هي الدرّة الزهراء

علي محمّد الحائري(1)

أفـيءُ إلى النفسِ التي ما استَقَرّتِ         إذا احـتَدَمَت في خمرة اليأسِ آهَتي
أُنَـهْنِهُ مِـن موجِ الظنونِ وألتَجي         إلـى ساحلٍ ترسو به وُكْفُ عَبرتي
فـيا لَـك مِـن بـلواءَ مُرٍّ مَذاقُها         إذا مـا لُباناتُ النفوسِ استفزّتِ(2)
ويـا لـكِ مِـن ذكرى تَحُطُّ بكَلْكلٍ         على جُرحِ مسلوبِ الفؤادِ مُشتَّتِ(3)
فـتحتُ لـها كـلَّ الـكُوى فتدَفّقَت         بـأسخنَ مِـن نـارِ المعاناةِ مُقلتي
ورُحـتُ أرى الزهراءَ طيَّ عوالمٍ         مـن الـروح تستغشي دِثارَ رَزيّةِ
على المجتبى حَطّت يميناً، وأسنَدَت         حُسيناً إلى سَمْتِ الشمالِ ولَزّتِ(4)
مُـحرَّقةَ الأنـفاسِ والـهةَ الخُطى         تَـهَضّمَها رَيـبُ الـزمانِ بـعَسْفَةِ
وجَـشّمَها مـوتُ الـنبيِّ فَـوادحاً         مِـن الخَطْبِ سُدّت دونَها كلُّ وُجهةِ
هـيَ الدرّةُ الزهراءُ كانت ولم تَزَلْ         تَـغَوّلها الغَوّاصُ في بحرِ ظُلْمةِ(5)
وطـيُّ غَـيابات الـصدورِ عوالمٌ         مِن الدُّجنِ تُخفي من شموسِ الحقيقةِ
وعـند مَـجَسّاتِ اللُّهى تَعثُرُ النُّهى         وتَـهوي إلـى الدنيا معاييرُ قِمّةِ(6)
وإنّـــك إلاّ تَـرتـفعْ بـقـوادمٍ         مِن الخَلْق لم تَسْمُقْ إلى ظَهرِ قُلّةِ(7)
أتُـنتَزَعُ الـزهراءُ مِـن حُرِّ إرثها         بـمَزْعَمةٍ لِـيثَتْ على كلِّ ظِنّةِ(8)
وكــان سـليمانٌ لـداودَ وارثـاً         كـما فَـنّدَت خيرُ النِّسا رَثَّ حُجّةِ
فَـيا آبـنةَ خـيرِ الـوارثينَ محمّدٍ         نـبيِّ الهدى.. وُرِّثْتِ مِن فَيْءِ جَنّةِ
قِـصارٌ لـياليكِ الـتي كُـنّ بَعدَهُ         كـذاك قـصيراتٌ لـيالي الأهـلّةِ
وآيـاتُ طُـهْرٍ فيكِ بالذِّكرِ أُنزِلَت         وآلُـك نِـشوى مِن عبيرِ الفضيلةِ
هـنيئاً لـكِ الـبيتُ الموطّدَ ركنُه         نَـماه رسـولُ الله فـي كـلِّ لِبْنَةِ
سُـرادِقُ مِـن مـجدٍ يَطالُ عمودُهُ         سَـنا الـفجرِ إن عَمّت دَياجٍ وجَنّتِ
وبـحرٌ مِـن الإيـمان طـامٍ عُبابُهُ         إذا نَـضَبَت كـلُّ الـبحورِ وجَفّتِ

------------

1 ـ وُلد في كربلاء المقدّسة سنة 1352هـ في ظلّ أسرة علميّة، عَمِل معلّماً ومدرّساً، له آثار أدبيّة عديدة، وقد اتّصف شعره بالرصانة وحسن السبك وإشراقة الديباجة.
2 ـ لُبانات: جمع لُبانة، الحاجة من الهمّة لا الفاقة.
3 ـ الكَلْكَل: الصدر.
4 ـ لَزّت: شدّت وألصقت وألزمت.
5 ـ تغوّلها: اغتالها.
6 ـ مَجسّات اللُّهى: المَجسّة موضع اللمس، اللهى: جمع لَهاة، أي جوف الفم.
7 ـ لم تسمق: لم تَعْلُ. القُلّة: القمّة.
8 ـ الحُرّ: الطيّب من كلّ شيء. الالتياث: الاختلاط والالتفاف.