أصحابي كالنجوم .. حديث مكذوب

مقدمة

في الرؤية السنيّة أنّ الله قد زكّى أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وطهّرهم، فهم جميعاً عُدول. وما ورد من تصرّفات وأقوال للصحابة منافية لنصوص القرآن ومخالفة للسنّة الصريحة فيجب تأويله وحمله على الصحة. وقد استندت هذه الرؤية إلى روايات في الكتب السنية تذكر فضائل الصحابة، ومن أشهر هذه الروايات: « أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم ».
وسنذكر في هذه المقالة آراءً لأعلام محدّثي وحفّاظ أهل السنة فيما يخص « حديث النجوم »، ثمّ نورد نقدهم للحديث، وندرس حال رواة هذا الحديث وفق ما أورده حولهم علماء الجرح والتعديل، ونختم بقراءة هذا الحديث من حيث المتن والمضمون.. ليتكامل البحث فيه من حيث السند ومن حيث الدلالة.
 

« الأصحاب » في اللغة

الصُّحبة لغوياً هي: المعاشَرة والملازَمة (1)، وجمع اسم الفاعل منها: صَحْب، وأصحاب، وصَحابة.
يقول الراغب الاصفهاني في ( مفردات غريب القرآن )، لدى حديثه عن الصاحب: « ولا يقال في العرف إلاّ لمن كَثُرت ملازمتُه » (2). من هنا يكون صاحب النبيّ ـ وفقاً لِما تؤدّيه الدلالة اللغوية ـ هو مَن عاشَرَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وكان ملازماً له. ولا فرق في الصاحب حينئذ أن يكون مسلماً أو كافراً، صالحاً أو فاسداً، مؤمناً أو منافقاً، ذلك أن الأصل في هذا الإطلاق ـ كما يقول الفيّومي ـ هو من جالَسَ النبيّ صلّى الله عليه وآله أو رآه (3).
 

« الصحابي » في الاصطلاح

يتّفق الأصوليون والمحدّثون على أنّ لفظة « الصحابي » إنّما تُطلَق على المسلم. وفي تعريف الصحابي أقوال مختلفة، وما يعتبره الأصوليون هو أن الصحابي من كانت له صحبة طويلة مع النبي وكان يتّبعه ويأخذ منه أحكام الدين، بخلاف من لم يكن له من الصحبة سوى الاسم، ولم تكن له فضيلة مجالسة النبي وملازمته واتّباعه.
وجمهور المحدّثين يذهبون إلى أن الصحابي هو كل مسلم رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله (4).
وقيل: مَن أدرك زمن النبيّ فهو صحابي، حتّى لو لم يَرَه (5).
وقال بعضهم: الصحابي مَن لقي النبيّ في بدء إيمانه، ثمّ مات على الإيمان والإسلام، حتّى لو كان قد رجع عن الإسلام في حياته (6).
وثَمّ آراء أخرى في هذا السياق ليست بذات شأن.

 

حديث النجوم.. والصحابة

نُقل حديث النجوم بألفاظ مختلفة، نشير هنا إلى موردين من مواردها:
1 ـ قال الحافظ شمس الدين محمد السَّخاوي: قال البيهقي في كتابه ( المدخل ) عن حديث سلمان بن أبي كريمة، عن جُوَيبر، عن الضحّاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: « مهما أوتيتم من كتاب الله فالعلم به لا عُذر لأحد في تركه؛ فإنْ لم يكن في كتاب الله فبسنّةٍ منّي ماضية، فإن لم تكن سنّة منّي فما قال أصحابي. إنّ أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيّما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أمتي رحمة » (7).
2 ـ رواه القُضاعي في ( مسند الشهاب ) وقال: أنبأنا أبو الفتح منصور بن علي الأنماطي، أنبأنا أبو محمد الحسن بن وثيق، أنبأنا وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، قال: « مَثَل أصحابي مَثَل النجوم، مَن اقتدى بشيء منها اهتدى » (8).

* * *

قبل أن نبدأ بالبحث في حديث النجوم من النافع أن نذكّر أنّ المسلمين قد انقسموا في الموقف من عدالة الصحابة ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: ترى أن كل الصحابة قد كفروا، وهذا قول الفرقة « الكاملية » من الخوارج ومن كان على شاكلتهم من التطرّف.
الطائفة الثانية: تذهب إلى عدالة جميع الصحابة، ولا تجوّز تكذيب رواياتهم، وإنّما لحقتهم هذه الفضيلة بسبب مجالستهم للنبيّ صلّى الله عليه وآله.
يقول المُزَني عن الصحابة: « كلهم ثقة مؤتمن » (9)، ويقول الخطيب البغدادي: « عدالة الصحابة ثابتة معلومة » (10)، ويقول ابن حزم: « الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً » (11)، كما صرّح بمثل هذا كلّ من: ابن عبدالبرّ (12)، وابن الأثير (13)، والغزالي (14) وآخرون.
وقد ادّعى بعضهم ـ مثل ابن حجر في ( الإصابة ) ـ الإجماعَ على هذا المعنى، لكنّ ما صرّح به عدد من الأعلام يردّ هذا الزعم.
ويذهب الحاجب إلى أن الأكثر يرى عدالة الصحابة. وقيل: بل إنّهم مثل غير الصحابة. وقال المعتزلة: الصحابة عُدول إلاّ مَن حاربوا عليّاً عليه السّلام (15).
الطائفة الثالثة: يعتقد جمع من الأعلام أن الصحابة ليسوا في منأى عن الخطأ والاشتباه، ففيهم العادل وفيهم غير العادل. وهذه الرؤية التي تتّسم بالواقعية والموضوعية هي الرؤية الشيعية أيضاً.
ومن أعلام علماء أهل السنة الذين ينظرون إلى الصحابة هذه النظرة الواقعية:
( من المتقدمين ): سعد التَّفتازاني (16)، والمازري شارح ( البرهان ) (17)، وابن العماد الحنبليّ(18)، والشوكاني (19)، وآخرون.
( من المتأخرين ): الشيخ محمود أبو ريّة (20)، والشيخ محمد عبده (21)، والسيد محمد بن عقيل العَلوي (22)، والسيد محمد رشيد رضا (23)، والشيخ المُقبلي (24)، ومصطفى صادق الرافعي(25) وسواهم.
وهذه الطائفة المعتدلة تتفق على أن الصحابة كسائر الناس.. فيهم العادل، والفاسق، والمؤمن، والمنافق. وصحبتهم للنبيّ صلّى الله عليه وآله ـ على فضلها ـ لا تجعلهم في مَنجىً من الخطأ والاشتباه، ولا تنفي عنهم القبائح. وطالما ذكر القرآن الكريم الصحابة الذين كانت فيهم جنبة من النفاق، كما صدرت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله روايات عديدة في ذمّهم والإزراء بهم.
 

حديث النجوم في نظر أئمّة أهل السنّة

والآن.. نرى ما يقوله أئمّة الحديث عند أهل السنّة فيما يخص حديث النجوم:
1 ـ احمد بن حنبل ( ت 241 هـ ): مؤسس المذهب الحنبلي، يقول عنه الذهبي: « شيخ الإسلام، سيد المسلمين في عصره، الحافظ الحجّة... ». ذكرته المعاجم الرجالية مثل: تاريخ بغداد، وحلية الأولياء، وطبقات الشافعية، وتذكرة الحفّاظ، ووفيات الأعيان، وشذرات الذهب، والنجوم الزاهرة.
يعتبر أحمد حديث النجوم ليس بصحيح، وقد ذكر رأيه هذا جمع، منهم: ابن أمير الحاج في كتابه ( التقرير والتحبير ) (26)، وابن قُدامة في المنتخب، ومؤلف ( التيسير في شرح التحرير ).
2 ـ المزني.. تلميذ الشافعي ( ت 264 هـ ): ذكره أصحاب المعاجم الرجالية، من مثل مؤلّفي: وفيات الأعيان، ومرآة الجنان، وطبقات الشافعية، والعِبر، وحُسن المحاضرة. يقول عنه اليافعيّ: « الفقيه أبو إبراهيم... كان زاهداً عابداً متهجّداً ». ويعتبره الشافعي ناصر دينه. والمزني لا يرى صحة حديث النجوم. نجد رأيه هذا فيما قاله ابن عبدالبَرّ: « قال المزني رحمه الله في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله « أصحابي كالنجوم »: إن صحّ هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه... ».
ويدلّ قوله « إن صحّ هذا الخبر » على شك المزني في صحة حديث النجوم وعلى أنّه لم يحرز صحّته.
ويواصل هذا التلميذ الشهير من تلاميذ الشافعي: « وأمّا ما قالوا فيه برأيهم، فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطّأ بعضُهم بعضاً، ولا أنكر بعضُهم على بعض، ولا رجع أحد إلى قول صاحبه.. فتدبَّرْ »(27).
يقول ناصر الدين الألباني ( المعاصر ) في الرد على المعنى الذي ذكره المزني في هذه العبارة: « الظاهر من ألفاظ الحديث خلافُ المعنى الذي حمله عليه المزني، بل المراد ما قالوا برأيهم. وعليه يكون معنى الحديث دليلاً آخر على أنّ الحديث موضوع وليس من كلامه صلّى الله عليه وآله؛ إذ كيف يسوغ لنا أن نتصوّر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله يُجيز لنا أن نقتدي بكلّ رجل من الصحابة مع أنّ فيهم العالِم، والمتوسط في العلم، ومن هو دون ذلك.. ؟! ».
3 ـ أبو بكر البزّار ( ت 293 هـ ): يمكن الإشارة ـ في ضمن المعاجم التي أوردته ـ إلى: تاريخ بغداد، وتذكرة الحفّاظ، وشذرات الذهب، وتاريخ اصبهان، وميزان الاعتدال.
وقد جعل البزّار حديث النجوم موضع قدح وخدش، وضعّفه من وجوه، قال: « حدّثنا أبو الحسن بن محمد بن أيوب الرقّي، قال: قال لنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البزّار: سألتم عمّا يُروى عن النبي صلّى الله عليه وآله ممّا في أيدي العامّة يروونه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال: « أصحابي مثل النجوم ـ أو كالنجوم ـ فبأيّها اقتدَوا اهتدَوا ». قال: وهذا كلام لا يصحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، وربّما رواه عبدالرحيم عن أبيه عن ابن عمر. وإنّما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبدالرحيم بن زيد؛ لأنّ أهل العلم قد سكتوا عن الرواية، لحديثه » (28).
إنّ وجه القدح في حديث النجوم ـ خلال كلام البزّار ـ ممّا لاخفاء فيه. وقد أشار إلى أنّه ممّا تتداوله العامّة بغير تحقيق.
4 ـ ابن عَدِيّ ( ت 365 هـ ): مدحه وأثنى عليه كثير من مؤلفي المعاجم الرجالية، من مثل: تذكرة الحفّاظ، وشذرات الذهب، ومرآة الجنان.
يقول عنه السمعاني: « كان حافظاً مُتقِناً لم يكن في زمنه مِثله »، ويقول حمزة بن يوسف السهمي: « سألت الدارقطني أن يصنّف كتاباً في ضعفاء المحدّثين، فقال: أليس عندك كتاب ابن عَدِيّ ؟ قلت: نعم. قال: فيه كفاية، لا يُزاد عليه ».
وقد أورد ابن عديّ ـ المعروف بابن القطّان ـ حديث النجوم في كتابه ( الكامل ) الذي ذكر فيه ضعفاء المحدّثين ومختلقاتهم، لدى كلامه عن جعفر بن عبدالواحد الهاشمي القاضي وحمزة الجَزَري النصيبي، ممّا سنشير إليه في أقوال زين العراقي. وقد قدح في سند حديث النجوم من خلال خدشه رجال أسانيد هذا الحديث، ومنهم حمزة النصيبي الذي صنّفه في جملة الضفعاء من المحدّثين.
5 ـ أبو الحسن الدارقطني ( ت 385 هـ ): من كبار المحدّثين، جاء ذكره في: تذكرة الحفّاظ، ووفيات الأعيان، والمختصر، وتاريخ بغداد وسواها، منها قول ابن الأثير: « وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره ».
نقل الدارقطني حديث « أصحابي كالنجوم » في كتابه ( غرائب مالك )، وعدّه حديثاً ضعيفاً، ونقل عنه هذا ابن حجر العسقلاني (29).
6 ـ ابن حزم ( ت 456 هـ ): ورد الكلام عنه في كتب: نفح الطِّيب، والعبر، ووفيات الأعيان، وتاج العروس، ولسان الميزان، وغيرها.
كذّب ابن حزم حديث النجوم وحكم ببطلانه ورأى أنّه حديث مصنوع، وقد أورد هذا عنه عدّة من علماء الحديث كابن حيّان. يقول ابن حيّان لدى ذكره للحديث: « قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته ( إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ): وهذا ـ أي حديث النجوم ـ خبر مكذوب موضوع باطلٌ لم يصحّ قطّ » (30).
7 ـ البيهقي ( ت 458 هـ ): ذُكرت أحواله في: شذرات الذهب، وطبقات الشافعية، والعبر، والنجوم الزاهرة، ووفيات الأعيان، وتذكرة الحفّاظ. يقول عنه ابن تغري بردي: « أحمد بن حسين بن علي بن علي بن عبدالله الحافظ أبو بكر البيهقي، كان أوحد زمانه في الحديث والفقه ».
نقل عنه ابن حجر العسقلاني أنّه ضعّف ـ في كتابه ( المدخل ) ـ حديثَ « أصحابي كالنجوم »(31).
8 ـ ابن عبدالبَرّ ( ت 463 هـ ): وردت ترجمته في اكثر كتب التراجم، مثل: وفيات الأعيان، ومرآة الجنان، والمختصر، وتذكرة الحفّاظ وما إليها. كتب عنه الذهبي في ( ميزان الاعتدال ): « الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب »، وكتب ابن حزم: « لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مِثلَه أصلاً ».
يقول ابن عبدالبرّ عن حديث النجوم: « قد روى أبو شهاب الحنّاط، عن حمزة الجَزَري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أصحابي مثل النجوم، فأيّهم أخذتم بقوله اهتديتم ». وهذا إسناد لا يصحّ، ولا يرويه عن نافع من يحتجّ به ».
وأورد لهذ الحديث إسناداً غير ما نقله البزّار عن سلام بن سليم، وهذا هو: « حدّثنا الحارث ابن غُصَين، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم ». قال أبو عمرو: هذا إسناد لا تقوم به حجّة؛ لأنّ الحارث بن غُصين مجهول » (32).
وبناءً على هذا، فإنّ ابن عبدالبرّ قد خدش في سند الحديث من خلال خدشه الحارث بن غصين.
9 ـ ابن عساكر ( ت 571 هـ ): ذكرته كتب الرجال بكثير من التوقير، مثل: معجم الأدباء، ووفيات الأعيان، وتذكرة الحفّاظ، ودول الإسلام، ومرآة الجنان، وطبقات الشافعية، والمختصر في أخبار البشر، وجامع مسانيد أبي حنيفة. يقول اليافعي عن ابن عساكر: « الفقيه الإمام المحدّث البارع ».
وابن عساكر ـ كما سيأتي فيما نقله المناوي ـ يضعّف بمنتهى الصراحة حديث « أصحابي كالنجوم ».
10 ـ ابن الجوزي ( ت 597 هـ ): أطرته وأثنت عليه المصادر، من قبيل: تاريخ ابن كثير، ووفيات الأعيان، وتتمة المختصر، والأعلام وسواها. يقول عنه ابن خلّكان: « أبو الفرج عبدالرحمان بن أبي الحسن... بن محمد بن جعفر الجوزي، الفقيه الحنبلي، كان علاّمة عصره ».
يقول ابن الجوزي عن حديث النجوم:
« روى نعيم بن حمّاد، قال: حدّثنا عبدالرحيم بن زيد العمّي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سألت ربّي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى إليّ: يا محمّد، إنّ أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء؛ بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء ممّا عليه من اختلافهم فهو على هدى ».
ثمّ أضاف ابن الجوزي في ( العلل ): هذا لا يصحّ؛ فنعيم مجروح، وعبدالرحيم قال فيه ابن معين: كذّاب (33).
11 ـ ابن دِحية ( ت 632 هـ ): أوردته باحترام كتب التراجم، نظير: بغية الوعاة، وشرح المواهب اللدنّية، ووفيات الأعيان، وحسن المحاضرة، ونفح الطِّيب. يقول عنه السيوطي في ( حسن المحاضرة ): « الإمام العلاّمة الحافظ الكبير، كان بصيراً بالحديث... ».
وقد خدش ابن دحية حديث النجوم ونفى صحّته، وهذا قوله كما نقله عنه زين الدين العراقي: «قال ابن دحية: حديث « أصحابي كالنجوم » حديث لا يصحّ » (34).
12 ـ أبو حيّان الأندلسي ( ت 745 هـ ): جاء إطراؤه والثناء عليه في العديد من المصادر، من أمثال: الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، والوافي بالوفيات، وبُغية الوعاة، والبدر الطالع، وطبقات القرّاء، ونفح الطيب، وطبقات الشافعية، والنجوم الزاهرة. يقول عنه ابن العماد الحنبلي: « الإمام أثير الدين أبو حيّان، نحويّ عصره، ولغويّه ومفسّره ومحدّثه... ».
ولأبي حيان بحث لافت عن حديث النجوم، نورد هنا طرفاً منه لأهميته وقد ابتدأه بذكر قول للزمخشري: « قال الزمخشري: فإنْ قلت: كيف كان القرآن تبياناً لكلّ شيء ؟ قلت: المعنى أنّه بيّن كل شيء من أمور الدين، حيث كان نصّاً على بعضها، وإحالةً على السنّة، حيث أمرَ باتّباع رسول الله صلّى الله عليه وآله وطاعته، وقال:  وما ينطق عن الهوى . وقد رضي رسول الله صلّى الله عليه وآله لأمته اتّباع أصحابه والاقتداء بآثارهم في قوله: « أصحابي كالنجوم؛ بأيّهم اقتديتم اهتديتم » قد اجتهدوا وقاسُوا ووطّأوا طريق القياس والاجتهاد ».
وأضاف ناقداً قول الزمخشري: وقوله: « وقد رضي رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ إلى قوله ـ بأيّهم اقتديتم اهتديتم »، لم يَقُل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو حديث لا يصحّ بوجهٍ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وينقل أبو حيّان عن الحافظ أبي محمد بن أحمد بن حزم في رسالته ( إبطال القياس ) أنّه قال: « وهذا ـ أي حديث النجوم ـ خبر مكذوب على النبيّ صلّى الله عليه وآله ممّا في أيدي العامّة ترويه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « إنّما مَثَل أصحابي كَمَثل النجوم ـ أو كالنجوم ـ بأيّها اقتدَوا اهتدَوا ». وهذا كلام لم يصحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، ورواه عبدالرحيم بن زيد العمّي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله. وإنّما أتى ضعف هذا الحديث مِن قِبل عبدالرحيم؛ لأنّ أهل العلم سكتوا عن رواية حديثه ».
وجدير بالذكر أنّ ابن معين ـ الرجاليّ المعروف ـ قد قال في كتابه ( الموضوعات )، بصدد عبدالرحيم بن زيد العمّي أحد رواة الحديث الآنف الذكر: « عبدالرحيم بن زيد كذّاب ليس بشيء ». وقال البخاري في ( الضعفاء ): « وهو ـ أي عبدالرحيم ـ متروك ».
كما قال عن حمزة الجَزَري أحد مَن رووا هذا الحديث: « وحمزة هذا ساقط متروك ».
13 ـ شمس الدين الذهبي ( ت 748 هـ ): أطرته كتب التراجم من مثل: الدرر الكامنة، وطبقات
الشافعية، وفوات الوفيات، والبدر الطالع، وشذرات الذهب، والنجوم الزاهرة، وطبقات القرّاء، عرّفه ابن تغري بردي بقوله: « الشيخ الإمام الحافظ المؤرّخ صاحب التصانيف المفيدة ».
في كتابه ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ) خدش الذهبي حديث النجوم في مواضع عديدة، منها ما في ترجمته لجعفر بن عبدالواحد الهاشمي القاضي، فإنّه قال ـ بعد أن نقل ما قاله عنه العلماء: « ومِن بَلاياه: عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وآله: أصحابي كالنجوم، مَن اقتدى بشيء منها اهتدى » (35).
وقال في ذكره زيد العمّي بعد أن أورد الحديث في موضع آخر: « فهذا باطل » (36).
14 ـ تاج الدين بن مكتوم ( ت 749 هـ ): وردت ترجمته في: الدرر الكامنة، وحسن المحاضرة، وطبقات القرّاء، والجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، وغيرها. قال عنه السيوطي: « ابن مكتوم تاج الدين أبو محمد القيسي جمع الفقه واللغة ».
وقد أورد ابن مكتوم في كتابه ( الدرّ اللقيط من البحر المحيط ) نفسَ ما قاله أستاذه أبو حيّان في كتابه ( البحر المحيط ) فيما يتصل بحديث النجوم (37)، وقد نقلناه آنفاً.
15 ـ ابن قيّم الجوزيّة ( ت 751 هـ ): احتفلت بذكره كتب التراجم، مثل: أعلام الموقّعين، والدرر الكامنة، والبدر الطالع، والوافي بالوفيات، وبغية الوعاة، وتاريخ ابن كثير. يقول عنه ابن كثير: « في ليلة الخميس... توفّي صاحبنا الشيخ الإمام العلاّمة شمس الدين إمام الجوزيّة وقيّمها ».
وقد خدش ابن قيّم الجوزية أيضاً حديث النجوم، قال ـ وهو يذكر أدّلة « المقلِّدين »: الوجه الخامس والأربعون ـ قولهم: يكفي في صحة التقليدِ الحديثُ المشهور « أصحابي كالنجوم؛ بأيّهم اقتديتم اهتديتم ». جوابه من وجوه، أحدها: أنّ هذا الحديث قد روي من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، ومن حديث سعيد بن المسيّب عن ابن عمر، ومن طريق حمزة الجزَري عن نافع عن ابن عمر.. ولا يثبت منها شيء ».
وأضاف ابن القيّم: « قال ابن عبدالبرّ: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد أنّ أبا عبدالله بن مفرج حدّثهم: حدّثنا محمد بن أيوب الصموت، قال: قال البزّار: وأمّا ما يُروى عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: « أصحابي كالنجوم؛ بأيّهم اقتديتم اهتديتم » فهذا الكلام لا يصحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله » (38).
16 ـ زين الدين العراقي ( ت 806 هـ): يمكن ملاحظة ترجمته في جميع كتب التراجم، ومن جملتها: طبقات القرّاء، والضوء اللامع، والبدر الطالع، وشذرات الذهب. يقول عنه ابن العماد الحنبلي في ضمن حوادث سنة 806 هـ: « وفيها ـ توفّي ـ الحافظ زين الدين عبدالرحيم بن ... العراقي الشافعي حافظ العصر... ».
وهذا كلام زين الدين العراقي عن حديث النجوم: « حديث أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم، رواه الدارقطني في ( الفضائل )، وابن عبدالبرّ في ( بيان العلم ) من طريقه من حديث جابر، وقال: هذا إسناد لا تقوم به حجّة؛ لأنّ الحارث بن غُصَين مجهول ».
ويذكر العراقي أيضاً أنّ عبد بن حميد روى هذا الحديث في ( مسنده ) عن عبدالرحيم بن زيد العمّي، عن أبيه، عن ابن المسيّب، عن ابن عمر، وبيّن أنّ البزّار قال عن الحديث: « مُنكَر لا يصحّ ». وأورد الحديث ابن عَدٍِيّ في ( الكامل ) عن حمزة بن أبي حمزة النصيبي، عن نافع، عن ابن عمر بلفظ « فأيّهم أخذتم بقوله اهتديتم » وقال: « وإسناده ضعيف من أجل حمزة، فقد اتّهم بالكذب ». وذكره البيهقي في ( المدخل ) من حديث عمرو، عن حديث ابن عباس، وكذلك من طريق آخر على نحو الإرسال، وقال: « مَتنُه مشهور، وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا إسناد ».
17 ـ ابن حَجَر العسقلاني ( 852 هـ ): ورد ذكر ابن حجر بتكريم وتعظيم في جميع كتب التراجم، منها: حسن المحاضرة، والبدر الطالع، والضوء اللامع، وشذرات الذهب. يقول عنه السيوطي: « إمام الحفّاظ في زمانه، قاضي القضاة... ».
وهذه عبارة ابن حجر حول حديث النجوم: « حديث أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم، رواه عبد بن حميد بن مسنده من طريق حمزة النصيبي، عن نافع، عن ابن عمر. وحمزة ضعيف جدّاً ».
ويضيف أنّ هذا الحديث نقله الدارقطني في ( المؤتلف ) من رواية سلام بن سليم، عن الحارث بن غصين، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعاً، ثمّ قال: « سلامٌ ضعيف ». ورواه كذلك من طريق حميد بن زيد في ( غرائب مالك ) عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، وجاء فيه: « فبأيّ قول أصحابي أخذتم اهتديتم. إنّما أصحابي مَثَل النجوم: مَن أخذ بنجمٍ منها اهتدى ». ثم قال: « لا يَثبُت عن مالك، ورواته دون مالك مجهولون ».
ويذكر ابن حجر العسقلاني أيضاً أنّ الخطيب نقله في ( الرواة ) عن مالك، من طريق الحسن ابن مهدي، عن عبدة المروزي، عن محمد بن أحمد السكوني، عن بكر بن عيسى المروزي، عن أبي يحيى، عن جميل، وقال: إنّ رواته ضعفاء.
ويذكر كذلك أن عبد بن حميد والدارقطني في ( الفضائل ) نقلاه من حديث حمزة الجزَري، عن نافع، عن ابن حمزة، وقالا: « وحمزة اتّهموه بالوضع ». ورواه أيضاً ابن طاهر مؤلف ( قانون الموضوعات ) من رواية بشر بن الحسن، عن الزبيري، عن أنس، وقال: « وبِشْر كان متّهماً أيضاً ».
كما ينقل أن البيهقي قد أورده في ( المدخل ) من رواية جُوَيبر، عن الضحّاك، عن ابن عباس، « وجويبر متروك ». وكذلك من رواية جويبر، عن جوّاب بن عبيدالله مرفوعاً، « وهو مرسل ». وروى الحديث عن ابن عمر أيضاً « وفي إسناده عبدالرحيم بن زيد العمّي، وهو متروك » (39).
18 ـ ابن الهمام ( ت 861 هـ ): ترجمته في: البدر الطالع، وحسن المحاضرة، وبغية الوعاة، وهدية العارفين، والتيسير في شرح التحرير، وشذرات الذهب وسواها. قال عنه ابن العماد الحنبلي في حوادث سنة 861 هـ: « ابن الهمام الحنفي الإمام العلاّمة ». وهو من كبار علماء الحنفيّة.
قال في بحث الإجماع جواباً عن حديث « الاقتداء » وحديث « عليكم بسنّتي »: « وأُجيب: يُفيدان أهليّة الاقتداء لا مَنعَ الاجتهاد، وعليه أنّ ذلك مع إيجابه إلاّ أن يُدفَع بأنّه آحاد، وبمعارضته بأصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم، وخُذوا شَطرَ دينكم عن الحميراء؛ إلاّ أنّ الأوّل ـ أي حديث النجوم ـ لم يُعرَف » (40).
19 ـ ابن أمير الحاج ( ت 879 هـ ): ترجمته في: الضوء اللامع، وشذرات الذهب، والبدر الطالع. يقول عنه ابن العماد: « شمس الدين محمد بن... المعروف بابن أمير الحاج الحلبي الحنفي، عالم الحنفية بحلب وصدرهم ».
وابن أمير الحاج يبيّن وهن وبطلان حديث النجوم بوضوح، فيقول: « وأُجيب أيضاً بمعارضة كل منهما « أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم » و « خذوا شطرَ دينكم عن الحميراء »، وإن خالف قول الشيخين أو الأربعة، إلاّ أنّ الأوّل ـ أي حديث النجوم ـ لم يُعرف ».
وهو يذكر أنّ هذا الحديث باطل مكذوب بناءً على قول ابن حزم في رسالة المهم، مع أنّ له طرقاً من رواية ابن عمر وجابر وابن عباس وأنس، بألفاظ مختلفة أقربها إلى اللفظ المذكور نقله ابن عديّ في ( الكامل ) وابن عبد البرّ في ( بيان العلم ) عن ابن عمر: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: 
« مَثَل أصحابي مثل النجوم يُهتدى بها، فأيّهم أخذتم بقوله اهتديتم ». أمّا الرواية التي أوردها الدارقطني وابن عبدالبرّ فهي: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « مَثل أصحابي في أمّتي مَثل النجوم، فبأيّهم اقتديتم اهتديتم »، « نعم لم يصحّ منها شيء، ومن ثَمّة قال أحمد: حديث لا يصحّ، وقال البزّار: لا يصحّ هذا الكلام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله. في حين قال البيهقي في كتاب ( الاعتقاد ): « رويناه في حديث موصول بإسناد غير قويّ، وفي حديث آخر منقطع ».
ويضيف ابن أمير الحاج: وقال أبو ذرّ الحلبي ـ شارح الشفاء ـ عن حديث النجوم في معرض اعتراضه على القاضي عياض: « وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره ـ أي حديث النجوم ـ بصيغة جزم، لِما عُرف عند أهل الصناعة، وقد سبق له مثله مراراً ».
20 ـ السَّخاوي ( ت 902 هـ ): وردت ترجمته في جُلّ الكتب الرجالية والتاريخيّة، من مثل: شذرات الذهب، ومفاكهة الخلاّن، والضوء اللامع، والبدر الطالع، والنور السافر. يقول عنه ابن العماد في حوادث سنة 902 هـ: « وفيها ـ توفي ـ الحافظ شمس الدين... محمد السخاوي. بَرَع في الفقه والعربية والقرآن... ».
يذكر السخاوي أنّ البيهقي تحدّث في كتاب ( المدخل ) عن حديث « اختلاف أمتي رحمة » وحديث « الاقتداء ». وأورد حديث النجوم ثمّ قال عن رجال أسانيده ورواته: أورد الطبراني والديلمي في مسنده بلفظ واحد: « وجويبر ضعيف، والضحّاك عن ابن عباس منقطع » (41).
21 ـ ابن أبي شريف ( ت 906 هـ ): وردت ترجمته في: الضوء اللامع، والبدر الطالع، والأنس الجليل وغيرها من كتب التراجم والرجال. يقول عنه ابن العماد: « هو الشيخ الإمام شيخ الإسلام ملك العلماء الأعلام ».
وقد خدش في حديث النجوم عند نقله كلام أستاذه ابن حجر العسقلاني، ممّا سنورده لدى ذكر كلام المناوي.
22 ـ جلال الدين السيوطي ( ت 911 هـ ): تجد الكلام عنه في مصادر مثل: حسن المحاضرة، والبدر الطالع، وشذرات الذهب، ومفاكهة الخلاّن وسواها. قال عنه ابن العماد الحنبلي في حوادث سنة 911: « وفيها [ توفي ] الحافظ جلال الدين السيوطي... صاحب المؤلفات الفائقة النافعة ».
أورد السيوطي حديث النجوم في كتابه ( الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير)، ووضع في نهايته الحرف « ض » الذي اتخذه رمزاً للحديث الضعيف (42).
23 ـ عليّ المتقي الهندي ( ت 975 هـ ): وردت ترجمته بتبجيل في: النور السافر، وسبحة المرجان، وشذرات الذهب، وأبجد العلوم. يقول عنه ابن العماد: « عليّ المتقي... كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين ».
ذكر المتقي حديث النجوم في كتابه ( كنز العمّال ) وكذلك في ( منتخب الكنز)، وضعّف هذا الحديث على نفس الأسلوب الذي ضعّفه فيه أستاذه السيوطي.
24 ـ علي القاري ( ت 1014 هـ ): وردت ترجمة حياته في: خلاصة الأثر، والبدر الطالع، وكشف الظنون. يقول عنه المُحبيّ: « عليّ بن محمّد... المعروف بالقاري نزيل مكة وأحد صدور العلم، فرد عصره ».
يذكر القاري عن حديث النجوم أن حديث « أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم » نقله ابن ماجة، وكذلك جلال الدين السيوطي في ( تخريج أحاديث الشفاء ). ونقله ابن حجر في ( تخريج أحاديث الرافعي ) في باب أدب القضاء، وتحدّث عنه حديثاً وافياً، وأضاف: « انّه ضعيف واهٍ »، بل إنّه نقل عن ابن حزم « انّه موضوعٌ باطل ».
25 ـ المَناوي ( ت 1029 هـ ): وردت ترجمته في: خلاصة الأثر، والبدر الطالع، والأعلام وسواها. يقول عنه المُحبيّ: «... زين الدين الحدادي ثمّ المناوي، الامام الكبير الحجّة الثَّبت القدوة ».
في شرح حديث « سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي... » نقل المناوي أن ابن الجوزي قال عنه في ( العلل ): « هذا لا يصحّ »، ونُعيم مخدوش، وعدّه ابن معين عبدالرحيم كذّاباً، وقال في ( الميزان ): « هذا الحديث باطل » (43)، وذكر ابن حجر في ( تخريج المختصر ) أنّ حديث النجوم حديث غريب، وقد سُئل عنه البزّار فقال: « لا يصحّ هذا الكلام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ». وينص كمال بن أبي شريف على أنّ كلام أستاذه ابن حجر يقتضي أنّ حديث النجوم مضطرب. ويقول ابن سعد: « زيد العمّي أبو الجواري كان ضعيفاً في الحديث »، ويقول عنه ابن عَدِيّ: « عامّة ما يرويه عنه ضعفاء » (44).
ويقول السندي بعد بيان حديث الثقلين ودلالته: « فإنْ قلت: قد ورد: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم
اهتديتم، وورد: اقتَدُوا باللَّذَين مِن بعدي ( الشيخين )، وورد: عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين؛ فقد ثبت الحث باقتداء غيرهم واهتداء مَن اقتدى بهم! قلت: الحديث الأول ـ أي حديث النجوم ـ موضوع، وإلاّ لكان قوله « اهتديتم » فيه خاصة مما يدل على عدم خطئهم » (45).
26 ـ الشهاب الخفاجي ( ت 1096 هـ ): ذكرته المصادر الرجالية مثل: خلاصة الأثر، وريحانة الألبّاء، والأعلام وغيرها. قال عنه المحبّي: « الشيخ أحمد بن محمد... شهاب الدين الخفاجي صاحب التصانيف الكثيرة ».
وقد أقرّ الخفاجي في كتاب ( شرح الشفاء ) بضعف حديث النجوم (46).
27 ـ القاضي البهاري ( ت 1119 هـ ): ترجمته في: سبحة المرجان، والأعلام، وأبجد العلوم، وكشف الظنون، وهدية العارفين، وإيضاح المكنون وسواها. يقول عنه الزركلي: « محب الدين عبدالشكور البهاري الهندي قاضٍ، من الأعيان ».
ينفي القاضي البهاري حجّيّة إجماع الشيخين أو الخلفاء الأربعة، ويقول: « قالوا: اقتدوا باللذين مِن بعدي: أبي بكر وعمر، وعليكم بسنتي... ( الحديث ). قلنا: خطاب للمقلّدين وبيان لأهلية الاتّباع؛ لأن المجتهدين كانوا يخالفونهم، والمقلّدون قد يقلّدون غيرَهم. وأمّا المعارضة بأصحابي كالنجوم، وخذوا شَطرَ دينكم عن الحُمَيراء ـ كما في ( المختصر ) ـ فتُدفَع بأنّهما ( أي: حديث النجوم، وحديث شطر دينكم ) ضعيفان » (47).
28 ـ القاضي الشَّوكاني ( ت 1250 هـ ): ترجمته في: البدر الطالع، وأبجد العلوم، والأعلام وما إليها. يقول عنه الزركلي: « محمد بن... الشوكاني فقيه مجتهد، من كبار علماء اليمن ».
يرى الشوكاني في مبحث الإجماع أنّ حديث « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » يفيد حجيّة قول كل واحد منهم، وفيه مقال معروف؛ « لأنّ في رجاله عبدالرحيم العمّي عن أبيه، وهما ضعيفان جداً »، بل إنّ ابن معين قال: « عبدالرحيم كذّاب »، وقال البخاري: « متروك »، وصرّح أبو حاتم بهذا أيضاً.
ونُقل هذا الحديث من طريق آخر فيه حمزة النصيبي، « وهو ضعيف جداً »، وقال عنه البخاري: «
مُنكَر الحديث »، وقال ابن معين: « لا يساوي فلساً »، وبيّن ابن عَدِيّ أنّ « عامّة مرويّاته موضوعة ». ونُقل أيضاً من طريق جميل بن زيد الذي قالوا فيه « وهو مجهول » (48).
ويقول نظام الدين السهالوي أيضاً في مبحث الإجماع لدى الاحتجاج بحديث ( الاقتداء ) وحديث « عليكم
بسنّتي »: « وأجيب أيضاً بأنّهما مُعارَضان بقوله صلّى الله عليه وآله: « أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم »، وقوله: « خذوا شطرَ دينكم عن هذه الحُمَيراء ». وأُجيب بأنّ الحديث الأول ( أي: حديث النجوم ) ـ وإن رُويَ في المعتَبرات ـ لم يُعرَف » (49).
29 ـ صديق حسن خان ( ت 1307 هـ ): ترجمته في مصادر مثل: الأعلام، وأبجد العلوم، وإيضاح المكنون وما إليها. يقول عنه الزركلي: « محمد صديق خان بن حسن... من رجال النهضة الإسلاميّة المجددين ».
اكتفى بهذا الحديث في مسألة « عدالة الصحابة »، وقال: « وقوله: أصحابي كالنجوم، على مَقالٍ فيه معروف » (50).

* * *

ونشير هنا إلى أن العلماء والمحدّثين الذين لهم هذه الرؤية المضعِّفة لحديث النجوم لا ينحصر عددهم بمن أتينا على ذِكرهم، بل إنّ عدداً كبيراً من العلماء قد صرّحوا بضعف هذا الحديث، ولم نورد أسماءهم وأقوالهم في هذا الصدد رعايةً للاختصار. ومن هؤلاء الأعلام: ابن الملقِّن، وابن تيمية، وجلال المحلي، وأبو نصر السَّجزي، وأبو ذر الحلبي، وأحمد بن القاسم العبادي، والسُّبكي، ومؤلّف منهاج الأصول، وعبدالعلي بحر العلوم صاحب شرح مسلم الثبوت. ومن العلماء المتأخرين: محمد ناصر الدين الألباني، وسيّد محمد بن عقيل العلوي.
ومهما يكن، فانّ النتيجة التي نخرج بها من آراء هؤلاء الأعلام المتقدمين والمتأخرين من أهل السنة ـ
فيما يرتبط بحديث النجوم.. هي أنّهم يجوّزون الخطأ والاشتباه على الصحابة، ولا يرونهم جميعاً عُدولاً، ولا يقولون بحصانتهم من الغلط والمعصية.
وقد أوردنا ترجمة كبار علماء أهل السنة من الكتب الرجالية السنية ليتبيّنَ للقارئ المنصف أنّ حديث النجوم لا اعتبار له ولا شأن، من خلال كلام المتخصصين في الحديث من علماء أهل السنة.
وكما ذكرنا من قبل، فانّ لحديث النجوم أسانيد متعددة لم يسلم أيّ واحد منها من طعن علماء الجرح والتعديل المنتمين إلى الاتجاه السنّي. ومن المفيد الآن ـ إكمالاً لصورة البحث ـ أن نتعرّف على رواة هذا الحديث ونَقَلته.
 

رواة وناقلو حديث النجوم
عبدالرحيم بن زيد
نُقل حديث النجوم عن عبدالله بن عمر، وفي سنده « عبدالرحيم بن زيد ». ومن يراجع كتاب ( الضعفاء ) للبخاري، و ( الضعفاء ) للنسائيّ، و ( العلل ) لابن أبي حاتم، و ( الموضوعات ) و ( العلل المتناهية ) لابن الجوزي، و ( ميزان الاعتدال ) و ( الكاشف ) و ( المغني ) للذهبي، و ( خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ) للخزرجي، وسائر المصادر المعتبرة.. يَجد فيها كثيراً من الذم لهذا الرجل والطعن به، من قَبيل: « ليس بشيء »، و « كذّاب »، و « ضعيف » و « كذّاب خبيث »(51).
زيد العمّي
صرّحوا بضعف هذا الرجل، وقد مرّ بنا ما نقله المناوي عن ابن عَدِيّ في هذا المجال، فانّه قال عنه: « عامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء »، وقال عنه ابن حبّان: « يروي أشياءَ موضوعةً لا أصل لها، حتّى يسبق إلى القلب أنّه المتعمّد لها » (52).
حمزة الجَزَري
نُقِلت رواية « أصحابي كالنجوم » بسندٍ آخر عن عبدالله بن عمر، وفي هذا السند « حمزة الجَزَري » الذي قال عنه البخاري في كتابه ( الضعفاء ): « مُنكَر الحديث » (53). وفي ( الضعفاء ) للنسائي: « هو متروك الحديث » (54). وقال عنه يحيى في ( الموضوعات ): « ليس بشيء »، وقال ابن عَدِيّ: « يضع الحديث ». وجاء في هذا الكتاب عن أحمد بن حنبل بصدد حمزة الجزَري: « هو مطروح الحديث ». ونُقل عن يحيى قوله: « لا يساوي فلساً ». ونجد نظائر هذه الآراء في ( البحر المحيط ) لأبي حيّان، وفي ( ميزان الاعتدال ) و ( الكاشف ) للذهبي (55)، وفي سواها من المصادر السنية.
نُعَيم بن حمّاد، وأبو سفيان، وسلام بن سليم
نُقل حديث النجوم عن عمر بن الخطاب أيضاً، وفي سند الرواية أسماء مثل: زيد العمّي، وعبدالرحيم بن زيد، ونُعيم بن حمّاد. ونُعيم هذا مخدوش، كما أوردنا لدى الكلام عن ابن الجوزي والمناوي(56).
ونُقل أيضاً عن جابر بن عبدالله الأنصاري بطريقٍ رواتُه مجهولون. كما نُقل عن جابر بسندٍ آخر، لكنّ في سنده أشخاصاً مثل « أبي سفيان » الذي قال عنه ابن حزم: « أبو سفيان ضعيف » (57). ومثل « سلام بن سليم » الذي جرّحه ابن حجر بقوله: « وسلام ضعيف » وقال عنه ابن حزم: « يروي الأحاديث الموضوعة، هذا ـ أي: حديث النجوم ـ منها بلا شك ». وقال ابن خراش: « هو كذّاب ». وذكر ابن حبّان أنّه « روى أحاديث موضوعة ». وقد جاءت هذه الأقوال في ( سلسلة الأحاديث الموضوعة والضعيفة )، وزيد عليها: « مُجمَع على ضعفه » (58).
الحارث بن غُصَين
يقول ابن عبدالبرّ بعد أن نقل حديث النجوم بإسناد عن جابر: « هذا إسناد لا يقوم حجّة؛ لأنّ الحارث بن غصين مجهول » (59).
سليمان بن أبي كريمة
رُوي حديث النجوم عن ابن عباس أيضاً، وفي سند الرواية شخص مثل « سليمان بن أبي كريمة »، وقد عدّه كلّ من أبي حاتم الرازي وجلال الدين السيوطي ومحمد بن طاهر من الضعفاء. وقال عنه ابن عَدِيّ: « عامة أحاديثه مناكير »، وقال الذهبي: « ليّن، صاحب مناكير ». ويمكن في هذا الشأن الرجوع إلى: ( الموضوعات ) لابن الجوزي، و ( ميزان الاعتدال ) و ( المغني ) للذهبي، و ( لسان الميزان ) لابن حجر، و ( قانون الموضوعات ) لمحمد بن طاهر.
جُوَيبر بن سعيد
قال عنه النسائي في ( الضعفاء ): « متروك الحديث »، وقال البخاري في ( الضعفاء ): « جُويبر بن سعيد البلخي عن الضحّاك، قال علي بن يحيى: كنت أعرف جُويبراً بحديثين، ثم أخرج هذه الأحاديث فضَعُف ». وقال ابن الجوزي في ( الموضوعات ): « وأمّا جويبر فأجمعوا على تركه ». قال أحمد: « لا يُشتَغَل به »، وقال النسائي والدارقطني وآخرون: « وهو متروك الحديث ». وجاء في ( الكاشف ): « تركوه » (60).
الضحّاك بن مزاحم
جاء عنه في ( ميزان الاعتدال ) و ( المغني ) للذهبي، و ( تهذيب التهذيب ) لابن حجر العسقلاني وغيرها من المصادر: « إن الرجل كان يحدّث عنه ضعيفاً في الحديث مجروحاً » (61). وقد أنكر شعبة وعدد من الأعلام أن يكون الضحاك قد لَقِي ابن عباس.
جعفر بن عبدالواحد
حديث النجوم المروي عن أبي هريرة وقع في سنده جعفر بن عبدالواحد القاضي الهاشمي. وقد ذكرت جعفراً هذا طائفة من المصادر الرجاليّة السنّية، من مثل: ( تخريج أحاديث الكشاف ) و ( لسان الميزان ) لابن حجر العسقلاني، و ( المغني ) و ( الميزان ) للذهبي (62)، و ( اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ) للسيوطي، وفيها: « كان هذا الرجلُ متَّهماً بوضع الحديث وسرقته، متروكاً كذّاباً » (63). هذا بصرف النظر عن الكلام على أبي هريرة نفسه.
بِشر بن الحسين
روي حديث النجوم أيضاً عن أنس بن مالك، بسندٍ فيه « بشر بن الحسين »، فقد روى عن الزبير بن عَدِيّ عن أنس. وقد قال عنه الذهبي في ( المغني ): « قال الدارقطني: هو متروك »، وقال أبو حاتم: « يكذب على الزبير ». ووردت أقوال أخرى في ذمّه تجدها في ( لسان الميزان ) لابن حجر.

* * *

التحريف في الحديث
استبان ممّا تقدّم أن عامّة محدّثي وحفّاظ أهل السنّة يعتقدون بأنّ حديث « أصحابي كالنجوم » حديث موضوع مُختلَق مكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وآله.. لكنه دخل في المصادر الحديثية السنيّة بفعل أيدٍ مُريبة تهدف إلى التزوير والعبث بالحقائق.
والواقع أن حديث النجوم المكذوب هذا قد اعتمد فيه واضعه ـ أو واضعوه ـ على حديث آخر للنبيّ
صلّى الله عليه وآله يذكر فيه النجوم في سياق التعريف بأهل بيته الذين قال عنهم أنّهم عِدل القرآن وصنوه، وإن عترته لا تفترق عن القرآن حتّى يَرِدا عليه صلّى الله عليه وآله الحوض. وقد وردت النجوم مقترنة بأهل بيت النبيّ في قوله صلّى الله عليه وآله ـ من ضمن حديث طويل: « النجوم أمان لأهل السماء... وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يُوعَدون ». وهكذا نلاحظ أن الأيدي التي كانت تعمل في الظلام قد حذفت عبارة « أهل بيتي » من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله ووُضِعت بدلها كلمة « أصحابي ».
وهذا هو حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله بتمامه، كما ورد في مستدرك الوسائل:
« حدّثنا أبو القاسم عبدالرحمن بن أبي الحسن القاضي بهمدان من أصل كتابه، ثنا محمد بن المغيرة اليشكري، ثنا القاسم بن الحكيم [ الحكم ] العرني، ثنا عبدالله بن عمرو بن مرة، حدّثني محمّد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه خرج ذات ليلة وقد أخّر صلاةَ العشاء حتّى ذهب من الليل هُنَيهة أو ساعة، والناس ينتظرون في المسجد، فقال: ما تنتظرون ؟ فقالوا: ننتظر الصلاة، فقال: إنكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتموها. ثمّ قال: إنها صلاةٌ لم يُصَلِّها أحدٌ ممن قَبلكم من الأمم. ثمّ رفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمان لأهل السماء، فإن طُمِسَت النجوم أتى أهلَ السماء ما يُوعدون. وأنا أمان لأصحابي، فإذا قُبِضتُ أتى أصحابي ما يُوعدون. وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يُوعدون » (64).
 

الأدلّة على بطلان حديث النجوم
بعد أن عرفنا ما قابل به حفّاظ أهل السنّة ومحدّثوهم حديث النجوم من الردّ والخدش والتضعيف من حيث السند، نتوفّر هنا على بيان بطلان هذا الحديث من حيث المتن والدلالة:
الدليل الأول: أنّ حديث النجوم باطل بالإجماع؛ لأنّه يدلّ على صلاح جميع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، ويدلّ على أنّهم جميعاً هداة للأمة وأدلاّء، وهذا لا يصحّ أيضاً، لأنّ طائفة غير قليلة منهم أضلّت كثيراً من الناس. ويدل هذا الحديث كذلك على أن كافة الصحابة أهل لأن تَقتدي بهم الأمة وتأخذ عنهم معالم دينها، وفي هذا من الخطأ ما لا يخفى؛ لأنّ كثيراً منهم لا يصلح لان يُقتدى به ويُتَّبع. ومتى ثبت بطلان هذا كله ثبت بطلان الحديث من أصله.
الدليل الثاني: ممّا يدلّ على بطلان حديث « أصحابي كالنجوم » أنّ كثيراً من الصحابة قد ارتكبوا ذنوباً كبيرة، من مثل القتل والزنا وشهادة الزور وما ماثلها ممّا هو معروف لمن تتبّع أخبارهم في مصادرها، فهل من المعقول أن يجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله كلّ واحد من أصحابه ـ والحالة هذه ـ هداةً للأمة وقادةً لها ؟!
الدليل الثالث: في القرآن الكريم آيات صريحة في سوء حال جمّ غفير من الصحابة، ولا سيّما الآيات في سورة الأنفال وسورة براءة، وسورة الأحزاب، وسورة الجمعة، وسورة « المنافقون ». وبديهي أنّ أمثال هؤلاء من أصحاب المواقف المهزوزة والبصائر الضعيفة لا يصحّ أن يكونوا قدوة للأمة ولا هداةً إلى الحق.
الدليل الرابع: أنّ حديث النجوم مُعارَض بأحاديث أخرى، فقد وردت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أحاديث كثيرة تفيد ذمّ الكثير من الصحابة ممّا يجعلهم غير صالحين للاقتداء والاتّباع. وهذه الأحاديث تجدها وفيرة في الصحاح والمسانيد المعتبرة، ومن نماذجها:
• حديث الحوض
• حديث الارتداد
• حديث: لا ترجعوا بعدي كفّاراً
• حديث: الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل
• حديث: لا أدري ما تُحدِثون بعدي
• حديث اتّباع سنن اليهود والنصارى
• حديث التنافس
• حديث: إنّ من أصحابي من لا يراني بعدي ولا أراه
• حديث: إنّ في أصحابي منافقين
• حديث: قد كثرت علَيّ الكذّابة
• حديث: قد كثرت علَيّ الكذّابة
وغيرها من الأحاديث التي تضمنت ذماً للصحابة مجتمعين وفرادى، وهي كثيرة يكفي أن تراجع منها ما ورد في كتاب ( تشييد المطاعن ). وهي أحاديث تعارض حديث النجوم فلا يصحّ العمل به.
الدليل الخامس: وردت في المصادر الحديثية السنيّة أحاديث تدل دلالة صريحة على منع النبيّ صلّى الله عليه وآله من الاقتداء بالصحابة، وهي تتضمّن أنّ من اقتدى بهم في النار.
قال العاصمي: وقال عليه السّلام: إذا ذُكر أصحابي فأمسِكوا. يعني: عن الوقيعة فيهم، عن ذكر زلاّتهم وما كان منهم في مقاماتهم، وأيّ عبد من عباد الله لَم يَزِلّ ولو بطرفة ؟!... وأخبرني جدّي أحمد بن المهاجر رحمه الله، قال: أخبرني أبو عليّ الهروي، قال: أخبرنا المأمون، قال: أخبرنا عطية بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يكون من أصحابي أحداث بعدي ـ يعني: الفتنةَ التي كانت بينهم ـ فيغفرها الله لسابقتهم؛ إن اقتدى بهم قوم من بعدهم كبّهم الله في نار جهنم.
قال ابن لهيعة: هذا رأيي منذ سمعت هذا الحديث (65).
وروى المتّقي الهندي في كنز العمال عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: تكون بين أصحابي فتنة يغفر الله لهم لسابقتهم، إن اقتدى بهم قوم من بعدهم كبّهم الله تعالى في نار جهنم (66).
الدليل السادس: اعتراف من الصحابة بأنّهم غير جديرين بالاقتداء والاحتذاء. وقد تضمّنت الكتب الحديثية السنيّة وفرةً من الأحاديث في هذا السياق.
كما أورد جُلّ المؤرخين أنّ عدداً من الصحابة لم يستطيعوا أن يحكموا في العديد من الحوادث والقضايا الواقعة، ممّا اضطرّهم إلى التماس الحكم الشرعي من غيرهم. ومن الصحابة من اعترف مرّات أنّه غير متفقّهٍ التفقّه المطلوب، وصرّح مرةً بقوله: « كلُّ الناس أفقَه منّي، حتّى المخدَّرات في الحِجال »! بل إنّ بعضهم ـ بسبب جهله بالأحكام ـ قد حكم بالقضية الواحدة عدّة أحكام متناقضة. وقد ذكر الطبري في تفسيره موارد في هذا الشأن عجيبة قد صدرت من الخليفة الثاني.
من هنا، يكون من المحال أن يُرجع رسولُ الله صلّى الله عليه وآله أمتَه ـ وهو أعلم الأولين والآخرين ـ إلى أمثال هؤلاء الذين يجهلون أحكام الإسلام، ليكونوا قادةً لها ومَراجع.
الدليل السابع: لا ريب في دلالة آية التطهير وحديث الثقلين وآيات وأحاديث سواهما على عصمة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام من الخطأ والاشتباه. ومع وجود هؤلاء الكبار المطهّرين المعصومين لا يُعقَل أن يصدر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يدلّ على أن من يُخطئون ويعصون هم بمنزلة نجوم السماء، على الرغم من أن بعض الصحابة أصحاب مقامات إيمانية رفيعة من مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وغيرهم.
الدليل الثامن: من الثابت أنّ الصحابة كان يقع بينهم اختلاف في الأحكام الشرعية سواء كانت منصوصة أم غير منصوصة، وقد أُلّف في اختلاف الصحابة العديد من الكتب، منها ( الإنصاف في بيان سبب الاختلاف ) من تأليف شاه ولي الله الدهلوي. ومن البيّن أن المؤمن اللبيب لا يسمح باتخاذ الأفراد المختلفين قادةً للأمّة وجعلهم نجوم هداية، فما بالك برسول الله صلّى الله عليه وآله ؟!
الدليل التاسع: إنّ الردّ على حديث النجوم الذي يصف الصحابة بنجوم السماء يفتح باب تخطئة صحابة النبيّ صلّى الله عليه وآله، بل إنّ تخطئة بعضهم بعضاً كانت تخرج أحياناً عن حدّ الاعتدال إلى التكذيب والتكفير ممّا هو مدوّن في المصادر السنيّة. وهذا يعارض بلا ريب اتخاذهم قادةً متَّبَعين.
الدليل العاشر: إنّ طائفة من الصحابة لم يبلغهم كثير من أحكام الدين وسنة النبيّ صلّى الله عليه وآله ولم يكونوا يعرفونها، وكثيراً ما كان بعضهم يعمل بخلاف حكم رسول الله صلّى الله عليه وآله، وربّما عمل منهم بما يخالف القرآن.
الدليل الحادي عشر: صدرت من الصحابة أمور كثيرة لا تستند إلى علم، بصورة فتوى ( أي اجتهاد في مقابل النَّص ) أو بصورة غير فتوى. ونشير هنا إلى طائفة منها:
1 ـ أفتى بعض الصحابة، خلافاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، بحرمة لبس المرأة الحذاء في الإحرام!
2 ـ أفتى بعضهم بأن تقبيل الزوجة يُبطل الوضوء!
3 ـ قال بعضهم بأن الميّت يُعَذَّب ببكاء أهله عليه!
4 ـ أفتى بعضهم بأن كل الأشهر 29 يوماً!
5 ـ امتنع بعضهم عن إقامة حد الزنا على صحابي ارتكب هذه الخطيئة!
6 ـ أوّل شهادة زور في الإسلام صدرت من عدد من الصحابة، فإنّهم قُبَيل حربهم لأمير المؤمنين عليّ في واقعة الجمل اصطنعوا خمسين شاهداً شهدوا أمام عائشة أنّ المنطقة التي هي فيها ليست « الحَوأب »، وهي قضية حفلت بذكرها مصادر التاريخ.
7 ـ بعض كبار الصحابة ما كان يصنعه رسول الله صلّى الله عليه وآله من إعطاء المؤلَّفة قلوبهم سهماً من بيت المال.
8 ـ خالف بعض كبار الصحابة أمر رسول الله المؤكّد على الالتحاق بجيش أسامة بن زيد، بذريعة أن أسامة شاب صغير!
9 ـ من الصحابة مَن أفتى بجواز الصلاة بلا وضوء إذا فُقد الماء!
10 ـ بعض الصحابة آذَوا فاطمة بنت رسول الله وأغضبوها، وقد كانوا سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: « مَن آذى فاطمة فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله ».
11 ـ في حجّةٍ حَجّها رسول الله صلّى الله عليه وآله تمرّد بعض كبار الصحابة على أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله في حلق الرأس بعد ذبح الهَدْي.
12 ـ مِن الصحابة مَن كان يقول بجواز بيع الخمر وكان يمارس هذا البيع، وقد انتقده عمر ابن الخطاب بقوله: « قاتَلَ الله فلاناً، باع الخمر! »، وعدّت عائشة هذا العمل مبطلاً للحج ومُحبطاً أجر الجهاد مع رسول الله.
13 ـ بعض الصحابة ارتدّوا عن الإسلام ورجعوا إلى جاهليتهم بشكل علني صريح، وهذا مما حفلت به المصادر التاريخيّة.
14 ـ مِن الصحابة من لم يكن يعرف معنى كلمات من القرآن، ولم يفهم حتّى دلالتها اللفظية، فقد سُئل بعضهم عن معنى « الكَلالة » فلم يعرف، وسئل عن معنى « الأبّ » ـ في قوله تعالى: « وفاكهةً وأبّاً » ـ فعجز عن الجواب. كما لم يعرفوا الإجابة عن أسئلة وُجِّهت إليهم في مناسبات عديدة ولا الحكم الشرعي في عدد من الوقائع، فكانوا يُضطَرّون إلى الرجوع للإمام عليّ عليه السّلام فيجيبهم، حتّى قال عمر عدّة مرّات: « لولا عليّ لهلك عمر ».

