شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

آفاق من حیاة الامام الرضا عليه السلام

3 المشاركات 04.7 / 5

الإمام علیّ الرضا علیه السّلام ینحدر عن سلالة طاهرة تتّصل بالنبوّة والإمامة الإلهیّة وتمتّد متشعّبةً فی بیوت الأوصیاء والأولیاء، ومَن کانوا مِن قبلُ على دین الحنیفیّة وملّةِ إبراهیم خلیلِ الرحمن علیه السّلام.

الأب : أبوه الإمام موسى بن جعفر الکاظم سلامُ الله علیه.. الذی لم یطق أعداؤه صبراً على مدحه:

فذاک قاتله هارون العبّاسیّ یشیر إلیه ویقول لابنه المأمون: هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلْقه، وخلیفته على عباده… موسى بن جعفر إمام حق. والله یا بُنیّ، إنّه لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله علیه وآله منّی ومن الخلق جمیعاً، واللهِ لو نازعتَنی هذا الأمر لأخذتُ الذی فیه عیناک، فإنّ المُلک عقیم.( عیون اخبار الرضا ۱ : ۹۱ ح ۱۱ )

• وقال له مرّةً أخرى: یا بُنیّ! هذا وارث علم النبیّین، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحیح فعند هذا.(کامل الزیارات ۱۸ باب ۳)

• ونُقل عنه کذلک أنّه قال: هذا وارث علوم الأوّلین والآخِرین، فإن أردت علْماً حقّاً فعند هذا.(مشارق انوار الیقین ۹۴ )

ویأتی بعد ذلک المؤرّخون والرجالیّون ومدوّنو السِّیَر.. فلا یجدون فی أنفسهم إلاّ إعجاباً به وإجلالاً له، ولا یملکون عن الثناء علیه أقلامهم:

• فأبوعلیّ الخلاّل ـ شیخ الحنابلة ـ یقول: ما همّنی أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به، إلاّ وسهّل الله تعالى لی ما أُحبّ.(تاریخ بغداد ۱ : ۱۲۰)

• وأبو حاتم یقول فیه: ثقة صدوق، إمام من أئمّة المسلمین.

• والنسّابة یحیى بن الحسن یقول فیه: یُدعى العبد الصالح، من عبادته واجتهاده.(تهذیب التهذیب ۱۰ ک ۳۴۰ رقم ۵۹۷ )

• والذهبیّ ـ رغم تعصّبه ـ یکتب: کان موسى بن جعفر من أجواد الحکماء، ومن العبّاد الأتقیاء.(میزان الاعتدال ۴ : ۲۰۲ الرقم ۸۸۵۵)

• وابن الجوزیّ هو الآخر یکتب: کان یُدعى العبد الصالح؛ لقیامه باللیل، وکان کریماً حلیماً، إذا بلغه عن رجل أنّه یؤذیه بعث إلیه بمال.(صفه الصفوه ۲ : ۱۸۴ الرقم ۱۹۱)

• وذاک ابن حجر ینصّ على أنّه وارث أبیه الصادق علیه السّلام علماً ومعرفة، وکمالاً وفضلاً، ثمّ یقول: سُمّی بـ «الکاظم» لکثرة تجاوزه وحلمه، وکان معروفاً عند أهل العراق بـ(باب قضاء الحوائج عند الله)، وکان أعبدَ أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم.(الصواعق المحرقه ۱۲۱)

• وإذا جئتَ إلى کمال الدین محمّد بن طلحة الشافعیّ سمعتَه یقول فی الإمام الکاظم علیه السّلام: هو الإمام الکبیر القدْر، العظیم الشأن، الکثیر التهجّد، الجادّ فی الاجتهاد، المشهود له بالکرامات، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، یبیت اللیلَ ساجداً وقائما، ویقطع النهار متصدّقاً وصائما، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدین علیه دُعی کاظما.. ویُعرف فی العراق بـ ( باب الحوائج إلى الله )، لنُجح مطالب المتوسّلین إلى الله به. کراماته تَحار منها العقول، وتقضی بأنّ له عند الله تعالى قدمَ صِدق لا یزول.(وفیات الاعیان ۴ : ۳۹۳ الرقم ۷۱۷ )

• أمّا ابن الصبّاغ المالکیّ فیمضی قلمه بلا تعثّر فیدوّن هذه العبارات: وأمّا مناقبه وکراماته الظاهرة، وفضائله وصفاته الباهرة، فتشهد له بأنّه افترع قبّة الشرف وعَلاها، وسما إلى أوج المزایا فبلغ عُلاها، وذُلّلت له کواهل السیادة فامتطاها، وحکم فی غنائم المجد فاختار صفایاها فأصفاها..(الفصول المهمه ۲۱۷ )

ولا تقف عند أحد من کتّاب التاریخ إلاّ ورأیته یصدع بالمدح لا یتردّد فیه، وکان منهم: الخطیب البغدادی (تاریخ بغداد ۲۸:۱۳)، وابن الجوزیّ (صفة الصفوة ۱۰۳:۲) وسبط ابن الجوزیّ (تذکرة خواصّ الأمّة ۱۹۶)، وأحمد بن یوسف الدمشقیّ القرمانیّ (أخبار الدول ۱۱۲)، والشبلنجیّ (نور الأبصار ۲۱۸)، ومحمّد بن الصبّان (إسعاف الراغبین ـ هامش نور الأبصار ۲۲۶)، وابن عنبة (عمدة الطالب ۱۹۶)، والشبراویّ الشافعیّ (الإتحاف بحبّ الأشراف ۵۴)، وخیر الدین الزرکلیّ الذی وصفه بالقول: کان من سادات بنی هاشم، ومن أعبد أهل زمانه، وأحد کبار العلماء الأجواد.(الأعلام ۲۷۰:۸).. وغیرهم کثیر.

 

الأجداد

وإذا أردنا أن نتعرّف على الآباء، فهُمُ: الأئمّة الطاهرون، والحجج الأوصیاء المعصومون، ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وخلفاء رسول الله. نور الله وأرکان الأرض، والعلامات والآیات، وهم الراسخون فی العلم والمتوسّمون. ومن وردت الأحادیث الشریفة الوافرة من طرق المسلمین جمیعاً بالنصّ على إمامتهم على لسان النبیّ الأکرم صلّى الله علیه وآله وسلّم بأمرٍ من الله «جَلّ وعلا».. من ذلک:

• قوله صلّى الله علیه وآله: إنّ وصیّی علیّ بن أبی طالب، وبعده سبطایَ الحسنُ والحسین، تتلوه تسعةُ أئمّةٍ من صُلب الحسین.. إذا مضى الحسین فابنه علیّ، فإذا مضى علیّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى [أی الکاظم]، فإذا مضى موسى فابنه علیّ [أی الرضا]…(ینابیع الموده ۳ : ۲۸۲ الباب ۷۶ فی بیان الائمه الاثنی عشر باسمائهم )

سلالة العصمة

ومن هنا نعلم أنّ الإمام الرضا علیه السّلام ینتمی إلى شجرة النبوّة، وبیت الرسالة والوحی، ویتّصل بأهل بیت النبیّ صلّى الله علیه وآله بلا واسطة، وإنّما مباشرةً عن طریق آبائه الأبرار، فهو ابن موسى الکاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمّد الباقر، ابن علیّ السجّاد زین العابدین، ابن الإمام السبط الشهید أبی عبدالله الحسین، ابن سیّد الأوصیاء علیّ أمیر المؤمنین، ابن أبی طالب، بن عبدالمطّلب.. ومن هذا الأصل فأُمُّه الصدّیقة الطاهرة فاطمة بنت سیّد الخلق محمّد بن عبدالله، علیه أفضل الصلاة والسّلام وأزکاهما وعلى آلهِ المیامین.

وهذا النسب أشرفُ الأنساب وأزکاها وأسماها، إذ ینتمی الإمام علیّ بن موسى الرضا علیه السّلام إلى أشرف سلالة وأطهرها وأکثرها برکة. والحدیث المشهور بـ «حدیث سلسلة الذهب» (لاحظ العنوان فی هذه الشبکة) قد وقف الکثیر أمامَ سنده الشریف ـ وفیه أسماء الأئمّة علیهم السّلام ـ وقفةَ إجلال وتقدیس؛ لأنّ رواته کلّهم أولیاءُ معصومون، أزکیاء مخلَصون، ینتهون بالنسب والحسَب إلى رسول الله صلّى الله علیه وآله، فجاءت کلمات المحدّثین تقول: لو قُرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه.. وقالوا هذا حدیث مشهور بروایة الطاهرین، عن أبائهم الطیّبین. وکان بعض السلف من المحدّثین إذا روى هذا الإسناد قال: لو قُرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق. وقال آخر: لو قرأتَ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جِنّته. وکم کاتب کتب حدیث سلسلة الذهب تعظیماً واحتراماً وإجلالاً لسنده ومتنه!(ینابیع الموده ۳ : ۱۲۴ باب ۶۳)

والحدیث الشریف بروایة الإمام الرضا علیه السّلام ینقله عن آبائه ونسبه الأقدس فیقول: سمعت أبی موسى بنَ جعفر یقول: سمعت أبی جعفرَ بن محمّد یقول: سمعت أبی محمّدَ بن علیّ یقول: سمعت أبی علیَّ بن الحسین یقول: سمعت أبی الحسین بن علیّ یقول: سمعت أبی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب یقول: سمعت النبیّ صلّى الله علیه وآله یقول: سمعت الله عزّوجلّ یقول: لا إله إلاّ الله حصنی، فمَن دخل حصنی أمِنَ منْ عذابی.(عیون اخبار الرضا ۲ : ۱۳۴)

وهذه السلالة الطاهرة هی التی قال فیها رسول الله صلّى الله علیه وآله ـ: کما نقل ابن عباس ـ: أنا وعلیّ والحسن والحسین، وتسعة من ولد الحسین.. مطهَّرون معصومون.(ینابیع الموده ۲ : ۳۱۶ ح ۹۱۰)

وهی النسب للإمام علیّ بن موسى الرضا علیه السّلام من جهة الأب.

 

الأمّ

أمّا أُمّه علیه السّلام فقد وردت لها عدّة أسماء، سابقة على اقترانها بالإمام الکاظم علیه السّلام، ولاحقة.

قیل: اسمها (سَکَن النُّوبیّة) أو (سکنى). وقیل: لقبها شقراء النُّوبیّة.

وقیل: اسمها (أروى).

وقیل: اسمها (سُمان).

وقیل: (الخیزران المُرْسیّة).

وقیل: (نجمة) لمّا کانت بِکْراً واشترتها (حمیدة المصفّاة) أمّ الإمام الکاظم علیه السّلام، إذ ذکرت أنّها رأت فی المنام رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم یقول لها: یا حمیدة، هَبی نجمةَ لابنک موسى، فإنّه سیُولَد لها خیرُ أهل الأرض. فوهبتها له، فلمّا ولدت له الرضا علیه السّلام سمّاها (الطاهرة).

وأخیراً: (تُکْتَم). قیل: هو آخر أسمائها، وعلیه استقرّ اسمها حین صارت عند أبی الحسن موسى الکاظم علیه السّلام. ودلیل ذلک قول الصولیّ یمدح الإمام علیّ بن موسى الرضا علیه السّلام:

ألاَ إنّ خـیـرَ النـاسِ نـفْساً ووالداً ورهطـاً وأجـداداً علـیُّ الـمعظَّـمُ

أتـتـنا به للعلـمِ والحِلْـمِ ثـامنــاً إماماً ـ یؤدّی حجّةَ اللهِ ـ تُکْتَمُ (عیون اخبار الرضا ۱ : ۱۵)

وأمّا کُنیتها فـ: (أُمّ البنین).(کشف الغمه ۳ : ۱۴۹)

 

قصّتها

روی فی شأن اقتران هذه المرأة الطاهرة الصالحة قصّتان:

الأولى ـ أنّ حمیدة المصفّاة ـ وهی زوجة الإمام الصادق علیه السّلام، وأُمّ الإمام الکاظم علیه

السّلام، وکانت من أشراف العجم ـ قالت لابنها موسى علیه السّلام: یا بُنیّ! إنّ تُکْتَم جاریة ما رأیتُ قطّ أفضل منها، ولست أشکّ أنّ الله تعالى سیطهّر نسلها إن کان لها نسل، وقد وهبتُها لک، فاستوصِ بها خیرا.(عیون اخبار الرضا ۱ : ۱۴)

الثانیة ـ وهی الأشهر والأوثق، یرویها هشام بن أحمد فیقول: قال لی أبو الحسن الأوّل [أی الکاظم] علیه السّلام: هل علمتَ أحداً من أهل المغرب قَدِم ؟ قلت: لا، قال: بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدینة، فانطلِقْ بنا.

فرکب ورکبت معه، حتّى انتهینا إلى الرجل، فإذا رجلٌ من أهل المغرب معه رقیق، فقلت له: إعرضْ علینا. فعرض علینا سبع جوارٍ، کلّ ذلک یقول أبو الحسن علیه السّلام: لا حاجة لی فیها. ثمّ قال: اعرضْ علینا، فقال: ما عندی إلاّ جاریة مریضة، فقال: ما علیک أن تَعرضها ؟! فأبى علیه، فانصرف.

ثمّ أرسلنی من الغد فقال لی: قل له: کم کان غایتک فیها ؟ فإذا قال لک کذا وکذا، فقل له: قد أخذتُها. فأتیته فقال: ما کنت أُرید أن أُنقصها من کذا وکذا، فقلت: قد أخذتها. قال: هی لک، ولکن أخبِرْنی: مَن الرجل الذی کان معک بالأمس ؟ قلت: رجل من بنی هاشم، قال: من أیّ بنی هاشم ؟ فقلت: ما عندی أکثر من هذا، فقال: أُخبرک أنّی لمّا اشتریتها من أقصى المغرب فلقیتْنی امرأة من أهل الکتاب فقالت: ما هذه الوصیفة معک ؟ قلت: اشتریتها لنفسی، فقالت: ما ینبغی أن تکون هذه عند مِثْلک! إنّ هذه الجاریة ینبغی أن تکون عند خیر أهل الأرض، فلا تلبث عنده قلیلاً حتّى تلد غلاماً له لم یُولد بشرق الأرض ولا غربها مثلُه.

قال هشام بن أحمد: فأتیته بها، فلم تلبث عنده إلاّ قلیلاً حتّى ولدت له الرضا علیه السّلام.

وکان من دلائل إمامة موسى الکاظم علیه السّلام أنّه لمّا اشترى (تُکْتَم) جمع قوماً من أصحابه ثمّ قال لهم: واللهِ ما اشتریتُ هذه الأمَة إلاّ بأمر الله ووحیه. فسُئل عن ذلک، فقال: بینا أنا نائم إذ أتانی جدّی وأبی ومعهما شِقّة حریر، فنَشَراها فإذا قمیص وفیه صورة هذه الجاریة، فقالا: یا موسى، لیکوننَّ من هذه الجاریة خیرُ أهل الأرض بعدک.

ثمّ أمرنی إذا ولدتُه أن أسمیّه (علیّاً)، وقالا لی: إنّ الله تعالى یُظهِر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدّقه، وویلٌ لمَن عاداه وجحده وعانده!(اثبات الوصیه ۱۹۶ )

 

خصالها

أجمع أصحاب السیرة أن (تُکْتَم) رضوان الله تعالى علیها امرأة صالحة عابدة، تتحلّى بأسمى مکارم الأخلاق، وکانت فی غایة العفّة والأدب.

وقد ذکرها الشیخ سلیمان القندوزیّ الحنفیّ بقوله: وکانت من أفضل النساء فی عقلها ودینها، وإعظامِها لمولاتها حمیدة، حتّى أنّها ما جلست بین یدیها منذ مَلَکتْها؛ إجلالاً لها.(ینابیع الموده ۳ : ۱۶۶)

ولابدّ أن تکون هکذا أُمّهات الأئمّة علیهم السّلام، لأنّ الأئمّة هم أشرف الخَلْق، ینحدرون من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة، آباؤهم وأُمّهاتهم من الموحِّدین، لم تدنّسهمُ الجاهلیّة بأنجاسها، ولم تُلبِسْهم من مُدْلَهِمّات ثیابها.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية