من هو الإمام الباقر عليه السّلام؟

هو الإمام محمّد بن عليّ السجّاد زين العابدين بن الإمام الحسين الشهيدبن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام. أمُّه فاطمة بنت الإمام الحس نعليه السّلام؛ فهو علويّ من علويَّين، وفاطميّ من فاطميَّين.
وُلد يوم الجمعةغرّة رجب سنة 57 هجريّة. عاش مع جده الإمام الحسين عليه السّلام وشهد وقعة كربلاء. أولاده: الإمام جعفر الصادق، وعبدالله، وإبراهيم، وعبيد الله، وعليّ.. وبناته: زينب، وأمّ سلمة.
مدّة إمامته 19 سنة، وشهادته يوم الاثنين سابعَ ذي الحجّة عام 114 هجريّ وعمره سبع وخمسون سنة. دُفِن في البقيع مع أبيه زين العابدين وعمّ أبيهالحسن السبط عليهما السّلام، وفي الثامن من شوّال سنة 1344 هجريّة هُدم قبره وقبوربقيّة الأئمّة في البقيع.

إخبار نبويّ

قال جابر بنعبدالله الأنصاريّ، الصحابيّ الجليل: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآلهوالحسينُ في حِجْره.. فقال: يا جابر، يُولَد لابنيَ الحسينِ ابنٌ يُقال له عليّ،إذا كان يومُ القيامة نادى منادٍ: لِيقُمْ سيّدُ العابدين.. فيقوم عليُّ بن الحسين. ويُولد لعليٍّ ابنٌ يُقال له محمّد، يا جابر إذا رأيته فاقرأْه منّي السلام،واعلمْ أنّ بقاءك بعد رؤيته يسير(1).

عبادته عليهالسّلام

يتحدّث الإمام جعفر الصادق عليه السّلام عن أبيه الإمام الباقرعليه السّلام فيقول: كان أبي كثير الذِّكْر.. لقد كنتُ أمشي معه وإنّه لَيذكر الله،وأأكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله. ولقد كان يحدّث القومَ وما يُشغله ذلك عن ذِكرالله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلاّ الله. وكان يجمعنا فيأمرُنابالذكْر حتّى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة مَن كان يقرأ منّا، ومَن كان لا يقرأأمَرَه بالذكر(2).
ويروى أفلح مولاه شيئاً رآهمنه في مرافقته، قائلاً:
خرجتُ مع محمّد بن عليٍّ ( الباقر ) حاجّاً، فلمّا دخلالمسجد نظر إلى البيت ( أي الكعبة ) فبكى حتّى علا صوته، فقلت: بأبي أنت وأُمّي،إنّ الناس ينظرون إليك، فلو رفقتَ بصوتك قليلاً. فقال لي: وَيْحك يا أفلح،ولِمَ لاأبكي، لعلّ الله ينظر إليّ برحمةٍ فأفوزَ بها عنده غدا.
ثمّ طاف بالبيت.. ثمّجاء حتّى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتلٌّ من دموععينيه(3).

إحسانه

تحكي ( سلمى ) مولاته عن شيءٍ من أخلاق الإمام الباقر عليه السّلام فتقول: كان يدخل عليه أصحابه،فلا يخرجون مِن عنده حتّى يطعمهم الطعام الطيّب، ويكسوَهم الثياب الحسنة، ويَهَبلهم الدنانير. فأقول له في ذلك ليُقلّ منه، فيقول: يا سلمى، ما حسنة الدنيا إلاّصلة الإخوان والمعارف(4).
ويذكر فضلَه اثنان من أصحابه،هما: عمرو بن دينار وعبدالله بن عبيد، فيقولان: ما لَقِينا أبا جعفر محمّدَ بن عليّعليه السّلام إلاّ وحملَ إلينا النفقةَ والصلة والكسوة، ويقول: هذه مُعَدّة لكم قبلأن تلقَوني(5).
أمّا الأسود بن كثير فقد جاءهيشكو إليه الحاجة وجفاء الإخوان، فقال له الإمام الباقر عليه السّلام: بئس الأخُأخٌ يرعاك غنيّاً ويقطعك فقيراً. ثمّ أمر عليه السّلام غلامه فأخرج كيساً فيهسبعمائة درهم، فقال: استنفقْ هذه، فإذا نفدَتْ فأعلِمْني(6).

وصاياه عليهالسّلام
•دخل الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلاميوماً على عمر بن عبدالعزيز فنصحه قائلاً: أُوصيك أن تتّخذ صغير المسلمين وَلَدا،وأسطَهم أخا، وكبيرَهم أبا.. فارحم ولَدَك، وصِلْ أخاك، وبِرَّ أباك، وإذا صنعتَمعروفاً فرَبِّه ( أي أدِمْه ).
هذا، وكان عمر بن عبدالعزيز مبادراً: يا أباجعفر، أوصِني.
•ودخل عليه مرّة أخرى فاستقبله عمر بنعبدالعزيز، فبادر الإمام الباقر عليه السّلام يَعِظُه ويوصيه:
إنّما الدنيا سوقٌمن الأسواق، يبتاع فيها الناسُ ما ينفعهم وما يضرّهم، وكم قومٍ ابتاعوا ماضرّهم فلميُصبحوا حتّى أتاهم الموت، فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا ما ينفعهم فيالآخرة... ( إلى أن قال له: )
واتقِ الله، واجعل في نفسك اثنتين: انظر إلى ماتُحبّ أن يكون معك إذا قَدِمتَ على ربّك، فقدِّمْه بين يديك. وانظر إلى ما تكره أنيكون معك إذا قدمت على ربّك، فارْمِه وراءك.. وافتح الأبواب، وسهّل الحجاب، وأنصِفِالمظلوم، ورُدَّ الظالم(7).
•ومنوصيّة له عليه السّلام لبعض أصحابه: قُمْ بالحقّ، واعتزل ما لا يعنيك، وتجنبْعدوَّك، واحذرْ صديقك من الأقوام إلاّ الأمينَ مَن خشيَ الله، ولا تصحب الفاجر، ولاتُطْلِعْه على سرّك، واستشرْ في أمرك الذين يخشَون الله(8).
•وأوصىبعض أولاده، قائلاً له: يا بُنيّ، إذا أنعم اللهُ عليك فقل: الحمد لله، وإذا أحزنكأمرٌ فقل: لا حولَ ولا قوّة إلاّ بالله، وإذا أبطأ عنك رزقٌ فقل: أستغفر الله(9).
حِكمه عليه السّلام
وهيكثيرة وغنيّة بالمعارف الدالّة على الحقائق الأساسيّة في الحياة، والراشدة إلىالسعادة الحقيقيّة، وأسرار الدنيا والآخرة. يقول عليه السّلام:
•ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفوَ عمّن ظَلَمك، وتَصِلَمَن قطعك، وتحلمَ إذا جُهِل عليك.
•مَن صدق لسانُه زكاعملُه، ومَن حَسُنت نيّتُه زِيدَ في رزقه، ومَن حسن بِرُّه بأهله زِيد فيعمره.
•مَن أُعطيَ الخُلُقَ والرفق، فقد أُعطيَ الخيروالراحة، وحسن حالُه في دنياه وآخرته. ومَن حُرِم الخلُقَ والرفق، كان ذلك سبيلاًإلى كلّ شرّ وبليّة، إلاّ مَن عصمه الله(10).
•منلم يجعلِ اللهُ له مِن نفسه واعظاً، فإنّ مواعظ الناس لن تُغنيَ عنه شيئاً(11).
•صلةالأرحام: تُزكّي الأعمال، وتُنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتُنسئ فيالأجل(12).
•الكسل.. يضرُّ بالدِّين والدنيا(13).
•ثلاث قاصمات الظَّهْر: رجلٌ استكثر عملَه، ونسيَ ذَنْبَه، وأُعجِب برأيه(14).
•بئسالعبدُ عبدٌ يكون ذا وجهَين، وذا لسانَين.. يُطري أخاه في الله شاهداً، ويأكلهغائباً، إن أُعطيَ حسَدَه، وإن ابتُليَ خذَلَه(15).
•ثلاث مِن أشدّ ما عمِلَ العباد: إنصافُ المؤمن مِن نفسه، ومواساةُ المرء أخاه،وذِكرُ الله على كلّ حال.. وهو أن يذكرَ اللهَ عزّوجلّ عند المعصية يهمّ بها،فيَحول ذِكرُ الله بينه وبين تلك المعصية، وهو قول الله عزّوجلّ: « إنّ الذيناتّقَوا إذا مَسَّهم طائفٌ مِن الشيطانِ تذكّروا فإذا هم مُبصرون !»(16).
•كفىبالمرء عيباً أن يتعرّف من عيوب الناس ما يَعمى عليه مِن أمر نفسه، أو يَعيبَالناسَ على أمرٍ هو فيه لا يستطيعُ التحوّلَ عنه إلى غيره، أويُؤذيَ جليسَه بما لايَعنيه(17).
أدعيته عليهالسّلام
•كان من دعاء الإمام الباقر عليه السّلامبعد صلاة العشاء:
اللهمّ بحقّ محمّدٍ وآل محمّد، صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، ولاتُؤْمنّا مَكْرَك، ولا تُنسِنا ذِكْرَك، ولا تكشفْ عنّا سَترَك، ولا تَحرمنا فضلَك،ولا تَحُلَّ علينا غضبَك، ولا تُباعدنا من جوارك، ولا تُنقِصْنا مِن رحمتك، ولاتَنزِعْ عنّا بركاتِك، ولا تَمنَعْنا عافيتَك.
وأصلِحْ لنا ما أعطيتَنا، وزِدْنامِن فضلك المبارك الطيّبِ الحسَنِ الجميل، ولا تُغيّر ما بنا من نعمتك، ولاتُؤيِسْنا مِن رَوحك، ولا تُهِنّا بكرامتك، ولا تُضِلَّنا بعد إذ هديتَنا وهَب لنامِن لَدُنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب.
اللهمّ اجعلْ قلوبَنا سالمة، وأرواحَناطيّبة، وألسنتَنا صادقة، وإيمانَنا دائماً، ويقينَنا صادقاً، وتجارتَنا لا تبور،ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا برحمتك عذابَ النار(18).
•وعند نومه عليه السّلام كان يقول:
بسم الله، اللهمّ إنّي أسلمتُ نفسي إليك،ووجّهتُ وجهي إليك، وفوّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، توكّلتُ عليك رهبةً منكورغبةً إليك، لا مَنجى ولا ملجأَ منك إلاّ إليك.. آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، وبرسولكالذي أرسلت.
ثمّ يُسبّح عليه السّلام تسبيح الزهراء عليها السّلام(19).
قالوا فيه عليهالسّلام
كثيرٌ هو الذي قالوه في الإمام الباقر عليه السّلام، إلاّ أنّهيجمعه الإعجاب والإجلال جميعاً، بل ويُضيف إليه إقراراً خفيّاً بإمامته مِن دلائلَعديدة شاهدة.
•سأل رجلٌ عبدَالله بن عمر مسألةً فلميَدْرِ بما يجيبه، فقال: إذهب إلى ذلك الغلام فاسألْه، وأعلمني بما يُجيبك ـ وأشارله إلى محمّد الباقر عليه السّلام. فأتاه الرجل وسأله، فأجابه عليه السّلام، فرجعالرجل إلى ابن عمر فأخبره، فقال ابن عمر: إنّهم أهلُ بيتٍ مُفَهَّمون!(20)
•وكانجابر بن يزيد الجُعفيّ إذا روى عنه صدّر روايته بقوله: حدّثني وصيُّ الأوصياء،ووارث علم الأنبياء، محمّدُ بنُ عليّ بن الحسين عليهم السّلام(21).
•وسأله الأبرش الكلبيّ، فأجابه عليه السّلام، فقال له: أنت ابن رسول الله حقّا! ثمّصار الكلبيّ إلى هشام بن عبدالملك فقال له: دَعُونا منكم يا بني أُميّة.. إنّ هذاأعلمُ أهل الأرض بما في السماء والأرض، فهذا وَلَد رسول الله(22).
•ووصفه عبدُالله بن عطاء المكيّ فقال: ما رأيت العلماءَ عند أحدٍ قطّ أصغرَ منهم عندأبي جعفر محمّدِ بنِ عليِّ بن الحسين! ولقد رأيتُ الحكَمَ بن عُتيبة ـ مع جلالته فيالقوم ـ بين يديه كأنّه صبيٌّ بين يدَي معلّمه(23).
•وروي أنّ عبدالملك بن مروان كتب إلى عامله على المدينة أن ابعثْ إليّ محمّد بن عليّمقيّداً. فكتب إلى عامله:
ليس كتابي هذا خلافاً عليك يا أمير المؤمنين، ولاردّاً لأمرك، ولكن رأيت أن أُراجعك في الكتاب نصيحةً لك، وشفقةً عليك. إنّ الرجلالذي أردتَه ( أي الباقر عليه السّلام ) ليس اليومَ على وجه الأرض أعفُّ منه، ولاأزهد ولا أورع منه.. إنّه مِن أعلم الناس، وأرقّ الناس، وأشدّ الناس اجتهاداًوعبادة..(24).
•وكلّمه عبدالله بن مُعمَّر الليثيّ بهذه العبارة: ما أحسب صدورَكم إلاّ منابت أشجارالعلم.. فصار لكم ثمرُه، وللناس ورقه(25).
•وأراد محمّد بن طلحة الشافعيّ أن يصفه، فقال:
هو باقر العلم وجامعه، وشاهرُعلَمِه ورافعُه، ومُنفقُ دَرِّه وراضعه، صفا قلبه، وزكا عمله، وطهرت نفسه، وشرفتأخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سماتُالازدلاف، وطهارة الاجتباء(26).
•ويأتي ابن أبي الحديد فيختصر تعريفَه به قائلاً في ( شرح نهج البلاغة ): كان محمّدبن عليّ بن الحسين سيّدَ فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناسالفقه.
•أمّا أبو نعيم الإصفهاني فيسرح معجباً وهو يذكرأهل البيت عليهم السّلام فيقول:
.. ومنهم الحاضرُ الذاكر، الخاشع الصابر، أبوجعفر محمّدُ بن عليٍّ الباقر. كان من سلالة النبوّة، ومَن جمع حَسَبَ الدِّينوالأُبوّة. تكلّم في العوارض والخطرات، وسفح الدموعَ والعَبَرات، ونهى عن المراءوالخصومات..(27)
•وهذاابن الصباغ ـ وهو مالكيّ المذهب ـ لا يستطيع إخفاء إعجابه فيه وإجلاله له، حتّىيقول:
وكان محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام.. مع ما هو عليه من العلموالفضل والسؤدد والرئاسة والإمامة، ظاهرَ الجود في الخاصّة والعامّة، ومشهورَ الكرمفي الكافّة، معروفاً بالفضل والإحسان مع كثرة عياله، وتوسّط حاله(28).
•وابن خلِّكان هو الآخر يقف عنده فيذكره بالإعظام قائلاً:
أبو جعفر محمّد بن عليّزين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، الملقّب بـ « الباقر »، أحد الأئمّة الاثني عشر... وكان الباقر عالماً سيّداً كبيراً، وإنّما قيلله « الباقر » لأنّه تبقّر في العلم؛