حمد الله وشكره

 قُل: الحمدُ لله (1)
اعلَم أنّ مقامات طريق الدين نوعان:
نوع هو مقدّمات لا تُراد لذاتها.. كالتوبة، والصبر، والخوف، والزهد، والمحاسبة، والتجرّد عن العلائق (2). وهذه كلّها وسائل لهدفٍ آخر وراءها.
ونوع آخر يقال له: المقاصد والغايات.. تراد لذاتها، مثل: المحبّة، والشوق، والرضا، والتوحيد، والتوكل. وهذه كلّها مقصودة في نفسها لا لتكون وسيلة لشيء آخر.
من هذ النوع الثاني: حمدُ الله جلّ جلاله، وشكره والثناء عليه.. فهذا كلّه يراد لذاته. وما كان مراداً لذاته فهو في القيامة باقٍ في الجنة لا ينقطع أبداً. وهذا الحمد هو ما قال عنه ربّ العزّة في وصف أهل الجنة: وآخِرُ دَعواهُم أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين (3) و الحمدُ للهِ الذي أذهَبَ عنّا الحَزَن (4).
وفي الغد حين يُمَدّ إيوان الكبرياء (الإلهي) ويُنشر بساط العظَمة ـ في ساحة القيامة ـ ينادي المنادي:
ـ لِيَقُم الحمّادون.
فلا يقوم في تلك الساعة إلاّ مَن كان في كل أحواله وأوقاته ملازماً لحمد الله والثناء عليه، فهو شاكر لله يقابل حقّ كل نعمة بالشكر.
والعبد المتحقِّق بمقام الشكر والحمد.. فيه ثلاث خصال. الأُولى: العلم، والثانية: الحال(5)، والثالثة ـ: العمل.
الأوّل: العلم، ومن العلم يتولّد الحال، ومن الحال يصدر العمل.
العلم معرفة أنّ النعمة من الله جلّ جلاله، والحال سرور القلب بهذه النعمة.
وإليه الإشارة بقوله عزّوجلّ: فَبِذلك فَلْيَفرحوا (6). واستعمال العمل نعمة متى كان فيه ما يريده الله وما يرضاه. وإليه الإشارة بقوله: إعمَلوا آلَ داودَ شُكراً (7) (245:7 ـ 246).

-------

1 ـ النمل، أول الآية 59.
2 ـ التجرد عن العلائق: عبّر عنه الميبدي هنا بكلمة (الفقر). والفقر: إعراض القلب عن الزوائد والفضول، وخلاص الخاطر من قيود التعلق بغير الله سبحانه، وطمأنينة البال في التفرّد عن الخلائق، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: (الفقر فخري).
3 ـ يونس، من الآية 10.
4 ـ فاطر، من الآية 34.
5 ـ الحال معنى يَرد على القلب دونما تعمّل واكتساب، وهو إما أن يكون حال فرح أو حال حزن (بسط وقبض).
6 ـ يونس، من الآية 58.
7 ـ سبأ، من الآية 13.