شذرات نورانيّة (17)

شذرات نورانيّة (17)

الحريّة
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في مفاهيم هذه الكلمة أحاديث كثيرة منها قوله:
ـ « لا تكوننِّ عبدَ غيرِك وقد جعلك اللهُ صبحانه حُرّاً » ( غرر الحكم / ح 10371 ).
ـ « لا يَسَترَّقنّك الطمعُ وقد جعلك اللهُ حُرّاً » ( غرر الحكم / ح 10317 ).
ـ ومن خطبةٍ شريفٍ له عليه السلام، قال فيها: « أيُّها الناس، إنّ آدمَ لم يَلِد عبداً ولا أمَة، وإن الناس كلَّهم أحرار » ( نهج السعادة 198:1 ).
وفي رجلٍ أبيٍّ قال الإمام أبو جعفر محمّد الباقر عليه السلام: « إنّ يزيدَ بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحجّ، فبعث إلى رجلٍ من قريشٍ فأتاه، فقال له يزيد: أتُقِرّ لي أنّك عبدٌ ل، إن شئتُ بِعتُك وإن شئتُ استرقّيتُك ؟! فقال له الرجل: واللهِ ـ يا يزيد ـ ما أنت بأكرمَ منّي في قريشٍ حَسَباً، ولا كان أبوك أفضلَ مِن أُقرّ لك بما سألتَ ؟! فقال له يزيد: إن لم تُقِرَّ لي واللهِ قتَلتُك، فقال له الرجل: ليس قتُلك إيّاي بأعظمَ مِن قتلِك الحسينَ بن عليٍّ عليهما السلام ابنَ رسول الله صلّى الله عليه وآله. فأمر به فقُتِل! » ( الكافي 234:8 / ح 313 ).
وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: « خمسُ خصالٍ مَن لم تكن فيه خَصلةٌ منها ليس فيه كثيرُ مُستمتَع، أوّلها: الوفاء، والثانية: التدبير، والثالثة: الحياء، والرابعة: حثسنُ الخُل، والخامسة ـ وهي تجمع هذه الخصال ـ: الحريّ » ( الخصال:284 / ح 33 ).
ورُوي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أنّه قال: « الحرُّ حرّ، وإن مَسّضه الضُّرّ. العبد عبد وإن ساعده القَدَر » ( غرر الحكم / ح 1322 ).
وفي تفصيل لهذا الحديث المبارك، قال الإمام الصادق عليه السلام: « إنّ الحرَّ حرٌّ على جميع أحواله: إن نابَته نائبةٌ صبر لها، وإن تَداكّت عليه المصائبُ لم تَكسِره وإن أُسِر وقُهِر واستُبدل باليُسر عُسراً، كما كا يوسُفُ الصدّيق الأمين صلوات الله عليه: لم يَضْرُرْ حريّتَه أنِ استُعبِد وقُهِر وأُسِر » ( الكافي 89:2 / ح 6 ).
وأمّا شيمة الحرّ أو شيُمه التي يُعرَف بها، فيبيّنها أهلُ البيت عليهم السلام بأحاديثهم النورانيّة، منها:
ـ قول الإمام عليّ عليه السلام: « إنّ الحياء والعفّة من خلائق الإيمان، وإنّهما لَسجيّة الأحرار، وشيمةُ الأبرار » ( غرر الحكم / ح 3605 ).
ـ وقول الإمام الباقر عليه السلام: « إنّ قوماً عبدوا اللهَ شُكراً، فتلك عبادةُ الأحرار » ( بحار الأنوار 187:78 / ح 29 ).
وأمّا ما يُورث الحريّة، فتلك كلمات أمير المؤمنين عليه السلام فيه جليّة مشرق، منها:
ـ قوله سلام الله عليه: « مَن ترك الشهوات كان حُرّاً » ( تحف العقول:99 ).
ـ وقوله عليه السلام: « العبدُ حرٌّ ما قَنِع. الحرُّ عبدٌ ما طَمِع » ( غرر الحكم / ح 413 ).
ـ وقوله صلوات الله عليه: « مَن زَهِد في الدنيا أعتق نفسه، وأرضى ربَّه » ( غرر الحك / ح 8816 ).
ـ وأخيراً هذه الكلمة الحكيمة الراشدة: « الدنيا دارُ مَمّر، والناس فيها رجلان: رجلٌ باع نفسَه فأوَبَقها، ورجلٌ ابتاع نفسَه فأعتقها » ( تنبيه الخواطر 75:1 ).
 

الحِرص
قال تعالى: إنّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً * إذ مَسَّه الشَّرُّ جَزُوعاً [ سورة المعارج:19 ـ 20 ].
سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى الحرص، فقال: « هو طلبُ القليل بإضاعة الكثير » ( بحار الأنوار 167:73 / ح 41 ).
وبيّن رسول الله صلّى الله عليه وآله أصل الحرص مع أقرانه، ومادّته المذمومة حين قال لوصيّه: « إعلَمْ ـ يا عليُّ ـ أنّ الجُبنَ والبخل والحرص غريزةٌ واحدة، يجمعها سوءُ الظنّ » ( أي بالله تبارك وتعالى أنّه الرازق الحافظ، وأنّ الأمور بيده يُجريها كيف يشاء بحكمته. علل الشرائع:559 / ح 1 ).
وأما تعاريف الحرص من خلال آثاره السيّئة، فيبيّنها الإمام عليّ سلام الله عليه بأقواله المنبّهة:
ـ « الحرصُ عناءٌ مؤبَّد » ( غرر الحكم / ح 982 ).
ـ « الحرصُ يُزْري بالمروءة » ( غرر الحكم / ح 1107 ).
ـ « الحرصُ يُنقص قَدْرَ الرجل، ولا يَزيد في رزقه » ( غرر الحكم / ح 1550 ).
ـ « الحرصُ مُوقِعٌ في كثيرِ العيوب » ( غرر الحكم / ح 1131 ).
ـ قَتَل الحرصُ راكبَه! » ( غرر الحك / ح 6822 ).
ـ « رُبَّ حريصٍ قتَلَه حِرصُه » ( غرر الحكم / ح 5302 ).
ـ وفي مقابل هذا كلّه يقول أمير المؤمنين عليه السلام: « ما أحسنَ بالإنسان أن لا يشتهيَ ما لا ينبغي » ( غرر الحكم / ح 9649 ).
وأمّا حال الحريص، فتصوّره الروايات النيّرة لآل الله عليهم أفضل الصلاة والسلام، حيث جاء:
ـ عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: « ما أقبحَ بالمؤمن أن يكون له رغبةٌ تُذِلُّه! » ( صفات الشيعة للشيخ الصدوق:108 / ح 45 ).
ـ وقد سُئل الإمام عليّ عليه السلام: أيُّ ذُلٍّ أذَلّ ؟ فقال: « الحرصُ على الدنيا » ( أمالي الصدوق:322 / ح 4 ).
ـ ورُوي عنه كذلك: « الحرصُ ذُلٌّ وعَناء. الحرصُ يُذِلّ ويُشقي » ( غرر الحكم / ح 96 و 1753 ).
وفي ( مصباح الشريعة:187) ـ وهو كتاب منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام ـ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « الحريصُ محروم، وهو مع حرمانه مذمو، في أيّ شيءٍ كان وكيف لا يكون محروماً وقد فرّ مِن وَثاق الله تعالى ؟! ».
وروى الشيخ الصدوق عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: « حُرِم الحريصُ خَصلتَين، ولزِمَته خَصلتان: حُرِم القناعة فافتقد الراحة، وحُرِم الرضى فافتقد اليقين! » ( الخصال:69 / ح104 ).
وربّ طالبٍ لإصاح نفسه، يتساءل عمّأ يردع الحرص، فتأتيه الرواية المباركة:
ـ قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير: « أما تَحزَن، أما تهتمّ أما تَأْلم ؟ »، قال: بلى والله، قال: « فإذا كان ذلك منك فاذكُرِ الموتَ ووَحدتَك في قبرك، وسَيَلانَ عينَيك على خَدَّيك، وتَقطُّع أوصالك، وأكلَ الدودِ من لحمكِ، وبِلاك، وانقطاعَك عن الدنيا؛ فإنّ ذلك يَحثُّك على العمل، ويَردَعُك عن كثيرٍ من الحرص على الدنيا » ( بحار الأنوار 322:76 / ح 5 ).
وأمّا يستحقّ الحرص فيه، بل ينبغي، فيُستفاد من هذه الروايات الشريفة:
ـ قال الإمام عليّ عليه السلام: « إن كنتَ حريصاً على استيفاء المضمون لك فكن حريصاً على أداء المفروض عليك » ( غرر الحكم / ح 3717 ).
ـ وقال الإمام الباقر عليه السلام: « لا حِرصَ كالمنافسة في الدرجات » ( تحف العقول:286 ).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « المؤمنُ له قوّةُ في دين... وحِرصٌ في فقه » ( الكافي 231:2 / ح 4 ).