ولادة الإمام الحسن بن علي المجتبى(عليهما السلام) في الخامس عشر من شهر رمضان سنة 3 للهجرة

ولادته عليه السلام
عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنّه قال: " لما ولدت فاطمة الحسن (عليه السلام) قالت لعلي (عليه السلام): سمّه. فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله. فجاء رسول الله (صلى الله وعليه وآله)، فأُخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء. ثمّ رمى بها، وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها، ثم قال لعلي (عليه السلام): هل سميته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه ؟ فقال (صلى الله وعليه وآله): وما كنت لأسبق باسمه ربي عزّ وجل. فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنّه قد وُلد لمحمد ابن فاهبط وأقرئه السلام وهنئه ، وقل له : إنّ عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون.
فهبط جبرئيل (عليه السلام) فهنّأه من الله عزّ وجل، ثم قال: إنّ الله عزّ وجل يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه ؟ قال: شبّر. قال: لساني عربي. قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن " .
ولد الإمام الحسن (ع) بالمدينة المنورة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة وجئ به الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اللّهم إني أعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وسماه حسنا، وعق عنه كبشاً.
 سماه جده النبي(صلى الله عليه واله ) حسنا بعد ان نزل عليه الوحي بتسميته وامر بختانه يوم السابع لولادته. وتصدق عنه .
 وكان الامام الحسن (عليه السلام) أبيض، مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، رقيق المشربة، كث اللحية، ذا وفرة، وكأن عنقه ابريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة، ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن.
ويقول واصل بن عطاء: " كان للحسن بن علي (عليهما السلام) سيماء الأنبياء، وبهاء الملوك، ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل ما بلغ الحسن.
 كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس على البساط انقطع الطريق، فما مرَّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا قام ودخل بيته مرّ الناس واجتازوا، لقد رأيته في طريق مكة ماشيا، فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى.

كنيته : أبو محمد .
  ألقابه : المجتبى ، الزكي ، الناصح ، الولي ، السبط الأكبر ، سيد شباب أهل الجنة ، السيد ، وغيرها.
مدة عمره : ( 47 ) أو ( 48 ) سنة أمضى ( 7 ) سنين و أشهرا منها مع جده الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و ( 37 ) منها مع أبيه ، و بقي بعد أبيه ( 10 ) سنوات . مدة إمامته : ( 10 ) سنوات ، أي من يوم ( 21 ) شهر رمضان المبارك سنة (40 ) هجرية و حتى يوم ( 28 ) شهر صفر سنة ( 50 ) هجرية .
ونشأ الإمام الحسن (عليه السلام) في ظلّ الأُسرة النبوية، وتغذّى بطباعها وأخلاقها، وكان رسول الله (صلى الله وعليه وآله) هو المربي الأول للإمام (عليه السلام)، وكان كثير الاهتمام به، ولطالما أكّد (صلى الله وعليه وآله) على محبته ومحبة أخيه شهيد كربلاء، وهذا ما رواه السنة والشيعة، فعن أبي هريرة عن النبي (صلى الله وعليه وآله) أنّه قال: من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وقال النبي الخاتم (صلى الله وعليه وآله) عنه وعن أخيه أيضا: " من أحب الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله
قال تعالى : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
فهو من أهل البيت اصحاب الطهر الذين نزلت فيهم هذه الاية .
 وهو من الذين امر الله بمودتهم  قال تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
وكان احد الاربعة الذين باهل بهم النبي الكريم نصارى نجران. وفقد قال الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :ـ اما الحسن فله هيبتي و سؤددي .
النص على إمامته صلوات الله عليه
عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين (عليه السلام ) حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السلام)وأشهد على وصيته الحسين (عليه السلام) ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : يا بني ، أمرني رسول الله (صلى الله عليه واله) أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي ودفع إلي كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين.
