرتي، واجعل له من مرافقتي نصيباً يُدرَك به فوز الآخرة. اللهمّ ومَن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنّة التي عرضُها السماوات والأرض ».

فقال له عمر: اسكُتْ يا خالد، فلستَ من أهل المشورة، ولا مِمّن يُرضى بقوله! فأجابه خالد: بل اسكُتْ أنت يا ابن الخطّاب... ( فكان منه إليه كلامٌ بليغ لم يترك له شيئاً حتّى أسكته ). ( الخصال للصدوق:463. ويراجع أيضاً: رجال السيّد بحرالعلوم 325:2، ففيه بيانات مهمّة لخالد بن سعيد أحرج فيها الباطل وأهله! ).

 

نحو الشهادة

كان المشهد الأخير من حياة الشهيد خالد بن سعيد بن العاص في وقائع مرج الصفّر، كتب البلاذريّ صاحب ( أنساب الأشراف ) في كتابه ( فتوح البلدان:126 ): ـ واستثشهِد يومئذٍ خالد بن سعيد، وكان قد أعرس في الليلة التي كانت الواقعة في صبيحتها بأمّ حكيم بنت الحارث المخزوميّ، فلمّا بلغها مصابُه انتزعت عمود الفسطاط فقاتَلَت به، قيل: إنّها قتَلَت يومئذٍ سبعة نفر. وفي مرج الصفّر كان خالد بن سعيد يقول:

مَن فارسٌ كَرِه الطِّعانَ يُعيرُني            رُمحاً إذا نزلوا بِمَرجِ الصفّـرِ

 

قال هشام بن محمّد الكلبي: استُشهِد خالد بن سعيد يوم المرج وفي عنقه الصمصامة سيفُه، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله وجّهه إلى اليمن عاملاً، فمرّ برهط عمرو بن مَعدي كَرْب الزَّبيدي من مَذْحِج، فأغار عليهم، فسبى منهم، فعرض عليه عمرو أن يمنّ عليه ويسلموا، ففعل وفعلوا، فوهب له عمرو سيفَه الصمصامة.. قال: فأخذ معاوية السيف من عنق خالد يوم المرج حين استُشهِد ).

وكان قد طمع البعض في فتح أجنادين، فصار خالد في مقدّمة الناس يُحرّضهم على القتال ويرغّبهم في الشهادة، فحمَلَت عليه طائفةُ من العدوّ فقتلهم، ثمّ استُشهِد رحمه الله. وقيل: قُتل بمرج الصفّر، وهذا أصحّ ما قيل في موضع شهادته. ( تهذيب تاريخ دمشق الكبير 55:5 ).

 

قيل فيه

كلمات كثيرة، أهمّها:

• كلمة عمرو بن شعيب: إنّ خالداً كان ـ قبل أن يعلم به أبوه ـ ثالثاً أو رابعاً ممّن أسلم، وكان مسلماً ورسول الله صلّى الله عليه وآله يدعو سِرّاً، وكان خالد يلزمه ويُصلّي في نواحي مكّة خالياً. ( تهذيب تاريخ دمشق 50:5 ).

• وكلمة ابن عبدالبرّ: أسلم قديماً.. عن إبراهيم بن عقبة قال: سمعتُ أمّ خالد بنت خالد ابن سعيد تقول: كان أبي خامساً في الإسلام.

هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته الخزاعيّة، ووُلد له بها ابنه سعيد بن خالد وابنته أمّ خالد بنت خالد، وهاجر معه إلى الحبشة أخوه عمرو بن سعيد بن العاص. (الاستيعاب 399:1 ).

• وكلمة ابن عساكر الدمشقي: من مُهاجِرة الحبشة هو وأخوه عمرو، فلمّا قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وآل تلقّاهم حين دَنَوا، وذلك بعد بدرٍ بعام، فحزنوا أن لم يكونوا شهدوا بدراً، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله: « وما تحزنوا، إنّ للناس هجرةً واحدةً ولكم هجرتان، هاجرتُم حين خرجتم إلى صاحب الحبشة، ثمّ جئتم مِن عند صاحب الحبشة مهاجرين إليّ ». ( تهذيب تاريخ دمشق 48:5 ).

• وكلمة الحاكم النيسابوري: إنّ خالد بن سعيد أتى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وفي يده خاتم، فقال له النبيّ: « ما هذا الخاتم ؟ »، قال: خاتمٌ اتّخذتُه، قال: « فاطرَحْه ». قال: فطرحتُه فإذا هو خاتمٌ من حديد، فقال صلّى الله عليه وآله: « ما نقشته ؟ »، قلت: محمّدٌ رسولُ الله. فأخذه النبيّ فتختّم به حتّى مات. ( المستدرك على الصحيحين 250:3 ).

• وكلمة السيّد علي خان المدني الشيرازي: خالد بن سعيد من السابقين الأوّلين إلى الإسلام، أسلم هو وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد الخزاعيّة. ( الدرجات الرفيعة:392 ).

• وكلمة الزركلي: خالد بن سعيد، صحابيّ من الولاة الغزاة، قديم الإسلام... هاجر إلى الحبشة، وعاد سنة سبعٍ للهجرة، فغزا مع النبيّ صلّى الله عليه وآله، وحضر فتح مكّة، ثمّ وقعة تبوك. وكان يكتب للنبيّ صلّى الله عليه وآله بمكّة والمدينة، وهو الذي خطّ كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف، ومشى بالصلح بينهم وبين النبيّ، ثمّ بعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله عاملاً على اليمن. ( الأعلام 296:2 ).

نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام