مودّة فاطمة عليها السلام

الدين موقف

والموقف يحدّده العقل والقلب والضمير، وهنالك مبادئ ثابتة قرّرها الإسلام، وهي قرّرت مَن هو المؤمن المتديّن ومَن هو ضعيف الإيمان متخلخل الديانة، ومَن هو منافق يَدّعي الإسلام ولا يعمل به.
ومن الإسلام: حبُّ الله تعالى وطاعته، وحبُّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وطاعته، وحبُّ مَن أحبَّهم اللهُ ورسولُه..
أوّلُهم ـ وهم أشرفهم ـ عليٌّ وفاطمةُ والحسن والحسين سلام الله عليهم، وهم الأحبُّ والأعزّ والأكرم من الخَلْق إلى الله ورسوله، وحبُّهم ـ بالضرورة ـ علامة الإيمان، كما أنّ بُغضَهم ـ بالتأكيد ـ علامةُ النفاق، وربّما بلغ الكفر!
والزهراء البتول فاطمة صلَواتُ الله عليها هي بَضعةُ النبيّ وحبيبته، وفلذّة كبده وروحُه التي بين جَنبَيه، فلابَدّ ـ عقلاً وعقيدةً ـ أن تكون موالاتها تعني موالاةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومحبّتُها تعني محبّةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكلاهما يعنيانِ موالاةَ الله ومحبّته.. وتلك زيارتها ناطقةٌ صريحة بذلك، حيث نقول في مخاطبتها: « أشهدُ أنّكِ مَضَيتِ على بَيِّنةٍ مِن ربِّكِ، وأنّ مَن سَرَّكِ فَقَد سَرَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، ومَن جَفاكِ فقد جَفا رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، ومَن آذاكِ فقد آذى رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، ومَن وصَلَكِ فقد وَصَل رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، ومَن قَطَعكِ فقد قطَعَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله؛ لأنّكِ بَضعةٌ منه ورُوحُه الذي بينَ جَنبَيهِ كما قال صلّى الله عليه وآله ».
وقد رُويَ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله فيها سلام الله عليها: « هيَ بَضعةٌ مِنّي، وهي قلبي وروحيَ التي بينَ جَنْبَيّ، فَمَن آذاها فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله » ( الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي:128 ـ ط الغري، نور الأبصار للشبلنجي الشافعي:41 ـ ط مصر، نزهة المجالس للصفوري الشافعي البغدادي 228:2 ـ ط القاهرة، كنوز الحقائق للمناوي:103 ـ ط بولاق بمصر.. وغيرها ).
فالدين هو مَيلُ القلب إلى الله جلّ وعلا طاعةً بالقلب والجوارح، والمشاعر والعواطف؛ لأنّ الدين الحقيقيّ حبٌّ في الله وبُغضٌ في الله، فعلى هذا الاعتقاد تكون محبّة المؤمن لفاطمة صلوات الله عليها أوّلاً: واجبةً، وثانياً: تعني محبّةً لله ورسوله، وثالثاً: تكون طاعةً للهِ ورسوله.. فقد سأل عابدٌ زاهدٌ أحدَ الأنبياء: ما الذي للهِ عَلَيّ ؟ فجاء الجواب من الله تعالى لنبيّه: « قُلْ له: هل والَيتَ فِيَّ وليّاً، أو عادَيتَ فِيَّ عدوّاً ؟! » ( كنز الفوائد للكراجكي ).
ثمّ أين نحن مِن قوله تبارك وتعالى: قُلْ لا أسألُكُم عَلَيهِ أَجْراً إلاَّ المَودةَ في القُربى ( الشورى:23 ) وقد أجمع المفسّرون أنّ الصحابة سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله مَن المعنيّون بالقربى: قُرباهم أم قُرباه ؟ وإذا كانوا قُرباه فَمَن هم يا تُرى ؟
فأجابَهم بصريح القول في مواقف عديدة، كما نقلت عشرات الروايات والأخبار أنّهم قُرباه، وأنّهم على وجه التحديد والتعيين والتشخيص: عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لا غير، وهذه أخبار المحبّة المسؤول عنها كلُّنا بعد الوفاة!
 

هكذا رَوَوا

• روى أبو المويَّد الموفَّق بن أحمد الخوارزميّ الحنفيّ في ( مقتل الحسين عليه السلام 100:1 / ح 23، أو ص 59 ـ ط الغري ) عن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « يا سلمان، مَن أحبَّ فاطمةَ ابنتي فهو في الجنّة معي، ومَن أبغضها فهو في النار! يا سلمان، حبُّ فاطمة ينفع في مئةٍ من المواطن، أيسَرُ تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة. فمَن رَضِيَت عنه ابنتي فاطمة رَضِيتُ عنه، ومَن رَضِيتُ عنه رضيَ الله عنه، ومَن غَضِبَت عليه ابنتي فاطمة غَضِبتُ عليه، ومَن غَضِبتُ عليه غَضِبَ الله عليه! يا سلمان، وَيلٌ لمَن يظلمُها ويَظلم بَعلَها أمير المؤمنين عليّاً، وويلٌ لمَن يظلم ذريّتَها وشيعتها! » ( رواه أيضاً: السيّد علي الهمداني في مودّة القُربى:116 ـ ط لاهور الهند، والشيخ القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة:263 ـ ط إسلامبول ).
• وعن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: « إنّي سمّيتُ ابنتي فاطمة؛ لأنّ الله عزّوجلّ فَطَمها وفَطَم مَن أحبَّها مِن النار » ( عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 46:2 / ح 174، فرائد السمطين للجويني الشافعي 57:2 / ح 384 ).
• وفي ( أمالي الطوسي:294 )، و ( إعلام الورى بأعلام الهدى 291:1 ) للطبرسي، و ( علل الشرائع:178 / ح 1 ) للشيخ الصدوق: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « إنّما سُمِّيَت ابنتي فاطمة؛ لأنّ الله سبحانه فطَمَها وفطَمَ مَن أحبَّها من النار ».
• وسأل الإمامُ أبو جعفر الباقر عليه السلام يوماً أحدَ أصحابه: « أتَدري ما تفسير: حَيَّ على خَيرِ العَمَل ؟! »، قال: لا، فقال عليه السلام: « دَعاك إلى البِرّ، أتَدري بِرَّ مَن ؟! »، قال: لا، قال عليه السلام: « دعاك إلى بِرّ فاطمة ووُلْدِها » ( معاني الأخبار للشيخ الصدوق:42، علل الشرائع 56:2 ).
• وعن بُرَيدة قال: سألتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله: أيُّ النساء أحبُّ إليك ؟ قال: « فاطمة »، قلتُ: من الرجال ؟ قال: « زوجُها » ( مناقب آل آبي طالب لابن شهرآشوب 111:3، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي:117، مودّة القُربى:101.. وقريب منه عن عائشة: المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري الشافعي7 157:3 ـ ط حيدرآباد الدكن بالهند، مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي 258:3 ـ ط دمشق، المختار في مناقب الأخبار لابن الأثير الجزري:56 ـ ط دمشق ).
• وفي ( كنز العمّال 272:13 / ح 3680 ) روى المتّقي الهندي أنّ العبّاس بن عبدالمطلب وعليّاً عليه السلام قالا لأُسامة بن زيد: استأذِنْ لنا على رسول الله، فلمّا استأذن لهما قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أتدري ما جاء بهما ؟! »، قال: لا، فقال: « لكنّي أدري، إئْذَنْ لهما ». فدخلا فقالا: يا رسول الله، جئناك نسألك أيُّ أهلك أحبُّ إليك ؟ فقال: « فاطمة بنت محمّد.. » ( رواه أيضاً: ابن عساكر الدمشقي الشافعي في تاريخ مدينة دمشق 260:42 / خ 4933، والسيّد ابن طاووس في الطرائف:38، ومحمّد بن مبارك العَدَوي البصري في الأمالي:91 ـ ط حيدرآباد الدكن ).
