شذرات نورانيّة (45)

شذرات نورانيّة (45)

الدِّين
 قد يكون بعض الناس ممّن لا دِين له، ولكنّ بعضهم تراه يتعامل مع دِين الله تعالى بالاستخفاف والاستهجان والاستنكار والسخرية، وأولئك عليهم ما عليهم من الذمّ والتوبيخ، والمنقلَب الوخيم إلى سوء العاقبة وسوء العذاب.. قال تعالى يخاطبهم:  أفَمِن هذا الحديثِ تَعجَبون * وتَضحكُونَ ولا تبكون * وأنتُم سامِدون  ؟! [ سورة النجم:59 ـ 61 ].
أي: أمِن هذا القرآن تعجبون إنكاراً، وتضحكون استهزاءً، ولا تبكون انزجاراً من وعيده، وأنتم لاهون غافلون ؟!
وفي الروايات الشريفة نقرأ:
ـ قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدِّين.. » ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 42:2 / ح 140 ).
ـ وقول الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير: « لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوّكم في النار بقوله:  وقالُوا ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نَعُدُّهم مِن الأشرار * أتَّخذْناهم سِخْريّاً أَم زاغَت عنهمُ الأبصار  [ سورة ص:62 ـ 63 ]. واللهِ ما عنى ولا أراد بهذا غيرَكم، صِرتُم عند أهل هذا العالم شرارَ الناس، وأنتم ـ واللهِ ـ في الجنّة تُحبَرون، وفي النار تُطلَبون » ( نور الثقلين 467:4 / ح 75 ـ عن:الروضة
 من الكافي للكليني ).
 والبعض الآخر من الناس تعاملوا مع دين الله جلّ وعلا تعاملاً آخر بيّنته الآية المباركة: 
 الذين آتّخذوا دِينَهم لَهْواً ولَعِباً وغرَّتْهمُ الحياةُ الدنيا  [ سورة الأعراف:51 ]. وأمّا عقوبتهم فيبيّنها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: « مَنِ اتّخذ دِينَ الله لهواً ولعباً أدخله الله سبحانه النار مُخلَّداً فيها » ( غرر الحكم:295 ).
 وأمّا الدين الحقّ فهو الموعود مِن قِبل الله نبارك وتعالى، حيث قال في محكم تنزيله: 
 هُوَ الذي أرسلَ رسولَه بالهدى ودِينِ الحقِّ لِيُظهرَه علَى الدِّينِ كُلِّه ولو كَرِه المشركون  [ سورة التوبة:33 ].. قال الإمام الحسين عليه السلام: « منّا اثنا عشر مهديّاً، أوّلُهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخِرُهم التاسع مِن وُلدي، وهو القائم بالحقّ، يُحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به الدين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون » ( نور الثقلين 212:2 / ح 123 ـ عن إكمال الدين للشيخ الصدوق ).
 وفي ظلّ قوله تعالى: 
 فأقِمْ وجهَك للدِّينِ القيِّمِ مِن قَبلِ أن يأتيَ يومٌ لا مَرَدَّ له مِن الله  [ سورة الروم:43 ] كتب السيّد الطباطبائي المفسّر: القيّم هو القائم بالأمر، القويّ على تدبيره، أو القائم على ساقه غير المتزلزل والمتضعضع، والمعنى أنّ دين التوحيد وحدَه هو القويّ على إرادة المجتمع وسَوقه إلى منزل السعادة، والدينُ المحكم غير المتزلزل الذي فيه الرشد مِن غير غيّ، والحقيّة من غير بطلان. ( الميزان في تفسير القرآن 178:12 ).
 وحول الدين الحنيف جاء قوله عزّ من قائل:  فأقِمْ وجهَك للدِّينِ حنيفاً فطرةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها، ذلك الدينُ القيّم  [ سورة الروم:30 ]، وجاءت رواية زرارة بن أعيَن قوله: سألت أبا جعفر ( الباقر ) عليه السلام عن قول الله عزّوجلّ: « حُنَفَاءَ لِلّهِ غيرَ مشركينَ » [ سورة الحجّ: 31 ]، ما الحنيفيّة ؟ فقال:  هي الفطرة التي فطر الناس عليها، فطر اللهُ الخَلق على معرفته  ( بحار الأنوار 279:3 / ح 12 ـ عن: المحاسن ).
 ولأنّ الدين دين اليسر، فقد رفع الحرج عن الناس حتّى يعبدوا الله تعالى بشوقٍ وانشراح، وهو القائل عزّوجلّ:
ـ  وما جَعَلَ عليكُم في الدِّينِ مِن حَرَج  [ سورة الحجّ:78 ].
ـ  لا يُكلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَها  [ سورة البقرة:286 ].
ـ  لا يُكلِّف اللهُ نَفْساً إلاّ ما آتاها  [ سورة الطلاق:7 ].
ـ وفي حديثٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله جاء فيه: « ممّا أعطى اللهُ أُمّتي وفضّلهم على سائر الأمم، أعطاهم ثلاث خصال لم يُعطَها إلاّ نبيّ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كان إذا بعث نبيّاً قال له: اجتهدْ في دِينك ولا حَرجَ عليك، وإنّ الله تبارك وتعالى أعطى ذلك أُمّتي حيث يقول:  وما جَعَل عليكُم في الدِّينِ مِن حَرَج »، يقول: مِن ضيق..  ( بحار الأنوار300:5 / ح 1 ـ عن: قرب الإسناد للحِمْيري:84 / ح 277 ).
 وأمّا كمالات الدين فهي كثيرة، تأتي في الأحاديث الشريفة مُجملةً مرّةً ومفصّلةً
أخرى، وهذا بعضها في كلمات الإمام عليّ عليه السلام:
ـ « ثلاثٌ هنّ كمال الدين: الإخلاص، واليقين، والتقنّع » ( غرر الحكم:161 ).
ـ « إذا اتّقَيتَ المحرَّمات، وتورّعتَ عن الشبهات، وأدّيتَ المفروضات، وتنفّلتَ بالنوافل، فقد أكملتَ في الدين الفضائل » ( غرر الحكم:143 ).
ـ « إعلموا أنّ كمال الدين طلبُ العلم والعملُ به » ( تحف العقول:141 ).
 وحول الدين الذي لا تُقبَل الأعمال إلاّ به، جاءت الآية الكريمة صريحةً في ذلك، تلك قوله تبارك شأنه:  ومَن يَبْتغِ غيرَ الإسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنه وهُوَ في الآخرة مِن الخاسرين  [ سورة آل عمران:85 ].
ـ وعن أبي بصير أنّه سأل الإمام الصادق عليه السلام: جُعلتُ فداك، أخبِرْني عن الدين الذي افترض الله عزّوجلّ على العباد ما لا يَسَعُهم جهلُه، ولا يقبل منهم غيرَه، ما هو ؟ فقال: « شهادةُ أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وإقامُ الصلاة وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت مَن استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان »، ثمّ سكت قليلاً ثمّ قال: « والولاية، والولاية » ( بحار الأنوار 15:69 / ح 16 ـ عن: الكافي 22:2 ).
ـ وعن السيّد عبدالعظيم الحسني أنّه قال للإمام عليّ الهادي عليه السلام: يا ابنَ رسول الله، إنّي أريد أن أعرض عليك دِيني، فإن كان مَرْضيّاً ثبتُّ عليه حتّى ألقى اللهَ عزّوجلّ، فقال: « هاتِ يا أبا القاسم »، قال: فقلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد... ( إلى أن قال: ) وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة والزكاة، والصوم والحجّ، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال الإمام عليّ الهادي عليه السلام: « يا أبا القاسم، هذا ـ واللهِ ـ دِينُ الله الذي ارتضى لعباده، فاثبتْ ثبّتك اللهُ بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة » ( بحار الأنوار 1:69 ـ 2 / ح 1 ـ عن: كمال الدين 51:2، أمالي الصدوق:204 ).