الإمام على عليه السلام صباه و رضاعه

1 ـ قال عليه لاسلام تعريفا لنفسه: «و لقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة،و ضعني في حجره و أنا وليد[ولد ـ خ ل‏]،يضمني إلى صدره، و يكنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و كان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمينه، و ما وجد لى كذبة في قول،و لا خطلة في فعل،و لقد قرن الله به صلى الله عليه و آله و سلم من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره، و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر امه،يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما،و يأمرني بالاقتداء به، و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه و لا يراه غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خديجة، و أنا ثالثهما،أرى نور الوحى و الرسالة، و أشم ريح النبوة، و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه و آله و سلم، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، و ترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي و لكنك لوزير، و إنك لعلى خير (1) ».
قال ابن أبي الحديد: «و روى عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال: كان علي عليه السلام يرى مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قبل الرسالة الضوء، و يسمع الصوت، و قال صلى الله عليه و آله و سلم له: لو لا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي و وارثه، بل أنت سيد الأوصياء، و إمام الأتقياء (2) ».
2 ـ قال العلامة الحلي رحمه الله: «و أما حال ولادته فإنه عليه السلام ولد يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبه؛ و لم يولد فيها أحد سواه لا قبله و لا بعده، و كان عمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم ثلاثين سنة، فأحبه و رباه، و كان يطهره في وقت غسله، و يجرعه اللبن عند شربه، و يحرك مهده عند نومه... و يقول: هذا أخي و وليي و ذخري و ناصري و صفيي و كهفي و صهري و وصيي و زوج كريمتي و أميني و خليفتي، و كان يحمله دائما و يطوف به جبال مكة و شعابها و أوديتها (3) ».
3 ـ و قال برهان الدين الحلبي: «فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و في خصائص العشرة للزمخشري: أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم تولى تسميته بعلي، و تغذيته أياما من ريقه المبارك، يمصه لسانه، فعن فاطمة بنت أسد أم علي ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: لما ولدته سماه عليا، و بصق في فيه، ثم إنه ألقمه لسانه، فما زال يمصه حتى نام، فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة فلم يقبل ثدي أحد، فدعونا له محمد صلى الله عليه و آله و سلم فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله (4) ».
4 ـ ذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب: إنى احب أن تدفع إلي بعض ولدك يعينني على أمري و يكفيني، و أشكر لك بلاءك عندي، فقال أبو طالب: خذ أيهم شئت، فأخذ عليا عليه السلام، فمن استقى عروقه من منبع النبوة، و رضعت شجرته ثدي الرسالة، تهدلت أغصانه عن نبعة إلامامة، و نشأ في دار الوحي، و ربي في بيت التنزيل، و لم يفارق النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حال حياته إلى حال وفاته لا يقاس بسائر الناس، و إذا كان عليه‏السلام في أكرم أرومة، و أطيب مغرس، و العرق الصالح ينمي، و الشهاب الثاقب يسري، و تعليم الرسول ناجع، و لم يكن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ليتولى تأديبه، و يتضمن حضانته و حسن ترتيبه إلا على ضربين: إما التفرس فيه، أو بالوحي من الله تعالى، فإن كان بالتفرس فلا تخطأ فراسته، و لا يخيب ظنه، و إن كان بالوحي فلا منزلة أعلى و لا حال أدل على الفضيلة و الامامة منه (5) ».
________________________________________
(1) نهج البلاغة،الخطبة .190
(2) ابن أبي الحديد: شرح النهج، ج 13: ص 210/الخطبة 238
(3) الحلي: كشف الحق و نهج الصدق، ص 109،ط بغداد، المظفر: دلائل الصدق، ج 1: ص .506
(4) الحلبي: السيرة الحلبية، ج 1: ص 268، السيرة النبوية لزيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحليية.
(5) المجلسي: بحار الانوار، ج 38:ص 295.و تهدلت: تدلت، و الارومة: أصل الشجرة.
الامام على بن ابى‏طالب(ع) ص 531