 ثم أقبل على ابنه الحسين ( عليه السلام) فقال : وأمرك رسول الله (صلى الله عليه واله) أن تدفعها إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال : وأمرك رسول الله (صلى الله عليه واله) أن تدفعها إلى ابنك محمد ابن علي ، واقرأه من رسول الله ومني السلام..
وأن عليا (عليه السلام) لما سار إلى الكوفة استودع أم سلمة رضي الله عنها كتبه والوصية ، فلما رجع الحسن (عليه السلام) دفعتها إليه .
وقد وجدنا الحسن بن علي (عليهما السلام) قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه الناس على أنه الخليفة والإمام ، فقد روى جماعة من أهل التاريخ : أنه (عليه السلام) خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه واله ) ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه واله) فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله (صلى الله عليه واله ) يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، فلا يرجع حتى يفتح الله تعالى على يديه ، ولقد توفي (عليه السلام) في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ، وفيها قبض يوشع بن نون ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.
ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه ، ثم قال: أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) فالحسنة مودتنا أهل البيت.. ثم جلس
فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال : يا معاشر الناس ، هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه . فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة .
وكان الإمام الحسن (عليه السلام ) يفضل ان يكتب له المحتاجون حاجتهم في ورقة فسُإل عن ذلك فأجابهم انه لا يريد للسائلين ان يريقوا ماء وجههم ، ليحفظ كرامتهم.
 ومن كرمه ان جماعة من الأنصار ارادوا بيع بستان لهم فاشتراها ، وبعد مدة اصيبوا بضائقة مالية شديدة فردها لهم بدون مقابل.
وكان الحجيج يهابونه وينزلون عن رواحلهم احتراما له ويسيرون معه على الاقدام ، حتى اضطر ان يجانب الطريق العام المؤدي الى مكة لعدم إحراجهم.
مكارم أخلاقه وعلمه وفضله وشرفه
1-عن المفضل بن عمر قال: قال الصادق (عليه السلام): حدثني أبي، عن أبيه (عليهما السلام) أن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم و كان إذا حج حج ماشيا وربما مشى حافيا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عزوجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار.
وكان (عليه السلام) لايقرء من كتاب الله عزوجل " يا أيها الذين آمنوا " إلا قال:
لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شئ من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقا.
 ولقد قيل لمعاوية ذات يوم: لو أمرت الحسن بن علي بن أبي طالب فصعد المنبر فخطب ليتبين للناس نقصه، فدعاه فقال له: اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها.
 فقام (عليه السلام) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب، وابن سيدة النسآء فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) أنا ابن خير خلق الله أنا ابن رسول الله (صلى الله عليه واله)، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، أنا ابن أميرالمؤمنين، أنا المدفوع عن حقي، أنا وأخي الحسين سيدا شباب أهل الجنة أنا ابن الركن والمقام أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات.
فقال له معاوية: يا أبا محمد خذ في نعت الرطب ودع هذا!!
 فقال (عليه السلام): الريح تنفخه، والحرور ينضجه، والبرد يطيبه، ثم عاد (عليه السلام) في كلامه فقال:
أنا إمام خلق الله، وابن محمد رسول الله. فخشي معاوية أن يتكلم بعد ذلك بما يفتتن به الناس، فقال: يا أبا محمد انزل فقد كفى ماجرى، فنزل.
2 - عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: لما حضرت الحسن بن علي بن أبيطالب الوفاة بكى فقيل له: ياابن رسول الله أتبكي ومكانك من رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي أنت به؟ وقد قال فيك رسول الله (صلى الله عليه واله) ماقال؟ وقد حججت عشرين حجة ماشيا؟ وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى النعل والنعل؟
فقال (عليه السلام): إنما أبكي لخصلتين: لهول المطلع وفراق الاحبة.
ايضاح: قال الجزري: هول المطلع، يريد به الموقف يوم القيامة أو مايشرف عليه من أمر الاخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال.
3 - عن ابن بكير قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): بلغنا أن الحسن بن علي (عليهما السلام) حج عشرين حجة ماشيا؟ قال: إن الحسن بن علي (عليهما السلام) حج ويساق معه المحامل والرحال.
4 - عن يونس، عمن حدثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن رجلا مر بعثمان بن عفان وهو قاعد على باب المسجد فسأله فامر له بخمسة دراهم فقال له الرجل: أرشدني. فقال له عثمان: دونك الفتية الذين ترى وأومأ بيده إلى ناحية من المسجد فيها الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر (عليهم السلام).
فمضى الرجل نحوهم حتى سلم عليهم وسألهم فقال له الحسن (عليه السلام): ياهذا إن المسألة لا تحل إلا في إحدى ثلاث: دم مفجع، أودين مقرح، أو فقر مدقع ففي أيها تسأل؟
 فقال: في وجه من هذه الثلاث، فأمر له الحسن (عليه السلام) بخمسين دينارا وأمر له الحسين (عليه السلام) بتسعة وأربعين دينارا، وأمر له عبدالله بن جعفر بثمانية وأربعين دينارا.
فانصرف الرجل فمر بعثمان فقال له: ما صنعت؟ فقال مررت بك فسألتك فأمرت لي بما أمرت، ولم تسألني فيما أسأل، وإن صاحب الوفرة لما سألته قال لي: ياهذا فيما تسأل، فان المسألة لا تحل إلا في إحدى ثلاث فأخبرته بالوجه الذي أسأله من الثلاثة، فأعطاني خمسين دينارا وأعطاني الثاني تسعة وأربعين دينارا وأعطاني الثالث ثمانية وأربعين دينارا فقال عثمان: ومن لك بمثل هؤلاء الفتية اولئك فطموا العلم فطما وحازوا الخير والحكمة.
 قال الصدوق - رحمه الله - معنى قوله: فطموا العلم فطما أي قطعوه عن غيرهم قطعا وجمعوه لانفسهم جمعا.
بيان: الوفرة الشعرة إلى شحمة الاذن، ويمكن أن يقرأ فُطِموا على بناء المجهول أي فُطِموا بالعلم على الحذف والايصال.
5 - عن حذيفة بن اليمان قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه واله) في جبل أظنه حرى أو غيره ومعه أبوبكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام) وجماعة من المهاجرين والانصار وأنس حاضر لهذا الحديث وحذيفة يحدث به إذ أقبل الحسن بن علي (عليهما السلام) يمشي على هدوء ووقار فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه واله) وقال: إن جبرئيل يهديه، وميكائيل يسدده، وهو ولدي والطاهر من نفسي، وضلع من أضلاعي، هذا سبطي، وقرة عيني، بأبي هو.
فقام رسول الله (صلى الله عليه واله) وقمنا معه وهو يقول له: أنت تفاحتي، وأنت حبيبي ومهجة قلبي وأخذ بيده فمشى معه ونحن نمشي حتى جلس وجلسنا حوله ننظر إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو لايرفع بصره عنه، ثم قال: [أما] إنه سيكون بعدي هاديا مهديا، هذا هدية من رب العالمين لي، ينبئ عني، ويعرف الناس آثاري، ويحيي سنتي، ويتولى اموري في فعله، ينظر الله إليه فيرحمه، رحم الله من عرف له ذلك، وبرّني فيه، وأكرمني فيه.
فما قطع رسول الله (صلى الله عليه واله) كلامه حتى أقبل إلينا أعرابي يجر هراوة له فلما نظر رسول الله (صلى الله عليه واله) إليه قال: قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم، وإنه يسألكم من امور، إن لكلامه جفوة.
 فجاء الاعرابي فلم يسلم وقال: أيكم محمد؟ قلنا: وما تريد؟ قال رسول الله (صلى الله عليه واله): مهلا، فقال: يامحمد لقد كنت ابغضك ولم أرك والان فقد ازددت لك بغضا.