* * *

من هذا كله يتجلّى ـ أيّها الأصدقاء ـ أن حديث « أصحابي كالنجوم » حديث باطل مكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهو: ـ من حيث السند ـ مخدوش ضعيف لا يُركن إليه، وهو ـ من حيث المتن والمضمون ـ ساقط عن الاعتبار بيّن الضعف والافتعال؛ لأنّه يتعارض وأحاديثَ أخرى ويتناقض وحقائقَ التاريخ.
وعلى هذا، فلا يصحّ أبداً الاستناد إلى حديث النجوم في فرض نوع من « الحصانة » للصحابة تحكم بصحة ما يقولون ويفعلون، وتجعلهم قدوة للأمّة وأسوة؛ فإنّ هذا مما يخالف منطق الإسلام ومنطق القرآن الكريم.


1 ـ القاموس المحيط، مادة « صحب ». 
2 ـ المفردادت في غريب القرآن، مادة « صحب ». 
3 ـ المصباح المنير، مادة « صحب ». 
4 ـ المختصر 17:2. 
5 ـ مقباس الهداية. 
6 ـ اختار هذا الرأي الشهيد الثاني وابن حجر العسقلاني. 
7 ـ المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة. 
8 ـ مسند الشهاب. 
9 ـ يأتي ذكر رأي المزني فيما بعد تحت عنوانه. 
10 ـ ذكر له هذا الرأي ابن حجر في الإصابة 17:1 ـ 18. 
11 ـ الإصابة 19:1. 
12 ـ الاستيعاب 8:1. 
13 ـ أسد الغابة 3:1. 
14 ـ إحياء علوم الدين. 
15 ـ المختصر 67:2. 
16 ـ شرح المقاصد 19:1. 
17 ـ الإصابة 19:1. 
18 ـ النصايح الكافية 162. 
19 ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. 
20 ـ شيخ المضيرة أبو هريرة 101. 
21 ـ نقلاً عن كتاب: أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو ريّة. 
22 ـ النصايح الكافية 162. 
23 ـ نقلاً عن كتاب: شيخ المضيرة. 
24 ـ نقلاً عن كتاب شيخ المضيرة. 
25 ـ اعجاز القرآن للرافعي. 
26 ـ التيسير 243:3. 
27 ـ جامع بيان العلم لابن عبدالبر 89:2 ـ 90. 
28 ـ جامع بيان العلم 190:2 ؛ اعلام الموقّعين 223:2 ؛ البحر المحيط 528:5. 
29 ـ الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشّاف 628:2. 
30 ـ البحر المحيط 528:5. 
31 ـ الكافي الشافي في تخريج احاديث الكشّاف 628:2. 
32 ـ جامع بيان العلم 90:2 ـ 91. 
33 ـ فتح القدير 76:4. 
34 ـ تعليق تخريج أحاديث المنهاج للبيضاوي. 
35 ـ ميزان الاعتدال 413:1. 
36 ـ ميزان الاعتدال 102:2. 
37 ـ الدر اللقيط من البحر المحيط، مطبوع بهامش البحر المحيط 527:5. 
38 ـ اعلام الموقعين 223:3. 
39 ـ الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشّاف 628:2. 
40 ـ التحرير بشرح ابن أمير الحاج ( التقرير والتحبير ) 99:3. 
41 ـ المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة 26 ـ 27. 
42 ـ الجامع الصغير بشرح المناوي 76:4. 
43 ـ التيسير في شرح الجامع الصغير 48:2. 
44 ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير 76:4. 
45 ـ دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة الحبيب 240. 
46 ـ نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض 423:4 ـ 424. 
47 ـ مسلم الثبوت بشرح الأنصاري 241:2. 
48 ـ ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول 83؛ تهذيب التهذيب 392:1. 
49 ـ الصبح الصادق بشرح المنار. 
50 ـ حسن المأمول من علم الأصول 56. 
51 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني 441:4، طبعة بيروت. 
52 ـ تهذيب التهذيب 238:2، طبعة بيروت؛ الموضوعات 215:3. 
53 ـ الضعفاء للبخاري 36. 
54 ـ الضعفاء للنسائي 32. 
55 ـ انظر ما قاله عنه ابن حجر والمزّي في تهذيب التهذيب 35:3. 
56 ـ تهذيب التهذيب 408:10. 
57 ـ سلسلة الأحاديث الضعيفة 78:1، والمراد به أبو سفيان بن جابر بن عتيك الانصاري، يروي عن أبيه جابر. 
58 ـ تهذيب التهذيب 462:2 ؛ مجمع الزوائد 212:1 ؛ الجوهر النقي 21:1. 
59 ـ جامع بيان العلم 90:2. 
60 ـ تهذيب التهذيب 397:1. 
61 ـ تهذيب التهذيب 572:2. 
62 ـ ميزان الاعتدال 413:1. 
63 ـ تهذيب التهذيب 383:1. 
64 ـ مستدرك الوسائل 457:3. 
65 ـ زين الفتى في تفسير سورة « هل أتى ». 
66 ـ كنز العمّال 174:22.