لِمصائب الزهراء

لِمصائب الزهراء..

السيّد صالح الحلّي(1)


لمصائب « الزهرا » هجَرتُ المَضْجَعا         وأذَلْـتُ قـلبي مِـن جُـفوني أدمُـعا
أفَـكان مِـن حُـكْم الـنبيِّ وشَـرعِهِ         أن تُـضرَبَ الزهراءُ ضرباً مُوجِعا ؟!
أوصَـى الإلـه بِـوَصلِ عـترةِ أحمدٍ         فـكـأنّما أوصــى بـها أن تُـقطَعا
اللهُ مــا فـعـلوا بــآلِ نـبـيِّهِـم         فِـعْلاً لـه عـرشُ الإلـهِ تَضَعْضَعـا
قــادُوا عـلـيّاً بـعـدَه بِـنِـجـادِهِ         ومِـن الـبتولِ الطُّهْرِ رَضُّوا الأضْلُعا
أبْـدَوا عـداوتَهم لـها وعَـدَوا على         مـيـراثِها فـآبْـتُزَّ مـنـها أجْـمَعا
وإذا تـعـلّقتِ الإشــاءةُ لـم يـكن         عَـجَباً إذا قـاد الـذِّئابُ « سَمَيدَعا »
وضَـعَت وراءَ الـباب حَـملاً لم يكن         قـد آنَ لـولا عـصرُها أن يُـوضَعا
ومَـضَـوا لِـكافِلها يُـهَروِل طَـيِّعاً         لـولا الـوصيّةُ لـم يُـهَرْوِلْ طَـيِّعا
خـرَجَـت تَـعَثَّرُ خَـلْفَهم تَـدْعُوهمُ:         خَـلُّوا آبـنَ عَـمّي أو لأكشفُ للدُّعا
رجـعـوا إلـيها بـالسياطِ فـسَوَّدوا         بـالضربِ مـنها مَـتنَها كـي تَرجِعا
كـم أضـمَرَت مِـن عـلّةٍ وتجرّعَتْ         يـا لَـلهدى مِـن غُـصّةٍ لن تُجرَعـا
خـطَبَت.. فـما اتّعظُوا بخُطبتها، ولو         خَـطَبَت بـها صُـمَّ الصخورِ تَصَدَّعا
عـجباً لـهم عـزلوا خـليفةَ أحـمـدٍ         و « ضـئيلُ تَيم » صار فيهم مَرجِعـا
حـكـموا عـلـيه أن يُـكلِّمَهـا بـأنْ         تـخـتارَ وقـتـاً لـلبكا، أو تُـمْنَعـا
اللهُ أمّــةُ أحـمـدٍ قــد ضـيَّعَـتْ         مـا خـلّفَ الـهادي الـنبيُّ وأودعـا
قـال: آحـفَظوني في الكتابِ وعترتي     فَـهُما يَـضيعُ الـحقُّ مَـهما ضُـيِّعـا
أمّــا الـكـتاب.. فـمـزّقَتْه أُمـيّـةٌ         والـعترةُ الـهادونَ.. أضحَوا صُرَّعـا
وعَـدَوا عـلَى الـكرّارِ فـي محرابِهِ         وعـلَى الـزكيِّ سَـقَوه سُـمّاً مُـنْقَعا
وعـلَى الـحسين فـغادَرُوه بـكربـلا         شِـلْـواً بِـمُرهَفةِ الـسيوفِ مُـقَطَّعـا
لـكـنّما أدهــى مـصائبِ كـربـلا         أنْـسَت مـصائبُها الـمصائبَ أجْمَعـا
عـرِّجْ عـلَى البطحاءِ واندبْ هاشمـاً:     قُـومـوا؛ فـلِلمظلومِ كـنتُم مَـفْزَعا!

--------------

1 ـ هو السيّد صالح بن السيّد حسين الحسينيّ، وُلد في الحلّة سنة 1289 هـ ونشأ فيها، وبعد دراسته مقدّمات العلوم هاجر إلى النجف الأشرف ليواصل تعلّيمه على رجال الفكر والعلم، حتّى بلغ درجةً، قال فيه أحد الفضلاء أنّه فقيه مجتهد؛ إذ كان يصعد المنبر فيتكلّم شهراً كاملاً في المباحث الفقهيّة المتعلّقة بالزكاة ويُبدي رأيه فيها. ومنذ صغره كان السيّد صالح مولَعاً بالخطابة، حتّى إذا أحس بالقدرة عليها مارسها بطلاقة اللسان وقوّة البيان، وهو يحفظ مقطوعاتٍ كثيرةً من خطب نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه السّلام حتّى قيل فيه: هو خطيب العلماء، وعالِم الخطباء.
واجه الاحتلال الاجنبيّ للعراق وحرّك الجماهير، حتّى حُكم عليه بالنفي إلى الهند، فاستغاث بالشيخ خزعل الكعبي أمير خوزستان فأغاثه وخلّصه من أيدي السلطات البريطانيّة. دافع عن الشعائر الحسينيّة بحماس، وهاجم المضعّفين لها. له ديوان شعر مخطوط بعنوان: الباقيات الصالحات. تُوفّي في الكوفة سنة 1359 هـ، فحُمِل على الرؤوس تعظيماً له، ليُدفن في وادي السلام في ( مقام المهديّ ) حسب وصيّته.