مناظرة الشيخ المفيد مع الكتبي ورجل من المعتزلة

سأله المعروف بالكتبيّ فقال له : ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر ؟

فقال له : الادلة على ذلك كثيرة ، فأنا أذكر لك منها دليلاً يقرب من فهمك ، وهو أنّ الاُمّة مجتمعة على أنّ الامام لا يحتاج إلى إمام ، وقد أجمعت الامّة على أنّ أبا بكر قال على المنبر : « وليتكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتّبعوني ، وإن اعوججت فقوّموني » (1) ، فاعترف بحاجته إلى رعيّته وفقره إليهم في تدبيره ، ولا خلاف بين ذوي العقول أنّ من احتاج إلى رعيّته فهو إلى الامام أحوج (2) ، وإذا ثبتت حاجة أبي بكر إلى الامام بطلت إمامته بالاجماع المنعقد على أنّ الامام لا يحتاج إلى الامام ، فلم يدر الكتبيّ بمَ يعترض ، وكان بالحضرة من المعتزلة رجل يعرف بعرزالة. فقال : ما أنكرت على من قال لك : إنّ الامّة أيضا مجتمعة على أنّ القاضي لا يحتاج إلى قاض ، والامير لا يحتاج إلى أمير ، فيجب على هذا الاصل أن يوجب عصمة الامراء ، أو يخرج من الاجماع. فقال له الشيخ : إنّ سكوت الاوّل أحسن من كلامك هذا ، وما كنت أظنّ أنّه يذهب عليك الخطأ في هذا الفصل ، أو تحمل نفسك عليه مع العلم بوهنه ، وذلك أنّه لا إجماع في ما ذكرت ، بل الاجماع في ضدّه ، لانّ الامّة متّفقة على أنّ القاضي الّذي هو دون الامام يحتاج إلى قاض هو الامام ، وذلك يسقط ما تعلّقت به ، اللهم إلاّ أن تكون أشرت بالامير والقاضي إلى نفس الامام ، فهو كما وصفت غير محتاج إلى قاض يتقدّمه أو أمير عليه ، وإنّما استغنى عن ذلك لعصمته وكماله ، فأين موضوع إلزامك عافاك الله ؟ فلم يأت بشيء (3).

____________

(1) تقدمت تخريجاته.

(2) وفي هذا المعنى يقول شاعر أهل البيت ـ عليهم السلام ـ سفيان بن مصعب العبدي الكوفي ـ‍ المتوفي ـ سنة 120 هـ ـ :

وقال : رسول الله ما اختار بعده   إماماً ولكنّا لانفسنـا اخترنـــا
اقمنا إماماً إن أقام على  الهدى   أطعنا وإن ضل الهدايـة قومّنــا
فقلنا إذن أنتـم امـامُ امامـكم   ‌بحمد من الرحمن تهتم وما تهنـا
ولكننا اخترنا الذي اختـار  ربنا   لنا يوم خم ما اعتدينا   ولا حلنـا
سيجمعنا يوم القيامـة  ربُّنــا   فتجزون ما قلتم ونُجزى الذي قلنا
ونحن على نورٍ من الله واضـح   فياربِ زدنا منك نوراً وثبتنـــا

وفي العبدي ـ رحمه الله تعالى ـ رُوي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : يا معشر الشيع