الوحيِ فاطمةُ الزَّهرا

أطَـلَّت عـلى الـدنيا بطَلْعتِها الغَرّا         ولـيدةُ بـيتِ الوحيِ فاطمةُ الزَّهرا
كـإطـلالةِ الـفجرِ الـمُدِلِّ بـنُورِهِ         وكـم ساهرٍ في الحيِّ يرتقبُ الفَجْرا
وبَـشّرَ فـيها الـوحيُ عـند نزولِهِ         وبـاهى بها جبريلُ مُذ جاء بالبشرى
فـأشرقَ بـالنورَينِ بـيتُ خـديجةٍ         فنورٌ من الكبرى، ونورٌ من الصغرى

* * *

وقـد نـشَأَت بـنتُ الـنبيِّ مـحمّدٍ         مـبـاركةً إسـمـا، مُـعطَّرةً ذِكْـرا
ومَـن كان يدعوها « البتولَ » طهارةً     كـما دُعِيَت مِن قَبْلِها مريمُ العَذْرا(1)
وزوّجَـها مِـن صِـنْوِهِ وابـنِ عمِّهِ         فأعظِمْ بها زوجاً، وأعظِمْ به صِهْرا(2)
عـليٌّ أبـو السِّبطَينِ أفصحُ مَن رقى         ذُرى مِـنْبرٍ، أو خَطَّ في صفحةٍ سَطْرا
وأمـضى سـيوفِ اللهِ في كلِّ موقفٍ         بـه الفارسُ المِغْوارُ مِن هَلَعٍ فَرّا(3)
فَـسَلْ عـنه أُحْـداً والنَّضيرَ وخيبراً         وإن شـئتَ إدراك الـيقين فَسَلْ بَدْرا
وسَـلْ عـنه عَـمْراً والـوليدَ وعُتْبةً         ومَـن صُرِعوا في سيفهِ فَهُمُ أدرى(4)
ومَـن حَـضَنَ الإسـلامَ بـعد نـبيِّهِ         كـما تَحضِنُ الطيرُ التي تسكن الوَكْرا
حَـماهُ كـما تَـحمي الأُسـودُ عَرِينَها         مِن الكفر.. بل قد كان مِن أسدٍ أضرى
شـرى فـي سـبيلِ اللهِ نَـفْساً أبـيّةً         وعـاهَدَها أن لا تُـباعَ ولا تُـشْرى

* * *

فـيـالِدَةَ الإســلامِ والـبَـضْعة الـتي         بـهـا أودَعَ اللهُ الـقـداسة والـطُّـهْرا
وأُمَّ الإمـامَـينِ الـشـهيدينِ مَـن هُـما         أجَـلُّ وأعـلى الـناسِ فـي نَسَبٍ قَدْرا
« لـكِ اللهُ مِـن مـفجوعةٍ بـحبيبِها »     تَـشُمّ تـرابَ الـقبر في لهفةٍ عِطْرا(5)
هَـلُـمَّ إلــى الـتاريخ نَـسْبِرُ غَـورَهُ         ونُـوسِـعُه بـحـثاً ونُـعلِنُه جَـهْرا(6)
أمـا رُوِّعَـت فـي بـيتِها يومَ حُزنِها ؟!     أمـا حُـرِمَت إرثـاً ؟! أما دُفِنَت سِرّا ؟!
ومــا وَرِثَـتْـه عــن أبـيها وأُمِّـها         سَـمَت وتـعالَت فيه عن « فَدَكٍ » قَدْرا
« لِـسِرٍّ مِـن الأسـرار لا تـجهلونَهُ »     أُسِـيءَ إلـيها، لا بل أُريد بها شَرّا!(7)
وقـد نَـسَبوا الـقُربى إلـى غير أهلِها         ومَن وَلَد « الزهراءَ » لم يَلِد « الحَمْرا »!
ومَـن أغـضَبَ الـحوراءَ بـعد نـبيِّهِ         فـلـيس بـمعذورٍ وإن حـاول الـعُذْرا

-----------

1 ـ البتول: المُتبتّلة إلى الله تعالى، المنقطعة بالعبادة لبارئها جَلّ وعلا، فلا يقطعها عن ذلك ما يقطع النساء، فهي طاهرة مطهَّرة.
2 ـ الصِّنْو: النظير والمثيل، والأخ الشقيق. والصِّهْر: القريب بالزواج.
3 ـ المغوار: كثير الغارة، كناية عن الشجاع. والهَلَع: الخوف والجزع.
4 ـ عمرو بن عبد ودّ العامريّ، وقد أرداه عليه السّلام في الخندق. وعتبة بن ربيعة ( أخو هند زوجة أبي سفيان ) وابنه الوليد بن عتبة، وقد أرداهما أمير المؤمنين عليه السّلام في بدر.
5 ـ تشمّ تراب قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله ويكاد يُغمى عليها، ثمّ تفيق وتقول:
ماذا على مَن شَمّ تُربةَ أحمدٍ
ألاّ يَشمَّ مدى الزمانِ غَواليا
6 ـ نَسبر غورَه: نُخرج سرَّه.
7 ـ بل أُريدَ قتلُها لولا!