آيات.. ودلالات

• هنالك دَعَوات مشكورة، تنادي على المسلمين بحفظ القرآن وتلاوته وتجويد قراءة آياته، ولكنّها تبقى ناقصة، إذ يخرج الحفّاظ وقارئو كتاب الله عزّوجلّ على حالةٍ تلقينيّة، يتعلّمون طُرق الحفظ وأساليب التلاوة واختلاف القراءات التي ابتكرها المولَّدون، ولم يبذلوا جهداً في فهم المعاني السامية التي نزل بها القرآن الكريم، ولا الروايات الواردة عن النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم في بيانه وتفسيره وتطبيقاته وأسباب نزول آياته.. فكم كانت لنا خَتَمات للكتاب العزيز نمرّ فيها على آياته المباركة ولا نعلم لِمَ نزلت وفيمَن نزلت، إذ بعضها في أعداء الله والمنافقين، وبعضها في الأولياء والمؤمنين.
وهنا أحببنا ـ أيّها الإخوة الأعزّة ـ أن نذكر بعض الآيات الشريفة النازلة في وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، عليٍّ أميرالمؤمنين عليه السلام، نأتي برواياتها التي أوردتها مصادر المسلمين من غير المعتقدين بإمامته، ولكنّهم كانوا مقرّين بأفضليّته، حَكَمت بذلك كتبُهم وعقولهم، ثمّ كان لهم رأي ـ أو هوىً ـ آخَر.
1 ـ روى ابن أبي شيبة في (المصنَّف 376:7 / ح 32116) بإسناده عن مجاهد قال: قال عليّ: «إنّه لم يعمل بها (أي بآية المناجاة) أحدٌ قَبلي، ولا يعملُ بها أحدٌ بعدي. كان لي دينارٌ فبِعتُه بعشرة دراهم، فكنتُ إذا ناجيتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله تصدّقتُ بدرهم، حتّى نَفِدَت». ثمّ تلا هذه الآية: «يا أيُّها الذينَ آمَنُوا إذا ناجَيتُمُ الرسولَ فقَدِّموا بينَ يَدَي نَجْواكُم صدقةً» [سورة المجادلة:12]. (روى ذلك أيضاً: النَّسائي في: خصائص أميرالمؤمنين:129 ـ 130، والمحبّ الطبري الشافعي في: الرياض النضرة 170:2 وقال: أخرجه ابن الجوزي في: أسباب النزول، وفي 222:2، والحسكاني الحنفي في: شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 311:2 ـ 324 / ح 949 ـ 966).
2 ـ وروى الحافظ أبو نُعَيم في (حلية الأولياء 67:1) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال له: «يا عليّ، إنّ الله أمَرَني أن أُدنيَك وأُعلِّمَك لِتَعي»، وأُنزِلت هذه الآية: «وتَعِيَها أُذُنٌ واعية» [سورة الحاقّة:12]، «فأنت أُذُنٌ واعيةٌ لِعِلمي» (رواه أيضاً: الديلمي في: الفردوس بمأثور الخطاب 329:5 / ح 8338، والسيوطي الشافعي في: الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 26:6، والحسكاني في شواهد التنزيل 363:2 ـ 368 / ح 1008، والخوارزمي الحنفي في: المناقب:282 / ح 276).
ـ فيما روى الواحدي النيسابوري في (أسباب النزول:294 ـ في خاتمة الآية)، وابن المغازلي الشافعي في (مناقب عليّ بن أبي طالب:319 / ح 364)، والحافظ ابن عساكر الدمشقي الشافعي في (تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 422:2 / ح 931)، والحسكاني في (شواهد التنزيل 364:2 / ح 1009) عن بُريدة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ: «إنّ الله أمَرَني أن أُدْنيَك ولا أُقصِيَك، وأن أُعلِّمَك وتَعي، وحقّ على الله أن تَعي»، فنزلت: «وتَعِيَها أُذُنٌ واعية».
3 ـ وروى أحمد بن حنبل في (فضائل الصحابة 777:2 / ح 1374 ـ باب فضائل الحسن والحسين عليهما السلام)، والواحدي في (أسباب النزول:67)، والحاكم النيسابوري الشافعي في ( المستدرك على الصحيحين 150:3) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فباهَلَ بهم نصارى نجران، فكانت الآية المباركة: «فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثمَّ نَبتَهِلْ فنَجعَلْ لعنةَ اللهِ علَى الكاذبين» [سورة آل عمران:61]، ففسّرها المفسرون على نحو الإجماع أن (أبناءَنا) أُريد بِهم الحسن والحسين، و (نساءَنا) أريد بهم فاطمة الزهراء، و (أنفُسَنا) أُريد بهم عليّ صلوات الله وسلامه عليهم.
4 ـ وروى الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد 15:5 / الرقم 2365) بإسناده عن ابن عبّاس في قوله تعالى: «قُلْ بِفضلِ الله وبرحمتِه» [سورة يونُس:58] قال: «بِفَضلِ الله» النبيّ صلِّى الله عليه وِآلهِ، «وبرحمتِه» عليّ. (ذكره كذلك: الذهبي في: ميزان الاعتدال 328:6 / الرقم 8160، والحسكاني في: شواهد التنزيل 352:1 / ح 365، وابن عساكر في: تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام عليٍّ عليه السلام 426:2 / ح 934).
5 ـ وروى الحافظ الحسكاني بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ليلةَ أُسرِيَ بي، ما سألتُ ربّي شيئاً إلاّ أعطانيه، وسمعتُ منادياً مِن خلفي يقول: يا محمّد، إنّما أنت مُنذِرٌ ولكلِّ قومٍ هاد، قلت: أنَا المنذر، فمَن الهادي ؟ قال: عليٌّ الهادي المهتدي، القائدُ أُمّتَك إلى جنّتيَ الغرّاءَ مُحجَّلين برحمتي» (شواهد التنزيل 385:1/ ح 403).
6 ـ وروى القرطبي في (تفسيره 256:15)، والگنجي الشافعي في (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب:233 ـ الباب 62)، وابن المغازلي في (مناقب علي: 269 / ح 317) عن مجاهد في قوله عزّوجلّ: «والَّذي جاء بالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه» [سورة الزمر:33] قال: «الذي جاءَ بالصِّدْق» محمّد صلّى الله عليه وآله، والذي صَدَّقَ به عليُّ بن أبي طالب.
7 ـ وروى الطبري في تفسيره (جامع البيان 15:12) عن عبدالله بن نجي، قال: قال عليٌّ رضي الله عنه: «ما مِن رجلٍ مِن قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان»، فقال له رجل: فأنت أيُّ شيءٍ نزل فيه ؟ فقال علي: «أما تقرأ الآية التي نزلت في هود ـ أي سورة هود ـ «ويَتْلُوه شاهدٌ مِنْه» [سورة هود:17]» (أورد ذلك أيضاً: السيوطي في: الدرّ المنثور 324:3 عن أبي نعيم وابن أبي حاتم وابن مردَوَيه، وابن المغازلي في: مناقب عليّ:270 / ح 318 ، والجويني الشافعي في: فرائد السمطين 338:1 ـ عن الثعلبي).
ـ وروى الحاكم الحسكاني عن ابن عبّاس مرّةً وعن أنس بن مالك أخرى، أنّهما قالا: «أَفَمَن كانَ على بيّنةٍ مِن ربِّه» هو النبيّ ـ أو: محمد صلّى الله عليه وآله، «ويَتْلُوه شاهدٌ مِنه» هو عليُّ بن أبي طالب، كان ـ واللهِ ـ لسان رسول الله إلى أهل مكّة في نقض عهدهم مع رسول الله صلّى الله عليه وآله. (شواهد التنزيل 365:1 ـ 366 / ح 381 ـ 383).
8 ـ وبإسناده إلى أنس بن مالك، روى الخطيب البغدادي أنّه قال: لمّا نزلت سورة التين على رسول الله صلّى الله عليه وآله فرح لها فرحاً شديداً حتّى بان لنا شدّة فرحه، فسألْنا ابنَ عبّاس بعد ذلك عن تفسيرها، فقال (ثم يذكر أنس تفسير السورة المباركة عن لسان ابن عبّاس حتّى يصل إلى قوله تعالى:) «فَما يُكذِّبُك بَعدُ بالدِّين» قال: عليُّ بن أبي طالب، «أَليسَ اللهُ بأحكَمِ الحاكمين» أي: بَعثَك فيها نبيّاً وجمَعَكم على التقوى يا محمّد. ( تاريخ بغداد 97:2 / الرقم 493 ـ ترجمة محمّد بن بيان بن مسلم الثقفي).
9 ـ وروى الواحدي في ( أسباب النزول:248)، والقرطبي في (تفسيره = الجامع لأحكام القرآن 247:15)، والمحبّ الطبري في (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى:88) بأنّ الآية الشريفة: «أفَمَن شَرَحَ اللهُ صدَرهُ للإسلام فَهُو على نورٍ مِن ربِّه» نزلت في حمزةَ وعليّ، فعليٌّ وحمزة ممّن شرح الله صدره. وأنّ قوله تعالى: «فَويلٌ للقاسيةِ قلوبُهم مِن ذِكْرِ الله» [سورة الزمر:22] نزلت في أبي لهبٍ ووُلده الذين قَسَت قلوبهم عن ذِكر الله.
10 ـ وروى محمّد بن جرير الطبري في (جامع البيان في تفسير القرآن 264:30) بإسناده عن محمّد بن عليّ، قال: لمّا نزل قوله تعالى: «أُولئك هُم خيرُ البَرِيّة» [سورة البيّنة:7]، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «أنت يا عليّ وشيعتُك» (رواه كذلك: حافظ السيوطي في تفسيره: الدرّ المنثور 379:6، كما رواه بهذا المضمون كلٌّ من: الگنجي الشافعي في: كفاية الطالب:245، والحافظ الحسكاني في: شواهد التنزيل 459:2 ـ 473 / ح 1125 ـ 1148 بأسانيد وطرق متعدّدة).
ـ كما روى الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل 461:2 / ح 1126) بإسناده عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية: «إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلوا الصالحاتِ أُولئك هُم خيرُ البَريّة» قال النبيّ صلّى الله عليه وآله لعليّ: «هوَ أنت وشيعتُك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مَرْضيّين، ويأتي عدوُّك غِضاباً مُقْمَحين».
قال عليّ: «يا رسول الله، ومَن عدوّي؟ »، قال: «مَن تبرّأ منك ولعَنَك»، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن قال: رَحِمَ اللهُ عليّاً، يرحمه الله» (رواه الحسكاني أيضاً عن: يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب عليٍّ عليه السلام، وعن جابر بن عبدالله الأنصاري، والإمام الباقر عليه السلام، وأبي برزة، وبُرَيدة بن حصيب الأسلمي، وعبدالله بن لهيعة، ومُعاذ بن جبل، في: شواهد التنزيل أيضاً 459:2 ـ 473 / ح 1125 ـ 1148. كذلك روى ذلك السيوطي في: الدرّ المنثور 79:6، وأشار إليه سبط ابن الجوزي الحنبلي ثمّ الحنفي في كتابه: تذكرة خواصّ الأمّة:54 ـ نهاية الباب الثاني).
• وهذه الآيات، وهنّ محكمات، وكذلك الروايات والبيانات، وهنّ عند مذاهب المسلمين موثَّقات، كلُّها حججٌ بيّنات.. على مَن يدّعون أنّهم يتعبّدون بموروثاتهم المذهبيّة، ويلتزمون بما جاء في عيون مصادرهم ومراجعهم الحديثيّة، وقد أوردنا غيضاً من فيض ممّا نقلوه وَروَوه ووثّقوه هم، فلماذا يُغضّ عن فضائل أميرالمؤمنين، ولماذا لا يكون ما أوردناه دلائلَ على أفضليّته وأحقّيّته بما يُستفاد من الآيات والأحاديث الشريفة وقد بلغن العشرات، وفي بعض الأخبار المئات من الآيات، فضلاً عن آلاف الروايات. وذلكم عليٌّ عليه السلام مفخرة الوجود، وليّ الله، وحبيب رسول الله، وناصر الإسلام، ويكفي ما يرويه محدّثٌ حنفي المذهب، هو الشيخ سليمان القندوزي في كتابه (ينابيع المودّة لذوي القربى 141:3 ـ الباب 65) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «معرفةُ آلِ محمّدٍ براءةٌ من النار، وحبُّ آل محمّدٍ جوازٌ على الصراط، والولاية لآل محمّدٍ أمانٌ مِن العذاب».