لــي مُـقلةٌ بـدموعها عَـبْرى         وحُـشاشةٌ مِـن وَجْـدِها حَـرّى
وكـأنّ فـي الأحشاءِ نارَ غَضىً         أمـسَى الـهُيامُ يَزيدُها سَعْرا(1)
مــا إن صَـبا قـلبي لِـغانيةٍ         تَـهوى الـبِعادَ وتـألَفُ الـهَجْرا
لـكـنّني أبـكي مُـصيبةَ مَـن         بـمصابِها قـد أفْـنَتِ الـصبرا
أبـكي لِـمَن كـادت مـصيبتُها         تُوهي الجبالَ وتَصْدَع الصَّخرا(2)
بـنتُ الـنبيِّ أجَلْ.. وبَضعَتُه الْ         علياءُ، فـاقت مـريمَ الـعَذرا (3)
والـدرّةُ الـبيضاء مِن صَدَفِ الْ         عـلياءِ، فـاقت بـالسَّنا الـبَدرا

* * *

أمـسَـت بـماءِ الـوحي طـينتُها         مـعـجونةً، وكـفـى بـه فَـخرا
الـمـصطفى جـبـريلُ أطـعَـمَهُ         تُـفّـاحةً فــي لـيـلة الإســرا
فـتـكوّنت مـنها.. لِـذاك غَـدَت         بـيـنَ الــورى إنْـسيّـةً حَـورا
قـد أغـضبَ الـمختارَ مُـغْضِبُها         ويَـسُرُّ أحـمدَ مَـن لـها سَرّا(4)
لــم يُــرعَ فـيها أحـمدٌ عَـجَباً         حـتّى قَـضَت مكروبةً حَسرى!(5)
ولأيِّ حــالٍ فـي الـدُّجى دُفِـنَت         ولأيِّ حــالٍ أُلْـحِـدَت سِـرّا ؟!
دُفِـنَـت ولـم يَـحضَرْ جَـنازتَها         أحــدٌ.. ولا عَـرَفوا لـها قَـبرا
مــا كـان فـي تـشييعِ فـاطمةٍ         أجــرٌ فَـيَـغنَمَ مـسلمٌ أجْـرا ؟!
أفَـهَل سـواها كـان بـنت نَـبيْ         يٍ في الورى تحت السَّما الخَضْرا ؟!
أَم مِـثْـلُها بـيـن الـنِّـسا أحَـدٌ         فـي كـلِّ مَـن يمشي على الغَبْرا!

* * *

لـم يَـحْلُ مِـن بَعدِ النبيِّ لها         عـيشٌ، وأصـبحَ عَيشُها مُرّا
مـاتت بِـغُصّتِها وما ضَحِكَتْ         مِـن بَـعدِهِ حتّى مَضَت عَبْرى
مِن إرثِها مُنِعَت ومِن « فَدَكٍ »         ظُـلْماً، فـيا لِـلِمحْنةِ الكُبرى!
وشـهادةُ الـحسنَينِ إذ شَـهِدا         وأبـيهما.. مَـردودةٌ جَـهْرا!
كـانـوا بـأحكامِ الـنبيِّ هُـمُ         مِـن آل بـيتِ محمّدٍ أدرى ؟!
جَهِل الوصيُّ تُرى بما عَلِموا ؟!         حـاشا لـه بـالجهلِ هُم أَولى
والـمصطفى بـالعلمِ خَصّصَهُ         فـي الناس، لا زيداً ولا عَمْرا
والـذِّكرُ بـالميراثِ جاء وفي         تـفـصيلِهِ آيـاتُـه تَـتْـرى
فـي إرثِ يَحيى مِن أبيه، وفي         إرثِ ابـنِ داودٍ لـنا ذِكـرى
خـبـرٌ بـه راويـه مُـنفردٌ         تـركوا بـه الآيـاتِ والذِّكرا

* * *

يـا بنتَ مَن ربُّ السَّما شرفاً         لـلمسجدِ الأقـصى بِهِ أسْرى
وحـليلةَ الـكرّارِ مَن قَتَلَ الْ         أبـطالَ فـي أُحْـدٍ ومـا فَرّا
مَن تَرهَب الأرضونَ سَطْوتَهُ         فَـتَـهِمُّ بـالزلزالِ إن كَـرّا
مَـن كـان في بدرٍ وفي أُحُدٍ         وسِـواهُما بـفِعالِهِ بَـدرا ؟!
كـوني الشفيعةَ للذي عَظُمَتْ         منه الذنوبُ فأنقَضَت ظَهْرا(6)
ولَـطـالَما أنْـشـا بـمدحِكُمُ         مِـدَحاً سَـمَت وقصائداً غَرّا
ورِثــاؤُهُ وبـكـاؤُهُ لـكُـمُ         أنْسى خَناسَ ونَدْبَها صَخْرا(7)

* * *

يـا آلَ بـيتِ مـحمّدٍ بِكُـمُ         أنجو غداً في النشأة الأُخرى
إنّـي اتّـخذتُ وِلاكُـمُ وَزَراً         في محشري أمحو به الوِزْرا
حَسْبي بكم ذُخْراً إذا اتّخذَ ال         أقـوامُ غـيرَكُمُ لَـهُم ذُخْرا
لـم يـسألِ الـمختارُ أُمّتَـهُ         إلاّ مَـودَتَكُم لـه أجْـرا(8)

--------------

1 ـ الغَضا: شجرٌ من الأثل خشبُه صلب، وجَمرُه يبقى زمناً طويلاً لا ينطفئ. الهيام: الحبّ. سَعْراً: اشتعالاً.
2 ـ تُوهي: تُضعِف وتُوهن. تَصدع: تَشقّ.
3 ـ قيل للإمام الصادق عليه السّلام: قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: « فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة »، أسيّدةُ نساء عالَمِها ؟ قال عليه السّلام: ذاك لمريم، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخِرين. ( عوالم العلوم للشيخ عبدالله البحراني 49:18 / الرقم 11 ).
4 ـ في مصادر عديدة، منها: التبصير في الدين للإسفراينيّ ص 161: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ فاطمة بضعةٌ منّي، يَسرُّني ما يَسُرّها، ويَسُوؤني ما يَسُوؤها.
5 ـ حَسْرى: متحسّرة على ذَويها لِما سيُلاقونه من آلام وأحزان ـ كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله.
6 ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: حُبُّ فاطمة ينفع في مائةٍ من المواطن، أيسرُ تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة. ( فرائد السمطين للحموينيّ الشافعيّ 67:2 ).
7 ـ خناس: يريد بها الخنساء الشاعرة التي كانت طويلة البكاء على أخيها صخر.
8 ـ المجالس السَّنيّة للسيّد محسن الأمين 144:5.