• وعن ابن عبّاس قال: رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد سجد خمس سجدات بلا ركوع، فقلت: يا رسول الله، سجودٌ بلا ركوع ؟! فقال: « نعم، أتاني جبرئيل فقال لي: يا محمّد، إنّ الله عزّوجلّ يُحبّ عليّاً، فسجدتُ، ورفعت رأسي، فقال لي: إنّ الله عزّوجلّ يحبّ فاطمة، فسجدتُ، ورفعت رأسي، فقال لي: إنّ الله يُحبّ الحسن، فسجدتُ، ورفعتُ رأسي، فقال لي: إنّ الله يحبّ الحسين، فسجدتُ، ورفعتُ رأسي، فقال لي: إنّ الله يحبّ مَن أحبَّهم، فسجدتُ ورفعتُ رأسي » ( مناقب آل أبي طالب 90:2، محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني 479:4 ـ ط بيروت، مرآة المؤمنين لولي الله اللَّكْهنوي:6 ).
• وفي ( سِير أعلام النبلاء 135:12 ) روى الذهبيّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام فقال: « مَن أحَبَّني وأحبَّ هذينِ وأباهما وأُمَّهما كان معي في درجتي يومَ القيامة » ( رواه أيضاً: المزّي في تهذيب الكمال 47:13، وابن حجر في تهذيب التهذيب 384:10 / خ 781، وابن البطريق في العمدة:206 ).
• ورُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: « خَلَق ( اللهُ ) الأنبياءَ من أشجارٍ شتّى، وخَلَقَني وعليّاً من شجرةٍ واحدة: فأنا أصلُها، وعليٌّ فرعها، وفاطمةُ لقاحُها، والحسن والحسين ثمرها. فَمَن تعلّق بغصنٍ مِن أغصانها نجا، ومَن زاغ هوى. ولو أنّ عبداً عبَدَ اللهَ بين الصفا والمروة ألفَ عام، ثمّ ألفَ عام، ثمّ ألف عام، ثمّ لم يُدرِك محبّتَنا، إلاّ أكبَّه الله على مِنخَرَيه في النار! ». ثمّ تلا صلّى الله عليه وآله قوله تعالى: قُل لا أسألُكم عليهِ أجْراً إلاَّ المودّةَ في القربى ( تاريخ مدينة دمشق 65:42 / خ 6933، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 112:4، الأربعين للزوايي ـ مخطوط ـ: الباب الأوّل ).
• وروى ابن شهرآشوب في ( مناقب آل أبي طالب 332:3 ) عن: جامع الترمذي، وإبانة العُكْبري، وأخبار فاطمة عليها السلام عن أبي علي الصولي، وتاريخ خراسان عن السلامي مسنداً، أنّ جميعاً التيمي قال: دخلتُ مع عمّتي على عائشة، فقالت لها عمّتي: ما حَمَلكِ على الخروج على عليّ ؟ فقالت عائشة: دَعِينا! فَوَ اللهِ ما كان أحدٌ من الرجال أحبَّ إلى رسول الله من عليّ، ولا من النساء أحبَّ إليه من فاطمة. ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 38:43 / ح 40 ـ عن مناقب آل أبي طالب ).
• وجاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « أنا ميزانُ العِلم، وعليٌّ كفّتاه، والحسن والحسين خيوطُه، وفاطمة علاقته، والأئمّة مِن بعدي عمودُه، يُوزَن فيه أعمال المحبّين لنا، والمبغضين لنا » ( رواه: الحافظ شيرويه بن شهرداد الديلمي في فردوس الأخبار، وأبو الحسن الدامغاني في الأربعين، والكاشفي في المناقب المرتضويّة:79، والهمداني في مودّة القربى:34 ).
• وعن عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: « أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه أوّلُ مَن يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين، قلت: يا رسول الله، فذَرارِينا ؟ قال: ذَرارينا مِن ورائنا، وخَلْفَ ذرارينا شيعتُنا عن أيماننا وعن شمائلنا » ( تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام عليّ 126:1 ـ ط بيروت، كنز العمّال 90:13 ـ ط حيدر آباد الدكن، وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل لباكثير الحضرمي:77، مرآة المؤمنين:19 من المخطوط، مسند فاطمة عليها السلام للحافظ السيوطي الشافعي:68، شرح الأخبار للمغربي 475:2 / ح 832 ).
• وعن زيد بن أرقم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: « أنا حربٌ لمَن حاربَكم، سِلمٌ لمَن سالَمَكم » ( المعجم الصغير للطبراني الشافعي 3:2 ـ ط المكتبة السلفية بالمدينة المنوّرة، المعجم الكبير له أيضاً 207:5 ـ ط الدار العربيّة ببغداد، تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ـ :100، مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي:63 ـ ط طهران ).
• وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله: « أحَبُّ أهلي إليَّ فاطمة، مَن أبغَضها فقد أبغضني، فإنّما هي بَضعةٌ منّي، أُحِبّ ما سَرَّها، وأكرهُ ما ساءَها » ( المعجم الكبير 403:22، الجامع الصغير للسيوطي 37:1 / ح 203 ).
• وفي ترجمتها عليها السلام كتب الذهبيّ في ( سِير أعلام النبلاء 119:2 ): وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يُحبّها ويُكرمها، ويُسِرّ إليها. ومناقبها غزيرة، وكانت صابرةً دَيِّنة، خيِّرةً صَيِّنة، قانعةً شاكرةً لله.
• وفي كتابه ( مَطالب السَّؤول في مناقب آل الرسول ص 7 ) نقل محمّد بن طلحة الشافعيّ أخبار حبّ النبيّ لفاطمة صلوات الله عليهما، ثمّ قال: فثبَتَ بهذه الأحاديث الصحيحة، والأخبار الصريحة، كونُ فاطمة عليها السلام أحَبَّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن غيرها، وأنّها سيّدةُ نساء أهل الجنّة، وأنّها سيّدة نساء هذه الأُمّة، وسيّدة نساء أهل المدينة.
• وقال أبو ذرّ الغِفاري: دخلتُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الذي تُوفّي فيه، فقال: « يا أبا ذرّ، إئْتِني بابنتي فاطمة ».. إلى أن قالت فاطمة عليها السلام: « يا أبتِ أين ألقاك ؟ » قال: « تلقاني عند الحوض وأنا أسقي شيعتَكِ ومُحبّيكِ، وأطردُ أعداءَكِ ومُبغضيكِ » ( كفاية الأثر:36 ـ عنه: بحار الأنوار 288:36 / ح 110 ).
• وفي ( تهذيب الأحكام 10:6 / ح 19 ) روى الشيخ الطوسيّ أنّ الإمام أبا جعفر الجواد عليه السلام قال يوماً للعُرَيضي: « إذا صِرتَ إلى قبر جدّتك فاطمة عليها السلام فقل: « يا مُمْتَحَنة، إمتَحَنَكِ اللهُ الذي خَلَقَكِ قَبلَ أن يَخلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِما آمتَحَنَكِ صابرة، وزَعَمْنا أنّا لكِ أولياءُ ومُصدِّقون وصابرون، ولِكُلِّ ما أتانا به أبوكِ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأتانا به وصيُّهُ عليه السلام مُسَلِّمون. فإنّا نسألكِ إن كنّا صدَّقْناكِ إلاّ ألْحَقْتِنا بتصديقِنا لهما بالبُشرى، لِنُبَشِّرَ أنفسَنا بأنّا قد طَهُرْنا بِولايتكِ ».
• ورَحِم الله الشاعر حيث يقول:

بأبي وأُمّي خمسةُ أحبَبْتُهُـم       في الله، لا لِعطيّـةٍ أُعطاهـا
بأبي النبيُّ محمّـدٌ ووصيُّـهُ       الطيِّبـان، وبِنتُـه وآبنـاهـا
بأبي الذين بِحُبِّهِم وبِذِكرِهـم      أرجو النجاةَ مِن التي أخشاها
قـومٌ إذا والاهُـمُ مُتَـديِّـنٌ          والـى ولـيَّ الطيّبيـنَ الله!


( بشارة المصطفى لشيعة المرتضى لأبي جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن علي الطبري ـ من علماء الإماميّة في القرن السادس الهجريّ ـ:268 ).