شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

شذراتٌ نورانيّة (40)

0 المشاركات 00.0 / 5

شذراتٌ نورانيّة (40)

تتمّة الدعاء
 إنّ الله تبارك وتعالى جعل لكلّ شيءٍ سبباً، وأجرى الأمور بأسبابها، والدعاء لا يُستثنى من هذه السُّنّة الالهيّة الحكيمة، فإنّ لإجابته شروطاً وآداباً خاصة:
أوصى الإمامُ الصادق عليه السلام أحدَهم قائلاً له: « إحفَظْ آدابَ الدعاء... فإن لم تأتِ بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة... واعلمْ أنّه لو لم يكنِ اللهُ أمَرَنا بالدعاء لكُنّا إذا أخلَصْنا الدعاءَ تَفضَّل علينا بالإجابة، فكيف وقد ضَمِن ذلك لِمَن أتى بشرائط الدعاء ؟! » ( بحار الأنوار 322:93 / ح 36 ).
 أمّا أهم شرائط الإجابة، فقيل ـ كما يُستفاد من الروايات ـ:
1. المعرفة: ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « يقول الله عزّوجلّ: مَن سألني وهو يعلم أنّي أَضُرّ وأنفع أستجيب له » ( عُدّة الداعي لابن فهد:131 ).
ـ وفي ظلّ قوله تعالى:  فَلْيَستَجيبوا لي ولْيُؤمِنُوا بي  قال الإمام الصادق عليه السلام: « يعلمون أنّي أقْدر على أن أُعطيَهم ما يسألونّي » ( بحار الأنوار 323:93 / ح 37 ).
2. العمل بما تقتضيه المعرفة: ـ قال تعالى:  وأَوفُوا بِعهدي أُوفِ بِعهدِكُم، وإيّايَ فَآرهَبونِ  [ سورة البقرة:40 ].
ـ ولمّا سُئل الإمام عليّ عليه السلام عن قول الله تعالى:  أُدْعُوني أستَجِبْ لكم : فما بالُنا ندعو فلا نُجاب ؟ قال: « لأنّ قلوبكم خانت بثمانِ خصال: أوّلها أنّكم عَرَفتم اللهَ فلم تُؤدُّوا حقَّه كما أوجَبَ عليكم، فما أغنَتْ عنكم معرفتُكم شيئاً... فأيُّ دعاءٍ يُستجاب لكم مع هذا وقد سددتُم أبوابَه وطُرُقَه ؟! » ( إعلام الدين:269 ).
3. طِيب المكسب: ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّ العبد لَيرفع يدَه إلى الله ومَطعمُه حرام، فكيف يُستجاب له وهذا حالُه ؟! » ( إرشاد القلوب للديلمي:149 ).
ـ ورُويَ أنّ موسى عليه السلام رأى رجلاً يتضرّع تضرّعاً عظيماً، ويدعو رافعاً يديه ويبتهل، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: « لو فعَلَ كذا وكذا لَما آستُجيب دعاؤُه؛ لأنّ في بطنه حراماً، وعلى ظَهرِه حراماً، وفي بيته حراماً! » ( دعوات الراونديّ:24 / ح 34 ).
4. حضور القلب ورِقّته عند الدعاء: ـ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « إعلموا أنّ الله لا يستجيب دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ » ( البحار 321:93 ).
ـ وعن الإمام الصادق عليه السلام: « إنّ الله عزّوجلّ لا يستجيب دعاءً بِظَهرِ قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوتَ فأقبِلْ بقلبك، ثمّ آستيقنْ بالإجابة » ( الكافي 473:2 / ح 1 ).
 ومع الأخذ بعين الاعتبار شروط إجابة الدعاء، ينبغي الانتباه إلى موانع الإجابة أيضاً، وهي عديدة:
ـ أوّلها: الذَّنْب ـ قال الإمام الباقر عليه السلام: « إنّ العبد يسأل اللهَ الحاجةَ فيكون مِن شأنه قضاؤها إلى أجَلٍ قريب، أو إلى وقتٍ بطيء، فيُذنب العبد فيقول الله تبارك وتعالى للمَلَك: لا تَقضِ حاجتَه واحرِمْه إيّاها، فإنّه تَعرّض لسَخَطي واستوجب الحرمانَ منّي » ( بحار الأنوار 329:73 / ح 11 ).
ـ ثانيها: الظلم ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: « إنّ الله عزّوجلّ أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلام: قلْ للملأ مِن بني إسرائيل... إنّي غيرُ مستجيبٍ لأحدٍ منكم دعوةً ولأحدٍ مِن خَلقي قِبَلَة مَظلمة » ( الخصال:337 / ح 40 ).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « إذا ظُلِم الرجل فظَلَّ يدعو على صاحبه، قال الله جلّ جلاله: إنّ ها هنا آخَرَ يدعو عليك، يَزعُم أنّك ظلمتَه، فيُوسِعُكما عفوي » ( أمالي الصدوق:262 / ح 3 ).
ـ ثالثها: مناقضة الحكمة ـ قال الإمام عليّ عليه السلام: « إنّ كرم الله سبحانه لا ينقض حكمته، فلذلك لا يقع الإجابة في كلّ دعوة » ( غرر الحكم / ح 3478 ).
 كذلك مع شروط إجابة الدعاء ورفع الموانع، هنالك آداب للدعاء ينبغي على الداعي مراعاتها، منها:
أ. البسملة: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا يُردّ دعاءٌ أوّلُه بسم الله الرحمن الرحيم » ( دعوات الراونديّ:52 / ح 131 ).
ب. التمجيد: قال الإمام الصادق عليه السلام: « إنّ في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام: « إنّ المِدحة قبل المسألة، فإذا دعوتَ اللهَ عزّوجلّ فمَجِّده » قال: « تقول: يا مَن هو أقربُ إليَّ مِن حبل الوريد، يا مَن يَحول بينَ المرء وقلبه، يا مَن هو بالمنظر الأعلى، يا مَن ليس كمِثلهِ شيء » ( بحار الأنوار 315:93 / ح 20 ).
ج. الصلاة على محمّد وآله صلوات الله عليه وعليهم: ـ قال الإمام عليّ عليه السلام: « كلُّ دعاءٍ محجوبٌ عن السماء حتّى يُصلّى على محمّدٍ وعلى آل محمّد » ( كنز العمّال / خ 3988 ).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « مَن كانت له حاجةٌ إلى الله عزّوجلّ فَلْيبدأْ بالصلاة على محمّدٍ وآله، ثمّ يسألْ حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمّدٍ وآل محمّد، فإنّ الله عزّوجلّ أكرمُ مِن أن يقبل الطرفَين ويَدَعَ الوَسَط إذ كانت الصلاة على محمّد وآل محمّدٍ لا تُحجَبُ عنه » ( مكارم الأخلاق 19:2 / ح 2040 ).
د. الإقرار بالذنب: ـ قال الإمام الصادق عليه السلام: « إنما هي المِدحة، ثمّ الإقرار بالذنب، ثمّ المسألة » ( بحار الأنوار 318:93 / ح 23 ).
هـ. الاستشفاع: ـ جاء في دعائهم عليهم السلام: « اَللهمّ إن كانت ذنوبي قد أخَلقَت وجهي عندك، وحجَبَت دعائي عنك، فصَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد، واستجِبْ لي يا ربِّ بِهِم دعائي » ( بحار الأنوار 22:94 / ح 19 ).
ز. التضرّع والابتهال: ـ ممّا وعَظَ الله تعالى به عيسى عليه السلام: « يا عيسى، أُدعُني دعاءَ الحزينِ الغريق الذي ليس له مُغيث... ولا تَدْعُني إلاّ متضرِّعاً إليَّ وهمُّك همّاً واحداً، فإنّك متى تَدْعُني كذلك أجبتُك » ( بحار الأنوار 314:93 / ح 19 ).
ح. تعميم الدعاء: ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إذا دعا أحدٌ فَلْيُعِمَّ فإنّه أوجبُ للدعاء، ومَن قَدَّم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يَدعُوَ لنفسه استُجيب له فيهم وفي نفسه » ( بحار الأنوار 313:93 / ح 17 ).
وهنالك آداب أخرى، منها: الإسرار بالدعاء، والاجتماع في الدعاء، وحسن الظنّ بالإجابة، واختيار الأوقات، والإلحاح، وعدم استكثار المطلوب، والصلاة ركعتين قبل الدعاء، والدعاء بهمّة عالية.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية