شذرات نورانيّة (46)

شذرات نورانيّة (46)

الدَّين
 الدَّين أحد الابتلاءات التي تواجه المرءَ أحياناً في حياته، فيكون أمراً واجباً عليه قضاؤه وأداؤه، وربّما ثَقُل عليه ذلك وضاقت يده عن ردّه، أو زادت عليه الضغوطات والمطالبات.. ومن هنا جاءت تعريفاته على لسان الروايات هكذا:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إيّاكُم والدَّين، فإنّه هَمٌّ بالليل وذُلٌّ بالنهار » ( بحار الأنوار 141:103 ـ عن: علل الشرائع ).
ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام: « الدَّين أحد الرِّقَّين » ( غرر الحكم:39 ).
« الدَّينُ رِقّ، فلا تبذلْ رِقَّك لمَن لا يعرف حقَّك » ( غرر الحكم:35 ).
« الدَّين رِق، والقضاءِ عِتْق » ( غرر الحكم:13 ).
« كَثرةُ الدَّين تُصيّر الصادقَ كاذباً، والمُنْجِزَ مُخلِفاً » ( غرر الحكم:244 ).
ـ ورُوي من تعويذةٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « أعوذ بالله من الكُفر والدَّين » ( الخصال:44 / ح 39 ـ عنه: بحار الأنوار 141:103 ).
 وفي مجال أهميّة أداء الدَّين روى معاوية بن وهب قائلاً: قلت لأبي عبدالله ( الصادق ) عليه السلام أنّه ذُكر لنا أنّ رجلاً من الأنصار مات وعليه دينارانِ دَيناً، فلم يُصلِّ عليه النبيُّ وقال: « صَلُّوا على صاحبكم » حتّى ضَمِنها عنه بعض قرابته.
فقال أبو عبدالله عليه السلام: « ذلك الحقّ »، ثمّ قال: « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إنّما فعل ذلك ليتّعظوا ( لِيتَعاطَوا خ ل )، ولِيردّ بعضهم على بعض، ولئلاّ يستخفّوا بالدَّين. وقد مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليه دَين، وقُتل أمير المؤمنين عليه السلام وعليه دَين، ومات الحسن عليه السلام وعليه دَين، وقُتل الحسين عليه السلام وعليه دَين » ( وسائل الشيعة 79:13 / ح 1 ).
وربّما دَينهم جاء من عطائهم وجودهم حتّى يستوفوا، فأدّى مَن بعدَهم ذلك الدَّين وقضَوه ).
 والدَّين حق شرعي يجب قضاؤه، ولكي لا يقع أحدٌ في التوهّم والنسيان جاءت هذه الوصية في أطول آية في كتاب الله تعالى سُمِّيت بـ « آية الدَّين »، وهي قوله تعالى:  يا أيُّها الذين آمَنُوا إذا تَداينتُم بِدَينٍ إلى أجَل مُسمّى فاكتبوه..  [ سورة البقرة:282 ]، وفي بيان مَن لا يستجاب لهم، أنّ منهم: « مَن أدان رجلاً دَيناً إلى أجلٍ فلم يكتب عليه كتاباً، ولم يُشهد عليه شهوداً.. » هكذا ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ( بحار الأنوار 301:104 )، كذلك ورد عن حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: « مَن ذهب حقُّه بغير بيّنةٍ لم يُؤجَر » ( وسائل الشيعة 93:13 ).
 وقد يرد أمرٌ مبغوض في موضوع الدَّين، وهو المَطَل وتأخير أدائه بلا عذرٍ ولا اضطرار، فجاء الأمر الإلهيّ في كتاب الله عزّوجلّ:  فإنْ أمِنَ بعضُكم بعضاً فَلْيُؤدِّ الذي اؤْتُمِن أمانتَه ولْيتَّقِ اللهَ ربَّه [ سورة البقرة:283 ].
وجاء الذمّ الروائي في أحاديث شريفةٍ عديدة، منها:
ـ قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: « مَن يمطل على ذي حقٍّ حقَّه وهو يَقْدر على أدائه، فعليه كلَّ يومٍ خطيئة عشّار » ( بحار الأنوار 146:103 ـ عن: من لا يحضره الفقيه للصدوق 16:4 / ح 4968 والعشّار: آخِذُ العُشر ظلماً واغتصاباً ).
ـ وقوله صلّى الله عليه وآله أيضاً: « الدَّين على ثلاثة وجوه: رجلٌ إذا كان له فأنظر، وإذا كان عليه أعطى ولم يُماطِل، فذلك له ولا عليه. ورجلٌ إذا كان له استوفى، وإن كان عليه أوفى، فذلك لا له ولا عليه. ورجلٌ إذا كان له استوفى، وإذا كان عليه مَطل، فذلك عليه ولا له » ( الخصال:90 ـ 91 / ح 29 ـ باب الثلاثة، عنه: بحار الأنوار 147:103 ).
ـ وقوله صلّى الله عليه وآله كذلك: « مَطَلُ الغنيّ ظلم » ( مستدرك الوسائل 490:2. وأنْظَر: بمعنى أمهل وانتظر ولم يُطالِب ).
 