قال: فتبسم رسول الله (صلى الله عليه واله) وغضبنا لذلك وأردنا بالاعرابي إرادة فأومأ إلينا رسول الله أن: اسكتوا! فقال الاعرابي: يامحمد إنك تزعم أنك نبي وإنك قد كذبت على الانبياء وما معك من برهانك شئ قال له: يا أعرابي ومايدريك؟
قال: فخبرني ببرهانك قال: إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد لبرهاني قال: أوَ يتكلم العضو؟ قال: نعم، ياحسن قم! فازدرى الاعرابي نفسه وقال: هو ما يأتي ويقيم صبيا ليكلمني!
 قال: إنك ستجده عالما بما تريد فابتدره الحسن (عليه السلام) وقال: مهلا يا أعرابي.
ما غبيا سألت وابن غبي * بل فقيها إذن وأنت الجهول
فان تك قد جهلت فان عندي * شفاء الجهل ما سأل السؤل
وبحرا لا تقسمه الدوالي * تراثا كان أورثه الرسول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن إنشاء الله فتبسم الاعرابي وقال: هيه .
 فقال له الحسن (عليه السلام): نعم اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ماجرى بينكم على جهل وخرق منكم، فزعمتم أن محمدا صنبور (أى أبتر لاعقب له) والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثاره، وزعمت أنك قاتله وكان في قومك مؤنته، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك، وأبيت إلا ذلك فأتيتنا خوفا من أن يشتهر وإنك إنما جئت بخير يراد بك.
انبئك عن سفرك: خرجت في ليلة ضحياء إذ عصفت ريح شديدة اشتد منها ظلماؤها، وأطلّت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت محرنجما كالاشقر، إن تقدم نحر وإن تأخر عقر،  لاتسمع لواطئ حسا، ولا لنافخ نار جرسا، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها. فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجة، وتهبط لجة، في ديمومة قفر بعيدة القعر، مجحفة بالسفر، إذا علوت مصعدا ازددت بعدا، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرت عينك، وظهر رينك، وذهب أنينك.
قال: من أين قلت يا غلام هذا؟ كأنك كشفت عن سويد قلبي، ولقد كنت كأنك شاهدتني، وما خفي عليك شئ من أمري وكأنه علم الغيب.
 فقال له: ما الاسلام؟
فقال الحسن (عليه السلام): الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فأسلم وحسن إسلامه، وعلمه رسول الله (صلى الله عليه واله) شيئا من القرآن فقال: يارسول الله أرجع إلى قومي فاعرفهم ذلك؟ فأذن له، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخلوا في الاسلام فكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (عليه السلام) قالوا: لقد اعطي مالم يعط أحد من الناس.
6 - عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: كتب إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) قوم من أصحابه يعزونه عن ابنة له، فكتب إليهم: أما بعد فقد بلغني كتابكم تعزوني بفلانة، فعند الله أحتسبها تسليما لقضائه، وصبرا على بلائه، فان أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النوائب بالاحبة المألوفة التي كانت بنا حفية، والاخوان المحبين الذين كان يسر بهم الناظرون، وتقرُّ بهم العيون.
أضحوا قد أخترمتهم الايام، ونزل بهم الحمام، فخلفوا الخلوف، وأودت بهم الحتوف، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلة التجاور، ولا صلاة بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها إخوانها، فلم أر مثل دارها دارا، ولا مثل قرارها قرارا، في بيوت موحشة، وحلول مضجعة، قد صارت في تلك الديار الموحشة، وخرجت عن دار المونسة، ففارقتها من غير قلى، فاستودعتها للبلى، وكانت أمة مملوكة، سلكت سبيلا مسلوكة، صار إليها الاولون، وسيصيرإليها الاخرون والسلام.
7- أبوالسعادات في الفضائل أنه أملا الشيخ أبوالفتوح في مدرسة الناجية: إن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي امه فيلقي إليها ما حفظه، وكلما دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علما بالتنزيل فيسألها عن ذلك فقالت: من ولدك الحسن، فتخفّى يوما في الدار، وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتج عليه، فعجبت امه من ذلك فقال:
لا تعجبين يا اماه فان كبيرا يسمعني، فاستماعه قد أوقفني، فخرج علي (عليه السلام) فقبله، وفي رواية: يا اماه قل بياني، وكلَّ لساني، لعلَّ سيدا يرعاني.
8 - قب: قيل للحسن بن علي (عليهما السلام) إن فيك عظمة، قال: بل في عزة قال الله تعالى " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " .
وقال واصل بن عطاء: كان الحسن بن علي (عليهما السلام) عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك .
 9 -  أما زهده (عليه السلام) فقد جاء في روضة الواعظين أن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان إذا توضأ ارتعدت مفاصله، واصفر لونه، فقيل له في ذلك فقال: حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه، وترتعد مفاصلة.
وكان (عليه السلام) إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول: إلهي ضيفك ببابك يا محسن قد أتاك المسيئ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، ياكريم.
10- قال الإمام الصادق (عليه السلام): إن الحسن بن علي (عليهما السلام) حج خمسة وعشرين حجة ماشيا وقاسم الهإ تعالى ماله مرتين،
وفي خبر: قاسم ربه ثلاث مرات وحج عشرين حجة على قدميه.
وروى أبونعيم في حلية الاولياء بالاسناد عن القاسم بن عبدالرحمن، عن محمد بن علي (عليهما السلام) قال الحسن (عليه السلام): إني لاستحيي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه.
وفي كتابه بالاسناد عن شهاب بن عامر أن الحسن بن علي (عليهما السلام) قاسم الله تعالى ماله مرتين حتى تصدق بفرد نعله.
وروى عبدالله بن عمر ابن عباس قال: لما اصيب معاوية قال: ما آسى على شئ إلا على أن أحج ماشيا ولقد حج الحسن بن علي عليهما السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه، وقد قاسم الله مرتين حتى أنه كان ليعطي النعل ويمسك النعل، ويعطي الخف ويمسك الخف.
بيان: أسي على مصيبة بالكسر يأسى أسى أي حزن.
من سخائه (عليه السلام)
1 -  روي أنه سأل الحسنَ بن علي (عليهما السلام) رجل فأعطاه خمسين ألف درهم وخمس مائة دينار، وقال: ائت بحمال يحمل لك فأتى بحملا فأعطى طيلسانه فقال: هذا كرى الحمال.
2- وجاءه بعض الاعراب فقال: أعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف دينار فدفعها إلى الاعرابي فقال الاعرابي: يامولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي فأنشأ الحسن (عليه السلام):
نحن اناس نوالنا خضل * يرتع فيه الرجاء والامل
تجود قبل السؤال أنفسنا * خوفا على ماء وجه من يسل
لوعلم البحر فضل نائلنا * لغاض من بعد فيضه خجل
3- وروى أبوجعفر المدائني في حديث طويل: خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجا ففاتهم أثقالهم، فجاعوا وعطشوا، فرأوا في بعض الشعوب خباء رثا وعجوزا فاستسقوها فقالت: اطلبوا هذه الشويهة، ففعلوا واستطعموها فقالت: ليس إلا هي فليقم أحدكم فليذبحها حتى أصنع لكم طعاما فذبحها أحدهم ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا وقيّلوا عندها، فلما نهضوا قالوا لها: نحن نفرمن قريش نريد هذا الوجه، فإذا انصرفنا وعدنا فالممي بنا فإنا صانعون بك خيرا، ثم رحلوا.
فلما جاء زوجها وعرف الحال أوجعها ضربا ثم مضت الايام فأضرّت بها الحال فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فبصربها الحسن (عليه السلام) فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دينار، وبعث معها رسولا إلى الحسين (عليه السلام) فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبدالله ابن جعفر فأعطاها مثل ذلك.
4- وسمع (عليه السلام) رجلا إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم.
5- ودخل عليه جماعة وهو يأكل فسلموا وقعدوا فقال (عليه السلام) هلموا فانما وضع الطعام ليؤكل.
6- وقال أنس: حيت جارية للحسن بن علي (عليه السلام) بطاقة ريحان فقال لها: أنت حرة لوجه الله . فقلت له في ذلك فقال: أدبنا الله تعالى: فقال: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها " وكان أحسن منها إعتاقها.
وللحسن بن علي (عليه السلام):
إن السخاء على العباد فريضة * لله يقرأ في كتاب محكم
وعد العباد الاسخياء جنانه * وأعد للبخلاء نار جهنم
من كان لاتندى يداه بنائل * للراغبين فليس ذاك بمسلم
7- المبرد في الكامل: قال مروان بن الحكم: إني مشغوف ببغلة الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك تقضي لي ثلاثين حاجة؟ قال: نعم، قال: إذا اجتمع القوم فاني آخذ في مآثر قريش وأمسك عن مآثر الحسن فلمني على ذلك.
فلما حضر القوم أخذ في أولية قريش، فقال مروان: ألا تذكر أولية أبي محمد وله في هذا ما ليس لاحد، قال: إنما كنا في ذكر الاشراف، ولو كنا في ذكر الانبياء لقدّمنا ذكره.
فلما خرج الحسن (عليه السلام) ليركب، اتبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن وتبسم: ألك حاجة؟ قال: نعم ركوب البغلة، فنزل الحسن (عليه السلام) ودفعها إليه.
والمثل المعروف: إن الكريم إذا خادعته انخدعا.
8- ومن حلمه ماروى المبرد وابن عائشة أن شاميا رآه راكبا فجعل يلعنه والحسن لايرد فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك فقال: أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنياك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لان لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا.
فلما سمع الرجل كلامه، بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليَّ، والان أنت أحب خلق الله إلي وحول إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدا لمحبتهم.
9- دعا أميرالمؤمنين (عليه السلام) محمد بن الحنفية يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له:
اقصد بهذا الرمح قصد الجمل، فذهب فمنعوه بنوضبة فلما رجع إلى والده انتزع الحسن رمحه من يده، وقصد قصد الجمل، وطعنه برمحه، ورجع إلى والده، وعلى رمحه أثر الدم، فتمغر وجه محمد من ذلك فقال أميرالمؤمنين: لا تأنف فانه ابن النبي وأنت ابن علي.
بيان: تمغر وجهه: احمر مع كدورة، وأنف منه: استنكف.
10- طاف الحسن بن علي (عليه السلام) بالبيت فسمع رجلا يقول: هذا ابن فاطمة الزهراء، فالتفت إليه فقال: قل علي بن أبي طالب فأبي خير من امي.
11- قال كمال الدين ابن طلحة: روى أبوالحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الوسيط مايرفعه بسنده أن رجلا قال: دخلت مسجد المدينة فاذا أنا برجل يحدّث عن رسول الله (صلى الله عليه واله) والناس حوله، فقلت له: أخبرني عن " شاهد ومشهود " (البروج: 3) فقال: نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم عرفة فجزته إلى آخر يحدث فقلت: أخبرني عن " شاهد ومشهود " فقال: نعم أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار، وهو يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه واله) فقلت: أخبرني عن " شاهد ومشهود " فقال: نعم أما الشاهد فمحمد (صلى الله عليه واله) وأما المشهود فيوم القيامة أما سمعته يقول: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " (الاحزاب: 45) وقال تعالى: " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " (هود: 104).
فسألت عن الاول فقالوا: ابن عباس، وسألت عن الثاني فقالوا: ابن عمر، وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي بن أبي طالب وكان قول الحسن أحسن.
12- ونقل أنه (عليه السلام) اغتسل وخرج من داره في حلة فاخرة، وبزة طاهرة، ومحاسن سافرة، وقسمات ظاهرة، ونفخات ناشرة، ووجهة يشرق حسنا، وشكله قد كمل صورة ومعنى، والاقبال يلوح من أعطافه، ونضرة النعيم تعرف في أطرافه، وقاضي القدر قد حكم أن السعادة من أوصافه، ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف، وسار مكتنفا من حاشيته وغاشيته بصفوف، فلو شاهده عبد مناف لارغم بمفاخرته به معاطس انوف، وعده وآباءه وجده في إحراز خصل الفخار يوم التفاخر بالوف.
فعرض له في طريقه من محاويج اليهود هم في هدم قد أنهكته العلة، وارتكبته الذلة، وأهلكته القلة، وجلدة يستر عظامه وضعفه يقيد أقدامه، وضره قد ملك زمامه، وسوء حاله قد حبب إليه حمامه، وشمس الظهيرة تشوي شواه، وأخمصه يصافح ثرى ممشاه، وعذاب عرعريه قد عراه، وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه وهو حامل جر مملوء ماء على مطاه، وحاله تعطف عليه القلوب القاسية عند مرآه.
فاستوقف الحسن (عليه السلام) وقال: يا ابن رسول الله: أنصفني، فقال (عليه السلام): في أي شئ؟ فقال: جدك يقول: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " وأنت مؤمن وأنا كافر فما أرى الدنيا إلا جنة تتنعم بها، وتستلذ بها، وما أراها إلا سجنا لي قد أهلكني ضرها، وأتلفني فقرها.
فلما سمع الحسن (عليه السلام) كلامه أشرق عليه نور التأييد، واستخرج الجواب بفهمه من خزانة علمه، وأوضح لليهودي خطاء ظنه وخطل زعمه، وقال: ياشيخ لو نظرت إلى ما أعد الله لي وللمؤمنين في الدار الاخرة مما لاعين رأت، ولا اذن سمعت، لعلمت أني قبل انتقالي إليه في هذه الدنيا في سجن ضنك، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في الدار الاخرة من سعير نار الجحيم، ونكال العذاب المقيم، لرأيت أنك قبل مصيرك إليه الان في جنة واسعة، ونعمة جامعة.
13- قيل: وقف رجل على الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال: ياابن أميرالمؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ما تليها منه بشفيع منك إليه، بل إنعاما منه عليك، إلا ما أنصفتني من خصمي فانه غشوم ظلوم، لا يوقر الشيخ الكبير، ولايرحم الطفل الصغير، وكان متكئا فاستوى جالسا وقال له: من خصمك حتى أنتصف لك منه؟ فقال له: الفقر!
 فأطرق (عليه السلام) ساعة ثم رفع رأسه إلى خادمه وقال له: أحضر ما عندك من موجود، فأحضر خمسة آلاف درهم فقال: ادفعها إليه، ثم قال له: بحق هذه الاقسام التي أقسمت بها علي متى أتاك خصمك جائرا إلا ما أتيتني منه متظلما.
مكارم أخلاقه وعلمه وفضله وشرفه
1 -  ومنها أن رجلا جاء إليه (عليه السلام) وسأله حاجة فقال له: يا هذا حق سؤالك يعظم لدي، ومعرفتي بما يجب لك يكبر لدي، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله عزوجل قليل، ومافي ملكي وفاء لشكرك، فان قبلت الميسور، ورفعت عني مؤنة الاحتفال والاهتمام بما أتكلفه من واجبك فعلت.
2- وأتاه رجل فقال: إن فلانا يقع فيك فقال: ألقيتني في تعب اريد الان أن أستغفر الله لي وله.
3- من بعض كتب المناقب المعتبرة بإسناده عن نجيح قال: رأيت الحسن ابن علي (عليهما السلام) يأكل وبين يديه كلب كلما أكل لقمة طرح للكلب مثلها فقلت له:
ياابن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟ قال: دعه إني لاستحيي من الله عزوجل أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل ثم لا اطعمه.
4- وذكر الثقة: أن مروان بن الحكم عليه اللعنة شتم الحسن بن علي (عليهما السلام) فلما فرغ قال الحسن: إني والله لا أمحو عنك شيئا ولكن مهدك الله فلئن كنت صادقا فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذبا فجزاك الله بكذبك والله أشد نقمة مني.
