القرآن يتكلم عن أهلُ البيت عليهم السلام (1)

مقدّمة

لا شكّ أنّ القرآن الكريم نزل بالكليّات والمُجمَلات والإشارات، وهي تحتاج إلى بيانات يُمتحَن بها المسلمون في إيمانهم وتسليمهم وتصديقهم، فإن قَبِلوها استناروا بها واهتَدَوا إلى سبيل الحقّ، ووُفِّقوا للعمل الصالح المقبول، والموقف العقائدي السليم.
ومن هنا ـ أيّها الإخوة الأعزّة ـ كانت الضرورة في مراجعة المعاني الرفيعة المُفسِّرة للآيات الكريمة، والإيضاحات المبيّنة المرويّة عن رسول الله وأهل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وكذا ما بثّه بعض الصحابة ممّا سَمِعوه عن بيت الرسالة والوحي، فرَوَوه للناس، فيبقى على مدى الدهر حُجّةً قائمةً لا تُنكَر، لا تَخفى ولا تُغيَّر.. حيث أثبت ذلك كتب المسلمين على اختلاف المشارب والمذاهب.
وهذه بين يَدَيكم ـ إخوتنا الأكارم ـ مقتطفات من تلك الروايات والأخبار الواردة في ظلّ الآيات الشريفة، والناطقة بفضائل أهل البيت ومناقبهم وخصائصهم سلام الله عليهم.
« إِهْدِنَا الصِّراطَ المُستَقيم » [ الفاتحة:5 ]
• روى الحافظ الحسكاني النيسابوري، الحنفيّ المذهب ( وهو من أعلام القرن الخامس الهجري ) في كتابه ( شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام ج 1 ص 57 ـ 58 )، بإسناده عن أبي بُرَيدة في قوله تعالى: « إهدِنا الصراطَ المستقيم »، قال: صراطُ محمّدٍ وآله. وعن ابن عبّاس قال: يقول تعالى: قولوا ـ معاشرَ العباد ـ إهدِنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم.
« هُدىً لِلمُتَّقِينَ * الَّذينَ يُؤمنونَ بِالغَيب » [ البقرة:2 ـ 3 ]
• روى الحافظ الشيخ سليمان القُندوزي، الحنفيّ المذهب، بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: دخل جَندَلُ بنُ جُنادة بن جُبَير اليهودي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسأله عن أشياء ( حتّى أسلم على يد رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديثٍ طويل جاء فيه أنّه سأل النبيَّ عن أوصيائه، فعدّهم صلّى الله عليه وآله، إلى أن قال: )
« فبعده [ أي بعد الحسن العسكريّ عليه السلام ] ابنُه محمّدٌ يُدعى بالمهديّ والقائم والحجّة، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً. طُوبى للصابرين في غَيبته، وطوبى للمقيمين على محبّتهم، أولئك الذين وصَفَهم الله في كتابه وقال: « هُدىً للمتّقينَ * الذين يُؤمنونَ بالغيب »... » إلى آخر الحديث الشريف. ( ينابيع المودة لذوي القُربى ج 3: ص 283 ـ 285 / ح 2 ـ الباب 76 ).
« فَتَلقّى آدمُ مِن ربِّهِ كلماتٍ فَتابَ عَلَيه » [ البقرة:37 ]
• روى السيّد هاشم البحراني في كتابه ( غاية المرام 174:4 ) عن النَّظَنْزي ـ من علماء السنّة ـ في ( الخصائص ) أنّ ابن عبّاسٍ روى أنّ آدم سأل ربَّه: يا ربّ، خلقتَ خَلْقاً هو أحبُّ إليك منّي ؟ قال: نعم، ولولاهم ما خلقتُك! قال: يا ربّ، فأدْنِهم. فأوحى الله عزّوجلّ إلى ملائكة الحُجب أن ارفعوا الحجب، فلمّا رُفعَت إذا آدم بخمسة أشباحٍ قُدّامَ العرش، قال: يا ربِّ، مَن هؤلاء ؟ قال: يا آدم هذا محمّدٌ نبيّي، وهذا عليٌّ أمير المؤمنين ابنُ عمّ نبيّي ووصيُّه، وهذه فاطمة بنتُ نبيّي، وهذانِ الحسن والحسين ابنا عليٍّ ووَلدا نبيّي.
ثمّ قال: يا آدم، هُم وُلْدُك. ففرح بذلك، فلمّا اقترف الخطيئة قال: يا ربّ، أسألك بمحمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين لمّا غفرتَ لي. فغفر له، فهذا الذي قال الله تعالى: « فَتَلقّى آدَمُ مِن ربّهِ كلماتٍ ». إنّ الكلمات التي تلقّاها آدمُ من ربّه: « اللهمّ بحقّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسينِ إلاّ تُبتَ علَيّ »، فتاب الله عليه.
« وما ظَلَمُونا ولكنْ كانُوا أنفُسَهم يَظلِمون » [ البقرة:57 ]
• روى الحافظ القندوزي الحنفي بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام في ظلّ الآية الكريمة أنّه قال: اللهُ جلّ شأنه وعَظُم سلطانه ودام كبرياؤه، أعزُّ وأرفع وأقدس من أن يَعرِض له ظُلم، ولكن أدخَلَ ذاتَه الأقدس فينا أهلَ البيت، فجعَلَ ظُلمَنا ظُلمَه فقال: « وما ظَلَمُونا ولكنْ كانوا أنفسَهُم يظلمون ». ( ينابيع المودّة:358 ـ الطبعة القديمة ).
« وكذلك جَعَلْناكُم أُمّةً وَسَطاً لِتكُونوا شُهَداءَ عَلَى الناس » [ البقرة:43 ]
• روى الحاكم الحسكاني الحنفي بسنده إلى الإمام عليٍّ عليه السلام أنّه قال: إنّ الله إيّانا عنى بقوله تعالى: « لِتكُونوا شُهَداءَ علَى الناس »، فرسول الله شاهدٌ علينا، ونحن شهداءُ على الناس وحجّتُه في أرضه، ونحن الذين قال الله جلّ اسمُه: « وكذلك جعَلْناكم أمّةً وسطاً » ( شواهد التنزيل 92:1 ).
« يا أيُّها الذينَ آمَنُوا آدخُلوا في السِّلْمِ كافّةً » [ البقرة:208 ]
• روى أبو الفَرَج الأصفهاني ( الأُموي ) من عدّة طرق إلى الإمام عليٍّ عليه السلام أنّه قال: ولايتُنا أهلَ البيت. ( الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم للنباطي العاملي 296:1 )
« فَمَن يَكفُرْ بالطاغوتِ ويُؤمِنْ باللهِ فقدِ آسْتَمسَك بالعُروةِ الوثقى لآنْفصامَ لها، واللهُ سميعٌ عليم » [ البقرة: 256 ]
• عن أبي الحسن الفقيه محمّد بن عليّ بن شاذان في كتابه ( المناقب المئة: ص 72 ) من طريق العامّة.. عن ابن عبّاس قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول:
معاشرَ الناس، إعلموا أنّ لله تعالى باباً، مَن دخَلَه أمِنَ من النار ومن الفزع الأكبر. فقام إليه أبو سعيد الخُدري فقال: يا رسول الله، إهدِنا لهذا الباب حتّى نعرفه، فقال صلّى الله عليه وآله:
« هو عليُّ بن أبي طالبٍ سيّدُ الوصيّين، وأمير المؤمنين، وأخو رسول ربّ العالمين، وخليفة الله على الناس أجمعين. معاشرَ الناس، مَن أحبّ أن يتمسّك بالعُروة الوثقى التي لا انفصامَ لها فَلْيَتمسَّكْ بولاية عليّ بن أبي طالب؛ فولايتُه ولايتي، وطاعته طاعتي.
معاشرَ الناس، مَن أحبَّ أن يَعرِف الحُجّةَ بعدي، فليَعرِفْ عليَّ بن أبي طالب. معاشرَ الناس، مَن سَرّه أن يقتديَ بي، فعَلَيه أن يتوالى ولاية عليّ بن أبي طالب والأئمّةِ مِن ذريّتي؛ فإنّهم خُزّان علمي.