الشباب ومشكلات الحياة
الشباب ومشكلات الحياة
د ـ زهير غزاوي(*)
لا يتفق على تعريف محدد لهذه المرحلة من العمر ، إلا أنها تعني النضج الجسدي باتجاه اكتمال الفرد بشكل عام .
الشباب ببساطة يعني دخول الطفل مرحلة المراهقة التي يحدد الباحثون بالغالبية بدأها في الثالثة عشرة وانتهاءها بالحادية والعشرين وقد تستمر أكثر من ذلك ، وتتراوح في فروق فردية بين شاب وآخر ، ويؤشر ثبات النمو الجسدي والعقلي على نهايتها ، وتحديداً النمو الجسدي المؤثر قطعاً بالنمو العقلي ، وهذا الأخير يتأثر بالشخصية الإنسانية وتراكم الخبرات ونمو الذكاء ، عبر خبرات السلوك حتى نهاية العمر.
متى تنتهي مرحلة الشباب المتصاعدة ليبدأ الانحدار ؟
تلك جدلية لم يتفق بشأنها ، ولكن المتعارف عليه أن الأربعين هي مرحلة قمة النضج الإنساني والتخلص من النزوات ، فهل هي ، نهاية مرحلة ما يسمى بالشباب ؟ وهل تبدأ الكهولة والحكمة والاتزان منذئذٍ ؟ الدساتير الدولية، على سبيل المثال، تعطي هذا السن نقطة الانطلاق لتحديد عمر رئيس الدولة ، الجمهورية ، وقد اعتبر التاريخ الإسلامي بدء البعثة النبوية في أربعين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، هذا العمر قمة للنضج العقلي ما دام قد تم بأمر إلهي ، وجاءت النصوص الأدبية العالمية معززة لهذا المتعارف ، لكن النسبية تتداخل مع كل ذلك ، ومن هذه النسبيات ما تفرزه المجتمعات من فروق فردية بين مجتمع منفتح وآخر متزمت لتقاليده المتوارثة .
ففي المجتمعات البدائية لا يوجد اعتبار لمرحلة المراهقة هذه ويدلف الطفل إلى الشباب وممارسة طقوسه دون فواصل تذكر خاصة في السن الواقعة بين العاشرة والخامسة عشرة.
المراهقة تؤهل الفرد للزواج وبناء الأسرة ، والمراهق يبحث لنفسه عن دور في الحياة ، لهذا اعتبرت أهم مراحل النمو ، ففيها يحدد الإنسان مستقبله وتبدو للعيان مؤشرات هذا المستقبل ، عبر معطياته في المدرسة أو العمل التدريبي ، إنها المرحلة العقبة في سبيل الحياة ، وهي أيضاً الواعدة حيث يمكن خلال مراقبة الفرد أن يتنبأ الأهل بطبيعة مستقبله وما سوف يتشكل عليه ، والدور الذي سيأخذه في الحياة.
من بعض المظاهر الجسدية لمرحلة المراهقة والشباب أنها تحدد نشاط الفرد الجنسي ، هذا النشاط الذي يساهم في تكوين الشخصية وحتى في بلورة اتجاهات المستقبل لدى الغالبية العظمى من البشر ، ويبدأ هنا تأثير الغدتين النخامية والكظرية وتضمر الغدتان الصنوبرية والثيموسية. ويجدر بنا الإشارة إلى أن فورة النمو تبدأ أسبق عند الإناث منها عند الذكور، أقل بثلاث سنوات.
وهكذا يكتسب الفرد مشكلة ما يسمى بالذات الجسمية التي تحمل تأثيرها البالغ على نفسيته ، ذلك أن النمو السريع يثير القلق متوافقاً مع تعذر التكيف النفسي معه ، تماماً كما يشعر الإنسان بالقلق ذاته عندما يبدأ الازدلاف إلى مرحلة الشيخوخة ، المراهق الشاب يهتم كثيراً بمظاهر جسمه ويقارن ذلك بالآخرين ، وتلك تسبب له الكثير من العقد النفسية ، وهو يبدأ الاهتمام بالجنس الآخر إلى أبعد الحدود ، مهما كانت العوائق ، وينطلق المراهق الشاب لتكوين فكرة متفوقة على الآخر عن ذاته ، فيها الكثير من الخيال والرومانسية.
إنها مرحلة التغير الشامل للسلوك الاجتماعي الحقيقي ، ونضج هذا السلوك أو بعده عن المصداقية والصحة معاً ، قياساً على تقاليد المجتمع. وكم هو مهم تأثير المجتمع في بلورة شخصية المراهق !
الشباب والنمو العقلي:
بالنسبة للنمو العقلي يجب التأكيد أن العقل ينمو كما تنموا كل الأعضاء الجسمية في هذه المرحلة ، لهذا ظهر في علم النفس مصطلح العمر العقلي ومعه العمر الزمني ، أي تناسب عمره مع مقدرته العقلية وذكائه ، وعلى هذا الأساس بنيت مقاييس الذكاء العالمية.
وقد لوحظ أن الذكاء لدى الإنسان ينمو سريعاً في الطفولة ويتباطأ في ذروة المراهقة لأسباب معروفة ، تدخل حركة نمو الأعضاء والانشغالات الجنسية فيها ، علماً أن هذا النمو يتوقف في مرحلة ما ، لم يستطع العلماء تحديدها ، ليبدأ بالانحدار في الشيخوخة وصولاً إلى أرذل العمر عند البعض عندما تشيخ خلايا الدماغ.
وكل هذا يتأثر بالبيئة المحيطة مجتمعاً وأسرة ووسائل إعلام ، وكل ما يشارك في عملية التربية والتأثير.
في المراهقة يمكن لنا أن نكتشف اختلافات النمو العقلي لدى الأفراد جلية واضحة ، هنا يتحدد المبدع والمتخلف ، وهنا نلاحظ أن الشباب يتَّسم بنضج الانتباه لديه ، بينما كانت هذه الملكة محدودة جداً في مرحلة الطفولة ، وكذلك تنضج المقدرة على التذكر والتعامل مع كل ما هو منطقي ، فهي مرحلة التجريد والانطلاق من المحسوسات نحو المجردات المحضة كالفلسفة والرياضيات والعمل الاجتماعي المرتبط بمفاهيم مجردة كالإنسانية ، والكرامة والدين .
أبرز سمات المرحلة:
التخيل المبدع وأحلام الهواء يقظة ومناماً ، الحلم والتفوق جذرا المراهقة والشباب ، ومعهما يتصاعد التفكير المبدع والعبثي معا بما في ذلك احتقار الموت ، وينخرط الإنسان في تأمل مديد بحثاً عن إدراك العلاقات بين مكونات الكون والحياة ، وتساهم المناهج المدرسية في إنضاج هذه الملكات الناشئة ، وخاصة التجريبية منها ، ذلك أن المراهق يبحث دائماً عن مطابقة ما هو مكتوب مع ما هو واقع في محيطه ، وهنا تبرز لديه مسألة العلو والمثاليَّة جلية مؤرقة، وتتداخل العوامل الثقافية في تحديد سلوكه في الحياة وتلعب العائلة دوراً بالغ الأهمية في هذا الموضوع.
المراهقة صراع انفعالي بالغ التأثير على حياة الإنسان ، فيها يتأرجح الإنسان بين قطبي الانفعالات ، حيث أن لا حل وسطاً عنده .
بين التهور كقطب أعلى للشجاعة وبين الجبن والهروب ، بين المثالية المفرطة والواقعية الباردة، بين الغيرية والأنانية، بين الغضب وفورانه أو الاستسلام ، وبين التراجع أمام القوي، بين التدين الصوفي والحيرة المطلقة .
المراهق يخاف العقاب الإلهي ، وهو ما اكتسبه من موروثه الثقافي ، فالدين موروث عالمي لدى كل الشعوب ، متقدمها ومتخلفها ، والله سبحانه حقيقة يعتبرها الفلاسفة العقلانيون إحدى مكونات العقل ذاته ، لهذا يجدر بنا ملاحظة ذلك الصراع الداخلي عند المراهق الشاب في هذا الموضوع سعياً لمساعدته على إيجاد حلول مقنعة لمساعدته على التكيف وبناء واكتشاف شخصيته التي تعينه على مصاعب الحياة.
فكثير من الشباب يلجأون إلى الدين لحل مشكلاتهم المتفاقمة ، لكنهم غالباً ما يأخذون الدين مظهراً احتياطياً ، خاصة في المجتمعات الشرقية وتقاليدها الكابتة للجنس ، بحيث يلجأون إلى التبرير (IIZATION RATIONAL) كإحدى آليات الدفاع النفسي ، لاختراق التقاليد الدينية بما يعتبر أنه يحظى برضى الله .
المراهق يتأرجح بين قطبي الاعتداد بالنفس وعدم الثقة بها، والطرفان موجودان فيه بقوة، وقد يميل إلى استضعاف واحتقار ذاته بدافع من أسباب اجتماعية (أسرية وإعلامية وسياسية) .
لهذا يجب على المجتمع مؤسسات وأسرة ، مراقبة هذا المراهق حتى لا يتحول إلى عنصر معاد ومؤذ لمحيطه الاجتماعي ، فمن هذه المرحلة قد تنبعث نزعات التدمير والعداء والعصابات والانحراف بكل أشكالها وأهم ذلك الاعتداء على الآخر والسرقة.
المراهق يجب أن يعامل كرجل وأن يحترم رأيه ، لهذا فهو يحب في محيطه كل من يعامله كذلك ، وبهذا يستطيع القائد أن يسيطر على أتباعه الشباب ، وإلا انفضوا عنه ، فالقمع مع المراهق ليس بذي جدوى حتى ولو كان هناك تعويض بديل من المال أو السلطة ، والانضباط الذاتي أهم بكثير عند تلك الشريحة من البشر من التطويع القسري ، وذلك يبدو واضحاً جلياً في اندفاع الشباب نحو الموت بدافع من التوحد بالقائد المحبوب ذي الخلفية الأيديولوجية ، فالمراهق حيوان أيديولوجي حتى وإن بدا مظهر سلوكه عبثياً.
هذه المرحلة بكل ما فيها من اضطراب وقلق وعدم استقرار ، تؤثر فيها القدوة الصالحة بالسلوك تحديداً ثم بالقول وليس العكس ، ويجدر بنا التذكير أن هناك عوامل جنسية بالغة الأثر في هذا التوحد وفي سلوك الانحراف أيضاً ، وهو ما يجب أن يتنبه له الأهل والمربون ، علماً أن المراقبة اللصيقة واللطيفة معاً ضرورية جداً ، حتى في ظلال رغبة المراهق في الاستقلال عن أسرته ورفض تقاليدها ، وتتم بالترافق معها استغلال وقت فراغ الشاب المراهق بالهوايات المفيدة والحوارات البناءة ، والتدرج للسعي لحل كل المشكلات التي تواجهه من قبل الأسرة أو البدائل .
ويتم تصعيد المشكل الجنسي عبر التربية الجنسية (وهو أمر بالغ الصعوبة في مجتمعاتنا الشرقية) وتوفير الهوايات المفيدة للتصعيد ، علماً أن العمل المنظم : تجمعات وحلقات وأندية تعتبر أحد وسائل هذا التصعيد الجنسي باتجاه العمل المبدع ، وغالباً ما لا تتوفر إلا هذه الوسيلة في المجتمعات النامية ، بعكس المتقدمة منها ويرمي المجتمع إلى دفع الإبداع في مجالات أرحب ، كالرياضة والكتابة ، والفنون بأنواعها ، وتلك ميزة المتقدم منها على التخلف (النامي) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتب مقيم في دمشق.