البرهان الذي جاء عن طريق القلب

البرهان الذي جاء عن طريق القلب

وما عَلَّمناهُ الشِّعرَ وما يَنبَغي له، إنْ هُو إلاّ ذِكرٌ وقرآنٌ مُبين (1).
تشير الآية إلى أنّ القرآن لا يشابه أوزان شِعر العرب، ولا يماثل كلام المخلوقين. إنّه معجزة المصطفى وبرهان رسالته ونبوّته.
مَن أتى مِن الأنبياء بمعجزة فإنما أتى بها عن طريق البصر.. لكنّ برهان نبوّة محمد العربي جاء عن طريق القلب. كلّ الأنبياء قدّموا معجزة ظاهرة: معجزة إبراهيم كانت النار التي لم تُحرقه وتحوّلت حديقة. ومعجزة موسى: العصا واليد البيضاء. ومعجزة عيسى: إحياء الموتى. هذه المعجزات كلّها كانت ظاهرة تراها العيون. بَيْد أنّ معجزة محمّد العربي: حديقة الأحبّاء المخلَصين، وروضة الثَّمِلين بشراب المحبّة: بل هُو آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الذينَ أُوتوا العِلم»ّ (2).
أجَل.. إنّ للمصطفى معجزات كثيرة تُشاهَد بالعيان، غير أنّ المراد أنّ موسى تحدّى بالعصا، وعيسى تحدّى بإحياء الموتى، والمصطفى صلوات الله وسلامه عليه قد تحدّى بكلام الله: فأتُوا بِسُورةٍ مِن مِثلِه (3).
عصا موسى ـ مع أنّها من صنع ربّاني ـ كانت من شجرة العَوسَج. ونَفَس عيسى ـ مع أنّه لطف أُودِع فيه ـ لكنّه على أيّ حال وديعة صدرِ بَشَر. يا محمد، إنْ ذهبتَ (إلى الناس) فلا تأخذ معك نَفَساً ولا عصا؛ إنّما تُتَّخَذ العصا للحمير، والنَّفَس للمرضى. أمّا أنت فخُذ (للناس) صفتي: القرآن المجيد، لتكون معجزتك صفتي لا صفة البشر.
ولمّا عجز الكفّار عن الإتيان بمثل القرآن.. جرّدوا ألسنتهم لطعنه، وقالوا عن المصطفى: إنّه شاعر، وساحر، وكاذب! حتّى قال له ربُّ العزّة يُسلّي فؤاده: فلا يَحزُنْكَ قولُهم (4).(253:8)

---------

1 ـ يس، الآية 69.
2 ـ العنكبوت، من الآية 49.
3 ـ البقرة، من الآية 23.
4 ـ يس، من الآية 76.