شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

توسّم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام

0 المشاركات 00.0 / 5

لا أعزّ في الإسلام من الرجل الطاهر الصادق(1). أوّل ما يُكرمه الله أن يفتح أمامه باب الفِراسه (التوسّم)، ويضيء مصباح المعرفة في قلبه.. حتّى يغدو ما هو «خير» بالنسبة إلى الآخرين «عياناً» بالنسبة إليه، وما هو لغيره «علم اليقين» يغدو له «عين اليقين».. فلا تَحدُث في العالَم حادثة إلاّ ويطّلع قلبه عليها. قال المصطفى صلّى الله عليه وآله: (اتَّقوا فِراسةَ المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور الله).
وحول فراسة الأولياء.. روي أن أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام وضع قدمه يوماً في ركاب الفَرَس ليمضي إلى معركة(2)، فجاءه مُنجِّم وأمسك بركابه وقال:
ـ يا عليّ، نظرتُ في النجوم لأرى طالِعَك، فما وجدتُ ركوبَك اليوم يحالفه الظَّفَر.
فقال عليّ عليه السّلام.
ـ ابتَعِدْ عن ركابي! أوَضَعَ حيدر الكرّار(3) قدمه في الركاب لتأخذ أنت بركابه وتمنعه ؟! أُغرُبْ عنّي، فإنّ ما أراه ليس أدنى تأثيراً من الشمس في الفلك. إذا كان الفلَك قد أُدير لغرض.. فنحن إنّما نتحرّك لغرض أيضاً. ومَن كانت دقائقه حقائق، وثوانيه السَّبعَ المَثاني، وبَوصَلتُه قلبه.. أيكون رأيه أدنى مِن رأيك ؟! أنا ثابت على قولي، ولن أخرج للحرب إلاّ اليوم؛ فقد علمتُ بفراستي الباطنية أنّه لن يُقتَل من عسكري إلاّ تسعة؛ واللهِ لا يكونون عشرة، وسيُفلِت من عسكر العدوّ تسعة؛ واللهِ لا يكونون عشرة(4).
ولمّا خرج حيدر من الحرب.. رأى عزيزاً من أعزّائه قد قُتِل، وآخَرَ وآخر، حتّى اكتمل عددهم تسعة. وكان مصير عسكر المتمرّدين أن قُتِلوا جميعاً إلاّ تسعة فَرّوا من شفرة سيف حيدر.
من هذا يتبيّن لك أن تأثير قلب العبد المؤمن أكبر من تأثير الفلَك في السماء (758:2 ـ 759).

----------

1 ـ فسّر الميبدي هاتين الخصلتين بقوله: شرط العبودية أمران: الطهارة والصدق: الطهارة من كلّ ما يدنّس الدين، كالبخل والرياء والحقد والشَّرَه والحرص والطمع. والصدق في كلّ ما يَزِين الدين، كالسخاء والتوكل والقناعة والصدق والإخلاص.(257:2)
2 ـ عَرَض هذا المنجِّم لأمير المؤمنين عليه السّلام عند مسيره إلى النَّهرَوان. لاحظ مثلاً: فَرَج المهموم في تاريخ علماء النجوم، للسيّد عليّ بن طاووس ص 57.
3 ـ حيدر: من أسماء الإمام عليّ عليه السّلام، والكرّار من صفاته في بطولته وشجاعته الفريدة.
4 ـ لمّا عزم أمير المؤمنين على حرب الخوارج، وقيل له: إنّ القوم عَبَروا جسر النهروان.. قال عليه السّلام:مَصارعُهم دُونَ النُّطفة، واللهِ لا يُفلِتُ منهم عَشَرَة، ولا يَهلِكُ منكم عَشَرَة. قال الشريف الرضيّ: يعني بالنطفة ماءَ النهر. وهي أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيراً جدّاً. نهج البلاغة ص 26، الخطبة 59.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية