السكوت عن جريمة الإساءة إلى النبي مۆشّر التراجع الإنساني

ليس لدينا في هذا العالم، كأمّةٍ إسلاميّة، شعوباً وحكومات، أفراداً ومجتمعات، عرباً وعجماً، أغلى من رسول الله الأعظم محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم..

بل من دون هذا الرجل فنحن ـ حقّاً وحقيقة ـ لا نمتلك من رصيد الحضارة شيئاً.. فالعرب المسلمون دون هذا الرجل ليسوا إلّا أعراب الجاهليّة، أعراب الجهل والعصبيّة، والعجم المسلمون أيضاً دون هذا الرجل هم عبدة النار والأوثان....

من دون التوحّد حول مائدة محمّدٍ رسول الله (ص) نضحي نحن المسلمين، مجرّد مجتمعاتٍ ممزّقة، موبوءة، تنهشها الأمراض الاجتماعيّة، والمفاسد الأخلاقيّة، والتقاليد البدائيّة، مجرّد مجتمعاتٍ متخلّفة تقبع في القعر من المجتمعات البشريّة، لا يُذكر لها ذكر في مجالات العلم والمعرفة والفكر والثقافة، ولا يُحسب لها حساب..

من دون التحلّق تحت راية محمّدٍ رسول الله، فنحن الدول والأنظمة الإسلاميّة ـ الآن كما في زمن الجاهليّة ـ مجرّد قبائل وعشائر تتلاطمها القوى الكبرى، (الروم والفرس سابقاً، والغرب والشرق حاليّاً)، وتتقاذفها فيما بينها، وتقذف بعضها ببعض، على حسب مصالحها ومطامعها.

وللذي لم يصدّق ذلك حقيقةً، نحيله إلى حال الأنظمة العربيّة اليوم، تلك الأنظمة العشائريّة القمعيّة التي تتسوّل اليوم الرضا الأمريكيّ، ولو على حساب شعوبها وأمّتها، ولو على حساب قضايا الأمّة الكبرى، كقضيّة القدس وفلسطين، أو قضيّة حماية الدين والمقدّسات في وجه حملات الإساءة والاستهزاء وانتهاك الحرمات والاعتداء على الكرامة الإسلاميّة أو الإنسانيّة العامّة.

لقد أمرنا الله تعالى نحن المسلمين بأن نتّبع النبيّ (ص) ونتأسّى به، ونقتدي بهداه، وهذه التبعيّة المطلوبة هي التبعيّة في كلّ شۆون الحياة، لا على المستوى الفرديّ الخاصّ فحسب، بل على المستوى الاجتماعيّ العامّ وفي أوسع نطاقه أيضاً، وإنّما تتّسع دائرة هذه التبعيّة، وهذا التأسّي إلى هذا الحدّ، بسبب أنّ هذا الإنسان العظيم، هو نفسه، ليس أسوةً في أقواله فقط، بل في أفعاله، وفي نمط عيشه، وفي كيفيّة معاشرته للناس، وفي إدارته لأسرته، وفي كيفيّة تعامله مع أصحابه، وفي كيفيّة التعاطي مع الأعداء والذين هم من أتباع غير هذا الدين، وفي سلوكه مع الضعفاء والأقوياء؛ فهو الأسوة الحسنة، وهو القدوة في كلّ شيء، وفي كلّ المجالات التي يمكن للإنسان أن يحتاجها في حياته الاجتماعيّة.

ومن هنا نقول، إنّ المسلم منّا إنّما يكون مسلماً بالمعنى الكامل للكلمة حينما ينطبق سلوكه الفرديّ والاجتماعيّ على سلوك النبيّ (ص)، كما أنّ مجتمعاتنا وحكومات الإسلاميّة إنّما تكون مجتمعاتٍ وحكومات إسلاميّة بالمعنى الكامل للكلمة حينما ينطبق سلوكه على سلوك دولة النبيّ (ص)، وعلى سلوك المجتمع كما يريده النبيّ (ص).

إنّ هذه الهجمة على النبيّ الأكرم (ص) ليست جديدة، بل هي قديمة جدّاً، وتعود إلى أيام الجاهليّة، وآنذاك ـ كما الآن أيضاً ـ شنها اليهود والمستكبرون في الأرض، ولكن بالرغم من ذلك، فإنّ دعوة الحقّ التي جاء بها (ص) انتشرت وعمّت الآفاق والأرجاء، وإنّ صورة سيّدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم بقيت، وستبقى، مشرقةً، بهيّة، ورائعة مهما حاول المشكّكون تشويهها، وبقي، وسيبقى، كلام سيّدنا محمّد (ص) أجمل وأعذب كلام، مهما حاول الملحدون أن يفعلوا، وكذلك سيبقى نور القرآن ونور الله مضيئاً برّاقاً مهما حاول المبطِلون إطفاءه بأفواههم. يقول تعالى:(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32-33].

ومن هنا نقول: إنّ مطالبتنا المسلمين والمسيحيّين وأحرار العالم اليوم، في الوطن العربيّ وفي العالم على حدٍّ سواء، بأخذ موقف جامع، حازم، وموحّد، في رفض ما يحدث من محاولات الإساءة إلى النبيّ الكريم (ص)، ليست مطالبةً لهم بذلك من باب الدفاع عن رسول الله (ص)، أو من باب الحرص على تحسين صورته... كلّا.. فهو (ص) ليس بحاجةٍ إلى ذلك منّا، فلقد عظّم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه (ص)، ورفع ذكره، حيث قال عز من قائل في سورة الانشراح: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)... ومن رفع الله ذكره، ومن جعل الله له نوراً، فلن يستطيع هۆلاء المنحطّون، أن يُنزلوا شيئاً من ذكره الحسن، ولا أن يطفئوا ذلك النور... وإنّما نطالب بذلك دفاعاً عن الإنسانيّة نفسها، ولأجل أنّ السكوت عن مثل هذه الجريمة يُعدّ مۆشّراً خطيراً على انحدار مستوى الإنسانيّة عند المجتمعات البشريّة، وأنّ الإنسان المعاصر قد غدا اليوم أقرب من أيّ زمنٍ مضى إلى حالة البهيميّة والافتراس والتوحّش.

إنّ التعرّض للرسول الكريم هو تعرّض للتاريخ العربيّ والإسلاميّ، وهو تعرّض للحضارة الإنسانيّة، وهذا ليس تعدبا على شخص الرسول (ص) فحسب، بل هو تحدٍّ لله سبحانه وتعالى... وسينصر الله نفسه ونبيه إن شاء الله... وقد قال تعالى: (إنّا كفيناك المستهزئين).