المرأة التي قُدِّر لها أن تكون زوج النبيّ وأمَّ الزهراء

كانت حراجة النبيّ صلّى الله عليه وآله عند بدء حمله رسالته كبيرة جداً.. في عصر السِّحر والكهانة والشعوذة، العصر المناسب فكرياً لتموّجاتِ الرمال الحارقة، وطيوفها المرعبة، وللسراب الفتّان، وللأرض المعقّدة، ولأسرار كون شبه الجزيرة العربية.
كان محمّد صلّى الله عليه وآله من جانبه، غريباً غربةَ إنسانٍ يولَدُ فوراً في عالَم الغابات والوحوش والعواصف والزلازل. فأتاح الله له ـ إيناساً له من العزلة ـ خير ناصر في الظرف المدلهمّ، بل في اكثر الظروف ادلهماماً.
إنّ إيمان خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وعليّ بن أبي طالب عليه السّلام هدية مباركة لرسول الله، مثلما هو هدية الله إلى الناس؛ لأنّ ذلك الإيمان حمل من الدلالات والمعاني اكبر ممّا يتوقّعه أحدٌ من الإيمان المجرّد.

* * *

حين آمنت خديجة لم تكن متضامنة مع الزوج، وهي أعلم بصدقه، وأمانته، وشجاعته النادرة، وقد قالت له ذلك: « أبشِرْ يا ابنَ عمّ واثبُتْ، فوالذي نفسُ خديجةَ بيده إني لأرجو أن تكون نبيَّ هذه الأمة. واللهِ لا يُخزيكَ اللهُ أبداً؛ إنك لَتصِلُ الرَّحِم، وتَصدُق الحديث، وتَحمل الكَلّ، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ ».
لقد كان إيمانها اكبر من موضوعة التضامن الزوجيّ بما لا يقاس. لقد تَحدّتْ وضعها الطبقيّ ووضعَ أُسرتها وقومها، ورفضت عالَم الأصنام وسلطةَ أهله، فهي ـ بهذا المعنى ـ أعطت صورة خالدة، صورة المرأة الفذّة المبرهِنة على أن المرأة قادرة على العطاء، والمقاومة، والتحدّي، والكفاح، وإبداء ضروب الشجاعة والبطولة، في زمن ساد فيه وأدُ البنات، في زمن عُدَّت المرأةُ فيه عاراً أو شِبه عار، فيما إذا نَطَق حساب الأخلاق والأرزاق!
وهذا هو الإيمان المحض، الإيمان الفوري. إنه لغة الروح التي احتوت بذور الإيمان الكامنة حتّى أطلقتها الدعوةُ السريّة.
وظلّت خديجة المؤمنة الشجاعة المتفانية المضحّية.. سنداً وعوناً للنبيّ صلّى الله عليه وآله. وشاء الله أن يكافئها المكافأة الجديرة بها، إذ إنّها بعد أن فقدت قبل البعثة ولدَيها من رسول الله، وهما ( القاسم والطاهر ).. فانّ ذرية رسول الله لم يَبقَ منها غيرُ فاطمة ابنة خديجة.. وفاطمة سلام الله عليها هي التي حَفِظَت سلالةَ النبيّ بولدَيها الحسن والحسين ابنَي عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.. أهلَ البيت، وأُسرةَ النبيّ، وعَقِبه الذي لا عقب له سواه.
ولم يكن الإرث إرث السُّلالة والحسب والنسب فحسب، بل هو إرث الرسالة الإلهية ودين التوحيد، مقترناً بهم إلى يوم الدين.