الذِّكر
 يكفي الذِّكرَ شرفاً وأهميّةً أنّه دعوة الله تبارك وتعالى في عشرات آياته الكريمة المباركة، وأنّه مورد الثناء والمدح والترغيب والتشويق والشرف، وهذا بعض آياته، وبعض رواياته:
 قال تعالى:  الذينَ آمَنُوا وتَطْمئنُّ قُلوبُهم بِذِكْرِ الله، ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمئنُّ القُلوب  [ سورة الرعد:28 ].
ـ  فاذْكُروني أَذْكُرْكُم واشكُروا لي ولا تَكْفُرون  [ سورة البقرة:152 ].
ـ  إنّ في خَلْقِ السماواتِ والأرضِ واختلافِ الليلِ والنهارِ لآياتِ لأُولي الألبابِ * الذينَ يَذْكرونَ اللهَ قياماً وقُعوداً وعلى جُنوبِهِم ويتفكّرونَ في خَلْقِ السماواتِ والأرض...  [ سورة آل عمران:190 ـ 191 ].
ـ  واذْكُرْ ربَّكَ في نفسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفةً ودُونَ الْجَهَرِ مِنَ القَولِ بالغُدُوِّ والآصالِ ولا تكنْ مِن الغافلين  [ سورة الأعراف:205 ].
ـ  .. ويَضرِبُ اللهُ الأمثالَ للناسِ واللهُ بِكلِّ شيءٍ عليم * في بُيوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُه يُسبِّحُ له فيها بالغُدوِّ والآصالِ * رجالٌ لا تُلْهِيهِم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذِكْرِ اللهِ وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاة..  [ سورة النور:36 ـ 37 ].
ـ  يا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُم أموالُكم ولا أولادُكم عن ذِكْرِ اللهِ، ومَن يَفعَلْ ذلك فأُولئك همُ الخاسرون  [ سورة المنافقون:9 ].
ـ  إنّ الصلاةَ تَنهى عنِ الفحشاءِ والمنكر، ولَذِكْرُ اللهِ أكبر  [ سورة العنكبوت:45 ].
ـ  يا أيُّها الذينَ آمنُوا آذكُروا اللهَ ذِكْراً كثيراً * وسَبِّحوهُ بُكْرةً وأصيلاً  [ سورة الأحزاب:41 ـ 42 ].
 وجاء عن أهل بيت العصمة والطهارة..
ـ كما عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: « إنّ ربّي أمرني أن يكون نُطقي ذِكراً، وصمتي فكراً، ونظري عِبرة » ( مشكاة الأنوار لأبي الفضل علي بن الحسن الطبرسي 125:1 / ح 277 ـ عنه: بحار الأنوار 165:93 / ح 43 ).
ـ وعن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام قوله: « الذِّكرُ لذّة المحبّين » ( غرر الحكم:18 )، « الذِّكرُ مجالسة المحبوب » ( غرر الحكم:12 ).
ـ وفي مناجاة الذاكرين، جاء عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، عليه السلام من ربّ العالمين، قوله: « وأستغفرُك مِن كلِّ لذّةٍ بغير ذِكرِك » ( بحار الأنوار 151:94 )، ومن قبلُ قال الإمام عليّ عليه السلام: « طُوبى لمَن صَمَت إلاّ بِذِكرِ الله » ( غرر الحكم:206 ).
ـ ومن دعاءٍ للإمام زين العابدين عليه السلام أيضاً: « اَللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، واجعَلْنا مِن الذين اشتغلوا بالذِّكر عن الشهوات » ( بحار الأنوار 127:94 ).
ـ وفي صحيفته السجّاديّة المباركة قال صلوات الله وسلامه عليه يذكر الله جلّ وعلا: « يا مَن ذِكرُه شرفٌ للذاكرين، ويا مَن شكرُه فَوزٌ للشاكرين، ويا مَن طاعتُه نجاةٌ للمطيعين، صَلِّ على محمّدٍ وآله، واشغَلْ قلوبَنا بذِكِرك عن كلّ ذِكر.. » ( الدعاء 11 ـ من الصحيفة السجّادية الشريفة ).