النجاة من البئر

 .. وجاءَتْ سَيّارة (1)
اصطنع اللطف الإلهيّ ليوسف البِئريّ(2).. أنّه أخذ يتضرّع إلى الله ـ مِن قعر البئر ـ ويستغيث، بقلب مليء باللوعة وروح زاخرة بالحسرة؛ لِما اشتمل عليه من العجز والمسكنة ووحشة الانفراد. قال:
ـ إلهي، يا شارح القلوب، يا هادياً إلى السبيل، يا كثير الاحسان، يا كريم، يا لطيف، يا رحيم، يا جميل الفِعال.. ما ضَرَّ لو تَمنُّ على هذا القلب المُتعَب، وتفتح لي باباً من رحمتك ؟!
كان يبكي ويتضرّع وهو يبوح بآلامه وحاجته بين يدَي الله الغني. ولمّا حلّ آخر الليل.. انتهَت الشدة والوحشة. وتنفّس صبح الوصال من مطلع السرور.. فجاءت قافلة (سيّارة).

عَسَى الكربُ الذي أمسيتُ فيهِ   يكونُ وراءه فَرَجٌ قريبُ
قلت لقلبي: لا تفكّر يا قلب   فسيَحلّ مشكلتنا حلاّلُ المشكلات

    

كانت القافلة تمشي في طريق القوافل على مهل. وعلى حين غَرّة.. عُمِّي عليها الطريق ووقعت في مَتاهة، فاتّخذت سبيلها إلى البئر! كانت هذه المتاهة تَعدِل مئة ألف طريق! وكان (ضياع القافلة) داءً هو خيرٌ من مئة ألف دواد!
إنّ مَثَل هذا مَثَلُ ما شوهد عيسى ذاهباً إلى دار المرأة الفاجرة. قالوا له:
ـ يا رُوحَ الله، ما هذا موضعك! ما الذي أتى بك إلى هذه الدار ؟!
قال:
ـ كنت ذاهباً في السَّحَر إلى الصخرة لمناجاة الله.. فعُمّي علَيّ الطريق، وصرتُ إلى دار هذه المرأة.
كانت هذه المرأة معروفة في بني إسرائيل بغير العفاف. لكنّها لمّا رأت عيسى (في دارها) علمتْ أنّ لله بها شُغلاً.. فهَوَت على التراب تبكي وتتضرّع، وأقلعت عن طريق الخيانة، ودخلت في محلّة الفلاح.
قيل لعيسى: أردنا أن تَسحب هذه المرأة بحبل أحبّائنا، ولهذا أعدناها إليك (41:5 ـ 42).

-------

1 ـ يوسف، من الآية 19.
2 ـ منسوب إلى البئر الذي أُلقي فيه.