بعد رحيل المصطفى

بعد رحيل المصطفى

لم تَـزَلْ بعـده عليـلـةَ جسـمٍ   لقليـل السـلـوى وطول البـلاءِ
وهْيَ يُغشـى مِن السُّقـام عليـها   كلَّ حيـنٍ مِـن كثـرة الإغمـاءِ
لم تفـارق فراشـها مِن نحـولٍ   قد براهـا ضَعفـاً وطول عنـاءِ
وهْـيَ تبكـي ليلاً نهـاراً أباهـا   بدمـوع الذكـرى بغيـر انتـهاءِ
قـاتـلَ اللهُ قــومَ سـوء بُغـاةً   منعوهـا عـن الأسـى والبكـاءِ
أخـرجـوها مِـن بـيتـها حـين   ضجّوا لعـلـيٍّ مِن كثرة الإستياءِ
فـاستظلّت ظـلَّ الأراكـةِ لكـنْ   قطـعـوهـا بقســوةٍ وعــداءِ
فـأقــام الـوصــيُّ بـيـتـاً وسـمـّاه « بيـتَ الأحــزان » والأرزاءِ
فهـْي تـأوى إلـيـه كلَّ نـهـارٍ   ثمّ تأتـي لبيتـها فـي الـمـسـاءِ
لـم تـزل دأبُـها النياحـةُ حتـّى   أسـلـمَتْـها إلـى قسـيّ الفَنـاءِ
حيـن أوصـت بكـلّ مـا طلبَتـْه   ساعـةَ المـوت سيـدَ الأوصـياءِ
فبكاهـا الـوصـيُّ شَجْـواً لأمـرٍ   كتـمَتْـه عنـه وعـن كلّ رائـي
وأتـى للبـقيـع بالنـعـش ليـلاً   بعِـدادٍ مـن صـحـبهِ الأوفيـاءِ
وأهـال الثـَّرى عليـها.. وعفّـى   قبـرَهـا فـي غياهـب الظَّلْمـاءِ
قـد بكاهـا حتّـى تفجّـر وَجْـداً   وحنـيـناً علـى نشـيج الـبكـاءِ
ورثاهـا بالـدمـع مِـن مقلـتَيـهِ   مستهـلاًّ.. والـدمـعُ خيـرُ رثاءِ
حين وارى في تربة الأرض شمساً   عن عُلاهـا تنحطّ شمـسُ السمـاءِ
وهْـو يدعـو وقبـرُ أحمـد يبـدو   نُصْبَ عينَـيهِ عند وقت الـدعـاءِ
واضعـاً كفَّـه علـى القـلب مِمّا   قـد عـراه مـن محنـةٍ وابتـلاءٍ
قـائـلاً للـنبـيّ بعـد اكـتئـابٍ   وخطـابٍ لـه بـأشـجـى نـداءِ
وعليـك الـسـلام عنّـي وعنـها   يا رسـولَ الهـدى وصنوَ الإخـاءِ
هـذه الـبضعـةُ الـزكيّـةُ بـاتت   منك فـي خيـر بقـعـةٍ وفِـنـاءِ
ولــها اختـار ربُّـها بك قُـربـاً   سـرعة الالتحـاق بعـد التنـائـي
قلّ يـا سيّـدَ الـنبـيّـين صبـري   حَـزَنـاً علـى سـليـلة الأنـبياءِ
وأنـا رُدّتِ الــوديـعـةُ مـنّـي   باختـلاس الـصدّيقـة الـزهـراءِ
وبعـيـن الإلـه يُغصَـب جَـهراً   حقُّـها بعـد دفنـهـا بـالـخَفـاءِ
إحفِها الـسـؤالَ واختبـرْها تِباعاً   عـن جمـيع الأحـوال عند اللقـاءِ
كم غليـلٍ فـي صـدرها مستثـيرٌ   لـم تُـطـقْ بثَّـه لعُـظمِ الـبـلاءِ
هـذه الـنفـثة الـحـزينة شكـوى   لك حتّـى ألـقـاك يـومَ الـبقـاءِ

نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام