شذرات نورانيّة (43)

شذرات نورانيّة (43)

دَوَل
 قال تعالى:  وتِلكَ الأيّامُ نُداوِلُها بينَ الناس  [ آل عمران:140 ].
المراد بالأيّام حوادثها الواقعة، والمداولة هي المداورة والتصريف، وجعلُ الشيء يتناوله واحدٌ بعد آخَر. ومداولة الأيّام سُنّةٌ إلهية تابعة لمصالح عامّة، ومَنوطةٌ بأسبابٍ عادية، فقد تكون الدولة مرّةً لفردٍ ما ومرّةً لفردٍ آخر، وهي جارية في جميع الأمم إلى أن يأتيَ أمر الله تعالى، وبذلك ينتظم النظام حتّى تظهر دولة الحقّ.
 قال أمير المؤمنين عليه السلام: « الدولة، كما تُقْبِل تُدْبِر » ( غرر الحكم:27 ).
ـ وقال عليه السلام: « لكلِّ دولةٍ بُرهة » ( عيون الحكم 321:6 ).
ـ وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: « إنّ للحقّ دولة، وللباطل دولة » ( الكافي 447:2 ).
 وتختلف الدُّول، وبذلك تختلف مواقفها وصفاتها، قال الإمام عليّ عليه السلام:
ـ « دولة الأكارم من أفضل المغانم. دولة اللِّئام مَذلّة الكرام » ( غرر الحكم:177 ).
ـ « دولة الأشرار مِحَن الأخيار. دولة الفُجّار مَذلّة الأبرار » ( غرر الحكم:177 ).
ـ « دولة اللئام من نوائب الأيّام » ( عيون الحكم 187:6 ).
ـ « دولة الأخيار عِزُّ الأخيار » ( عيون الحكم 186:6 ).
ـ « دولة الأوغاد مَبْنيّةٌ على الجَور والفساد » ( شرح غرر الحكم 11:4 ).
ـ « دولة الكريم تُظهِر مناقبَه. دولة اللئيم تُظهر معايبَه » ( عيون الحكم 186:6 ).
 أمّا ما يُوجِب زوال الدول فتبيّنه النصوص المباركة التالية:
ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: « زَوالُ الدُّوَل باصطناع السُّفَل » ( غرر الحكم: 189. الاصطناع: التربية، والسُّفَل: جمع سافل ).
ـ وقال سلام الله عليه أيضاً: « يُستَدَلّ على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسّك بالفروع، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفاضل » ( عيون الحكم 517:6. وفي بعض النسخ: يُستدل على زوال الدول... والتمسّك بالغرور ).
 وفي المقابل، هنالك ما يُوجِب بقاء الدولة، يبيّنه الإمام عليّ عليه السلام بأقواله هذه:
ـ « ما حَصَّن الدُّوَلَ بمِثْل العدل » ( غرر الحكم:209 ).
ـ « ثبات الدول بإقامة سُنن العدل » ( غرر الحكم:162 ).
ـ « مَن لم يحسن في دولته، خُذِل في نكبته » ( غرر الحكم:298 ).
ـ « مَن عَمِل بالعدل حَصَّن الله مُلكَه » ( غرر الحكم:286 ).
ـ « واعظمُ ما افترَضَ سبحانه من تلك الحقوق حقُّ الوالي على الرعيّة، وحقُّ الرعيّة على الوالي... فإذا أدّت الرعية إلى الوالي حقَّه، وأدّى الوالي إليها حقَّها، عَزَّ الحقُّ بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أَذلالها السُّنن، فصَلَح بذلك الزمان، وطُمِع في بقاء الدولة، ويَئِست مطامع الأعداء.. » ( نهج البلاغة: الخطبة 216 ).
 

الدواء
 مطلوبٌ يعرف قيمتَه أصحاب الآلام والأوجاع، وطلبُه أمرٌ إلهي:
ـ قال الإمام الصادق عليه السلام: « إنّ نبيّاً من الأنبياء مَرِض، فقال: لا أتَداوى حتّى يكون الذي أمرَضَني هو الذي يَشفيني. فأوحى الله تعالى إليه: لا أشفيك حتّى تَتداوى؛ فإنّ الشفاء منّي » ( بحار الأنوار 66:62 / ح 15 ـ عن: مكارم الأخلاق:419 ).
 وتلك سُنّة طبيعية وضعها الله تعالى في خلقه:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « ما أنزل الله مِن داء، إلاّ أنزل له شفاء » ( بحار الأنوار 68:62 / ح 20 ـ عن: دعوات الراوندي ).
 وهذه وصيّة حكيمة أكّدتها الروايات الحكيمة:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « تَجَنَّبِ الدواء ما احتمل بدنُك الداء، فإذا لم يحتمل الداءَ فالدواء » ( بحار الأنوار 211:81 ـ عن: مكارم الأخلاق ).
ـ وقال الإمام عليّ عليه السلام: « لا يتداوى المسلمُ حتّى يغلب مرضُه صحتَه « ( بحار الأنوار 203:81 ـ عن: الخصال ).
ـ وقال عليه السلام: « إمشِ بدائك ما مشى بك » ( شرح نهج البلاغة 138:18 ).
وكذلك قال سلام الله عليه: « لا تضطجعْ ما استطعتَ القيام من العلة » ( مستدرك الوسائل 82:1 ـ الطبقة القديمة ).
ـ وفي هذا المعنى ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام قوله: « ادفعوا معالجة الأطبّاء ما اندفع الداء عنكم، فإنّه بمنزلة البناء، قليلُه يجرّ إلى كثيره » ( بحار الأنوار 207:81 ).
ـ وعن عثمان الأحول قال: سمعتُ أبا الحسن عليه السلام يقول: « ليس من دواء إلاّ وهو يُهيّج داءً، وليس في البدن أنفعُ من إمساك اليد إلاّ عمّا يحتاج إليه » ( بحار الأنوار 68:62 / ح 18 ـ عن: الكافي 273:8 / ح 409. قال المجلسيّ في بيانٍ له: « إلاّ وهو » أي الدواء نفسه أو معالجته، « إلاّ عمّا يحتاج إليه » من الأكل، بأن يحتمي عن الأشياء المضرّة، ولا يأكل أزيد من الشبع. أو من المعالجة، أو منهما ).
 فالحِمْية أجدى في العلاج، وقد عرّفتها الروايات التالية:
ـ قال الإمام الكاظم: « الحِمْية رأس الدواء، والمَعِدة بيت الداء » ( بحار الأنوار 142:62 / ح 10 ـ عن: مكارم الأخلاق:419 ).
ـ وقال عليه السلام كذلك: « ليس الحمية أن تَدَع الشيء أصلاً لا تأكله، ولكنّ الحمية أن تأكل من الشيء وتخفّف » ( بحار الأنوار 142:62 / ح 11 ـ عن: الكافي 291:8 / ح 443 ).
 أمّا الدواء الأكبر فيُعرّفه الإمام الصادق عليه السلام بقوله:
ـ « حَنِّكوا أولادَكم بتربة الحسين عليه السلام، فإنّه أمان » ( بحار الأنوار 136:101 / ح 79 ـ عن: مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي:510 ).
ـ وقال الإمام الكاظم عليه السلام: « إنّ كلّ تربةٍ لنا محرّمة إلاّ تربةَ جَدّيَ الحسينِ بن عليّ عليهما السلام، فإنّ الله عزّوجلّ جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا » ( بحار الأنوار 118:101 / ح 1 ـ عن: عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 104:1 ).
 وهنالك ما ينبغي، وهو مهمّ، بل أهم مداواة البدن، حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام: « ينبغي أن يتداوى المرء من أدواء الدنيا كما يتداوى ذو العلّة، ويحتميَ من شهواتها ولذّاتها كما يحتمي المريض » ( غرر الحكم:355، عيون الحكم 522:6 ).
وقال سلام الله عليه: « الاستغفار دواء الذنوب » ( غرر الحكم:22 ).