أهل الكِساء

روت لـنا الطُّهْرُ بنتُ المصطفى خَبَرا    بِـنَقلِ خـيرِ ثِـقاتٍ كـان مُعتَبَرا(2)
تـلك الـبتولُ التي قَدْراً سَمَت، ورَقَتْ        عِـزّاً، بـخدمتها جِـبريلُ قـد فَـخَرا
قـالت: أتـاني أبـي يـوماً وقال: أيا        بِـنْتاهُ لـلضُّعفِ في جسمي أرى أثَرا
فـقلتُ: يـا أبـتي باللهِ عُـذْتُك مِـن        ضـعْفٍ دَهـاك، فمِنه القولُ قد صَدَرا:
غَـطّي بُـنيةُ جـسمي بـالكساءِ، ومُذْ        غَـطّيتُه صِـرتُ مـنه أُكْـثِرُ النَّظَرا
إذا مُـحـيّاه تـحـكي الـبدرَ طـلعتَهُ        فـي لـيلةٍ بـتمامِ الـنورِ قـد ظَهَرا
فما آنقَضَت ساعةٌ حتّى أتى « حَسَنٌ »    وبـالـسلامِ ابـتداني مـنه مُـبتشِرا
ومُـذ رَدَدتُ سـلامي قلتُ: يا ثَمَرَ الْ        فـؤاد أهـلاً ومَـن لي أصبَحَ البَصَرا
فـقـال: إنّـي أشُـمُّ الـيومَ رائـحةً        كـأنّها عِـطرُ مَـن أُسْـرِي به سَحَرا
فـقلتُ: جَـدُّك ذا تـحت الكسا، فأتى        مُـسـلِّماً واقـفـاً لــلإذنِ مُـنتظِرا
فـجاء إذْنُ دخـولٍ لـلزكيِّ مِـنَ الْ        جَــدّ الـنبيِّ وبـالإكرامِ قـد ظَـفَرا
وما انقَضَت ساعةٌ حتّى أتى ولدي السْ    سِـبْطُ الـشهيدُ وبـالتسليمِ قـد بَـدَرا
وقــال: رائـحةً فـي الـدار طـيّبةً        أشُـمُّ، تُـعطي لِعطرِ المصطفى صُوَرا
فـقلتُ: جَـدُّك ذا والـمجتبى حـسنٌ        تـحت الـكساءِ، فـراحَ السِّبطُ مُنُحدِرا
نـحو الكساء.. ومُذ بالمصطفى بَصَرا    أهـداه مـنه سـلاماً لـلهمومِ بَـرى
وقـال: هـل يـأذَنُ الجَدُّ الرسولُ بأن        مـجـالساً لـهما تـحت الـكساء أُرى
فـجاءه الإذنُ مِـن خيرِ الورى، وأتى        مِـن بـعدِهِ مَـن به الإسلامُ قد نُصِرا
ذاك الـوصـيّ.. وحـيّـاني تـحيّتَهُ        وقـال: عِـطرُ أخي في دارنا آنتَشَرا!
فـقلتُ: مَـعْ وَلَـدَيك المصطفى آلْتَحفا        بـذا الـكِساءِ الـيمانيِّ الـذي ازدهرا
فـجاء حـيدرةٌ يَـهدي الـسلامَ إلـى        أخـيه ذي الآيـةِ الـعظمى الذي كَبُرا
مُـستأذناً مـنه فـي أن يَدْخلَنّ إلَى الْ        كـساءِ الـذي لَـهُمُ قـد كـان مُدََّخَرا
أجـابَه: آدخْـل أخي، قالت: فجئتُ أنا        مِـن بَـعدِ مـا دخلوا والبيتُ قد زَهَرا
وقـلتُ مِـن بـعدِ مـا سَلّمتُ: يا أبتي        هـل أدخُلَنْ معكم تحت الكساءِ تَرَى ؟
وبـعد أن دخَـلَت والـخمسةُ اكـتملوا        تـحت الـكسا وبِهِم ذاك الكِسا آبتَشَرا
نـادَى الإلـهُ بـسكّان الـسَّما وبـالْ        مـلائِـك سـامعينَ الأمـرَ إن أمَـرا:
وعـزّتي وجـلالي مـا خـلقتُ سَـماً        ولا ثَــرىً، لا ولا شَـمساً ولا قَـمَرا
ولا سَـرَى الـفُلْكُ فـي بحرٍ ولا فَلَكٌ        فـي الـجَوِّدارَ، ولا بحرٌ تَرَون جَرى
إلاّ لِـحـبِّ كـرامٍ خـمسةِ اجـتمعوا        تـحت الكِسَا الكونُ فيهم قد غدا نَضِرا
فـقال جـبريل: يـا ربَّ الـعبادِ ومَن        تـحت الكِسا ؟ فأصغى كلُّ مَن حَضَرا
فـقال: مَـن بـيتهم فـيه الـنبوّةِ مَن        هُـم لـلرسالةِ أضـحَوا مَـعدِناً ذُخِرا
هـمُ فـاطمُ الـطُّهْرُ وآبـناها ووالدُها        وبَـعلُها حـيدرٌ مَـن شَـرّفوا مُضَرا
فـقال جـبريلُ لـلباري: أتـأذنُ لـي        أن أهـبطنّ لاِغـدو سـادسَ الأُمَرا ؟
أجـابه: آهـبِطْ، فـجاء الرُّوحُ ممتثلاً        يَـهدي الـسلامَ إلى خير الورى بَشِرا
وقــال: يُـقْرِئُك اللهُ الـسلامَ وبـالْ        إكـرامِ خَـصَّك يـا مَـن بـلَّغَ النُّذُرا
وبـالـجلالةِ آلـى مـا خـلقتُ سَـماً        أو بدرَ أو شمسَ بل ما قد دَحَوتُ ثَرى
ولا جـرَى الـبحرُ في الدنيا وسار بِهِ        فُـلْكٌ ولا فَـلَكٌ فـي الـخافقَينِ سَرى
إلاّ لأجـلِـكُمُ، والإذنُ مِـنـه بَــدَتْ        لـي بالدخولِ، فهل لي ذاك أنت تَرى ؟
أجـابه: آدخُـلْ معي فيهِ، ومُذ دَخَل الْ    كِـسا الأمـينُ وفـي قُـرباهُمُ افتَخَرا
« أضـحـى يُـبـلّغُ أنّ الله طَـهّرَكُم        وأذهَبَ الرِّجسَ عنكم مَن بَرَى البَشَرا »
فـقال حـيدرُ: مـا فضلُ الجلوسِ لنا        تـحت الـكسا يا رسول الله ؟ مُختَبِرا
أجـابـه: والـذي بـالحقِّ أرسَـلَني        ثـمّ آصـطفاني نَجِيّاً، ما رَوَى الخَبَرا
بـمَحْفِلِ الأرض جـمعٌ فـيه شـيعتُنا        ومَـن لـه مـخلصاً أضحى ومُنتَصِرا
إلاّ وأنــزل ربُّ الـخَـلْقِ رحـمتَهُ        عـلـيهمُ، فـعَـلَيهِم خـيـرُه آنْـتَثَرا
وفـيـهمُ كَـرَمـاً حَـفّـتْ مـلائكةٌ        واسـتغفرت لـهمُ، فـالذَّنْبُ قـد غُفِرا
فـقـال حـيـدرةٌ: فُـزْنـا وشـيعتُنا        وربِّ ذا الـبيتِ مَـن سَبعَ السَّما فَطَرا
وأقـسَمَ الـمصطفى مِـن بَعدِ ذا علَناً        بـأنّ حديثَ الكِسا في الأرض ما ذُكِرا
فـي مَـحْفِلٍ فـيه أشـياعٌ لـنا وبِهِم        مـهمومُ إلاّ وعـنه الـهمُّ قـد دُثِـرا
أو كــان مـغـمومَ أو داعٍ لـحاجتِهِ        إلاّ وفُــرِّج عـنـه الـغَمُّ وآنْـدَحَرا
فـأقسَمَ الـمرتضى: فُـزْنا وشـيعتُنا        كـما سُـعِدْنا، وهـم نـالُوا بنا الظَّفَرا
دُنـياً، ويـومَ يـقومُ الـناسُ أجـمعُهُمْ        لـربِّهم كـلُّهم قـد أشـخصوا البَصَرا

-------------

1 ـ هو السيّد محيي الدين بن محمّد جواد الموسويّ الغريفيّ، عالم جليل. وُلِد في النجف الأشرف سنة 1350 هـ، ونشأ فيها على يد والده، فقرأ المقدّمات الدينيّة والأدبيّة على أساتذةٍ أفاضل، ثمّ حضر الأبحاث العالية على السيّد محسن الحكيم والسيّد أبي القاسم الخوئي، وغيرهما. اشتغل بالتدريس حتّى تخرّج على يده جمعٌ من الفضلاء، كان زاهداً ورعاً، وشاعراً رقيقاً، وكانت له يد في نظم التاريخ. من مؤلفاته: آية التطهير في الخمسة أهل الكساء، والوقت والقِبلة في الفقه والهيئة. تُوفّي في بغداد سنة 1412 هـ ونُقل إلى النجف الأشرف فدُفِن هناك، وقد أرّخ وفاته السيّد عبدالستّار الحسنيّ بقوله:
أيُّ خَطْب دهى سُراةَ لُوَيٍّ
والبهاليلَ مِن بني ياسينِ
إلى أن يقول:
فانْدُبِ العلمَ يا مؤرِّخُ واكتبْ:
أثكَلَ الدِّينَ فَقْدُ مُحْيي الدينِ
2 ـ رواه الشيخ عبدالله البحرانيّ ( وهو محدّث جليل ) في كتابه ( عوالم العلوم ج 11 ) بثلاثين واسطة، هكذا: عن السيّد هاشم البحرانيّ ( صاحب: تفسير البرهان )، عن أستاذه السيّد ماجد البحرانيّ، عن ابن الشهيد الثاني ( الشيخ حسن )، عن المقدَّس الأردبيليّ، عن المحقّق الكركيّ، عن عليّ بن هلال الجزائريّ، عن ابن فهد الحلّي ( صاحب: عُدّة الداعي )، عن الشيخ عليّ بن الخازن الحائريّ، عن ابن الشهيد الأوّل ( الشيخ ضياء الدين علي )، عن والده الشهيد الأوّل ( صاحب: اللمعة الدمشقيّة )، عن ابن العلاّمة الحلّي ( فخر المحقّقين )، عن أبيه وأستاذه العلاّمة الحلّي، عن خاله وأستاذه المحقّق الحلّيّ ( صاحب: شرائع الإسلام )، عن أُستاذه ابن نما الحلّي، عن استاذه محمّد بن إدريس الحلّي، عن أبي حمزة الطوسي ( صاحب: الثاقب في المناقب )، عن أستاذه الشيخ محمّد بن شهرآشوب ( صاحب: مناقب آل أبي طالب )، عن الشيخ الطبرسيّ ( صاحب: الاحتجاج )، عن استاذه ابن الشيخ الطوسيّ، عن أبيه الشيخ الطوسيّ، عن استاذه الشيخ المفيد، عن أستاذه ابن قُولويه القمّي، عن الشيخ الكلينيّ ( صاحب: الكافي )، عن عليّ بن إبراهيم ( صاحب: تفسير القمّي )، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي نصر البَزَنْطي، عن قاسم بن يحيى الجلاّء الكوفيّ، عن أبي بصير، عن أبان بن تغلب، عن جابر الجُعفيّ، عن جابر الأنصاريّ، عن الصدّيقة فاطمة الزهراء سلامُ الله عليها.