5- وروي أن غلاما له (عليه السلام) جنى جناية توجب العقاب فأمر به أن يضرب فقال:
يامولاي " والعافين عن الناس " قال: عفوت عنك، قال: يا مولاي " والله يحب المحسنين " قال: أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت اعطيك.
6- القاضي النعمان في شرح الاخبار بالاسناد، عن عبادة بن الصامت ورواه جماعة، عن غيره أنه سأل أعرابي أبابكر فقال: إني أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم فما يجب علي؟ فقال له: يا أعرابي أشكلت علي في قضيتك، فدله على عمر، ودله عمر على عبدالرحمان فلما عجزوا قالوا: عليك بالاصلع فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام): سل أي الغلامين شئت، فقال الحسن: يا أعرابي ألك إبل؟ قال: نعم، قال: فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقا فاضربهن بالفحول
فما فضل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حججت إليه، فقال أميرالمؤمنين: إن من النوق السلوب، ومنها مايزلق، فقال: إن يكن من النوق السلوب وما يزلق فان من البيض مايمرق، قال: فسمع صوت معاشرالناس: إن الذي فهم هذا الغلام هو الذي فهمها سليمان بن داود.
7- محمد بن سيرين أن عليا (عليه السلام) قال لابنه الحسن: أجمع الناس فاجتمعوا .
فأقبل فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال: أيها الناس إن الله اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه، وأنزل علينا كتابه ووحيه، وأيم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئا إلا انتقصه الله من حقه في عاجل دنياه وآخرته، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة، ولتعلمن نبأه بعد حين.
ثم نزل فجمع بالناس، وبلغ أباه، فقبل بين عينيه ثم قال: بأبي وامي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
8- كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث: عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن أول قطرة دم وقعت على الارض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة، فلم يعلم ذلك، فاستغاث بالحسن بن علي (عليهما السلام) فقال: ظهر الكعبة، ودم حوا، وأرض البحر حين ضربه موسى.
وعنه (عليه السلام) في جواب ملك الروم: مالا قبلة له فهي الكعبة، ومالا قرابة له فهو الرب تعالى.
9- وسأل شامي الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: كم بين الحق والباطل؟
 فقال: أربع أصابع: فما رأيت بعينك فهو الحق وقد تسمع باذنيك باطلا كثيرا،
 وقال:كم بين الايمان واليقين؟ فقال: أربع أصابع: الايمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه.
 قال: وكم بين السماء والارض؟ قال: دعوة المظلوم، ومد البصر،
 قال: كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس.
 10- قيل: طعن أقوام من أهل الكوفة في الحسن بن علي (عليهما السلام) فقالوا:
إنه عي لا يقوم بحجة، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فدعا الحسن فقال: ياابن رسول الله إن أهل الكوفة قد قالوا فيك مقالة أكرهها؟ قال: وما يقولون ياأميرالمؤمنين؟
قال: يقولون: إن الحسن بن علي عي اللسان لايقوم بحجة، وإن هذه الاعواد فأخبر الناس فقال: ياأميرالمؤمنين لا أستطيع الكلام وأنا أنظر إليك، فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام): إني متخلف عنك فناد أن الصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون فصعد (عليه السلام) المنبر فخطب خطبة بليغة وجيزة فضج المسلمون بالبكاء ثم قال:
أيها الناس اعقلوا عن ربكم إن الله عزوجل (اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)، فنحن الذرية من آدم والاسرة من نوح، والصفوة من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، وآل من محمد (صلى الله عليه واله) نحن فيكم كالسماء المرفوعة، والارض المدحوة، والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة، لاشرقية ولا غربية التي بورك زيتها، النبي أصلها، وعلي فرعها، ونحن والله ثمرة تلك الشجرة، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن تخلف عنها فإلى النار هوى.
فقام أميرالمؤمنين من أقصى الناس يسحب رداءه من خلفه حتى علا المنبر مع الحسن (عليه السلام) فقبل بين عينيه، ثم قال: ياابن رسول الله أثبتَّ على القوم حجتك وأوجبتَ عليهم طاعتك، فويل لمن خالفك.