شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

نظرية الإمامة: معادلات صعبة الإدراك «1»

0 المشاركات 00.0 / 5

يظن البعض بأن نظرية الإمامة التي يعتقد بها الشيعة الإمامية هي قضية سهلة الفهم والإدراك وأن ماهيتها لا تختلف عما تعتقد به بقية المذاهب والأديان. حيث إن جميع المذاهب والأفراد في العالم يحملون نظرية الإمامة، والقرآن شاهد على هذا: ﴿ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْالإسراء – 17. فلكل فرد إمام سواء أكان إمام حق أو إمام جور.
إلاّ أن الشيعة الإمامية في واقع الأمر تختلف عن غيرها في حمل هذه النظرية حيث إن لها انعكاسات فلسفية قد لا يتمكن حتى بعض طبقات المعتقدين بها من فهم تفاصيل حقيقتها. إن نظرية الإمامة لها معادلات صعبة الإدراك من حيثيات متعددة وهذه الحيثيات تُظهر اختلاف هذه النظرية في المذهب الإمامي عن غيره من المذاهب والأديان وفيما يلي بعض منها:

 

 1. الحيثية الأولى: منشأ هذه النظرية.

نشأ الاعتقاد بهذه النظرية وبهذه الكيفية في المذهب الإمامي التزامًا وامتثالاً للنص الإلهي الذي خوطب به المصطفى  حيث يتجلى في نصوص من أهمها نص الغدير: ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه. وهذا المنشأ «أي: النص الإلهي» هو المؤسس الأوحد لهذه النظرية في المذهب الإمامي.

 

2. الحيثية الثانية: طبيعتها.

فنظرية الإمامة الشيعية لا يبدو على طبيعتها التصنّع أو الوضع البشري، فالعقل البشري الذي جعل أحقية الإمامة لفلان جعَلَهَا تجري بالكيفية المعيّنة كان تبعًا للمصالح الشخصية أو الأضغان أو الأحقاد المتراكمة، في حين أنها في المذهب الإمامي كان وضعها تبعا للقانون السماوي وبالتالي تكون منزّهة عن النقص والخلل، بل إنها في المذهب الإمامي ذات قيادة وتوجيه وبث للمعارف الإلهية وهذه الطبيعة تفتقد إليها الإمامة عند الآخر.

 

3. الحيثية الثالثة: الآثار.

تبعًا لقاعدة المصالح والمفاسد الشرعية، نجد أن هذه القاعدة يتم تطبيقها بعناية في هذه النظرية إذ أن الأمر الشرعي والذي هو المنشأ، والماهية التي هي طبيعة النظرية، لهما آثار حتمية في باب المصالح كان بإمكانهما الحفاظ على كيان المجتمع الإسلامي آنذاك واستقراره لولا نفر وعصبة اختارت الفرقة. ولذلك تجد ما وصل إليه المذهب الشيعي من الانفتاح على العلوم في شتى المجالات في عهد الإمام جعفر الصادق  عندما انفتحت له أبواب المجتمع آنذاك. بل، وحتى في زمن أمير المؤمنين  والمجتمع لا يقع في مشكلة أو كارثة إلاّ وجاء مستنجدًا بأبي الحسن  .

 

4. الحيثية الرابعة: المعاصرة.

وهي حيثية الأمان والضمان والتي تعبّر عن أن هذه النظرية سارية المفعول على مرّ الزمان، ولذلك تكون هنالك زاوية ضيّقة يتفق الجميع فيها عند اعتقادهم بقضية الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، اضطراًرا يتشبّثون بها لعدم وجود ملجأ آخر. نعم، لم يجدوا طريقًا أو مخرجًا يخرجهم عن طريق الإمامة الحق، فهم إجمالاً يعتقدون بضرورة ظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف. نعم، يختلفون في تفاصيل القضية معنا ومع غيرنا لكن هذا لا يغيّر من شاهدنا حال. وإليك بعض النماذج:
 النموذج الأول: ما ورد في كتب أبناء العامة:
في «ذخاير العقبي»: 136- عن حذيفة، أن النبي  قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي، اسمه اسمي، فقال سلمان: من أي ولدك يا رسول الله؟ قال: من ولدي هذا. وضرب بيده علي الحسين  ».
و أخرج الحاكم النيسابوري في «المستدرك علي الصحيحين» عن أبي سعيد أن النبي  قال: «ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء اشد منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجيء إليه من الظلم، فيبعث الله تعالى رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض شيئاً من بذرها إلا أخرجته، ولا السماء شيئاً من قطرها إلا صبته..».
وروى السدي: "يجتمع المهدي وعيسى بن مريم في وقت الصلاة فيقول المهدي لعيسى: تقدم، فيقول عيسى: أنت أولى بالصلاة، فيصلي عيسى وراءه مأمونا..."
وذكر البخاري في صحيحه بإسناده الموصول إلى رسول الله  على النحو التالي: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم" وقد أجمع شراح البخاري أن لفظة "إمامكم" الواردة في الحديث المقصود بها «الإمام المهدي» ومما يؤكد هذا أن الحديث جاء في مصادر أخري بصيغة "وإمامكم المهدي منكم"
 النموذج الثاني: ما ورد في كتب المعتقدين بالتوراة والزبور
«يقيم إله السماء مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، تسحق وتفني كلّ هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد» ثم يقول: «.. طوبى لمن انتظر». كتاب حجار - الإصحاح الثاني.
 النموذج الثالث: بعض ما يعتقد به المجوس والبراهمة:
أما المجوس فإنهم أيضاً يعتقدون برجوع إنسان باسم «بهرام» الذي لا يختلف معناه عن المهدي شيئاً.
والبراهمة أيضاً يعتقدون بظهور «كرشنا» على ما يدعون. إلاّ أن هناك أدلة كثيرة على بعث أنبياء وصلحاء مع الإمام المهدي «عجل الله فرجه» ليروا الحق ظاهراً على الأرض كلها.
هذه النماذج الثلاثة ليست للحصر ولا للاحتجاج، بل لإثبات أن هنالك ذكرُ لقضية الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف عند كل الأطياف من أفراد ومذاهب وأديان. وهنا إثبات واضح لصحة نظرية الإمامة في المعتقد الشيعي. أي بمعنى آخر: نظرية الإمامة في المذهب الشيعي نظرية قائمة ما قام الزمان وتبقى في آخر العصر متجلية لتحمل هذا المعنى وهذا باتفاق الفريقان بضرورة بقائها: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية". فإما نفي وجود الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه والموت ميتة جاهلية، أو الاعتقاد بوجوده الشريف.
هذه الحيثيات الأربع المزبورة الذكر، قد لا تجدها كليًا أو حتى بعض جزئياتها عند الأطياف الأخرى. ومن هذا المنطلق تبقى نظرية الإمامة في المذهب الإمامي الجعفري تحت التحليل القرآني والروائي فلسفة لها عمق منقطع النظير. وبالتالي، فإننا عند قراءة هذه النظرية علينا التثبّت وقراءتها قراءة واعية بحيث لا يمكن إخضاع هذه النظرية للتحليل العقلي البحت. وهذا يجري في كل ما تحوي هذه النظرية من فلسفة في الارتباط بأهل البيت  ، ومن فلسفة في الاعتقاد بمقامهم صلوات الله عليهم، ومن فلسفة في علة وجودهم، وطهارة شيعتهم وإلى غير ذلك.
وهنا كان لا بد لنا وأن نطرح بعض الأمثلة الإعتقادية المرتبطة بهذه النظرية مما تم إجراء التحليل العقلي عليها، أو كان تحليلاً علميًا بالآيات القرآنية المنفصلة عن العناصر الأخرى كما يرغب أصحاب تلك الأطروحات، وانتهى المطاف بالنفي أو التشكيك. علمًا بأنني سأتطرق في هذا المقال المتواضع لإثبات ورودها وحسب، وسيأتينا بإذن الله تعالى الرد على تلك الإشكالات:

 1. حب علي وبغضه:
رفَضَ بعضُ المعاصرين الرواية الشريفة الواردة: "حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة". وذلك لأنهم أخضعوها للتحليل العقلي البحت الذي يخلو من التدبر الذي لا يتصل بآية ولا رواية فوصل بهم المقام إلى رفض هذه الرواية مع العلم أنها من الروايات الصحيحة التي لا يشكّ في صحتها، وذلك لأن متنها صحيح، وسنورد الرد على هذا الإشكال المزعوم في هذه الرواية في الحلقات القادمة –إن شاء الله – مما ردّ به علمائنا على مثل هذه الإشكالات في خصوص هذه الرواية من سالف الزمان.

 2. إياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم
مقطعٌ من زيارة الجامعة. رفضه بعض المعاصرين أيضًا حيث حكم عليه بتعارضه مع القرآن الكريم وبهذا يكون اكتفى باستخدام الآية المباركة للوصول إلى مأربه فقال: هذه الرواية تعارض صريح القرآن الكريم من أن إياب الخلق إليه وحسابهم عليه كما في قوله تعالى في سورة الغاشية: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ • ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ كما أن راوي هذه الرواية «يقصد: الزيارة الجامعة» أحد الغلاة وهو سهل بن زياد كما نص على ذلك ابن الغضائري والنجاشي وضعفه الطوسي وابن داوود ، فهل نأخذ معتقداتنا مما يعارض القرآن ومن غلاة الرواة؟!.
وهنا يظهر من قول هذا الكاتب عدم تفقهه وفهمه لمثل هذه المسائل، حيث يكتب بما تملي عليه نفسه، بعيدًا عن القواعد التي يعتمد عليها العلماء، اكتفى بالإشكال وأتبعه بآية شريفة واحدة ولم يعرض الرواية على العناصر الأخرى لتحليل المتن الروائي الصادر عن المعصوم  . هنا يظهر بوضوح استخدام بعض المعاصرين أساليب مختارة لتحليل القضايا العقائدية وخصوصًا المتعلقة بالإمامة بالكيفية التي يريدونها. سنورد إثبات صحة زيارة الجامعة الواردة عن الإمام الهادي :
الرواية واردة في كتب الشيعة الإمامية في سند صحيح وفي مصادر مختلفة ينقلها الشيخ الأقدم الصدوق، والشيخ الطوسي في الجزء الثاني من التهذيب، والعلامة المجلسي في أكثر من مصدر، كما ويذكرها الفيض الكاشاني وعلماء آخرين أجلاّء، فإذا وجدنا أن الرواية التي يستند إليها هذا المعاصر ضعيفة من حيث سندها لوجود سهل بن زياد في السلسلة فلا يعني هذا تهميش الرواية مباشرة بل يجب الأخذ بالروايات الأخرى ودراسة سندها والتي قد تكون مصححة للرواية ذات السند الضعيف. وعلى هذا نجد في بعض إجابات بعض الفضلاء الباحثين حيث قال: "وتلقاها علماء الإمامية بالقبول ولم نشهد من اعترض عليها سوى بعض الأحياء الذين لايعتد بمستواهم العلمي ولا بإشكالاتهم حيث زعم عدم صحة فقرة: "وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم"، حيث اكتشفوا التعارض مع القرآن بعد مرور أكثر من عشرة قرون بما تتضمنها من كبار العلماء والفطاحل لم يطرح فيها أحد منهم مسألة التعارض الموهومة!!!"
كما وأحببت طرح سند الزيارة لمن يريد الاطمئنان بصحة ما أنقل:
روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن موسى بن بابويه القمّي في العيون قال:
حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق  ومحمّد بن أحمد السناني ، وعلي بن عبدالله الورّاق ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب قال:
حدّثنا محمّد بن عبدالله الكوفيّ وأبو الحسين الأسدي ، قالوا: حدّثنا محمّد بن إسماعيل المكّي البرمكي قال: حدّثنا موسى بن عبدالله النخعي قال: قلت: لعلي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب  .
 ولو سلّمنا بأن السند الذي ذكرناه ضعيف فإن هنالك متن الزيارة الذي يعزز من صحة الزيارة فمثل هذه العبارات ومثل هذا النص المتناسق والمترابط لا يمكن أن يصدر إلاّ من المعصوم  ، ولا يمكن أن يجاريه في مثل هذه البلاغة والفصاحة وعمق المعاني في كل لفظة أحد أبدًا. يستدل العلماء بمتن الزيارة أو الرواية على صحتهما. وربما على هذا وغيره اعتمد جميع الخاصّة ، بل حتّى بعض العامّة كالحمويني في فرائده.
ختامًا، إنما طرحنا هذين المثالين من باب إيضاح أن نظرية الإمامة وما يتعلق بها من قضايا هي معادلات صعبة الإدراك وتحتاج قراءتها إلى فهم ودراسة قائمة على أسس صحيحة. وسيأتينا بإذن الله تعالى في حلقات قادمة مناقشة هاتين الروايتين على ما ردّ به علمائنا الأجلاء على مثل هذه الإشكالات العقائدية وسنوضّح جليًّا كيفية تطبيق القواعد في الوصول إلى فهم صائب لهذه النظرية وما يتعلّق بها.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية