شذرات نورانيّة (20)

شذرات نورانيّة (20)

الحسَد
في علامات الحاسد.. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أمّا علامة الحاسد فأربعة: الغِيبة، والتملّق، والشماتة بالمصيبة! » ( تحف العقول:52. في الحديث الشريف ثلاث علامات، وقد سقطت الرابعة من النُّسخ المتوفّرة، أو لعلّ الرواية أنّها ثلاث، كما في كلام الإمام الصادق عليه السلام: « قال لقمانُ لابنه: للحاسد ثلاثُ علامات: يغتاب إذا غاب، ويتملّق إذا شَهِد، ويَشمَت بالمصيبة! » ( الخصال:121 / ح 113 ).
والآن: هل للحسد حالات يجوز فيها للمرء المسلم ؟ نعم إذا كان غِبطةً، أي تمنّياً أن يُرزَق كما رُزق الآخرون من دون أن تزول عنهم النِّعَم.
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا حسَدَ إلاّ في اثنتين: رجلٌ آتاه اللهُ مالاً فهو يُنفق منه آناءَ الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللهُ القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار » ( الخصال:76 / ح 119. والمراد من الحسد هنا الغبطة ـ كما علّق الشيخ المجلسي في: بحار الأنوار 238:73 ).
ـ وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: « إنّ المؤمنَ يَغبِط ولا يَحسُد، والمنافقُ يَحسُد ولا يَغبِط » ( الكافي 307:2 / ح 7 ). وقد سُئل يوماً عن قول الله تعالى: « ولا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ به بعضَكم على بعض » [ سورة النساء:32 ]، فقال عليه السلام: « لا يتمنّى الرجلُ امرأة الرجل ولا ابنتَه، ولكن يتمنّى مِثلَهما » ( بحار الأنوار 255:73 / ح 24 ).
 

المحاسَبة
قال تبارك وتعالى: يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ واتَّقُوا اللهَ إنّ اللهَ خبيرٌ بِما تعملون [ سورة الحشر:18 ].
وقد جاءت الوصايا والتنبيهات وافرةً من بيت النبوّة والرسالة، أن يستدرك المرء نفسه، ويخرج عن غفلته، ويجدّ في العمل قبل حلول الأجل، ويستدعي نفسه: للمراقبة، ثمّ للمحاسبة، ثمّ للمعاتبة أو المعاقبة.. فالأمر بعدُ خطير، وخطيرٌ جدّاً، والعاقل مَن وقى نفسه ممّا يُخلده في العذاب الدائم الشديد.
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أكيَسُ الكيِّسِين مَن حاسَبَ نفسه وعَمِل لما بعد الموت، وأحمقُ الحمقى مَن أتبَعَ نفسَه هواه، وتمنّى على الله الأمانيّ » ( بحار الأنوار 69:70 / ح 16 ).
ـ وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: « حاسِبوا أنفسَكم بأعمالها، وطالِبُوها بأداء المفروض عليها والأخذِ مِن فَنائها لبقائها، وتَزوَّدوا وتأهَّبُوا قبلَ أن، تُبعَثوا » ( غرر الحكم / ح 4934 ).
ـ كما رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: « حاسِبوا أنفسَكُم قبلَ أن تحاسَبُوا، ومَهِّدوا لها قبلَ أن تُعذَّبوا، وتَزوَّدوا للرحيل قبلَ أن تُزعَجُوا، فإنّما هو موقفُ عدل، واقتضاء حقّ، وسؤالٌ عن واجب، وقد أبلغ في الإعذار مَن تقدّم بالإنذار ». ووعظ صلّى الله عليه وآله أبا ذرّ مخاطباً إياه:
ـ يا أبا ذرّ، حاسِبْ نفسَك قبلَ أن تُحاسَب؛ فإنّه أهونُ لحسابِك غداً، وزِنْ نفسَك قبلَ أن تُوزَن، وتجهَّزْ للعَرض الأكبر يومَ تُعرَض لا يَخفى على الله خافية » ( أمالي الطوسي:534 / ح 1162 ).
أمّا كيف ومتى ؟ دعونا نستخبر الروايات الشريفة:
ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: « ما أحقَّ الإنسانَ أن تكون له ساعةٌ لا يَشغَلُه شاغل، يُحاسِب فيها نفسَه، فينظر فيما اكتسب لها وعليها في ليلها ونهارها » ( مستدرك الوسائل 154:12 / ح 13761 ).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « حقٌّ على كلِّ مسلمٍ يعرفنا أن يَعرِضَ عمله في كلّ يومٍ وليلةٍ على نفسه، فيكونَ مُحاسِبَ نفسه، فإن رأى حسنةً استزاد منها، وإن رأى سيّئةً استغفر منها؛ لئلاّ يَخزى يوم القيامة » ( تحف العقول:301 ).
ـ وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: « ليس منّا مَن لم يحاسِبْ نفسه في كلّ يوم، فإن عَمِل خيراً استزاد منه وحَمِد الله عليه، وإن عمل شيئاً شرّاً استغفر اللهَ وتاب إليه » ( الاختصاص للشيخ المفيد:26 ).
ـ ورُوي عن الإمام عليّ سلام الله عليه قوله ـ وقد سُئل عن كيفيّة محاسبة النفس ـ: « إذا أصبح ثمّ أمسى رجع إلى نفسه وقال: يا نَفْس، إنّ هذا يومٌ مضى عليكِ لا يعود إليك أبداً، واللهُ سائلُكِ عنه فيما أفنيتِه، فما الذي عَمِلتِ فيه ؟ أذكرتِ اللهَ أم حَمِدتيه ؟ أقَضَيتِ حقَّ أخٍ مؤمن ؟ أنَفَّستِ عن كُربته ؟ أحَفِظتيه بِظَهر الغَيب في أهله ووُلدِه ؟ أحَفِظتِيه بعد الموت في مخلَّفيه ؟ أكفَفتِ عن غِيبة أخٍ مؤمنٍ بفضل جاهِكِ ؟ أأعَنتِ مسلماًَ ؟ ما الذي صنعتِ فيه ؟ فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنّه جرى منه خيرٌ حَمِد اللهَ عزّوجلّ وكبّره على توفيقه، وإذ ذكر معصية ً أو تقصيراً استغفر الله عزّوجلّ وعزم على ترك معاودته » ( بحار الأنوار 70:70 / ح 16 ).
فإذا كان ذلك، فما الثمرة أو الثمار يا تُرى ؟
ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: « مَن تَعاهَدَ نفسَه بالمحاسبة أمِنَ فيها المُداهنة » ( غرر الحكم / ح 8080 ).. وعنه سلام الله عليه، قال:
ـ « مَن حاسب نفسه وقف على عيوبه، وأحاط بذنوبه، واستقال الذنوب، وأصلح العيوب » ( غرر الحكم / ح 8927 ).
ـ « ثمرة المحاسبة صلاحُ النفس » ( غرر الحكم / ح 4656 ).
ـ « حاسبوا أنفسَكم تَأمَنوا مِن الله الرهَب، وتُدرِكوا عنده الرغَب » ( غرر الحكم:169 ).
ـ « مَن حاسب نفسه رَبِح، ومَن غَفَل عنها خَسِر، ومَن خاف أمِن » ( بحار الأنوار 73:70 / ح 27 ).
أمّا الحساب الأخروي.. فهنالك ما لا نحاسَب عليه، وهنالك ما نحاسب عليه:
ـ فأمّا الذي لا نحاسب عليه: فذكَرَه الإمام الباقر عليه السلام بقوله: « ثلاثٌ لا يُسأل عنها العبد: خِرقةٌ يواري بها عورتَه، وكِسرةٌ يَسُدّ بها جَوعتَه، وبيتٌ يَكُنُّه من الحرّ والبرد » ( تفسير نور الثقلين 665:5 / ح 26 ).
ـ وفي ظلّ قوله تعالى: ثمّ لَتُسألُنّ يومئذٍ عن النعيم [ سورة التكاثر:8 ].
جاء قول الإمام الصادق عليه السلام: « تُسأل هذه الأمّة عمّأ أنعم الله عليهم برسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ بأهل بيته عليهم السلام » ( بحار الأنوار 272:7 / ح 39 ).
كذلك جاء قول الإمام الباقر عليه السلام: « إنّما تُسألون عمّا أنتم عليه من الحق » ـ أي ولاية محمّد وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم. ( الكافي 280:6 / ح 5 ).
ـ وجاء عن النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « لا تَزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت » ( الخصال:253 / ح 125 ).
ـ وفي ظلّ قول الله تبارك وتعالى: إنّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً [ سورة الإسراء:36 ]، قال الإمام الصادق عليه السلام: « يُسأل السمع عمّا يسمع، والبصرُ عمّأ يَطرِف، والفؤاد عمّا عَقَد عليه » ( بحار الأنوار 267:7 / ح 20 ).
وأمّا فيما يُهوّن حسابَ يوم القيامة، فقد رُويَ فيما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « إنّ صلة الرَّحِم تُهوّن الحساب يوم القيامة »، ثمّ قرأ عليه السلام: الذينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللهُ به أن يُوصَلَ ويَخشَون ربَّهم ويَخافونَ سُوءَ الحساب . ( بحار الأنوار 102:74 / ح 54، والآية في سورة الرعد:21 ).