الحبلان الصاعدان
من لطف الله تعالى أن أنزل القرآنَ هادياً لنا ومبصِّراً ومنقذاً من الحَيرة والشكّ والضِّياع. يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: جعله الله رِيّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومَحاجَّ لطرق الصُّلَحاء، ودواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظُلمة.
وكما أنزل الله كتابه مدوَّناً مقروءً صامتاً.. جعل له عَديلاً وقريناً ناطقاً، يُحدِّث عنه، ويبيّن للناس حقائقه وحِكمَه وأسراره. وحقائق القرآن ـ أيها الاصدقاء ـ حقائق إلهيّة، وأسراره أسرار ربوبيّة.. لا يملك بيانَها إلاّ مَن عَرَف الله حقّ معرفته، وأطاعه حقّ طاعته، وكانت عبوديّته لله حقيقة العبودية. وليس هؤلاء الرجال القادة المقدّسون إلاّ من قال الحقُّ فيهم: إنّما يريد اللهُ ليُذهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيت ويُطهِّرَكُم تطهيرا .
يقول الإمام أمير المؤمنين عليّ بنُ أبي طالب عليه السّلام: إنّ الله تبارك وتعالى طَهَّرنا وعصَمَنا، وجعلنا شهداءَ على خلقه وحُجَّتَه في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا.. لا نفارقه ولا يفارقنا.
* * *
إنّ هذا التلازم والاقتران بين القرآن والعترة من أهل البيت.. ممّا قد بيّنه النبيّ الناصح الأمين صلّى الله عليه وآله. بيّنه للأمة في مناسبات شتّى وأوقات مختلفة؛ حرصاً منه على الهداية، وإرادةً لأن يفهم الناسُ القرآنَ من أهله العارفين به الذين خلفهم في أمّته قادةً وأئمةً ربانيّين.
نذكر هنا تصريحاً لجابر بن عبدالله، قال فيه: رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القَصواء يَخطُب، فسمعتُه يقول: يا أيّها الناس، إنّي قد تركتُ فيكم ما إن أخذتُم به لن تَضِلّوا: كتابَ الله وعترتي أهلَ بيتي. / رواه الترمذي.
هذا التوحّد الإلهيّ بين القرآن وأهل بيت صرّح به أيضاً زيد بن أرقم فيما رواه مسلم والدارمي وغيرهما، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أمّا بعد، ألاَ أيّها الناس، فإنّها أنا بشر يُوشِك أن أُدعى فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين، أوّلهما كتابُ الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. ثمّ قال: وأهل بيتي، أُذكرّكم اللهَ في أهل بيتي، أذكرّكم الله في أهل بيتي، أذكرّكم الله في أهل بيتي.
إنّ الأخذ بهذين الحبلَين الصاعدين هو ـ ايها الاخوة ـ سبيل النجاة، فإذا أردنا القرآن من الاستهداء بأهل البيت. ومتى جئنا أهل البيت وجدنا عندهم القرآن والخير كلَّه.