الخصائص العلويّة في الأحاديث النبويّة (19)

الخصائص العلويّة في الأحاديث النبويّة (19)

ومن الخصائص العلويّة الشريفة التي ذُكرت وثُبِّتت ورُويت في مصادر كثيرة عند العامّة فضلا عن الخاصّة، ردُّ الشمس لأجل عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام، وليس في ذلك أيّة غرابة، لدليلَينِ على أقل الفروض:
الأوّل ـ أنّ الله جلّت عظمته هو خالق الأكوان، وهو القادر على كلّ شيء، فليس غريباً أو صعباً أن يَرُدّ شمساً خلَقَها بقدرته فأصبحت طائعةً مُسبِّحةً له عزّوجلّ.
والثاني ـ أنّ عليّاً سلامُ الله عليه ـ وهو نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ كما نصّت آية المباهلة وأنفُسَنا ـ، ليس كثيراً عليه أن تُردَّ له شمس، ثمّ إنّ ذلك ثبّتته مرويّاتٌ موثّقة، وقد ذكرت أنّ الأمر جرى استجابةً لدعاء النبيّ صلّى الله عليه وآله، فما دليل الاستغراب، وأين الغرابة في ذلك ؟! وقد رُوي أن الشمس رُدّت ليُوشَع وصيّ موسى عليهما السلام، وعليٌّ سلام الله عليه في المقام الأسمى..
ثمّ إنّ كُتباً أُلِّفت في ردّ الشمس للإمام عليّ عليه السلام، كانت روايته موزّعةً على فصول ذُكرت في عيون مصادر المسلمين ومراجعهم.. والآن مع الروايات ورواتها:
كتب الطحاوي المصري ( ت 321 هـ ) في كتابه ( مشكل الآثار 8:2 و 388:4 ـ ط حيدرآباد الدكن ): حدّثنا أبو أُميّة، حدّثنا عبيدالله بن موسى العبسي، حدّثنا الفضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يُوحى إليه ورأسه في حِجْر عليّ، فلم يُصلِّ العصرَ حتّى غربت الشمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « صلّيتَ يا عليّ ؟ قال: لا »، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « اللهمَّ إنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردُدْ عليه الشمس ». قالت أسماء: فرأيتُها غربت، ثمّ رأيتُها طلعت بعدما غربت. ( روى ذلك أيضاً: ابن المغازلي الشافعي في: مناقب عليّ بن أبي طالب:96 ـ 98 / ح 140 و 141، واليحصبي في: الشفا بتعريف حقوق المصطفى:240 ـ ط العثمانيّة، والخوارزمي الحنفي في: المناقب:242 ـ ط تبريز، وسبط ابن الجوزي في: تذكرة خواصّ الأمّة:55 ـ ط الغري، والگنجي الشافعي في: كفاية الطالب:240 ـ ط الغري، والمحبّ الطبري في: الرياض النضرة 179:2 ـ ط الخانجي بمصر، والجويني الشافعي في: فرائد السمطين 183:1 / ح 146، والنسّابة النويري ـ ت 732 هـ ـ في: نهاية الإرب 310:18 ـ ط القاهرة، والذهبي في: ميزان الاعتدال 244:2 ـ ط القاهرة، والهيثمي الشافعي في: مجمع الزوائد 297:8 ـ ط القدسي بالقاهرة، وابن كثير في: البداية والنهاية 282:6 ـ ط السعادة بمصر، والقوشجي في: شرح التجريد ـ المطبوع بهامش شرح المواقف 330:4 ـ ط إسلامبول، والسخاوي في: المقاصد الحسنة:226 ـ ط الخانجي، والميبدي في: شرح ديوان أمير المؤمنين:186 ـ من المخطوط، والسيوطي الشافعي في: التعقيبات ـ ط نول كشور في لكهنو بالهند، وكذا في: الخصائص الكبرى 82:2 ـ ط حيدرآباد الدكن، وكذا في: الحاوي للفتاوي:369 ـ ط القاهرة، والسمهودي الشافعي في: وفاء الوفا 33:2 ـ ط مصر، والقسطلاني الشافعي في: المواهب اللدنيّة 113:5 ـ ط الأزهريّة بمصر سنة 1325 هـ، وابن حجر الشافعي ـ ت 974 هـ ـ في: الصواعق المحرقة:76 ـ ط الميمنيّة بمصر، والشوكاني في: الفوائد المجموعة:118 ـ ط الحلبي، والحلبي الشافعي في: السيرة النبوية 386:1 ـ ط مصر، وعبدالحقّ الدهلوي في: مدارج النبوّة:336 ـ ط نول كشور، والبدخشي في: مفتاح النجا:36 ـ من المخطوطة، والقندوزي الحنفي في: ينابيع المودّة:138 ـ ط إسلامبول، وابن دحلان الشافعي مفتي مكّة ـ ت 1300 هـ ـ في: السيرة النبوية ـ المطبوع بهامش السيرة الحلبيّة 126:3 ـ ط مصر، والامرتسري في: أرجح المطالب:687 ـ ط لاهور.. وغيرهم، كلّهم عن أسماء بنت عميس رضوان الله عليها ).
أمّا عن الإمام الحسن المجتبى سبط رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد روى محبّ الدين الطبري الشافعي في ( الرياض النضرة 179:2 ـ ط الخانجي بمصر ) أنه عليه السلام قال: « كان رأس رسول الله صلّى الله عليه وآله في حِجْر عليٍّ وهو يُوحى إليه، فلمّا سُرّي عنه قال: يا عليّ، صلّيتَ العصر ؟ قال: لا، قال: اَللهمَّ إنّك تعلم أن كان في حاجتك وحاجة نبيّك، فَرُدَّ عليه الشمس. فردّها عليه، فصلّى، وغابت الشمس ». قال: خرجّه الدولابيّ. ( روى ذلك أيضاً: ابن حجر العسقلاني الشافعي في: لسان الميزان 47:1 ـ ط حيدرآباد الدكن، والقاوقچي المشيشي ـ ت 911 هـ ـ في: اللؤلؤ المرصوع:39 ـ ط مصر ).
فيما روى ابن المغازلي الشافعي في ( مناقب علي.:98 / ح 141 ) هذه الخصيصة عن أبي رافع أنّه قال: رقد رسول الله صلّى الله صلّى الله عليه وآله على فَخِذِ عليّ، وحضرت صلاة العصر ولم يكُ عليٌّ صلّى، وكَرِه أن يُوقظ النبيَّ صلّى الله عليه وآله حتّى غابت الشمس، فلمّا استيقظ قال: « ما صلّيتَ يا أبا الحسنِ العصر ؟ قال: لا يا رسولَ الله »، فدعا النبيّ صلّى الله عليه وآله، فَرُدّتِ الشمس على عليٍّ بعدما غابت، حتّى رجعت لصلاة العصر في الوقت، فقام عليٌّ فصلّى العصر، فلمّا قضى صلاة العصر غابت الشمس فإذا النجوم مشتبكة! ( روى هذا الحديث بعين ما تقدّم: عبدالله الشافعي ( ت1000 هجرية ) في كتابه: المناقب:196 ـ من المخطوطة ).
وعن أبي هريرة أخرج السيوطي الشافعي في ( الخصائص الكبرى 82:2 ـ ط حيدرآباد الدكن ) قال: وأخرج ابن مردَويه عن أبي هريرة قال: نام رسول الله صلّى الله عليه وآله ورأسُه في حِجر عليٍّ ولم يكن صلّى العصر حتّى غربت الشمس، فلمّا قام النبي دعا له فرُدّت عليه الشمس حتّى صلّى، ثمّ غابت ثانيةً.
وكتب الشسخ سليمان القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة:138 ـ ط إسلامبول ): وفي كتاب ( الإرشاد ) أنّ أمّ سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعيد الخدري، وغيرهم من جماعة الصحابة قالوا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان في منزله، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فَخِذَ عليّ، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشمس، وصلّى عليٌّ صلاة العصر بإيماء، فلّما أفاق صلّى الله عليه وآله قال: « اللهمّ اردُدِ الشمسَ لعليّ »، فرُدّت عليه الشمس حتّى صارت في السماء وقت العصر، فصلّى عليٌّ العصر، ثمّ غربت.
فأنشأ حسّان بن ثابت يقول:

يا قومُ مَـن مِثـلُ علـيٍّ وقـد

 

رُدَّت عليه الشمسُ مِن غائبِ ؟!

أخو رسـول الله ثُـمّ صهـرُهُ

 

والأخُ لا يُعـدَل بالصـاحـبِ

( روى ذلك عن هذه الجماعة أيضاً: الشيخ عبيدالله الحنفي الأمرتسري في: أرجح المطالب:686 ـ ط لاهور ).
وكتب المنقري التميمي ( ت 212 هـ ) في كتابه ( وقعة صفيّن:152 ـ ط القاهرة ): حدّثني عمر بن عبدالله بن يعلى بن مرّة الثقفثي، عن أبيه، عن عبد خيرٍ قال: كنتُ مع عليٍّ أسيرُ في أرض بابل ( اي في خلافته عليه السلام، وهذه واقعة أخرى ومنقبة أخرى تكرّرت له عليه السلام في موضوع ردّ الشمس )، قال: وحضَرَت الصلاة صلاةُ العصر، قال: فجعلنا لا نأتي مكاناً إلاّ رأيناه أفيحَ من الآخر، قال: حتّى أتينا على مكانٍ أحسن ما رأينا وقد كادت الشمس أن تغيب.
قال: فنزل عليٌّ ونزلتُ معه، قال: فدعا اللهَ فرجَعَت الشمس كمقدارها من صلاة العصر، فصلّينا العصر، ثمّ غابت الشمس.
هذا فيما روى الشيخ جمال الدين محمّد بن أحمد الحنفي الموصلي، الشهير بـ « ابن حسنَوَيه » ـ ت 680 هـ في كتابه ( درّ بحر المناقب:117 ـ 118 من المخطوطة ): الحديث الثامن عشر: بالإسناد يرفعه إلى محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه عن جدّه الشهيد ( الحسين عليه السلام ) أنّه قال: « لمّا رجع أبي عليُّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) من قتال أهل النهروان، ووصل إلى ناحية العراق، ولم يكن يومئذ يبيت ببغداد، فلمّا وصل ناحية برشيا وما صلّى بالناس الظهر، ورحل ودخل أوائل أرض بابل وقد وجبت صلاة الظهر والعصر، فصاح المسلمون: يا أمير المؤمنين، وجَبَت صلاة العصر وقد دخل وقتها. فعند ذلك قال: أيُّها الناس، هذه أرض قد خَسَف اللهُ بها ثلاث مرّات، وعليه تمام الرابعة، فلا يحلّ لنبيٍّ ولا لوصيّ نبيٍّ أن يُصلّيَ فيها؛ لأنّها أرضٌ مسخوطة عليها، فمَن أراد منكم الصلاة فَلْيُصلِّ.
قال حوفرة بن مسهر العبدي: فتبعتُه في مئة فارس وقلت: لأقلّدنّ عليّاً صلاتيَ اليوم. قال: وسار أمير المؤمنين ( رضي الله عنه ) إلى أن قطع أرض بابل ونزلت الشمس للغروب، ثمّ غابت واحمرّ الأفق، قال: فأقبل إليّ ( والحديث ما زال للإمام الحسين عليه السلام والمتحدّث في هذا المقطع هو حوفرة ) وقال: يا حوفرة، هاتِ الماء. قال: فتقدّمتُ إليه فتوضّأ ثمّ قال: أذِّنِ العصر، فقلت: يا مولاي، أُؤذّن للعصروقد وجَبَتِ العشاء وغربت الشمس ؟! ولكن علَيّ الطاعة. فأذّنتُ فقال لي: أقِمِ الصلاة. ففعلتُ فجعل عليه السلام يُحرّك شفتَيه بكلامٍ كأنّه منطق الخطاف ولم يُفهَم، فإذا بالشمس قد رجعت بصريرٍ عظيم حتّى وقفت في مركزها من العصر، فقام عليه السلام وكبّر وصلّى العصر، وصلّيتُ وراءه، فلمّا أدَّينا وسلّم وقَعَت إلى الأرض، كأنّها وَقَعَت في طستٍ وغابت واشتبكتِ النجوم، فالتفَتَ إليّ وقال: أذِّنوا الآنَ للمغرب يا ضعفاءَ القلوب. قال: فأذّنتُ وصلّينا المغرب، فهو عليه السلام آيةُ الله في أرضه وسمائه. ( قريب منه ما رواه الشيخ القندوزي في: ينابيع المودّة:138 ـ ط إسلامبول ).
وأخيراً في هذا الموضوع لنا وقفة مع سبط ابن الجوزي الحنفي ( ت 654 هـ ) حيث روى هذه الخصيصة الخاصّة لأمير المؤمنين عليه السلام بقلمٍ واثق، ثمّ أيّدها بقصيدة وحكاية: أمّا القصيدة فهي للصاحب بن عبّاد كافي الكُفاة، حيث يقول فيها:

مَن كمـولايَ علـيّ

 

والوغى تُحمى لَظاها

مَن له في كلِّ يـومٍ

 

وَقَعاتٌ لا تُضاهـى

أُذكروا أفعال بـدرٍ

 

لستُ أبغي ماسواها

إلى أن يقول:

أُذكروا مَن زوجُه الزهـ

 

ـراءُ قد طـاب ثَراهـا

حالُـه حالـةُ هــارو

 

نَ لموسـى فافهَماهــا

أعلـى حُـبِّ علـيٍّ

 

لامَني القومُ سَفاهـا!

أوّلُ النـاسِ صــلاةً

 

جعَلَ التقوى حَلاهـا

رُدّتِ الشمـسُ عليـهِ

 

بعدما غـاب سَناهــا

( ص 58 من: تذكرة خواصّ الأمّة ـ ط الغري )
أمّا الحكاية فقد أوردها سبط ابن الجوزي هكذا:
في الباب حكاية عجيبة: حدّثني بها جماعة من مشايخنا بالعراق، قالوا: شاهَدْنا أبا منصور المظفّرَ بن أردشير العبادي الواعظ وقد جلس بالناجية ( مدرسة بباب أبرز محلّة ببغداد )، وكان بعد العصر، وقد ذكر حديثَ ردِّ الشمس لعليٍّ عليه السلام وطرّزه بعبارته ونمّقه بألفاظه، ثمّ ذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام، فنشأت سحابةٌ غطّتِ الشمسَ حتّى ظنّ الناس أنّها قد غابت، فقام أبو منصور على المنبر قائماً وأومى إلى الشمس وأنشد:

لا تَغرُبي يا شمسُ حتّى ينتهي

 

مَدحي لآلِ المصطفى ولِنجلِهِ

واثْني عِنانَكِ إن أردتُ ثناءَهُم

 

أنَسِيتِ أن كان الوقوفُ لأجلِهِ

إن كان للمولى وقوفُكِ فَلْيكُنْ

 

هذا الوقوفُ لخيلِهِ ولرَجْلِـهِ

قالوا: فانجاب السَّحابُ عن الشمس وطلعت.( ص 95 من: تذكرة خواصّ الأمّة ).
لا بأس بمراجعة هذه المنقبة الفاخرة ـ ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام ـ والخصيصة المختصّة به دون غيره، في:
ـ رسالة ( كشف اللَّبس عن حديث ردّ الشمس )، للسيوطي الشافعي ( ت 911 هـ ).
ـ رسالة ( مُزيل اللَّبس عن حديث ردّ الشمس )، للصالحي الشامي ( ت 942 هـ ).
ـ كتاب ( كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس)، للشيخ محمّد باقر المحمودي.
ـ الجزء 3 ص 126 ـ 141 من كتاب ( الغدير )، للشيخ عبدالحسين الأميني.

نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام