أشعّ وأنورا

أشعّ وأنورا

 الشيخ عبدالحسين شُكُر(1)

مـا بـالُ أجفاني جَفَت سِنَةَ الكَرى         تَـرعَى الثُّريّا بعدَما رَوَتِ الثَّرى!
هـل شَـفَّها فَـتْكُ الـردى بأحبّةٍ         كانوا ليومِ كريهةٍ أُسْدَ الشَّرى ؟!(2)
كـلاّ، ولـكنْ قـد أذالَ دُمُـوعَها         يـومُ الـبتولِ وما عليها قد جرى
سـاؤوا أبـاها المصطفى.. لو أنّها         كـانت لِـقيصَرَ لم يُسيئوا قيصرا!
أضـحت لـظاميةِ الـرزايا مَورِداً         دونَ الأنـامِ.. ولـلفجائعِ مـصدرا

* * *

الـخُطوبِ الفادحات أعُدُّها ؟!         هـيهاتَ جَـلَّت أن تُعَدَّ وتُحصَرا
إضـرامُهم نـاراً عليها.. لم يَرَوا         إحـراقَ بـيتِ الوحي فيها مُنكرَا!
وتَقاعَسوا عن نصرِ فاطمَ مُذ أتَت         وعـن الـنبيِّ لـسانُها قـد عَبَّرا
أنَّـت هـنالك أنّـةً أبكَتْ بها ال         هـادي، وأبـكت قـبرَه والمِنبرا
ودَهَت.. فَلَو وَعَتِ الجبالُ دعاءها         كـادت لِـعُظْمِ الخَطبِ أن تَتفطَّرا
هـل أهلُ بيتٍ غيرُنا قد أذهَبَ ال         أرجاسَ عنهم ربُّهم أو طَهَّرا ؟!(3)
إنّ الـنـبوّةَ والـخـلافةَ بُـرْدَةٌ         فـيها المهيمنُ خَصَّنا دونَ الورى
كـذّبـتُمُ الـباري بـنا ورَوَيـتُمُ         في غَصبِ ميراثي حديثاً مُفْترى!
وكــذاك كَـذّبتُم شـهادةَ حـيدرٍ         جَـهْراً.. وكَـذّبتُم شَـبيرَ وشُبَّرا!

* * *

ثـمّ انْـثَنَت عَـبرى تَـجرُّ رداءها         تَـحكي بـمَشيَتِها الـبشيرَ الـمُنذِرا
مـا شأنُها غيرُ البكاءِ.. ومُذ قَضَت         شَـقَّـت عـليها جَـيبَها أُمُّ الـقُرى
فـمَن الـمُعزّي لـلرسولِ بِـبَضعةٍ         أوصـى بها، ومَن المُعزّي حيدرا ؟!
والـمُقْرِحُ الأجـفانَ والـمُدْمي لها         والـمُودِعُ الأحـشاءَ وَجـداً مُسْعَرا
يــومُ الـوَداعِ وضَـمُّها أبـناءها         يـا لَـيتَها عَـلِمَت عليهم ما جرى!
يـا لـيتَها نَـظَرت حـرائرَها وقد         سِيقَتْ على عُجْفِ المَطايا حُسَّرا!(4)
ورؤوسُ فِـتـيَتِها بـأطرافِ الـقَنا         كـالشُّهْبِ.. بـل كانت أشَعَّ وأنورا
صَـبْراً بـني الهادي على ما نابَكُم         مِــن مُـعظَمِ الأرزاءِ مِـمّا قُـدِّرا
فَـلَسوفَ يَـبزُغُ فـي سماءِ عُلاكُمُ         قمرٌ إذا دَجَتِ الغَياهبُ أسْفَرا(5)(6)

-------------

1 ـ أصل آل شُكر من عرب الحجاز، والشيخ عبدالحسين مِن مشاهير الأدباء والشعراء، وأكثر شعره في أهل البيت عليهم السّلام، يُقرأ من على المنابر الحسينيّة منذ عشرات السنين، وقد جمع ديوانَه الشيخ محمّد علي اليعقوبي. تُوفي عام 1285هـ.
2 ـ شَفَّها: أوهَنَها. الردى: الموت. يوم الكريهة: يوم المحنة. أُسد الشّرى: أُسد الحرب.
3 ـ إشارة إلى آية التطهير النازلة فيهم عليهم السّلام، كما ذكر: الترمذيّ في صحيحه 209:2، والطحاويّ في مشكل الآثار 335:1، وابن الأثير في أُسد الغابة 12:2، وغيرهم.
4 ـ عُجْف المطايا: ضعافها والهزيلة منها.
5 ـ إشارة إلى ظهور الإمام المهديّ المنتظر الموعود عليه السّلام.
6 ـ ديوان الشيخ عبدالحسين شكر ص 42.