شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

ليلة القدر ليلة نزول القرآن - أبعاد وأهداف

0 المشاركات 00.0 / 5

قال الله تعالى في بيان عظمة ليلة القدر وجلالة قدرها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} القدر: 1-5.
القَدْر في اللّغة هو مبلغ كلّ شيء، ويأتي أيضاً بمعنى ما يقدّره الله تعالى من القضاء. [معجم المقاييس اللغة : ص877 ، مادة «قدر»]، وفي الاصطلاح بمعنى التقدير. وليلة القدر هي ليلة «يقدّر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل من حياة وموت ورزق وسعادة وشقاء وغير ذلك» [الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص331]. ولليلة القدر من جهة مساسها بحياة الإنسان الدنيوية والأخروية بشكل مباشر وفي مجالات عدّة، أبعاد يمكن تلخيصها بما يلي:
1- البُعد القرآني: وهو اختصاصها بنزول القرآن دون غيرها من اللّيالي الأخرى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ حيث إنّ الهاء في {إنا أنزلناه} كناية عن القرآن، وإن لم يجر له ذكر ، لأنه لا يشتبه الحال فيه [تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: ج10، ص405]، فالقرآن الكريم نزل فيها نزولاً دفعيّاً، ويؤيده التعبير بالإنزال الظاهر في اعتبار الدفعة دون التنزيل الظاهر في التدريج [انظر: الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: ج20، ص330]. ويتجلّى هذا الارتباط في العديد من المجالات القرآنية، منها:
أ- تلاوة القرآن الكريم وحفظه: وهذا ما أكّد عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) في بدء الدعوة الإسلامية، حيث ساعد على نشر الدعوة الإسلامية ومفاهيمها الراقية، ولما يتمتّع به القرآن من الاعجاز البلاغي، فقد روي أنّ الوليد بن المغيرة مرّ بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو يقرأ حم السجدة، فأتى قومه وقال: قد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس والجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو ولا يعلى، فقال قريش: صبأ الوليد. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 9، 167].
ب – التدبّر في معاني آيات القرآن: إنّ تلاوة القرآن بلا تدبّر وتفهّم بمثابة الاهتمام بالقشور وترك اللّباب، وهو خلاف ما دعى إليه الله عزّ وجلّ وحثّ عليه، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} سورة محمد : 24.
ج- تطبيق مفاهيم القرآن ومعطياته على الواقع العملي: وذلك لأن نزوله كان لأجل هداية الناس للتي هي أقوم {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ...} سورة الإسراء : 9 .
2- البُعد العقدي: وهو على أنحاء مرتبط بعضها ببعض:
أ- الإيمان بتنزّل الملائكة والروح في مثل هذه اللّيلة المباركة بأمر ربّهم كل عام ـ غير الوحي ـ والتركيز على أمر الربوبية وتدبير العالم {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} و«تَنَزَّلُ» فعل مضارع يدل على الاستمرار (والأصل تتنزل) ممّا يدل على أنّ‏ ليلة القدر لم تكن خاصّة بزمن النّبي (صلى اللّه عليه وآله) ونزول القرآن، بل هي ليلة تتكرر في كل عام باستمرار [تفسير الأمثل، ج‏20، ص:343- 344].
ب- الإيمان بوجود مَن تتنزّل عليه الملائكة والروح كلّ عام. فمَن هو المُتَنَزَّل عليه هذا الزمان؟ فلابد من أن يكون في مأمن عن كلّ خطأ ومعصية في الماضي والحاضر، فالله تعالى لا ينزّل ملائكته وأمره على من يجوز عليه ذلك مع قدرته على أن يجعل معصوماً في هذه الأمّة يخصّة بتلك المنزلة الرفيعة، فعهده تعالى لا ينال الظالمين لقوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} سورة البقرة : 124. ولا يوجد مصداق في هذا الزمان تنطبق عليه هذه الصفات إلا الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه) وقد أجمع المسلمون على ظهوره آخر الزمان وأنّه يملأ الدنيا عدلاً كما جوراً. [انظر: المعجم الكبير للطبراني: ج3، ص58، ط2، دار إحياء التراث العربي].
ج- مَن هم معصومو هذه الأمّة؟ إنّ القرآن الكريم أخبرنا صريحاً عن وجود مَن هو معصوم عن جميع أنواع الظلم في الأمّة الإسلامية؛ وهم أهل البيت (عليهم السلام) الذين طهّرهم الله تعالى وهم النبي (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين و تسعة من ذرية الحسين (عليهم السلام)، خاتمهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} سورة الأحزاب : 33. وأوصى بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) ونصّ عليهم بأسمائهم [ينابيع المودة لذي القربى للقندوزي: ج3، 282، ط1].
وعن أم سلمة أن النبي (صلى الله عليه وآله) حينما نزلت هذه الآية الكريمة كان معه فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) وكان مع كساء فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وكرّرها أخرى. قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله قال إنك إلى خير انك إلى خير [انظر: مسند أحمد: ج6، ص292، ونحوه المستدرك للحاكم النيسابوري: ج2، 416 وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه] ومعلوم أنّ المعصوم والمطهّر عن الذنوب والمعاصي أولى من غيره في أن تتنزّل عليه الملائكة والروح.
3- البُعد التربوي:
في قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}: السلامة يُراد منها بمعناها المطلق السلامة من العاهات الظاهرة والباطنة [المفردات: 239] «فيكون قوله: {سلام هي} إشارة إلى العناية الإلهية بشمول الرحمة لعباده المقبلين إليه وسد باب نقمة جديدة تختص بالليلة ويلزمه بالطبع وهن كيد الشياطين كما أشير إليه في بعض الروايات» [الميزان: ج20، 333]. وهذا المعنى يستبطن كثيراً من المفاهيم التربوية والنفسية التي منها:
أ- محاسبة النفس والاعتراف بالذنب أمام الله تعالى مع استحضار رحمته الواسعة وإمكانية التجاوز والصفح.
ب- إعطاء طاقة ودافعية للنفس، وهذا الأمر مهمّ للإنسان لكي يفتتح الأيام المقبلة من السنة من غير معصية، فيقدم على العمل بنيّة وعزيمة قويّتين وطهارة القلب وإيصاله إلى حالة من الخشوع والحضور وهو في ماثل بين يدي الله تعالى، باستحضار الأجر العظيم والمنازل الرفيعة للمطيعين، فهذه الليلة هي {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} هذا كلّه يعطي للإنسان اندفاعاً قويّاً نحو الإصلاح وإضمار الخير وإدخال نفسه في زمرة المؤمنين.
ج- تجديد العهد. فالعبد يسعى جاهداً على تجديد عهده بالبقاء على طاعات الله سبحانه وترك معاصيه ونواهيه، خصوصاً وإنّ هذه الأجواء الشفافة والطاهرة لا تدع مجالاً للتفكير في المعصية والميل إلى الانحراف في الحال والاستقبال.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية